عبد احلليم منصوري

املالمح األسطورية يف رواية احلوات والقصر للطاهر وطار

"دراسة نقدية أسطورية "

- 2 -

املقــدمــة

، باعتبارها ظاهرة ثقافية ، بؤرة اهتمامات معرفيـة (Le mythe)شكلت األسطورة . (mythologie)يف ظهور ما نصطلح عليه بعلم األسـاطري شىت وبلغ هذا االهتمام ذورته

ومل يكن احلقل األديب مبعزل من تأثريات األسطورة ، بل كان أشد احلقول ارتباطـا ـا وتبلور ذلك يف رؤية نقدية حتاول أن تتشكل منـهجيا يف . وانفتاحا عليها ، إبداعا ونقدا

الـذي يسـعى إىل اسـتقراء (mythocritique)ما نسميه اليوم باملنهج النقدي األسطوري نصوص أدبية وظفت عناصر أسطورية للوقوف على جتلياا ، وإبراز مجلة املطاوعات اليت

.خضعت هلا العناصر األسطورية املوظفة ومالحقة إشعاع هذه العناصر يف النص مـا ويعترب النقد األسطوري حديث النشأة قياسا بغريه من املناهج النقدية ، ورغم

بلغته الدراسات النقدية األسطورية الغربية من تقدم، فإن الساحة النقدية العربيـة تكـاد تكون خلوا من هذا املنهج رغم الكم اهلائل من النصوص اإلبداعية العربية اليت وظفـت

.األساطري شعرا ونثرا ربـة وانطالقا من هذه الرؤية ، ورغبة يف االستفادة من آليات هذا املنـهج يف مقا

نصوص أدبية عربية ، والتأسيس لوعي نقدي أسطوري عريب ، حاولنا مقاربة نص عريب وفق آليات هذا املنهج ، غري أن املشكلة اليت صادفتنا يف البداية تعلقت باختيـار مدونـة

أي األعمال أصلح للمقاربة وفق هذا املنهج ؟ : البحث ، إذ برزت لدينا عدة تساؤالت

- 3 -

ة أقرب للتطبيق عليها ؟ وما هي املربرات املنهجية اليت ستحكم عملية وأي األجناس األدبي االختيار ؟

وبعد عملية استقراء ، وقع االختيار على نص روائي من األدب اجلزائري ، يتمثل ويعود اختيارنا هلذا املوضوع إىل االعتبارات . للطاهر وطار " احلوات والقصر " يف رواية

:التالية .قاربات نقدية تستثمر آليات املنهج النقدي األسطوري يف الساحة العربية انعدام م- 1 الرغبة يف استثمار آليات هذا املنهج يف مقاربة نص روائي باعتبار أن عصرنا عصـر - 2

رواية ، فهي أكثر األجناس األدبية انفتاحا على الثقافة اإلنسانية ، وخباصة األسطورة اليت .م والتفسري ال تزال حباجة إىل الفه

حتصيل سبق نقدي قد حيسب لصاحل النقد اجلزائري احلديث ، انطالقا من مقاربـة - 3 .نص روائي جزائري مقاربة نقدية جزائرية

احلوات " اختيار الطاهر وطار باعتباره أحد أعالم الرواية اجلزائرية ، واختيار روايته - 4 .بلة للتناول النقدي وفق منهج حديث ملا تتيحه للباحث من رؤى إشكالية قا" والقصر :أما النتائج املتوخاة من هذا البحث ، فهي

التأسيس لوعي نقدي أسطوري على الساحة النقدية اجلزائرية والعربيـة ، وذلـك - 1 .دف فتح الطريق أمام مقاربات نقدية أسطورية الحقة

جزائري ، حىت يكون للنقد استثمار آليات املنهج األسطوري يف مقاربة نص روائي - 2 .اجلزائري فضل السبق والريادة

حتويل ما ميكن أن يوجد من عناصر أسطورية يف نص احلوات والقصر من ظـواهر - 3 .معطاة إىل ظواهر مبنية وفق منهج علمي

الوقوف على مجاليات التوظيف األسطوري يف حالة استكشاف هذا التوظيف داخل - 4 .النص الروائي

- 4 -

د عملية اختيار املدونة ، برزت عدة تساؤالت منهجية جديدة تتعلق بكيفيات وبع وبعد استقراء املدونة وتصنيف العناصـر . استثمار آليات املنهج يف مقاربة النص املذكور

األسطورية املوظفة، طرحت مسألة حتويل هذه العناصر األسطورية من وجود بـالقوة إىل منهجية تكون انسجاما بني ما يوفره النص وما يتيحـه وجود بالفعل ، يتأسس على رؤية

:املنهج ، فجاء عنوان البحث موسوما للطاهر وطار " احلوات والقصر " مالمح أسطورية يف رواية « »مقاربة نقدية أسطورية :ويرتكز هذا العنوان على منطلقني

1 - ا يف نسيجه ، مما جيعلها تأخذ حتول العناصر األسطورية داخل النص الروائي وتسر .مالمح دالة ال أساطري أصلية تفصيلية

اعتبار املدونة نصا أدبيا جيعل من العناصر األسطورية توظيفا مجاليا قابال للقراءة أكثر - 2 .من كوا ظواهر عقدية قابلة للتصنيف

حـول ونظرا ملا متثله خطة البحث من أمهية منهجية ، برزت تساؤالت جديـدة كيفيات تبويب هذه العناصر األسطورية وتصنيفها وفق خطة منهجية تراعي طبيعة املدونة

وبعد أخذ ورد منهجيني ، وقفنا على خطة رأيناها األقرب منهجيا ملقاربـة . واملنهج معا .النص وفق املنهج املذكور ، فقسمناها إىل مقدمة ومدخل وفصلني وخامتة

: املدخل- 1

يكون إطارا نظريا للبحث ميكن أن حييط ببعض التساؤالت املنهجية اليت حاولنا أن تتعلق باملناحي النظرية ، منها مسائل املصطلح والتعريف واملنهج ، إذ سنحاول فيه مقاربة مفهوم األسطورة ، وسنتعرض إىل إشكالية مصطلح األسطورة ذاته ، وما يتجاذبه مـن

ملفهوم عربيا وغربيا ، مث سنعرض إلشكاالت أنواع تيارات معرفية ، وسنحاول مالحقة ا

- 5 -

بعدها . األسطورة ، ووظائفها وخصائصها ، وسنحاول إبداء وجهة نظر خاصة كل مرة سنحاول تتبع منهج النقد األسطوري بالوقوف على أبرز حمطاته وأهم أعالمه ، وتفصيل

.خطواته مالمح األساطري الشرقيةعنوانه : الفصل األول-

كما يظهر من العنوان ، سنحاول رصد العناصر األسطورية ذات املرجعية الثقافية و العدد سبعة األسـطوري ، أسـطورة : الشرقية اليت أدى استقراء املدونة إىل حصرها يف

، أسطورة البطل ، أسطورة تعدد اآلهلة ، أسطورة القرابني ، أسـطورة (Osiris)أوزيريس ، أسطورة التحول واالنسالخ ، للوقوف على جتلياا وتشكالا االنتقال إىل العامل اآلخر

داخل النص ، وسنلجأ كل مرة إىل تتبع أصوهلا األسطورية ، مث تشكالا يف الـنص ، مث .سنحاول الوقوف على مجاليات التوظيف األسطوري هلذه العناصر

مالمح األساطري الغربية عنوانه : الفصل الثاين-

لفصل األول ، سنحاول مالحقة العناصر األسطورية ذات املرجعيـة وعلى غرار ا أسطورة برومثيوس ، وأسطورة سيزيف ، وأسطورة أوديـب ، : الثقافية الغربية ، وهي

وأسطورة القضاء والقدر ، وأسطورة اخلنثى ، وأسـطورة األمازونيـات ، وأسـطورة توظيف األسطوري هلـذه وسنحاول يف آخر الفصل الوقوف على مجاليات ال . بيجاسوس

.العناصر األسطورية الغربية . سنحاول فيها اإلجابة على جممل التساؤالت اليت طرحناها يف املقدمة : اخلامتة -

وفيما يتعلق مبصادر البحث ومراجعه ، اعتمدنا على رواية احلوات والقصر مدونة أما فيما . راء والتصنيف ومصدرا مبفهوم منهجي صارم، فكان النص الروائي مدار االستق

- 6 -

(Pierre Brunel)يتعلق باملنهج ، فاعتمدنا أساسا على كتاب النقد األسطوري لبيار برونال ، وأنـدري يـولس (Northrop Frye)بصفة خاصة ، إىل جانب أعمال نورتروب فـراي

(André Jolles) وهي على التوايل :(Littérature et mythes) و (Formes simples). أما مراجع البحث األخرى ، فتنوعت بني كتب مقدسة وموسـوعات ومراجـع

كانت من ترمجة ) غري املترمجة ( عربية وأجنبية ، ونشري هنا إىل أن ترمجة املراجع األجنبية .الباحث

وقد اعترض سبيل هذا البحث مجلة من العوائق ، تتمثل يف تشعب املادة األسطورية ينية ، واملراجع األجنبية اليت تشتت عمل الباحث ، ونـدرة الدراسـات بني املصادر الد

.املتعلقة باملنهج النقدي األسطوري ، إذ ميكن اعتبار هذا البحث حماولة تأسيسية وما كان هلذا البحث أن يرى النور لوال توجيهات املشرف األستاذ الدكتور عبـد

لرؤية ، وكان لنا خري عـون يف املنـهج ايد حنون ، الذي شق لنا الطريق ووضح لنا ا والرؤية دون أن يبخل علينا بالنصائح واملراجع والتحفيز ، فله منا أمجل الشكر وأصـدق العرفان ، وأخلص االمتنان ، كما ال يفوتين أن أتقدم بشكري اجلزيل إىل كل من قدم يل

.م يد املساعدة يف إجناز هذا البحث من زمالئي وأساتذيت وإرادة القس

- 7 -

:املدخل مفهومها : األسطورة

وأنواعها ومناهج البحث فيها : مفهوم األسطورة- 1

. تتميز املعرفة اإلنسانية، على اختالف حقوهلا وجماالا، بتحديد موضوعاا ومنهجها ـ ها ، فتحديد املوضوع ال يتم إال مبعرفة الظاهرة املدروسة ، ومعرفة الظاهرة يعين إدراك ماهيت

وعليه ، كانت مسألة التعريف واملفهوم واملصطلح مـن . وحتديد خصائصها اجلوهرية املميزة أوليات التفكري العلمي الذي يهدف إىل حصر الظاهرة بعزهلا عن الظواهر اليت تتقاطع معها يف

.بعض اخلصائص العرضية عـائق معـريف ومن هذ املنطلق ، يعد حتديد مفهوم األسطورة ، وضبط تعريفها أول

أوهلما تداخل األسطورة : إىل أمرين -يف نظرنا -يواجه الباحث يف علم األساطري ، ومرد ذلك مع ظواهر أخرى كاخلرافة ، وامللحمة ، والقصة البطولية ، والقصة الشعبية، تـداخال جيعـل

يف جماهلا وثانيهما تعدد االختصاصات اليت تم باألسطورة ، حيث تلتقي . التمييز بينها صعبا حقول معرفية متنوعة ، كاألنثروبولوجيا ، وعلم االجتماع ، وعلم النفس ، وعلـم األديـان

.اخل ... واألدب وال شك أن هناك تساؤالت عديدة بشأن األسطورة من حيث ماهيتها ، ومغزاهـا ،

وع ولذا يصعب أن نقف عند تعريف دقيق وشامل لألسطورة ، يف ضوء ذلك التعدد وذلك التن املعريف الذي متثله املشارب اإلنسانية عرب األزمنة واألحقاب ، من منطلقـات ورؤى فكريـة

.متعددة

- 8 -

: األسطورة لغة-وقـال الزجـاج يف قولـه تعـاىل « ] س ط ر [ يف مادة " لسان العرب " ورد يف

ذي جاء به أساطري األولني ، خرب البتداء حمذوف ، املعىن وقالوا ال } وقالوا أساطري األولني { وقـال . )1( »أسطورة، كما قالوا أحدوثة وأحاديث : معناه سطّره األولون ، وواحداألساطري

أحاديث ال نظام هلا واحدا إسطار وإسـطارة : واألساطري . أباطيل : األساطري « : كذلك .)2( »بالكسر ، وأسطري وأسطرية وأسطور وأسطورة بالضم

اللغويني من العرب أن األسطورة من سطر ، إذا كتب ، ومنـه سـطر ويرى قدماء ن ، والقلم وما يسطرون ، ما أنت { : ويف الترتيل . كتبه : الكتاب يسطره سطرا ، واستطره

، أي )4(}والطور وكتاب مسطور يف رق منشور { : ، وفيه كذلك )3(} بنعمة ربك مبجنون القرآن الكرمي إال يف صيغة اجلمع أو مضافة إىل لفظ يف" األساطري " ومل ترد كلمة . مكتوب

وقالوا أساطري األولني ، اكتتبـها { : وقد وردت يف تسع آيات ، منها قوله تعاىل . األولني " تـوحي مبـدلوالت التـدوين " سطر " وعليه فإن مادة . )5(} فهي متلى عليه بكرة وأصيال

.والتسجيل ، كما توحي مبعاين األباطيل ويرى بعض العلماء املعاصرين من مشارقة . جاء بأحاديث تشبه الباطل : سطر فالن و

بالداللة اليت نعرفها ، يوناين األصل ، دخل العربية الحتكاك " أسطورة " ومستشرقني أن لفظ مبعىن حكاية ، مث ارتبط معىن األسـطورة بـاحلكي ISTORIAالعرب باإلغريق ، مأخوذا من

.والسردواخلرافة

) ت . د ( ابن منظور ، لسان العرب احمليط ، إعداد وتصنيف يوسف خياط ، دار لسان العرب - ) 1 ] . سطر [ مادة

) ت . د ( بن منظور ، لسان العرب احمليط ، إعداد وتصنيف يوسف خياط ، دار لسان العرب ا- ) 2 ] . سطر [ مادة

.02 و 01: القلم - ) 3 .01: الطور - ) 4 .05: الفرقان - ) 5

- 9 -

: األسطورة اصطالحا -

إذا كان من املنطقي أن الظاهرة املدروسة تسبق العلم الذي يتناوهلا بالدراسـة ، فـإن ارتبطت بالوجود اإلنساين ذاته ، واكتسبت مدلوالت - باعتبارها ظاهرة إنسانية -األسطورة

م األساطري وإذا كان عل . تعكس درجة الفكر يف كل مرحلة زمنية من مراحل الوجود البشري مل يتحدد كعلم إال مع بداية القرن العشرين ، عندما نظر الفكر اإلنساين إىل األسطورة نظـرة موضوعية ، فحدد هلا موضوعا ومنهجا، فإن اإلنسان األول حاول أن جيسد فكره بوسـاطة معرفة أولية مل تعزل األسطورة عن مشاعره ووجدانه دون أن تتحول إىل موضوع ؛ ذلـك أن

ريه مل يكن ليسمح له بعزل الظواهر حىت يدركها إدراكا عقليا ، إذ مل يكن يفصـل بـني تفكفاإلنسان البدائي الذي حاول أن يفسر الظواهر الطبيعيـة الـيت : حدسه واستدالله البسيط

بسطت سلطاا عليه ، أنشأ فكرة جمردة ، فتحولت إىل موضوع خارجي وفـق التسلسـل :التايل

) . البيئة ( نفعايل الذي حيكم عالقات اإلنسان بوسطه الطبيعي الوعي اال- 1 هذا الشعور الواعي أو الوعي االنفعايل يؤدي إىل تكوين األفكار ، فتتراكم وتتكـاثر ، - 2

.وتنتظم كلما اتسع الوعي يف عمليات التجارب مع اخلارج وضع معاٍن هلا بواسـطة مضطرا إىل - مع تراكم األفكار يف ذهنه - جيد اإلنسان نفسه - 3

.)1(اللغة والصورة ، مث ما يتبع ذلك من دالالت خارج املعىن املباشر إىل الترميـز املوضـوعي ) الوعي االنفعال ( ومن هنا ، يتم االنتقال من الترميز الذايت

أا حيث يراه اإلنسان قوة جبارة ، وحيس ب : وميكن أن منثل لذلك بالرعد ) . وضع املعاين ( ظاهرة ال ميكن السيطرة عليها ، فيتأثر ا إجيابا أو سلبا من خالل الربق أو الصوت املدوي ،

مـن : فينشأ من كل ذلك تساؤل عن مفهوم الظـاهرة ... والصواعق ، واألضواء اخلاطفة وراءها ؟ ما الذي جعل الطبيعة تفعل ذلك ؟ هل هي مثله تنفعل وتغضـب ؟ إذن ال بـد أن

.20 - 19 ، ص 1997 ، دار عالء الدين ، دمشق 1 فراس السواح ، األسطورة واملعىن ، ط - ) 1

- 10 -

كائن أقوى من اإلنسان ميلك القدرة اهلائلة على السيطرة عليها ، وحيـاول بعـد يكون هناك ذلك جتسيد هذه األسئلة يف اخلارج ، فيضع هلا املعادل املوضوعي من الكائنـات الرامـزة ،

.والصور واألشكال املناسبة مـن (Mercea Iliade)" مرسيا إلياد " وهكذا ، نشأت األسطورة اليت تتكون حسب

واية أفعال قامت ا كائنات عليا، وتعترب هذه الرواية قصة حقيقية ومقدسة ؛ ألا حقائق من روتتعلق األسطورة دائما بشيء جديد ظهر إىل الوجود ، ويعـد هـذا . أعمال كائنات عليا

السبب الذي من أجله تكون األساطري النموذج املثايل لكل فعل بشـري ، " املخلوق"الشيء .)1(األسطورة على أصل األشياء كما تعرفنا

ويتأكد لنا االهتمام البالغ الذي شكلته ظاهرة األسطورة يف التفكري اإلنساين منذ أمـد ليس بالقريب، وبلغ هذا االهتمام ذروته يف القرن العشرين بفعل التطور العلمي املتأثر حبركـة

أمام الرتعة الوضعية اهلادفـة إىل االكتشافات ، وظهور املناهج احلديثة ، وتراجع املد الفلسفي علمنة الظواهر اإلنسانية ، إذ مل تكن األسطورة مبعزل عن هذا الزخم املعريف ، الذي كان وراء ظهور ما نصطلح عليه بعلم األساطري ، والذي نظر إىل األسطورة باعتبارهـا ظـاهرة قابلـة

ي مشكل وفق رؤى معرفيـة ، للدراسة العلمية ، أي حتويلها من معطى ثقايف إىل معطى علم إن األسطورة انتقلت من قيم اخلرافة إىل آفاق « :وهو ما يؤكده بشري زهدي ، حيث يقول

العلم ، وأصبح لألساطري علم يعرف بامليثولوجيا ، له علمـاؤه ، ومؤلفاتـه ، ومؤمتراتـه ، .)2( » ، وعلم إذ تتمثل يف األسطورة حماولة إدراك ، وفهم ، وتكوين معرفة... وأنصاره وإذا كان هذا الباحث يؤكد على علمية البحث األساطريي، باعتباره علما قائما بذاته

فهناك من الباحثني من جيعله أصال لكل العلوم واملعارف اإلنسانية ، من أمثال أمحـد كمـال ـ - مرة أخرى - األساطري يف الواقع علم قدمي ، بل أزعم « زكي ، الذي يرى أن دم أنـه أق

، دار كنعان للدراسـات والنشـر ، 1يا إلياد ، مظاهر األسطورة ، ترمجة اد خياطة ، ط مرس - ) 1 .21 ص ، 1991دمشق

بشري زهدي ، مقدمة يف امليثولوجيا ، جملة املعرفة ، وزارة الثقافة واإلرشاد القومي ، دمشق ، العدد - ) 2 .34 ، ص 1978 ، يوليو 197

- 11 -

دائما ببداية النـاس، (Myth)مصدر جلميع املعارف اإلنسانية ، ومن هنا ترتبط كلمة أسطورة .)1( »وببداية البشر قبل أن ميارسوا السحر كضرب من ضروب العلم أو املعرفة

وذهب مرسيا إلياد إىل الفكرة نفسها تقريبا، حيث ربط بني األسطورة واإلنسان عـرب أخبار تارخيية تروي بعض الوقائع واألحداث التارخيية اليت « ألساطري هيالتاريخ ، فأكد أن ا

.)2( »حصلت يف املاضي لبعض اجلماعات من البشر فوق بقاع األرض ويفتقر هذا التعريف إىل خصوصية القدسية اليت متيز األسطورة ، وتفرقها عـن بـاقي

ملنهجيـة املتعلقـة بتحديـد مفهـوم املظاهر اإلنسانية األخرى ، وهذا ما يؤكد الصعوبات ا أن يـرى الـذي ، إلياد مرسيا نظر يف التعقيد بالغة ثقافية واقعة باعتبارها األسطورة وضبطه ،

تروي األسطورة : التايل التعريف هو أوسعها ألنه نقصا التعريفات أقل يل يبدو الذي التعريف« بعبـارة ، البـدايات زمن ، اخليايل زمنال ، البدئي الزمن يف جرى حدثا تروي ، مقدسا تارخيا الكائنات اجترحتها مآثر بفضل الوجود، إىل ما حقيقة جاءت كيف األسطورة لنا حتكي ، أخرى . )3( » العليا

منه يفهم الذي ، " نقصا التعريفات أقل " عبارة هو " إلياد " تعريف يف لالنتباه والالفت لكـون ، األسطورة مبفهوم الدقيقة اإلحاطة عن ظمهامع وعجز ، التعاريف بتعدد الباحث إقرار

، أخـرى جهة ومن .جهة من هذا مانعة، غري جامعة املصطلح هذا ضبط حاولت اليت التعاريف ؛ األسـطورة تناولت اليت الثقافية املنظومات اختالف يف تفسريها جتد هذه التعاريف كثرة لعل . معينة وفلسفية ريةفك مرجعيات إىل خيضع ما غالبا التعريف أن ذلك

األسـطورة أن يـرى الـذي ، السواح فراس تعريف نتناول عندما الطرح هذا ويتدعم ، متخيلـة أو مصنوعة ليست أحداثها ، اآلهلة وأنصاف ، اآلهلة أدوارها يلعب مقدسة حكاية« أخرجت اليت األفعال تلك ، اآلهلة أفعال سجل إا ، املقدسة األوىل األزمنة يف حصلت وقائع بل

اجلارية األمور لكل أوىل صيغة ووضعت ، قائم شيء كل نظام وووطدت ، العماء جلة من الكون

.44 ، ص 1979 ، دار العودة ، بريوت 2اطري ، ط أمحد كمال زكي ، األس- ) 1 .10 مرسيا إلياد ، مظاهر األسطورة ، ص - ) 2 .10 املرجع نفسه ، ص - ) 3

- 12 -

بالرواية جيل إىل جيل من تنتقل أا مبعىن ، تقليدية مقدسة حكاية واألسطورة ... البشر عامل يف . )1( » اجلماعة ذاكرة جيعلها مما ، الشفهية إنتـاج يف اجلمـاعي الطابع يؤكد كما ، القداسي طورةاألس طابع التعريف هذا ويؤكد ، املطلـق اإلميـان أي ، الراسخ االعتقاد إىل تنتهي وممارسة فكرا باعتبارها ، وتلقيها األسطورة . )2( » اعتقاد موضع األسطورة تظل « إذ ؛ مثال اخلرافة عن األسطورة مييز الذي الشيء

ظـاهرة مييـز الذي ، املناطقة بلغة النوعي لفصلا من وضربا مطلقا اإلميان هذا ويكون ... الشعبية والقصة ، وامللحمة ، كاخلرافة األديب اجلنس يف معها يشترك عما األسطورة

- يعرب فإنه ، ثقافية كظاهرة األسطورة ماهية حول اختالفا يترجم التعاريف تعدد كان وإذا اإلنسانية الدراسات يف كبري شأن هلا أصبح اليت هرة،الظا ذه متزايد اهتمام عن -ذاته الوقت يف كعلمـاء اإلنسانيني العلماء كل عصرنا، يف باألسطورة، يهتم « ، العاملية املوسوعة تؤكده كما

، والفولكلـوريني، ومـؤرخي (culturalistes) والثقافانيني ، االجتماع وعلماء األنثروبولوجيا،قيني ، واالقتصاديني ، وعلماء اآلثار ، وعلماء الكـالم ، األديان، ومؤرخي األفكار ، واحلقو

.)3( »واللسانيني ، وعلماء النفس ، واحملللني النفسانيني ، والفالسفة فهذا االهتمام بظاهرة األسطورة جعلها تكتسب أمهية بالغـة يف اـاالت املعرفيـة

.والدراسات واألحباث اإلنسانية : أنواع األسطورة - 2

جل الدارسني الذين تعاملوا مع األسطورة من حيث التعرف إليها من زوايا خمتلفة نظر ولذا ، ال جند نوعا واحدا من األسـاطري ، بـل تنوعـت . أي حسب التكوين والتخصص

:وقد قسمها أمحد كمال زكي إىل أربعة أنواع . وتفرعت

- 19 ، ص 1993 ، دار عالء الدين ، دمشق 10 فراس السواح ، مغامرة العقل األوىل ، ط - ) 120.

، 1986، دار الطليعة ، بريوت 3ريب، ط خليل أمحد خليل، مضمون األسطورة يف الفكر الع- ) 2 .8ص

3) - Pierre Smith , Encyclopédia Universalis , Mythes , Tome 15 , p. 1037 .

- 13 -

: األسطورة الطقوسية- 1

ت العبادة والطقوس ، قبل أن تصبح حكايـة هلـذه ويرى أا ارتبطت أصال بعمليا .يف مصر ، والطقوس التابعة هلا " أوزوريس " الطقوس ، كأسطورة

: األسطورة التعليلية - 2ويرى أن هذا النوع من األساطري ظهر بعد ظهور فكرة وجود كائنات روحية خفيـة

ومن هنـا ظهـرت ... لربكان مقابل ما هو كائن من الظواهر الطبيعية كالرعد ، وانفجار ا .تفسريات وتعليالت عديدة حول هذه الظواهر الكونية

: األسطورة الرمزية - 3 .وهي قريبة من األسطورة التعليلية ، بصفتها تعرب عن فكرة دينية ، أو كونية

: األسطورة التارخيية- 4وتتضمن عناصـر وهي تاريخ وخرافة معا ، أي أا حكاية تنتقل من جيل إىل جيل ،

يف " حرب طــروادة "عند العرب، و " داحس والغرباء "تارخيية وجمموعة خوارق ، كحكاية .عند البابليني " جلجامش " التراث اإلغريقي ، وملحمة

األول يتعلق بأبطال أصـبحوا رمـوزا : ويفرق هذا الباحث بني ضربني من الروايات وع الثاين يتعلق بأبطال دخلوا التـاريخ مـن والن. لألساطري كأوديب ، وسيزيف ، وأوليس

، وعنتـرة ، وروالن ، " سيف بن ذي يـزن " أوسع األبواب ، ولكن طمست أعماهلم مثل )1(... وهانيبال ويدل تعدد أنواع األساطري على تقاطع عدة حقول معرفية يف دراسة األسطورة ، حيث

يف كتابه " توماس بولفينيش " ينهم العامل قسم جل الباحثني األسطورة إىل أقسام عديدة ، من ب :، الذي قسم أصل األسطورة إىل أربع نظريات " ميثولوجيا اليونان وروما "

.52 - 46 أمحد كمال زكي ، األساطري ، ص - ) 1

- 14 -

: األسطورة الدينية - 1

. ويرى أن كل األساطري مأخوذة من الكتاب املقدس مع االعتراف بالتحريف والتغيري .خرى وتغريت األمساء األسطورية األصلية إىل أمساء أ

: األسطورة التارخيية - 2ويعتقد أن أعالم األساطري عاشوا حقيقة ، ولكن مع األيام أضيفت إليهم ، من خيـال

.الشعراء والشعوب ، أعمال عجيبة : األسطورة اازية - 3

.ويرى أن كل األساطري القدمية هي جمرد جمازات فهمت حرفيا : األسطورة الطبيعية - 4

.)1( كل ظاهرة طبيعية كائن روحي معني يوجد وراء .واملالحظ أن مثة تطابقا بني التقسيمني السالفي الذكر وتتكون األسطورة عند الدكتورة نبيلة إبراهيم ، باإلضافة إىل األسطورة الطقوسـية ،

والتعليلية ، من أسطورة تكوين الكون ، واألسطورة الرمزية ، وأسطورة البطل اإلله ، الـذي .يكون يف هذا النوع مزجيا من اإلنسان واإلله

وترى أيضا أن األسطورة الرمزية ألفت يف مرحلة فكرية أرقى من تلك اليت ألفت فيها النماذج السابقة ؛ ذلك أن تفكري اإلنسان ال ينحصر فيها يف األجواء السماوية، ويف الظـواهر

.)2( اإلنسان الكونية ، وإمنا يتعداها إىل العامل األرضي ، عامل

.58 املرجع السابق ، ص - ) 1 .23 القاهرة ، ص نبيلة إبراهيم ، أشكال التعبري يف األدب الشعيب ، دار غريب ،- ) 2

- 15 -

هي يف احلقيقة مظهر من مظاهر البعد اإلنساين -يف نظرنا -إن هذه األنواع األسطورية ويعترب هذا التقسيم النوعي . لألسطورة ، إذ يترجم تعدد اتمعات اليت سادت فيها األساطري

.تقسيما ثقافيا أكثر منه تقسيما منطقيا ، علميا : خصائص األسطورة - 3

أشرنا فيما سبق إىل أن إدراك ماهية الظاهرة معناه حتديد خصائصها اجلوهريـة الـيت متيزها عن بقية الظواهر اليت تشترك معها يف اجلنس ، فهذه اخلصائص هي اليت جتعل مفهـوم

وكذلك الشـأن بالنسـبة إىل . الظاهرة ينطبق عليها وبدوا تنتفي خصوصية هذه الظاهرة داخلها مع ظواهر أخرى مثل اخلرافة ، واحلكاية البطولية ، واحلكاية الشعبية األسطورة ، فإن ت

جيعل من الضروري متييز األسطورة متييزا نوعيا، من خالل تفكيك اخلصائص العرضية املشتركة مع بقية األجناس للوقوف على اخلصائص اجلوهرية الثابتة ، اليت حتدد ماهيـة األسـطورة ،

.عن كيفية حتديد األسطورة " بيار مسيث " لعامل وجيعلنا نتساءل مع افهو يرى أن األساطري ليست كلها حكايات اآلهلة اإلغريقية ، بل هي كذلك حكايـة

عن األبطال ، ولكنها ختتلف عن احلكاية الشعبية ، وهي حكايات عن األجداد خمتلفـة عـن فاحلكاية األسـطورية ... فات احلكايات التارخيية، وهي حكايات عن احليوان خمتلفة عن اخلرا

، بالنسبة إىل منتجها وإىل مستهلكيها بعد ذلك ، األمر الـذي جيعلـها )1(تتميز بأا حقيقة .معرفة يقينية

فاالعتقاد بأن األسطورة حقيقة هو الفصل النوعي الذي مييز األسـطورة عـن بقيـة يف تعريفـه " مسيث " ا مل حيدده األجناس املتداخلة معها، إىل جانب تفسري ظاهرة ما ، وهو م

وتتميز األسطورة كذلك بأا قصة ، أي كم سردي جمهول املؤلـف ذو اسـتهالك . السابق

1) Pierre Smith , Encycopédia Universalis , Tome 15 , p. 1037.

- 16 -

مجاعي ، تشمل مجيع األجناس البشرية ، وجتسد خياالا ، وهي غامضة املنشـأ والتـاريخ ، .)1(وتقول شيئا ما وتصور حادثة ما

أن ما مييز األسطورة جمموعة من اخلصائص ، - من جهته -" فراس السواح " ويرى :يذكر منها ما يلي

. تعترب األسطورة قصة هلا مبادئ السرد القصصي ، وتتداول يف املناسبات الطقوسية - 1 . الثبات ؛ أي يبقى نص األسطورة ثابتا فترة طويلة ، ولكن هذا ال يعين مجودها - 2 .ج مجاعي وليس فردي ، أو هو فردي تتبناه اجلماعة األسطورة جمهولة املؤلف ، ألا نتا- 3 . تكون األدوار الرئيسية يف األسطورة لآلهلة وأنصاف اآلهلة - 4 ...) .احلياة ، واملوت ، والوجود ( تتميز موضوعات األسطورة باجلدية ، والشمولية - 5لك يبقى مضمون جتري األحداث األسطورية يف زمن مقدس هو غري الزمن احلايل، ومع ذ - 6

.األسطورة أكثر صدقا وحقيقة من الروايات التارخيية .. ) .أفعال طقوسية ( تتصل األسطورة باجلانب الديين - 7 .)2( تكون األسطورة مقدسة ، وذات سلطة عظيمة على عقول الناس ونفوسهم - 8

يت تفسر ويضيف صاحل بن محادي خاصية أخرى ، هي اختاذ األساطري شكل األخبار ال . )3(أصل بعض األشياء وعلة ظهورها إىل الوجود

وعلى ضوء هذا كله ، ميكننا الوقوف على أهم اخلاصيات اليت حتدد ماهية األسطورة ، وهي اخلاصة السردية املعتقد حبقيقتها ، واملتصلة مبنظومة ثقافية حمددة ، سرعان مـا يتحـول

يتخذ طابع القداسة إىل جانب أهم خاصية متمثلة يف اإلميان املطلق إىل ممارسة ، فعرف مجاعي وما خنلص إليه هو أن األسطورة ليست فنا ، وال إبداعا ، بـل . تفسري األسطورة لظاهرة ما

.هي معرفة وقناعة وإميان ، مث فعل وعرف وممارسة

.20 بشري زهدي ، مقدمة يف امليثولوجيا ، ص - ) 1 .14 - 12 فراس السواح ، األسطورة واملعىن ، ص - ) 2سـالمة للطباعـة ، دار بو1 صاحل بن محادي ، دراسات يف األساطري واملعتقدات الغيبيـة ، ، ط - ) 3

.15 - 14 ، ص 1983تونس والنشر والتوزيع ،

- 17 -

: وظائف األسطورة - 4

ديد أهم خصائصـها ، بعد أن حاولنا ضبط مفهوم األسطورة وأنواعها ، مث حاولنا حت .يبقى علينا أن نتعرض إىل أهم وظائفها متسائلني عن طبيعتها

وما يالحظ لدى جل الدارسني أن االختالف ال يقتصر على مفهوم األسطورة ، بـل " نـورتروب فـراي "وهذا الطرح ذاته هو الذي ذهـب إليـه . يتعدى ذلك إىل الوظائف

(Northrop Frye)سطورة تتعدى اإلبالغ لذاته إىل حماولة تفسري بعض الذي يرى أن وظيفة األخصائص اتمع الذي تنتمي إليه تلك األسطورة، كأصل القـانون والطـوطم والطبقـات

.) 1(املسيطرة واملؤسسات االجتماعية : ، فيحدد وظائفها فيما يلي (Pierre Brunel)أما بيار برونال

. تروي قصة ، فهي حتكي وتبلغ شيئا ما أي أن األسطورة: الوظيفة التبليغية - 1 .حيث يرتبط منشأ األسطورة بتفسريها لظاهرة ما : الوظيفة التفسريية - 2حتاول األسطورة أن متيط اللثام عن حقائق اإلنسان واإلله ، بطابع : الوظيفة االستكشافية - 3

.)2(قداسي مينح األسطورة بعدا دينيا دينية - إىل هذه الوظائف وظيفة اجتماعية (Philippe Sellier)" فيليب سيليي"ويضيف

حيث اعترب األسطورة عنصرا مؤسسا للجماعة من خالل حتديدها مجلة من املعايري احلياتية اليت .)3(جتعل املقدس يكتنف احلاضر

وإن كانت تنشأ من معتقـد - أن األسطورة - من جهته -" فراس السواح " ويرى عمل على توضيحه ، وإغنائه ، ومن ناحية أخرى فإن األسطورة تعمل علـى ت « فهي-ديين

.)1( »تزويد فكرة األلوهية بألوان وظالل حية ؛ ألا ترسم لآلهلة صورها اليت يتخيلها الناس

1) - Northrop Frye , littérature et mythe , Poétique n° 8 , 1971 , p. 489 . 2) - Pierre Brunel, dictionnaire des mythes littéraires (préface) , ed du rocher, Paris 1988, p. 7 -15. 3) - Philippe Sellier , qu’est ce qu’un mythe littéraire ? revue Littérature Paris 1984 , p. 113 - 114

.

- 18 -

وحنن نرى أنه ال ميكن عزل الوظيفة االجتماعية عن الوظيفـة الدينيـة ، باعتبـار أن لقيم اجلماعة ، وباعتبار الدين مظهرا من مظاهر الثقافة اليت متثـل املمارسة الدينية هي جتسيد

.خصوصية منظومة اجتماعية حمددة وتبقى الوظيفة التفسريية من أهم وظائف األسطورة ، بل إننا نذهب إىل أا أصل لكل

الوظائف ؛ ذلك أن عالقتها ببقية الوظائف هي عالقة الكل باجلزء ، أو األصل بـالفرع ؛ إذ تعد الوظيفة االجتماعية تفسريا لبنيات وقيم اجتماعية قائمة ، كما تعد الوظيفة الدينية تفسريا

ذلـك أن . لغريزة التدين ، وحتول االعتقاد الديين من الفكرة والشعور إىل املمارسة والتطبيق وضوعات قابلـة الظواهر توجد أوال ، مث تظهر تفسرياا ، وذا املفهوم ميثل اتمع والدين م .للتفسري من طرف األسطورة ، مثل تفسري األساطري لوضعيات وقيم اجتماعية

حول معتقدات أسطورية كاالعتقاد باالنتماء إىل - مثال -ويدور انتماء بعض القبائل طوطم واحد، فتربر األساطري ذا املفهوم نشأة اتمعات وتضمن متاسكها وانسجام أهـدافها

ما متنح األسطورة للعقيدة الدينية مربراا وتعطيها طابعها الطقوسي، إذ تـربط ك. ومصاحلها .هذه الطقوس بقوى غيبية ، ومتنح أصحاب هذه املعتقدات يقينهم الديين

: عالقة األسطورة باألدب - 5

أصبح موضوع األسطورة واألدب من املسلمات النقدية اليت تناوهلا حقل النقـد األديب يس بالقريب ، ملا لألسطورة من روابط باألدب ، وما لألدب مـن انفتـاح علـى منذ أمد ل

األسطورة ، وال غرابة يف ذلك طاملا أن اإلنسان مرتبط باألسطورة ، وأن األدب يعـرب عـن . اإلنسانوقد نشأ من هذا االرتباط بني األسطورة واألدب مصطلح غزا الساحة النقدية ، وأثار

(le mythe littéraire)لنقاد على حد سواء ، وهو ما يعرف باألسطورة األدبية اهتمام املبدعني وا مقارنة مع أساطري علماء « " :فيليب سيليي " وهو مصطلح وليد القرن العشرين ، كما يؤكد

.24 فراس السواح ، األسطورة واملعىن ، ص - ) 1

- 19 -

األثنولوجيا ، فإن األسطورة األدبية دخلت الساحة متخلفة جدا ، ولو وجدنا بعض املؤلفات ر قدمي فإن دراسة املوضوعات واألساطري يف األدب مل تنطلق إال بعد سـنة اليت تنتمي إىل عص

. م ، وهذا حتت تأثري التحليل النفسي ، وفيما بعد حتت تأثري علماء األساطري مثـل م 1930ويوضح سيليي يف هذا التعريف ، الصورة عن األسطورة األدبيـة ، ويؤكـد أن . )1( »إلياد

.ري هي وليدة فترة الثالثينيات الدراسة املوضوعاتية لألساط فريفض اخلـوض يف الفصـل بـني األسـطورة (Raymond Trousson) أما تروسون

واألسطورة األدبية ؛ ألن األساطري مل تصلنا إال يف محوالت أدبية ، أي أننا مل نتعـرف علـى صائص تلـك الشكل األويل لألسطورة ، بل أدركناها متفتحة داخل أجناس أدبية وحاملة خل

" فرجيـل " ، أو (Ovide)" أوفيد " ، أو (Eschyle)" إسخيل " فنحن عندما نقرأ : األجناس (Virgile) 2( ، لسنا أمام أساطري ، بل حنن أمام أدب فيه أساطري(. فإذا كانـت : ومن جهتنا نرى اختالفات واضحة بني األسطورة واألسطورة األدبية

. سطورة األدبية هي كم سردي ، وكيف فين ، وكيف إبـداعي األسطورة كما سرديا ، فاأل كما ختتلف األسطورة عن األسطورة األدبية من حيث اال الذي تتكون فيه ؛ إذ ال تكـون

: األسطورة إال عن طريق احلكي أو السرد، أما األسطورة األدبية فنجدها يف جماالت عديـدة سطورة مجاعة ، وال نعرف مؤلفها ، بينما تكـون وتتبىن األ ... املسرح، واملوسيقى، واألدب

معروفة املؤلف ألن إنتاجها فردي ، وهذا مـا يفقـدها - على العكس -األسطورة األدبية . قداستها اجلماعية ، اليت تلتف حول األسطورة وتتبناها

ومن جهة أخرى ، قد خيتلف النص األديب الذي يتضمن األسطورة األدبية من مؤلـف كما جند فروقا شاسعة بني املؤلفني ؛ ألن النصوص ال تتمتع بالقيمة اجلمالية . ف آخر إىل مؤل

.الواحدة ، على عكس األسطورة اليت تعترب كال متكامال

1) - Philippe Sellier , qu’est ce qu’un mythe littéraire ? p. 112 . 2) - Raymond Trousson , thèmes et mythes , ed Université de Bruxelles 1981 , p. 19 .

- 20 -

عندما يـتكلم عـن (André Dabezies)" أندري دابيزي " ويدعم هذه الفكرة العامل الشفوي إىل الكتايب ، أي من املسموع االختالفات بني املصطلحني؛ فهو يرى أننا بانتقالنا من

النتاج األديب ميثـل ، « ويضيف هذا الباحث أن. مجاعيا إىل املقروء فرديا ، فإننا غرينا عاملنا . )1( »داخل جمتمع مدنس ، حقال مفضال حيث ميكن لألسطورة أن تعرب عن نفسها

لغييب ، عنـدما تتحـول إىل وبالتايل ، فإن األسطورة تفقد طابعها القداسي وحمتواها ا .أسطورة أدبية خاضغة لرؤى مجالية وفكرية مينحها النص

:)Mythocritique( النقد األسطوري- 6

شكلت األسطورة يف القرن العشرين ظاهرة قوية يف األدب العاملي احلـديث ، كمـا نـهج النقـدي شهدت ساحة الدراسات النقدية املعاصرة اهتماما متزايدا بتوظيف آليـات امل

يف مقاربة النصوص اإلبداعية شعرا ونثرا ، وإن تفاوتت قيمة هذه (Mythocritique)األسطوري الدراسات يف مدى حتكمها يف تطبيق آليات هذا املنهج ، فذلك يرجع أساسا إىل حداثة املنهج

ف يف حد ذاته واختالف طرائق التوظيف األسطوري يف األعمال اإلبداعية ، نظـرا الخـتال األجناس األدبية ، ومدى ثقافة املبدع ، وقدرته الفنية على االستفادة من املصادر األسـطورية

.وبنائها بناء فنيا يعكس رؤيته الفكرية والفنية وإذا كانت الدراسات الغربية قد شقت طريقها إىل هذا املنهج ، فإن الساحة النقديـة

؛ إذ ال يزال هذا احلقل املعـريف يف الدراسـات العربية ال تزال تتلمس أهدابه خبطوات وئيدة .العربية يف مرحلة البداية املتعثرة

وقبل التفصيل يف عرض املنهج األسطوري ، نريد اإلشارة إىل أن هذا املنـهج لـيس منهجا باملفهوم األكادميي املتعارف عليه، بل هو جمموعة خطوات إجرائية يف مقاربة نصـوص

.إبداعية وظفت األساطري

1) - André Dabezies , des mythes primitifs aux mythes littéraires, dictionnaire des mythes

littéraires ed du rocher, Paris 1988, p. 1136 .

- 21 -

ويقوم املنهج النقدي األسطوري على استقراء الظواهر األسطورية داخـل النصـوص اإلبداعية ، مث تتبع مصادر هذه األساطري املوظفة ، مث يصنفها تصنيفا نوعيا ، مث حيدد طرائـق التوظيف األسطوري يف النصوص اإلبداعية موضوع الدراسة للوقوف على جتلياا داخل العمل

دى احتفاظها خبصائصها، كشخصية، أو حادثة ، أو موتيفا أسطوريا من خـالل األديب ، وم ويعـود هـذا . احتفاظها باحلد األدىن للخصائص اجلوهرية ومدى حتوهلا داخل العمل األديب

:التحول إىل أمرين قابلية األسطورة ذاا للتوظيف األديب ، أي متيزها التارخيي واملوضـوعي عـن مجلـة - 1

الذي مينحها خاصييت التشكيل والتحول لكي تصبح جزًءا بنويا للعمل األديب نفسه األساطري ، .، وخيدم هذا التميز الرؤى الفكرية والفلسفية واجلمالية للمبدع

قدرة املبدع الفنية على التوظيف األديب لألسطورة ، شخصية أو حادثة أو موتيفـا ؛ أي - 2ؤى املبدع من خالل مجلة التحوالت والتحـويرات، حتويل األسطورة إىل وجود مجايل خيدم ر

.وحىت التشويهات اليت حيدثها املبدع على هذه األسطورة أو تلك وإذا كان املنهج النقدي األسطوري قد تبلور يف الساحة األدبية خاصة على يد بيـار عمـال بصفة خاصة ، فإن اإلرهاصات األوىل اليت بشرت به تعـود إىل أ (P. Brunel)برونال

... وآخـرين (N. Frye) ، وفراي (A. Jolles) ، ويولس (Jung)العديد من الدارسني مثل يونغ : اشتغلوا بالنقد األسطوري بوعي أو بدون وعي منهجي حقيقي، كما يقر فراي ذاته يف قوله

كانت أوىل جهودي املستمرة يف البحث حماولة لكتابة تعقيب موحد على كتب وليام بليك « وكان علي أن أتعلم شيئا عن األسطورة لكي أكتـب : إا قصائد أسطورية الشكل . تنبؤيةال

اليت مل " النقد األسطوري " عنها ، وهكذا اكتشفت ، بعد أن نشر الكتاب ، أنين من مدرسة وعليه ، كان لزاما علينا أن نعرف باألعمال اليت قـام ـا . )1( »أكن قد مسعت ا من قبل

.راسني يف جمال النقد األسطوري ، وكانت من حمطاته البارزة بعض الدا

اسات والنشر نورتروب فراي ، األسطورة والرمز ، ترمجة جربا إبراهيم جربا ، املؤسسة العربية للدر- ) 1 09 ، ص 1980 ، 2ط ، بريوت ،

- 22 -

: النقد األسطوري والتحليل النفسي -أ

إىل أن املبحث األسطوري شكّل تقاطعا وحقوال معرفيـة - فيما سبق -متت اإلشارة متعددة ومتشابكة ومتباينة ، وأكثر هذه احلقول اهتماما باألسـطورة كحقـل السـتعراض

وأكثـر هـذه . جية ؛ أي أن كل علم حاول أن يطبق فرضياته على األسطورة معطيات منه العلوم التصاقا باألسطورة واهتماما ا هو علم النفس التحليلي ، الذي رأى يف األسطورة جماال خصبا للتعبري عن املكبوتات والدوافع الالشعورية ، ومن مث نظر إىل األسطورة كرموز حلقائق

مثال (S. Freud)" فرويد " وركز . ال واعية معتملة يف الالشعور اإلنساين نفسية تعرب عن قوى تقع حرة - كما يف احللم -على تشابه األسطورة واحللم ، حيث جند األحداث يف األسطورة

خارج قيود الزمان واملكان، وتغيب الرقابة العقلية املوجودة على بوابة الالشعور، يف األسطورة .) 1(واحللم إذا كان ما ذهب إليه فرويد يعكس اهتمامه باألسطورة وتفسريها من خالل ربطهـا و

باألحالم ، وبالتايل بالكبت الالشعوري ، فإن النقد األسطوري ال يزال يدين كثريا لكـارل الذي أوىل اهتماما خاصا باألسطورة ، من خالل ربطها - تلميذ فرويد - (Carl Jung)يونغ

العقل الالواعـي « وليس بالكبت كما تصور فرويد ؛ ألن يونغ يرى أن بالالشعور اجلمعي ، يقدر يف بعض األحيان أن يأخذ لنفسه من الذكاء واهلدفية ما هو أرفع من البصـرية الفعليـة

ويقصد يونـغ أيضـا أن وظيفـة ... فإن كل األحالم واألساطري ليست متماثلة ... الواعية .)2( »بل وظيفتها إعطاء معرفة ... يست جمرد تطهري ل" اهلادفة " األساطري واألحالم

تفسري األحالم ، ترمجة جورج طرابيشي ، مكتبة التحليل النفسي ، القاهرة ، ص : سيقموند فرويد - ) 116.

، ترمجة حسام اخلطيب وحمي الدين 4وميزات وكلينت بروكس ، النقد األديب ، ج . ويليام ك- ) 2 .216 ، ص 1977جامعة دمشق ، صبحي ، مطبعة

- 23 -

فوظيفة األحالم عند يونغ هي إعطاء معرفة ألنفسنا، ألا ليست جمرد تطهري، وإمنا هي ومن هنا ، فالعمل األديب عندما يستدعي األسطورة ، فال بد أن تكون . تعبري ذو داللة ومعىن

. نح األديب عمله بعدا مجاليا أعظم وأرقى وبذلك ، مي: تلك األسطورة ذات معىن ومغزى أن يتعمق يف األسطورة ، وأن يفسر - خاصة عن طريق يونغ -واستطاع علم النفس

علماء « :رموزها اليت يستقر معظمها يف الالشعور اجلمعي، وهذا ما جعل أحد الباحثني يقول هي . يفة يشعر ا اإلنسان النفس يعتربون األساطري رموزا ، وتعبريات عن قوى وعواطف عن

فكل من أوديبوس ومششون ليست شخصيات تارخيية عاشت على . رموز حلقائق نفسية خالدة األرض ما قدر هلا أن تعيش ، بقدر ما هي رموز للرغبات والعواطف واآلمال اليت تصطرع يف

.)1( »نفس اجلنس اإلنساين عامة تعبريا عـن مشـاعر الالوعـي -نفسي التحليلي من املنظور ال - وإذا كانت األساطري

اجلمعي وأحالمه وآماله ، وإذا كان األدب صياغة مجاليـة هلـذا الالوعـي ، فـإن األدب .واألسطورة يلتحمان أخذا وعطاء للتعبري عن هذا الالوعي

يعتقدون أن لألسـطورة - Lévi Straus مثل ليفي شتراوس -وإذا كان بعض العلماء منطق التفكري الذي أنتجها ، فإن يونغ يرى يف األساطري متثال لنمـاذج أوليـة منطقا يعكس

متكننا دراستها من معرفة البنية الفكرية لالوعي اجلمعي الـذي متظهـر (archétypes)للتفكري .بواسطة هذه األساطري

:"أندري يولس " النقد األسطوري عند -ب

من رفضه لفكرتني (André Jolles)" دري يولسأن"تنطلق رؤية العامل اهلولندي األصل ، (transcendantaliste)تتعلق األوىل باعتبار األسطورة متعالية عن كل خطاب : كانتا سائدتني

هذا الرفض هلاتني الرؤيتني جعله . (immanentiste)فيما تتعلق الثانية باعتبارها حمايثة للخطاب

حممد عصمت محدي ، الكاتب العريب واألسطورة ، الس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم - ) 1 .59 ، ص 1968القاهرة االجتماعية

- 24 -

(forme simple)» الشكل البسيط« سيطة تأخذ طابع يقترح رؤية ثالثة ، تتمثل يف أطروحة و .)1(الذي يسبق ظهوره اخلطاب الشفوي ، لكن يتم حتينه عن طريق النص األديب

وعلى ضوء هذا املفهوم ، استطاع هذا العامل أن يرسي دعائم نظرية خاصة به ، تنطلق يشبه العمل االجتماعي - بالنسبة ليولس -يف جوهرها من وظائف اتمع ؛ ذلك أن اخلطاب

. الفالح ، واحلريف ، والكاهن ، أي املزارع ، والصانع ، واملفسر : الذي حدد له ثالث وظائف فالفالح ينتج ويـزرع : ومتثل هذه الوظائف الرباط االجتماعي ، الذي يربط جمموعة العمل

األشـياء ونظامهـا وحيرث ويلتقي مع الطبيعة ويتعامل معها ، أما احلريف فيصنع ويغري نظام الطبيعي ، مث يأيت دور الكاهن ليفسر ويسهل عمل املزارع والصانع ، لكي يصبح العمل كامال

.)2(وجاهزا :مستويات اخلطاب " يولس " وانطالقا من هذه الوظائف الثالثة ، استلهم

) .ويقابل هذا املستوى وظيفة الزرع ( مستوى إنتاج اخلطاب ذاته - ) .ويقابل وظيفة الصناعة ( ء الشكل البسيط مستوى إرسا- ) .وظيفة التفسري ( مستوى العمل األديب الذي مينح الكمال النهائي -

الشكل البسيط من فكرة ثنائية التساؤل واإلجابـة " يف إثبات صفة " يولس " وينطلق وظواهره طالبـا يسائل الكون « جاعال كل األشياء متصلة ذه الثنائية، إذ يرى أن اإلنسان

منها التعبري عن نفسها ، فيتلقى إجابة سرعان ما تأخذ شكال لغويا يتكون من خالله العـامل بظواهره انطالقا من مركزية التساؤل واإلجابة ، فهذا التعبري الكوين يتخـذ شـكال نسـميه

.)3( »األسطورة ، فهي املكان على أن األسطورة تتكون من سؤال وجواب " يولس " ومن مثة ، يؤكد

وهذا الطرح ذاته ذهبت إليه الباحثـة . الذي يتكون فيه الشيء انطالقا من تساؤل اإلنسان . التأمل ينجم عنه التعجب ، كما أن التعجب ينجم عنه التساؤل « نبيلة إبراهيم حني رأت أن

1) - Pierre Brunel, Mythocritique , p. 13 . 2) - André Jolles , formes simples , trad A. M . Buguet , ed du Seuil Paris 1972 , p. 18 - 20 . 3 ) - Ibid , p. 81 .

- 25 -

عن سؤاله، فإذا تساءل اإلنسان طلب اإلجابة يف إصرار عن سؤاله، حىت إذا استطاع أن جييب فإذا متثل الكون لإلنسان ذه الوسيلة عن طريق السؤال واجلواب ، فإنه يتكون ... قرت نفسه

.)1( »بذلك شكل نسميه األسطورة الكونية فهي ترى أن منشأ األسطورة هو عالقة مساءلة بني اإلنسان والكون، وأن األسـطورة ويبقى أصـل . ية لتلك املساءلة صياغة لغوية سوى حماولة لصياغة إجياب - يف احلقيقة -ما هي

األسطورة عند يولس هو سؤال طرحه اإلنسان على الكون، ولذا انطلق يف رؤيته من أسطورة .التكوين ؛ ألن هذا النوع من األساطري جاء إىل الوجود بعد تساؤالت اإلنسان البدائي

:"نورتروب فراي " النقد األسطوري عند -ج ، "برونال " سبق إىل أن املنهج النقدي األسطوري كانت له أرهاصات قبل أشرنا فيما

وعلى الرغم من ذلك ، ال . لكنها كانت تفتقد إىل الرؤية النقدية اليت حيددها الوعي املنهجي بكـثري مـن (Northrop Frye)" نورتروب فراي " يزال النقد األسطوري يقر للعامل الكندي

وقد اعترب أن ما نسـميه . فبفضل أعماله ودراساته تبلور هذا املنهج الفضل على هذا املنهج ؛ النقد األسطوري يف األدب ليس دراسة لبعض املظاهر أو األجناس األدبية ، وال هو منهجيـة نقدية ، بل هو دراسة ملبادئ البنوية يف األدب ذاته ، أي دراسة أنواعه ومناذجـه وصـوره ،

.)2( خارج عنه وبالتايل عالقة األدب مبا هوأننا ال نستطيع أن نبدأ بالنقد قبل الفهم الدقيق للقصة اليت قرأناها ، أو " فراي " ويرى

مسعناها، وبالتايل علينا أن نكشف ونتبني املوضوع حمور القصة ، مث حناول تركيب عناصـرها ما نكـون كما يؤكد على وجود نوعني من االستجابة للعمل األديب ، خاصة عند . وجتميعها :أمام قصة

النوع األول هو االستجابة غري النقدية، أو ما قبل النقدية ؛ ألننا ال نستطيع أن نبدأ بالنقـد - .قبل املطالعة الكلية للكتاب ، وذا نكون قد عرفنا ما يرمي إليه املؤلف

.17 نبيلة إبراهيم ، أشكال التعبري يف األدب الشعيب ، ص - ) 12) - Northrop Frye , littérature et mythe , p. 502 .

- 26 -

نا من املطالعـة النوع الثاين هو االستجابة إىل املوضوع ، أي االستجابة اليت تأيت بعد انتهائ -وفهمنا للموضوع وللمغزى، وبعد أن أصبحنا ننظر إىل العمل بوعي وفهم ، نستطيع يف هـذا

.)1(احلال أن نبدأ النقد (displacement) ويرى هذا الباحث أن النقد األسطوري يستند أساسا إىل فكرة االنزياح

سطورة األولية اليت هي األصل ، وهـي أسطورة مرتاحة عن األ « ألن األدب بالنسبة إليه هوالبنية وكل صورة يف األدب مهما تراءت لنا جديدة ، ال تعدو كوا تكرارا لصورة مركزيـة

.)2( »مع بعض االنزياح ، ومع مطابقة كاملة أحيانا أخرى وإذا . ومهما كانت هذه املطابقة ، فإننا نرى أن األدب يستمد مادته من األسـطورة

ويؤكد فراي أننا ال بد أن . سطورة ليست هي األدب، فإا تعد مادة يشكلها األدب كانت األ .نكون على وعي كامل مبوضوع الدراسة قبل مباشرة النقد األسطوري

:"بيار برونال " النقد األسطوري عند -د طورية دعائم نظريته النقدية األس(Pierre Brunel)" بيار برونال " أرسى العامل الفرنسي

، معتربا أن األسطورة إمنا ختلق من األلغـاز وبواسـطة الطـابع " يولس " استنادا إىل أعمال فإذا كان اإلنسان أمام ظاهرة غري مفهومة وغري مفسرة من قبل أي نظرية ، فيجب . التساؤيل

ـ " برونال"كما يرى . البحث عن أسباب أخرى دون االستعانة بالعقل أو باخلربة العلمية ا أنننستطيع االنطالق من السؤال ، كما نستطيع االنطالق من اإلجابة ؛ ألن هناك نصوصا مقدسة

ففي كل األحوال يطرح اإلنسان أسئلة أمام العامل املوجود ... تفسر لنا كل ما مل يفهمه عقلنا ويؤكد من جهة أخرى أننا مجيعـا نتسـاءل ، . حوله ، ويتلقى إجابة ، وهكذا خيلق السبب

" : فولتري " معلقني أمام السؤال الرباعي الذي طرحه ونبقى من أنا ؟ أين أنا ؟ أين أنا ذاهب ؟ ومن أين أتيت ؟

.14 - 13 نورتروب فراي ، األسطورة والرمز ، ص - ) 1 ، 1 األديب ، ترمجة حنا عبود ، دار املعارف سوريا ، ط نورتروب فراي ، نظرية األساطري يف النقد- ) 2

.17 ، ص1987

- 27 -

العامل الذي قام خبطوات إجرائية وعملية تسهل الطريق أمام الباحـث " برونال " ويعد الواقـع ويـرفض يف ( يف األساطري ، حيث استطاع أن يكشف عن قوانني أو معايري ثالثـة

يستطيع بواسطتها دارس األسـطورة ) ألن لألدب مقاومة حيال أية قوانني " قوانني " مصطلح األدبية أن يقوم خبطوات منهجية ليقارن النص املوجود أمامه باألسطورة األصلية ، وأطلق على

رية يف النص فإذا وجدنا هذه املعايري األسطو. التجلي واملطاوعة واإلشعاع : هذه املعايري أمساء .)1(فهذا يعين أن هناك أحداثا جديدة، وحوادث خاصة ال ميكن ضبطها داخل قوانني عامة

هذه النظرية ، إذ يؤكد أن النص الشعري (D. H . Pageaux)" هانري باجو " وقد دعم ، ) مطاوعة(، أو جيمع األساطري على شكل حكايات متتابعة ) إشعاع ( يكون كله أسطوري

د حضورا لألساطري مترسبة يف أعماق النص ميكن استحضـارها مـن خـالل بعـض أو جن .)2() جتلي ( اإلشارات التارخيية أو بعض مسات األبطال ، أو تتشظى يف سيل من الرموز

، فإننا عرفنا الساطري بفضل النصوص األسطورية اليت تعترب قبل نصية " برونال"وحسب وجودة بينهما ليست يف الكتابة ، وإمنا تظهر مع حياة البشـر أو خارج نصية ؛ ألن العالقة امل

كما يـرفض فكـرة النظـر إىل العناصـر . الذين يرووا وميارسوا وفق اعتقادام الدينية األسطورية يف النص كأا ليست ذات قيمة أو معىن ، بل بالعكس فإنه جيعل منـها املنطلـق

، كما جيعل من العنصر األسطوري داخـل الـنص األساس إلقامة أي فرضية نقدية أسطورية مدخال لكل حتليل نقدي لذلك النص؛ ألن العنصر األسطوري ميتلك دائما إشعاعا يعم النص

. )3(مهما كان وجوده باهتا النقدية األسطورية اليد الطوىل يف أية دراسة أو " برونال " ملقاربة - يف رأينا -وتبقى

طياته عناصر أسطورية ، مهما كان حضورها داخل الـنص األديب ، حتليل لنص أديب حيمل يف التجلـي، واملطاوعـة، " (برونـال " القوانني الثالثة اليت وضـعها « أن" باجو " إذ يرى

1) - Pierre Brunel, Mythocritique , p. 72 . 2) - D.H. Pageaux , la littérature générale et comparée , ed Armand colin Paris , p. 105 . 3) - Pierre Brunel, Mythocritique , p. 81 - 82 .

- 28 -

تعد املبادئ األساسية اليت تقود حنو قراءة موضوعاتية ، وباخلصـوص املطاوعـة ) واإلشعاع .)1( »وعالقتها بالتحليل البنوي

النقدية األسطورية على ثالث خطوات يف التحليل النقـدي " برونال " تقوم مقاربة و :للنصوص ذات احلضور األسطوري

: التجلّي - 1، ونعين به بروز العنصـر " برونال " الذي استعمله (émergence)وهو ترمجة ملصطلح

ألن الظهور هو خاصـة والتجلي ليس هو الظهور ؛ . األسطوري أو انبثاقه داخل النص األديب الشيء غري املوجود أساسا، أما التجلي فهو مييز اخلصائص اجلوهريـة أو العرضـية للعنصـر

أو جزئيا ؛ أي حضـور -أي مفصال -األسطوري ؛ وهذا يعين أن حضور العنصر يكون تاما على احلد األدىن -مهما جترأ -ما يدل عليه من خصائصه ، على أن حيافظ العنصر األسطوري

من اخلصائص املميزة ، وهي ما تسمى مبقاومة العنصـر األسـطوري جلملـة التحـويرات .والتعديالت والتشويهات ، وإال فقد ذلك العنصر هويته

: املطاوعة - 2

، وهي طاقـة كامنـة يف (flexibilité)مصطلح " برونال " وهي ترمجة ملا أطلق عليه كل وفق رؤية املبدع ، فهي جمموع اتساعات الذاتية العنصر األسطوري متنحه القدرة على التش

. لعنصر أسطوري ما لالستجابة لتحويرات املبدع من خالل توظيفه الواعي لـذلك العنصـر :وتتخذ املطاوعة أشكاال عديدة ، منها

بتر العنصر األسطوري عن سياقه األصلي وإدماجه يف سياق جديد من خالل التصرف يف - . تبديلها مبا خيدم رؤية املبدع الفكرية واجلمالية أحد عناصره ، أو

1) - D.H. Pageaux , la littérature générale et comparée , p. 88 - 89 .

- 29 -

التصرف يف أحد مالمح العنصر األسطوري باحلذف أو الزيادة، وكلما كان التصرف كبريا - .كلما ازدادت مطاوعة ذلك العنصر

تشويه العنصر السطوري ، أي قلب ذلك العنصر من خالل التوظيف العكسـي كتشـويه -هذا النوع من املطاوعة يعكس قراءة املبدع لذلك العنصر األسـطوري . األبطال األسطوريني

وكلما كانت الفترة الزمنية طويلة بني املبدع والعنصر األسطوري ، كلما كـان . وتفسريا له التصرف أفضل ، والتعامل غري مقيد أو مشروط بـزوال االعتبـارات السياسـية والدينيـة

.واإليديولوجية : اإلشعاع - 3

، ومفاده أن العنصر األسطوري ميتلـك " لربونال " (Irradiation)هي ترمجة ملصطلح و خصائص ذاتية يستغلها املبدع كي تشع على جممل العمل األديب ، حينما يلقي ذلك العنصـر بضالله على جمموع املساحة القرائية حينما يشكل اخللفية القرائية لذلك العمل األديب ، ويشع

ري ، انطالقا من موقعه النصي كأن يكون عنوانا ، أو فاحتة ، أو اسـتهالال أو العنصر األسطو إهداء أو فقرة على الغالف النهائي ، أو الزمة تتكرر داخل النص ، أو مجلة شديدة التكثيـف أو جمرد إشارة حتيل على عنصر أسطوري ؛ ذلك أن العنصر األسطوري قد ال يكـون جتليـه

.واضحا يف النص للطاهر وطار ستتبىن هـذه اخلطـوات " احلوات والقصر " ، فإن مقاربتنا لنص وعليه

.لالستقراء واالستدالل وفق ما مينحه النص وما يتيحه املنهج

- 30 -

:الفصل األول مالمح األساطري الشرقية

"احلوات والقصر " يف رواية

:توطئة اإلنساين ، وشكل بداية البـدايات رأينا فيما سبق أن الفكر األسطوري رافق الوجود

قبل أن يكون للبشرية تاريخ باملفهوم الكرونولوجي اخلطي ، الذي مل يستطع يف كل جتلياتـه احلضارية ، والعلمية ، والتقنية ، والفلسفية أن يزيح الفكر األسطوري عقيدة وممارسة ، بـل

احة باألسطورة ، وذلـك عجزت عن اإلط - سواء أكانت وثنية أم مساوية -حىت الديانات األديان السماوية قد حلت حمل العقائد الدينية القدمية ، إال أنه ما زالت هلا « على الرغم من أن

فاألسطورة ليست إال تراثا بشريا حيمـل تفسـريا . بقايا يف معتقدات كل أمة ) األساطري (

- 31 -

حتمل ، بـال شـك ، واألساطري. خالصا ملعىن أو شعور بالذات ، عند شعب من الشعوب .)1( »دالالت إنسانية مل تفقد قيمتها خالل التطور احلضاري

يؤكد هذا الطرح على أن الفكر األسطوري ملك مشاع لكل البشرية ، إذ مل يقتصـر على ثقافة دون أخرى ، وال حضارة دون سواها ، إال أن املعرفة بالتراث األسطوري تبقى هي

ينة وانتشارها دون أخرى بفضل املعارف اليت تناولت األسطورة الفيصل بني ذيوع أساطري مع ...أو ااالت اليت جتلى فيها الفكر األسطوري كاألدب والفنون

وهكذا ، ألفينا انتشارا غريبا للفكر األسطوري اإلغريقي ، الذي جتلى بقوة يف األدب اإلغريقية ، اليت اعتربت الفكـر العاملي ، ال لشيء سوى للمركزية األوروبية ، سليلة املركزية

اإلغريقي مركزا مؤثرا ، وأصال لكل الفكر اإلنساين ، وما اآلخر إال حميط متأثر ومتلٍق سليب ، أسـاطري « وناقل للمعرفة ، ومعيد إلنتاجها ، الشيء الذي جيعلنا نتساءل مبعية أحد الدارسني

م من أنـه مت إمجاعـا علـى أن أي شعب كانت أكثر أمهية يف نظر الدارسني ؟ وعلى الرغ هي أخطر ما تفتق عنه ذهن العامل املتحضر القـدمي ، - وبالتايل الرومانية -األساطري اليونانية

فمما ال شك فيه أن األساطري البابلية واملصرية هلا أثرها فيها ، ولكن ال تـزال يف حاجـة إىل يكتشف منها ، ويثبت أن مـا بنفي ، العامل السنسكرييت ، يكتشف ما مل " كتيودور " واحد

. يضاف لإلغريق فيه لقدماء البابليني واملصريني ، مثل ما للعناصر اهلندو جرمانية على األقـل ومن يدري فرمبا كان الغزاة املصريون قد نقلوا آراءهم إىل شعوب آسيا عندما توغلـوا قبـل

اليونان فحسـب ، وإمنـا إىل التاريخ يف أراضيهم فاحتني ، فنقلوها بدورهم ، ال إىل أساطري .)2( »أساطري أوروبا كلها أيضا

قد ل - واإلغريقي على وجه اخلصوص -وعليه ، ميكن أن الفكر األسطوري الغريب منه ، يف مراحله األوىل من التراث اإلنساين، والشرقي بصفة خاصة ، مث أخضعه لقوالبه وكيفه

حىت متاهى مع الفكر اإلغريقي ، فصـعب إجيـاد حبسب مقتضيات البيئة، والذوق، واإلنسان

.12، ص ) مرجع سابق ( حممد عصمت محدي ، الكاتب العريب واألسطورة - ) 1 .201 أمحد كمال زكي ، األساطري ، ص - ) 2

- 32 -

الفارق يف اخلصوصية الثقافية ، حىت يتبني اخليط الشرقي من اخليط الغريب ، مهما حاول الفكر املقارن الغريب أن جيعل من كل ما هو خمالف له حميطا متأثرا مبركزية أوروبية تـدعي لنفسـها

اآلراء املنسقة تذهب إىل اعتبار احلضارة الشرقية األصل واملرجعية األحادية، بل إن الكثري من أقدم بكثري من احلضارة الغربية ، إىل حد اعتبار الشرق مهدا لألسـاطري ، إذ تعتـرب الثقافـة

. السومرية اليت ازدهرت يف حوض دجلة والفرات منذ األلف الرابع قبل امليالد أقدم الثقافات يخ تبدأ من سومر ، حيث تأثرت كـل الثقافـات ، ويتفق مجيع املؤرخني على أن بداية التار

ومنها الثقافة اإلغريقية بالثقافة السومرية ، اليت وضعت أوىل املالحم الشعرية ، وأوىل التراتيـل .الدينية والقصائد الدنيوية ، والقوانني املدنية

وإذا مل تصلنا عن السومريني أسطورة متكاملة يف اخللق والتكـوين ، فهـذا راجـع الدرجة األوىل إىل أن العلماء مل يتوصلوا بعد إىل كل االكتشافات عن تاريخ سومر املطمور ، ب

عكس مـا - تبقى أفكار السومريني عن اخللق والتكوين - حسب أحد الباحثني -لكن .)1( أفكارا ناضجة ، خاصة بالنسبة إىل معارف تلك الفترة -يعتقد البعض

لسومرية انتشارا وتأثريا يف الفكر اإلنساين أسـطورة تعـدد ولعل أكثر هذه األساطري ا اآلهلة ؛ إذ جعلت لكل ظاهرة إهلا يسريها ، وهو ما جنده يف الفكر األسطوري اإلغريقي ، وما

إىل جانب أسطورة التكـوين الـيت (Zeus)يعرف من تعدد اآلهلة جيمعها رب األرباب زيوس تكاد متيزها سوى بعض التفاصيل ، وهي متفقة يف تنهل يف معظمها من التراث الشرقي حىت ال

.املبد أ فلو نظرنا إىل ما قاله بريوز الكلداين عن اعتقاد اآلشوريني والبابليني يف التكوين ، وما

املؤرخ الفنيقي عن اعتقاد الفنيقيني ، وأوفيد الشاعر الالتيين عـن اعتقـاد " سنكنيتني " قاله ورد يف التواريخ عن معتقد الفرس والربامهة وغريهم من الشـعوب اليونان والرومان فيه ، وما

القدمية ، لرأينا أن كل هذه املعتقدات ، على اختالف تعابريها ، تتفق وما أورده موسى عليـه يف « : خالء ، وظالم ، وروح أزيل يرف على وجه املياه : السالم يف التوراة عن صورة البدء

.33 فراس السواح ، مغامرة العقل األوىل ، ص - ) 1

- 33 -

وكانت األرض خربة وخالية وعلى وجه الغمـر ظلمـة . األرض البدء خلق اهللا السماوات و » وروح اهللا يرف على وجه املياه

)1(. "أم" إن هذا التشابه الكبري يؤكد وحدة األصل، أي انبثاق هذه األساطري عن أسطورة

أدى انتشارها بني الشعوب املختلفة إىل متيزات شكلية طبعتها بطابع حملي ، لكـن أسـطورة التكوين الشرقية تبقى من أقدم هذه األساطري ممثلة يف اسطورة التكوين البابلية املوسومة بــ

، املكونة من السبعة األلواح ، واليت حتكي تكوين العامل وبدايـة الـدنيا ، " اإلينومة إيليش "األلـف واآلهلة ، واإلنسان وفق املعتقد العراقي القدمي ، السومري والبابلي ، الذي يعـود إىل

.)2(الثالثة قبل املسيح وإىل جانب أسطورة التكوين وأسطورة تعدد اآلهلة ، ذات األصل الشـرقي ، جنـد

أساطري الطوفان عند اآلشوريني، واليونان ، والرومان ، فهي تشابه يف تفصيلها وتصـويرها « غـري أن . راة للسفينة وتفجر عيون الغمر العظيم وتفتح كوى السماء ما ذكره موسى يف التو

جببـل " كزيزوتروس " ، وترسو فلك " كزيزوتروس "نوح التوراة يتحول عند اآلشوريني إىل .)3( »الربناس يف بالد اإلغريق

األوروبية ، والتأكيـد -وخنال هذه الشواهد كافية لدحض مزاعم املركزية اإلغريقية ، بل اعتبارها أصال لألساطري الـيت على إسهام احلضارة الشرقية يف التراث األسطوري العاملي

انتقلت إليها ، وتغريت بفعل الزمان واملكان واإلنسان ، لكنها حافظت على جوهرها املكون، تتنوع األسطورة الواحدة بتنوع الزمان ، « :وهو ما يؤكده أحد دارسي األسطورة، إذ يقول

ان إىل زمان ، يضـيف عليهـا وبانتقاهلا من مكان إىل مكان ، ومن زم . واملكان ، والناس ولكنها من حيث اجلـوهر تبقـى . ناقلوها أو حيذفون منها ، أو يغريون من تسلسل أحداثها

وهكذا . واحدة ألا يف األصل تعبري عن دوافع دفينة واحدة ، وحاجات نفسية وعقلية واحدة ود يف سـوريا وأرض انتقلت أسطورة األم الكربى أو الروح اإلخصابية الكونية، وحبيبها املفق

. اإلصحاح األول الكتاب املقدس ، التكوين ، - ) 1 .15 صاحل بن محادي ، دراسات يف األساطري واملعتقدات الغيبية ، ص - ) 2 .7 ، ص 1980 كرم البستاين ، أساطري شرقية ، طبعة جديدة ، دار مارون عبود ، بريوت - ) 3

- 34 -

الرافدين إىل بقية أحناء العامل املتمدن القدمي؛ ففي مصر جند أسطورة إزيس وأوزوريس، صورة طبق األصل على مثيلتها يف سورية وبابل ، ويف أسيا الصغرى وفرجيا جند سيبيل وآتيس ، ويف

ون تغيري إال ما د" آدون " بالد اإلغريق جند أفروديت وأدونيس ، الذي احتفظ بامسه السوري ، قصة واحدة ، ولكن " سيميلي "و " ديونيسوس " فرضته طبيعة التحرير اللغوي ، كما جند

.)1( »األمكنة متعددة واألزمنة متنوعة وإذا كان هذا الباحث يؤكد على فكرة انتقال األساطري من ثقافة إىل أخـرى ، ومـا

فة ، فإنه مل يبني لنا طرائـق هـذا االنتقـال يتبع ذلك االنتقال من تغيري ، باحلذف أو باإلضا وكيفياته ، وباألخص التجليات األدبية والفنية هلذا االنتقال، خاصة إذا علمنا أن أكرب ما مييـز

هو استلهامه لكثري من األسـاطري - أي املرحلة الوثنية -األدب اإلغريقي يف مرحلته األوىل قية ، ألا مل تتجسد فنيا وأدبيا إال من خالل األدب واملعتقدات اليت كان يظن ويعتقد أا إغري

اإلغريقي الذي تبقى األساطري الشرقية مدينة له بشكل أو بآخر ، ومل تنتقـل آداب وفنـون الشرق ، يف مراحله املتقدمة إال من خالل األدب اإلغريقي واألورويب بصفة عامـة ، فكـأن

يني واألساطري الشرقية ، اليت ميكننا أن نالحقها هذين األدبني كانا واسطة بني املبدعني الشرق ونكشف عنها يف األعمال األدبية متوسلني املنهج النقدي األسطوري ، وباملعايري الثالثة الـيت

، يف مقاربة نص روائي للكاتب ) التجلي ، واملطاوعة ، واإلشعاع " ( بيار برونال " وضعها ، للوقوف على جتليـات األسـاطري " ات والقصر احلو" اجلزائري الطاهر وطار املوسوم بـ

الشرقية يف هذا العمل الروائي ، مركزين على بعض األساطري الشرقية اليت وظفها ، كأسطورة ، وأسطورة أزوريس ، وأسطورة البطل ، وأسـطورة القضـاء والقـدر ، ) 7(العدد سبعة

...وأسطورة تعدد اآلهلة ، وأسطورة القرابني ، وأسطورة االنسالخ

.357 فراس السواح ، مغامرة العقل األوىل ، ص - ) 1

- 35 -

العدد سبعة األسطوري - 1

مل تعرف الثقافة الشرقية عددا أحيط الة من القداسة األسطورية ، مثلما أحيط العدد يف التراث الشرقي ، بل وجدنا أن قداسته مل تقتصر على الفكر الشرقي ، بـل - 7 -سبعة

هذا العدد مكانـة مرموقـة يف الـتفكري فقد تبوأ . شاعت يف كل الثقافات اإلنسانية البدائية البدائي ، جلميع الشعوب ، وهو موجود يف التقاليد ، والسحر ، والفولكلور ، والديانات لدى جل األمم منذ العصور القدمية خاصة لدى السحرة واملشعوذين الذين تعاملوا كثريا مع هـذا

قصة لقمان بن عاد ، حيث جند العدد ، الذي جنده يتكرر كثريا يف أسطورة النسور السبعة يف النسور السبعة ، والبيضات السـبعة ، واألمكنـة السـبعة ، : كل شيء يتكرر سبع مرات

.)1(... واهلواتف السبعة

عند العرب ، املؤسسة الوطنية للكتاب اجلزائر ، والدار التونسـية عبد امللك مرتاض ، امليثولوجيا - ) 1 للنشر ، تونس

- 36 -

واحلقيقة أن قداسة هذا العدد ليست قداسة ذاتية ، وإمنا استمدها من املصادر الدينية ، .ليت وظفت هذا العدد مساوية كانت أم وثنية ، إىل جانب األساطري ا

وبالنسبة إىل الديانات السماوية ، ال يكاد الكتاب املقدس خيلو من هذا العدد ، إذ جاء بأسطورة اخللق والتكوين اليت تقسم عملية اخللق زمنيا " سبعة " يف العهد القدمي ارتباط العدد

اهللا اليوم السابع وقدسـه وبارك « :على ستة أيام ، كان سابعها فراغ اإلله من عملية اخللق اذكر يوم السبت « : ، وجاء أيضا )1( »ألنه فيه استراح من مجيع عمله الذي عمل اهللا خالقا

»لتقدسه ، ستة أيام تعمل ، وتصنع مجيع عملك ، أما اليوم السابع ففيه سبت للرب إهلـك )2(.

ارتبطت بأسـطورة ومل تقتصر قداسة هذا العدد على أسطورة اخللق أو التكوين ، بل : الطوفان كذلك ، إذ كلم اهللا نبيه نوح ليبني له األنواع اليت يأخذها معه يف الفلك ، فقال له

ومن البهائم الـيت ليسـت . من مجيع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى « تبقاء نسل على طاهرة اثنني ذكر وأنثى ، ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة ذكرا وأنثى الس

.)3( »وجه كل األرض ، ألين بعد سبعة أيام أمطر على األرض أربعني يوما وأربعني ليلة حبوارات السيد املسـيح ، إذ ) 7(أما يف العهد اجلديد ، فارتبطت قداسة العدد سبعة

يا رب كم مرة خيطئ إيل أخي وأنا أغفر له هل إىل سبع مرات « : جاء يف حواره مع بطرس .)4( »ال أقول لك إىل سبعمرات بل إىل سبعني مرة سبع مرات : قال له اليسوع .

: ، عندما نصح املسيح تالميذه قائال هلـم " لوقى " وجند حديثا شبيها ذا يف إجنيل وإن أخطأ إليك أخوك فوخبه ، وإن تاب فاغفر له ، وإن أخطأ إليك سبع مرات يف اليـوم «

.)1( »أنا تائب ، فاغفر له : قائال ورجع إليك سبع مرات

.72 ، ص 1989 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، التكوين ، اإلصحاح الثاين - ) 1 . املرجع نفسه ، العهد القدمي ، اخلروج ، اإلصحاح الثاين - ) 2 .كوين ، اإلصحاح السابع الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، الت- ) 3 .إجنيل مىت ، اإلصحاح الثامن عشر : الكتاب املقدس ، العهد اجلديد - ) 4

- 37 -

ارتبط برؤية يوحنا الالهويت ، ) 7(كما نالحظ يف كتاب العهد اجلديد أن العدد سبعة الذي زعم أنه فتح له باب يف السماء ، وأمر بالصعود إىل السماء لريى عجائب كثرية تعرفـه

يا نعمة لكم وسالم من الكـائن ، يوحنا إىل السبع الكنائس اليت يف أس « :باملستقبل ، إذ جند وتتواصل قصة يوحنا يف رحلتـه يف . )2( »والذي يأيت ومن السبعة األرواح اليت أمام عرشه ) ...7(السماء ، وكانت هلا عالقة كبرية مع العدد سبعة

ويف القرآن الكرمي ، حافظ هذا العدد على حضوره الديين ، طاملا أن اإلسالم مل يناقض السماوية متاما ، وإمنا جاء مهيمنا عليها ومصححا ملا دخلها من حتريف وتزييـف ، الديانات

والدليل على ذلك أن معظم القصص اليت جاءت يف التوراة واإلجنيل ذكرت يف القرآن الكرمي مبـا جـاء يف التـوراة ... عندما نقارن ما جاء يف القرآن « مع بعض االختالفات ، إذ أننا

اختالفا كثريا ، فمعظم القصص اليت وردت يف الكتاب املقدس بعهديه القدمي واإلجنيل ال جند واجلديد ، وردت أيضا يف القرآن مع بعض االختالف يف التفاصيل ، مثل قصة خلق الكون ،

.)3( »... وحادثة الطوفان ، وقصص األنبياء القدمي ، إذ قال تعاىل فال جند يف القرأن الكرمي ذكرا لليوم السابع مثل ما ورد يف العهد

. )4(} اهللا الذي خلق السموات واألرض وما بينهما يف ستة أيام ، مث استوى على العرش { وقـال { حضورا هلذا العدد ، يقول عز وجـل - عليه السالم -كما جند يف سورة يوسف

يا امللك إين أرى سبع بقرات مسان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبالت خضر وأخر يابسات ، .)5(} أيها املأل أفتوين يف رؤياي إن كنتم للرؤيا تعربون

.إجنيل لوقى ، اإلصحاح السابع عشر : الكتاب املقدس ، العهد اجلديد - ) 1 .رؤية يوحنا الالهويت ، اإلصحاح األول : إجنيل يوحنا : الكتاب املقدس ، العهد اجلديد - ) 2 يف التراث الديين واإلنساين ، جملة املساءلة ، أحتاد الكتاب اجلزائريني 7 األمني حممد الصغري ، العدد -) 3

.133 ، ص 1992 اجلزائر 3 و 2، العدد .07: السجدة - ) 4 .42: يوسف - ) 5

- 38 -

هلـذا العـدد يف « يف اإلسالم مبمارسات طقوسية ، إذ جند) 7(وارتبط العدد سبعة اإلسالم شأنا أي شأن ، حيث يتكرر يف كثري من الطقوس ، اليت منها احلج حيـث يكـون

ط ، والرمي بسبع حصيات ، والسـعي بـني الطواف بأنواعه الثالثة حول الكعبة سبعة أشوا : ويتردد عدد سبعة يف القرآن الكرمي أيضا كثريا ، وباحلسـبان ... الصفا واملروة سبع مرات ومل حيدث ألي عدد آخر أن يتردد مثله ، وال حىت قاربه يف الترداد . يتردد أربعا وعشرين مرة

.) 1( »مما جيعل حلضوره القوي يف القرآن داللة خاصة أما يف االعتقادات الشعبية ، فإن العدد سبعة وجد جماال يف ممارسة قداسته وتأثريه على

وقاية من " التسبيع " الثعبان أو الغول ذا الرؤوس السبعة ، واللجوء إىل : النفوس ، إذ جند مثال ...العني واحلسد ، وجند كذلك عجائب الدنيا السبعة

لشعبية اخلرافية ، مثل قصة لقمان بن عاد والنسـور كما ارتبط العدد سبعة بالقصص ا وعدة قصص أخرى يتكـرر فيهـا ... السبعة ، وقصة السبعة أقزام ، وأسطورة أهل الكهف

.العدد سبعة باستمرار وإىل جانب االعتقادات الدينية والشعبية يسجل العدد سبعة، يف كل الثقافات، حضورا

ليونان احلكماء السبعة ، وللفضاء الكواكب السبعة ، وللثريا فلروما الروايب السبع ، ول : مميزا النجوم السبع ، وللموسيقى الطبوع السبعة ، ويف املسيحية واليهودية البقر السـمان السـبع والعجاف السبع ، وللشمعدان الفاخر سبعة أغصان فيها تغرس سبع مشوع ، ويف كل الديانات

دية واملسيحية املزامري السبعة ، ويف املسـيحية األسـرار السماوية املوبقات السبع ، ويف اليهو ..)2(السبعة ، والكلمات السبع للمسيح ، ويف تاريخ احلضارة اإلنسانية العجائب السبع

ويبدو من كل ما سبق ، أن هلذا العدد أمهية وقيمة إنسانية يف تاريخ األمم واألفـراد ، ورات الكربى والصغرى يف تاريخ األمـم واألفـراد هو يوم احملا « :كما أكده أحد الباحثني

واتمعات ، هو ملحمة الصراع اليت ال تنتهي منذ استراح الرب بعد أن خلق العامل يف سـتة

، 1987ة ، اجلزائر عبد امللك مرتاض ، عناصر التراث الشعيب يف الالز ، ديوان املطبوعات اجلامعي- ) 1 .25ص

.25 املرجع السابق ، ص - ) 2

- 39 -

على خشبة الصلب ، وهو صراع الفكر كما أنـه ) عليه السالم (أو منذ رفع املسيح ... أيام حلياة ذاا من أدق تفاصيلها وشـؤوا صراع الفن ، ولكنه قبل الفكر وبعد الفن هو صراع ا

.) 1( »الصغرية إىل كلياا الفلسفية الكربى ويرى هذا الباحث أن للعدد سبعة عالقة مع الصراعات احلياتية يف أدق تفاصيلها ، إذ

وقد تروى له حكايات وأشياء كثرية . مير اإلنسان عرب مراحل حياته بتجارب عديدة وخمتلفة ذاكرته ، ويكبت البعض اآلخر يف الشعوره ، ولكن يبقى هذا الكبت يؤثر حيتفظ ببعضها يف

بكل ما اكتسبه عن طريق الدين أو املعتقـد ، - سلبا أو إجيابا -ويتأثر اإلنسان . يف سلوكه ومن األمثلة على ذلك ، العدد سبعة ، الذي يرافق اإلنسان منـذ . فترسخ األفكار يف ذاكرته

دد آخر ، حيث ارتبط هذا العدد بفكرة اإلنسان الدينية ومعتقده الشعيب طفولته أكثر من أي ع سبعة مسوات ، سبع أراٍض ، : املتداول عرب آالف السنني ، إذ يفتح اإلنسان عينيه على فكرة

...سبعة أيام ، "احلوات والقصر " وقد استنفد الطاهر وطار الطاقة األسطورية للعدد سبعة يف روايته

ملا حيملـه « ، وذلك )2(وظيفا فنيا الفت للنظر ، إذ جتلى هذ العدد عدة مرات حيث وظفه ت هذا العدد من دالالت هلا ارتباط وثيق باعتقادات شعبية ، تظهر خاصة يف دوران املريض حول

، وتردده على األماكن اليت يعتقد فيها الشفاء سبع مرات ، ويف انتشاره بكثرة "الوايل "ضريح شعيب واخلرايف ، وهذا إن دل على شيء فإمنا يدل على الدور البارز الذي يلعبـه يف القصص ال

.7 ، ص 1980 غايل شكري ، حماورات اليوم السابع ، دار الطليعة ، بريوت - ) 1 . 1984 ، املؤسسة الوطنية للكتاب ، اجلزائـر 2، ط ) رواية ( الطاهر وطار ، احلوات والقصر - ) 2

، 106 ، 105 ، 103 ، 81 ، 78 ، 68 ، 54 ، 39 ، 28 ، 24 ، 20 ، 12: انظر الصفحات 108 ، 115 ، 118 ، 127 ، 129 ، 130 ، 134 ، 142 ، 145 ، 158 ، 161 ، 168 ، 180 ، 185 ، 194 ، 202 ، 203 ، 206 ، 235 ، 239 ، 248 ، 258..

- 40 -

الذي أعطى بدوره ... هذا العدد يف الذاكرة الشعبية اليت كان رافدها األول الدين اإلسالمي .)1( »أمهية خاصة هلذا العدد

صـل قـنص بعد اليوم السابع من رحلته يف الغابـات ، يوا « :وقد جاء يف الرواية لقد خنقتها بإصبعني ويف وسعي أن أخنق سبعة منكم بيد واحـدة « : ، وكذا )2( »الوعول

«)3 (

هذه قرية بين هرار ، دعا عنها نيب مل يتمكن من تبليغ رسالته أال يسكنها « :وجند أيضا قوله .)4( »غري لقيط أثيم هرب من قومه ، فيه الرذائل السبع والعيوب السبع

بوضوح على جممل املنت الروائي ، حيث شغل مساحة قرائيـة " سبعة " ى العدد فتجل كبرية ، وخلق أجواء اسطورية أشاعت على الفضاء الروائي ، وجعلت الرواية تتـداخل مـع

.أجواء السرية الشعبية والقصة اخلرافية وامللحمة ـ ر األسـطوري ، أما من ناحية املطاوعة ، فلم تكن هناك مطاوعة كبرية هلذا العنص

باستثناء استعمال بعض مضاعفاته كالعدد سبعة وسبعني وسبعمائة ، فجاء يف الروايـة قـول ، ويقول )5( » األعداء الذين هلم سبع وسبعون صفة ، وينطقون بسبع وسبعني لغة « :وطار

قتلـك ، . والرد عن العدو ، ال يكون إال بأسلوب العدو ، مضاعفا سبع مرات « :كذلك أقتله ، أهانك مرة ، أهنه عشرين مرة ، أذلك ، أذللـه ، افتض بكرة عذراء لـك ، افـتض

، 1986، اجلزائر حممد بشري بوجيرة ، الشخصية يف الرواية اجلزائرية ، ديوان املطبوعات اجلامعية - ) 1 .125ص

.12 الرواية ، ص - ) 2 .24 املصدر نفسه ، ص - ) 3 .54 املصدر نفسه ، ص - ) 4 .134 املصدر نفسه ، ص - ) 5

- 41 -

وعندما تيقظ فيها اجلانب الرجـويل ، « :وجند أيضا قوله . ) 1( ».. بكرة سبعني عذراء منه .)2( »أمرت جبلده سبعمائة جلدة

ملقاومـة العنصـر إن مطاوعة العدد سبعة كانت باهتة نظرا - إذن -نستطيع القول الكمية ، ولكن املبدع حاول إعطاءه صبغة الشـمولية -األسطوري الناجتة عن طبيعته الرقمية

.على النص األديب ، إذ وظفه مفردا ومضاعفا ولقد ورد العدد سبعة يف القرآن الكرمي ، مفردا ومضاعفا إىل العشـرات واملئـات ،

وجاء يف . )3(} هلم سبعني مرة ، فلن يغفر اهللا هلم استغفر هلم أو ال تستغفر { : كقوله تعاىل مثل الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل اهللا كمثل حبة أنبتـت سـبع { الترتيل قوله تعاىل كذلك

.)4(} سنابل يف سنبلة مئة حبة ، واهللا يضاعف ملن يشاء مـل وحبضوره البارز يف كل مساحة الرواية ، أشع هذا العدد األسـطوري علـى الع

اإلبداعي كله وأكسبه صفته األسطورية ، اليت توحي بالكثرة من جهـة ، وخباصـية الـرقم الطلسمية أو السحرية ، حسب املعتقدات السامية القدمية املرتبطة بالرقم عموما ، وبالرقم سبعة

.على وجه اخلصوص

أسطورة أوزوريس- 2

الشر ، إذ كان أوزوريس إلـه جسدت أسطورة أوزوريس الصراع األزيل بني اخلري و اإلله املستغل ، اجلشع ، الذي -" ست " اخلصب والنماء ، جيسد اخلري ، بينما جسد شقيقه

.235 الرواية ، ص - ) 1 .130 املصدر نفسه ، ص - ) 2 .80: التوبة - ) 3 .261: البقرة - ) 4

- 42 -

الشر ، واستغل تسامح أوزوريس للكيد له ، -يطمح إىل السيطرة بكل الوسائل غري األخالقية .)1( أقاليم مصر إذ متكن يف األخري من تقطيع جسده إربا إربا ، وإلقاء أشالئه يف كل

أشهر األساطري املصـرية القدميـة ، أسـطورة إيـزيس « ويرى كمال احلناوي أن وأوزوريس أو قصة الصراع بني اخلري والشر ، وهي قصة خالدة باقية ، تتكرر يف كـل ديـن

.)2( »وتتخلل كل عقيدة ري والشـر ، يف تيمة اخل " احلوات والقصر " ويتجلى هذا العنصر األسطوري يف رواية

الشاب الطيب الذي شذ عن إخوته الثالثة ، وعن كثري « اليت جسدا شخصية علي احلوات . مل يتعد على أحد . مل يكذب مرة . مل يسرق يوما . من أقاربه ، فابتعد عن طريق الضاللة

.)3( »كان مثال الشباب املستقيم . مل يثلب يف عرض ، أو يتعرض بسوء لغريه يف األسطورة ، فهـو فخـر " أوزوريس " اخلري هذه جسدا كذلك شخصية وتيمة

.)4(الفتيات احملبوب ، ذو الصفات احملمودة من كمال خلقه ، ومحيد سجاياه كما يتجلى هذا العنصر األسطوري من خالل تيمة نزعة املساعدة اليت جتسدت عنـد

رته يف الصيد إلطعام سكان القرية ، حىت ، ابن القرية البار ، الذي سخر مها " علي احلوات " يترقبه كل سكان القرية ليوزع عليهم بامسا صيده ، هذا مسكة ، وذاك اثـنني ، وذاك « أصبح وكلما مر به أحد ، أو اقترب منه ، سأله عن عدد أفراد أسرته ، وأعطى له مقـدارا ... ثالثة

. ) 5( »من السمك كان يعامل الفالحـني معاملـة « الذي " وزوريس أ" هذه التيمة جندها يف شخصية

. )6( »حسنة ويساعدهم على شق القنوات ، وخيترع هلم اآلالت اليت تساعدهم يف الزراعـة

1 ) - Ann-Deborah Levy-Bertheray , Isis , dictionnaire des mythes littéraires , p. 818 . .3 كمال احلناوي ، أساطري فرعونية ، منشورات املكتبة املصرية ، صيدا بريوت ، ص - ) 2 .17 الرواية ، ص - ) 3 .25 حممد عصمت ، الكاتب العريب واألسطورة ، ص - ) 4 .18 الرواية ، ص - ) 5 .25كاتب العريب واألسطورة ، ص حممد عصمت ، ال- ) 6

- 43 -

ويتمثل التجلي الثالث هلذا العنصر األسطوري يف تيمة التسامح يف شخصييت أوزوريس هم به ، جيسد تساحمه يف حواره وعلي احلوات ، هذا األخري الذي عفا عن إخوته ، رغم تنكيل

»أخي مهما كان األمر ، وعلي احلوات ال ميكن أن حيقد على أخيه ، أبدا ، أبدا « الداخلي )1 (

. لقد عقدت العزم أن ال أتعرض لكم بسوء إطالقـا « :ويتجلى أيضا يف قوله ألحد إخوته وهنا يلتقي مع أوزوريس ، . )2( »أنتم إخويت أوال وقبل كل شيء ، فكيف يل أن أضركم ؟

وعفـا عـن " إزيس " استتب األمر ورد كرامة زوجته « الذي كان متساحما ، عفوا ، حني . ) 3( »" ست"

كما يتجلى هذا العنصر األسطوري يف تيمة التنكيل ومتزيق األعضاء ، فعلي احلـوات د علي احلـوات يـده إن فق .. لقد حزت يده اليمىن حىت املرفق .. طعن يف أعز ما ميلك «

استيقظ علي « البتر ، حني " موتيف " ويتكرر . )4( »اليمىن، فماذا يبقى له ليكون حواتا ؟ قلبه يتعسر ، وشيء كاحلز بالسكني .. احلوات، على الضجيج ، وعلى األمل يف ذراعه اليسرى

، وكذا حني صاح )6( »انتزع لسانه « ، مث حني )5( »أو الكي بالنار ينبعث من ذراعه اليسرى " أوزوريس"وهي التيمة نفسها اليت جندها يف أسطورة . )7( » فالتفقأ عيناه « " :جابر " أخوه

مـن جديـد ) أوزوريس ( فتك به « الذي " ست " الذي تعرض للتنكيل من طرف أخيه "وقطع جسده إربا إربا، إىل أربعة عشر قطعة ، وأرسل أتباعه يلقون كل جزء مـن جسـم

قطع جهاز التناسل « وذلك بعد أن . )8( » يف إقليم من أقاليم مصر األربعة عشر "أوزوريس

.225 الرواية ، ص - ) 1 .248 الرواية ، ص - ) 2 .25 حممد عصمت ، الكاتب العريب واألسطورة ، ص - ) 3 .134 الرواية ، ص - ) 4 .227 الرواية ، ص - ) 5 .243 الرواية ، ص - ) 6 .264 الرواية ، ص - ) 7 .28 واألسطورة ، ص حممد عصمت ، الكاتب العريب- ) 8

- 44 -

وتلتقي األعضاء املبتورة مبدلوالت اخلصب؛ . )1( »ألوزوريس ودفنه يف مكان ال يعمله إال هو ، فالذراع املبتورة بالنسبة إىل علي احلوات هي وسيلة االسترزاق ، أي احليـاة واالسـتمرار

وكذلك الشأن بالنسبة إىل عضو التناسل يف األسطورة ، فهو عضو اإلخصـاب ، أي احليـاة .واالستمرار كذلك

ويتجلى العنصر األسطوري كذلك يف تيمة املرأة ، إذ عندما رحل علي احلوات مـن ستتوىل العـذراء « قرية التصوف ، جعل من العذراء القائمة على أمور القرية إىل حني عودته

.)2( »قيادم عندما أعود ، أساعدها على ذلك عندما ذهب أوزوريس يف رحلة الشرق « وهي التيمة ذاا اليت جندها يف األسطورة إذ

.) 3( »" إزيس " أناب عنه يف احلكم زوجته ... ليعلّم الناس ما علمه للمصريني حيث أرادت القرى السبع كما يتجلى هذا العنصر األسطوري يف تيمة الثأر واالنتقام ،

لقد أضحت قرية الثأر للشرف . مل تبق قرية تصوف « االنتقام لعلي احلوات ، فقرية التصوف أعلنـوا يف « :وجاء يف الرواية كـذلك . )4( »سنثأر ألعيننا ، سنثأر ليدك . سنثأر لعذرانا

وتتجلى تيمة الثـأر . )5( »ساحة قرية التحفظ أنه لن يهدأ هلم بال حىت ينتقموا لعلي احلوات يف أسطورة أوزوريس ، إذ جسدها خوريس الذي استطاع أن ينتقم ألبيه خبوضه حربا ضـد

.) 6(وقتله وأصبح هو امللك احلاكم " ست " عمه استطاع الطاهر وطار أن يطوع هذا العنصر األسطوري مبا خيدم رؤيته الفنية ، وتبـدو

، الرجل الشعيب ، البسيط ، اليتيم مقابل شخصية " وات علي احل " هذه املطاوعة يف شخصية

.28 املرجع نفسه ، ص - ) 1 .74 الرواية ، ص - ) 2 .25 حممد عصمت ، الكاتب العريب واألسطورة ، ص - ) 3 .217 الرواية ، ص - ) 4 .254 الرواية ، ص - ) 5

6 ) - C. Carlier N. Gritton - Rotterdam , des mythes aux mythologies ( Ellipses) ed Marketing

Paris 1994 , p. 51 .

- 45 -

مسـعود (فهم ثالثـة : كما جند مطاوعة عدد اإلخوة . ، اإلله املقدس " أوزوريس " امللك كمـا طـاوع . بالنسبة ألوزوريس ) ست ( بالنسبة لعلي احلوات ، وواحد ) وسعد وجابر

الذي " ست " خصي ، عائلي عند الكاتب الدوافع إىل التنكيل ، فهو سياسي ، سلطوي ، ش طمح إىل احلكم ، أما عند علي احلوات ، فهو إجرامي للتخلص من أي خيط قد يـؤدي إىل

.اكتشاف أمرهم " علي احلوات " بعد تقطيعه ، وبقاء " أوزوريس " كما تبدو املطاوعة جلية يف موت

، الذي حيمل أحـالم اجلمـاهري على قيد احلياة ، ألن رؤية املبدع ال تريد هلذا البطل الشعيب العريضة أن يقرب ، وتقرب معه هذه الطموحات املشروعة ؛ فبقاؤه حيا معناه بقاء بصيص مـن

.األمل ، الذي ينري طريق أي مشروع ثوري ، يهدف إىل التغيري بنفسه، " علي احلوات " وفيما خيص تيمة الدموع والبكاء ، فقد مت تطويعها حني بكى

أما الـدموع يف أسـطورة . )1( » إن دموع علي احلوات أغرقت القصر يف فيضان يقال « إذ .) 2( »فاضت مياه النيل " إزيس " كلما بكت « فكانت دموع زوجته ، إذ " أوزوريس "

وجند مطاوعة أخرى تتمثل يف مكانة املرأة حيث متثل العذراء املرأة البسـيطة ، الـيت يف " إزيـس " قيت مشروع زوجة لعلي احلوات ، بينما تعتـرب تعيش يف قرية التصوف ، وب

.األسطورة الزوجة الفعلية ألوزوريس ، وهي ملكة وإهلة ترمز " أوزوريس " كما يبدو التوظيف العكسي للعنصر األسطوري يف كون شخصية

حلوات إىل السلطة اليت تلتحم باجلماهري ، لتحتضن آماهلا وآالمها ، بينما تسلك شخصية علي ا سبيال معاكسا ، إذ ترمز إىل البطل الشعيب الذي خيرج من رحم اجلماهري ليلـتحم بالسـلطة

أنا موافقة على تأجيل « مضحيا بسعادته الشخصية املتمثلة يف التأجيل املستمر لزواجه بالعذراء .)3( »العرس مرة أخرى حىت نفرغ من مسألة املسائل

.267 الرواية ، ص - ) 1 .27 حممد عصمت محدي ، الكاتب العريب واألسطورة ، ص - ) 2 .236 الرواية ، ص - ) 3

- 46 -

يمة الثأر تتحول من الدافع العائلي السياسي ، املـرتبط وتبدو املطاوعة جلية يف جعل ت باسترجاع السلطة املنتزعة ، إىل دافع مجاعي إذ ثارت اجلماهري ضد السلطة تعاطفا مع علـي احلوات ، البطل امللحمي ، الذي كان حامال ألحالم هذه اجلماهري ، وهو ما يعـزز فكـرة

ر أن هذا االرتباط صورة من صـور النمـاذج ارتباط الالوعي اجلمعي بأسطورة البطل باعتبا .(Archétypes)األوىل للتفكري

الذي جسد البطل امللحمي التراجيدي " علي احلوات " هذه السمة البطولية لشخصية ، أشعت على النص الروائي بأكمله وجعلته يلتقي مع الشخصيات األسطورية كـأوزوريس ،

يل املبدأ السامي ، وحتملـت األعبـاء واآلالم ، اليت ضحت يف سب ... وبرومثيوس ، ويسوع مسة البعث الذي يعقـب " أوزوريس " و " علي احلوات " فكان لعنصر التالقي بني شخصييت

أسـطورة ( أن األسـطورة « املعاناة والتضحية ، وهو ما يؤكده أحد الدارسني الذي رأى .)1( ») اخلري (ترمز إىل فكرة أبعد من ذلك ، وهي فكرة البعث ) أوزوريس

البطل أسطورة- 3

فهو يعترب . منوذجا أعلى للذات اإلنسانية - من املنظور النفسي التحليلي -ميثل البطل ، الذي جيد يف أسـاطري األبطـال وحكايـام إسـقاطات )2(املثل األعلى لالوعي اجلمعي

عي ، مث يتشخص هذا الالوعي وتعويضات هلزات اجتماعية عنيفة، مت كبتها يف عمق هذا الالو عن آمال اتمعات وآالمها من - ال شعوريا -فعربت هذه الصور . اجلمعي يف صور األبطال

.24 حممد عصمت محدي ، الكاتب العريب واألسطورة ، ص - ) 12 ) - Max Bilen , littérature et initiation , dictionnaire des mythes littéraires , p. 966 .

- 47 -

خالل ما أضفى على هذه الشخصيات واألبطال من تعظيم وويل ، وما نسجت حوهلم مـن اتمعاتخرافات وقصص بفعل التداول الشفوي ألخبارهم وسريهم عرب املسار التارخيي لتلك

مبا أحيطت من دراسات وجدل -ومل تتميز شخصية من شخصيات اتمع اإلسالمي - رضي اهللا عنـه -" علي بن أيب طالب " كما امتازت شخصية -ومبا الحقها من مبالغات

وال أدل على ذلك من عدد األحاديث املروية عنه واملنسوبة إىل الرسول صلى اهللا عليه وسلم ، )1(حديثا ، مل يصح منها سوى مخسون حديثا ) 686(ت حنو ستمائة وستة ومثانني واليت بلغ

. ومما زاد هذه الشخصية اهتماما بلغ درجة التقديس ما أحاطته فرق الشيعة به من تعظيم

مفرط مبين على خلفية أولوية هذه الشخصية باحلكم واخلالفة من منطق أفضلية اإلمام علي بعد نطلق يقيين راسخ عند اجلماعات اإلسالمية األوىل اليت تشيعت لإلمـام ، من م ) ص(الرسول

علي ، وكانت متشبعة بثقافة سياسية راسخة تارخييا ، تقوم على مبدأ الوراثة العرقية يف احلكم وهو مبدأ مل يكن سائدا بوضوح عند جل اجلماعات البشرية العربية يف اجلاهلية ، اليت كانت

.لي ، وليس وفق النظام الوراثي العرقي يف امللك تعيش وفق النظام القبملاذا اعتربت شخصية اإلمام علي أسطورة ميكـن أن نتتبعهـا يف : وللسائل أن يسأل

مقاربة النص الروائي كعنصر أسطوري ؟ احلقيقة أن هذه الشخصية هي شخصية متحققة الوجود تارخييا، لكنها شخصية تأسطرت

لديين والسياسي ، واختالطها بسري األبطال واملالحم الشعبية حىت بلغت بفعل الزمن واجلدل ا درجة من التهويل والتقديس ، أضفاه عليها بعدها الديين ، إذ اختذت القصص اليت نسـجت

.حوهلا طابع التسليم املطلق ، مما أسهم يف تأسطرها حماولة تتبـع جتلياـا ولقد أدى إقرارنا بتأسطر هذه الشخصية الدينية التارخيية ، إىل

ولعل أول جتٍل هلذا العنصر األسـطوري " . احلوات والقصر " كعنصر أسطوري داخل نص

- 4، الفصل يف امللل واألهواء والنحل ، الد الثالث ، ج ) أمحد بن حزم الظاهري ( ابن حزم - ) 1 .137 ، ص 1975 ، 2بريوت ، ط ، دار املعرفة ، 5

- 48 -

، وهو عنوان بارز يشغل حيزا قرائيا ، وميارس إغـراء ) احلوات والقصر ( يظهر منذ العنوان سـات من اهتمـام الدرا - يف أي عمل أديب -على القارئ ، وال خيفى ما أحيط به العنوان

. وأول عتبة لولوج عامل النص (para-texte)النقدية احلديثة باعتباره نصا موازيا فكلمة احلوات تشري إىل زمرة اجتماعية متعلقة مبهنة الصيد ، وهي الصفة اليت جنـدها

هذا االسم العلم يعترب أول جتٍل للعنصر األسطوري " . علي احلوات " لصيقة باسم بطل الرواية للذاكرة ، حمفز للقراءة والتأويل ، وال يقف هذا العنصر األسـطوري عنـد اسـم فهو حمرك

الشخصية احملورية ، بل يتعدى ذلك إىل صفاا اليت ميكن أن نعتربها عناصر أسطورية أبرزهـا .تيمة احملبة والتقديس اليت تبلغ درجة التأليه

عند خماطبتهم لعلـي ففي النص الروائي ، تتجلى هذه التيمة يف سكان إحدى القرى لقد نصبوك يف قلوم وليا من أولياء اهللا ، بل رسوال من رسله ، بل إهلا من اآلهلة « :احلوات

.) 1( »أنت وليهم ، وأنت نبيهم ، وملكهم ، وسلطام ، وإهلهم وهي التيمة اليت أحلقت بشخصية اإلمام علي بن أيب طالب من قبل بعض الفرق الشيعية حل يف علي جزء إهلي ، واختذ جتسده فيه ، وبه « ت تعتقد أنه معصوم ، وأنه إله ، إذ اليت كان

والرعد صوته، والـربق .. وبه كان حيارب الكفار ، وله النصرة والظفر ... كان يعلم الغيب .)2( »تبسمه ي عل"كما تتولد عن تيمة التقديس الوالء املطلق والطاعة العمياء اليت جتلت يف شخصية احننت ألول مـرة « اليت " بين هرار " اليت اكتسبت والء القرى السبعة مبا فيها قرية " احلوات

، وهي اليت ارتبطت بالعنصر )3( »يف تارخيها ، ومل يكن االحنناء ألحد ، سوى لعلي احلوات اآلخرة أفضل اخللق يف « األسطوري املتمثل يف اإلمام علي الذي يعد ، عند الكثري من الشعية

.)4( »... وأعالهم مرتلة يف اجلنة ، وأفضل اخللق يف الدنيا

.66 الرواية ، ص - ) 1 .269 ، ص 1969ريوت ، دار الكتاب العريب ، ب10 أمحد أمني ، فجر اإلسالم ، ط - ) 2 .151 الرواية ، ص - ) 3 .268 أمحد أمني ، فجر اإلسالم ، ص - ) 4

- 49 -

ويتجلى هذا العنصر األسطوري يف الرواية كذلك من خالل النور الذي حييط بشخصية النور يشع من وجهه ، احلنان ينبعث من عينيـه ، الـرباءة « ، الذي كان" علي احلوات "

) علي احلـوات ( هناك من يرى فيه « فوق كل ذلكو . )1( »تتراقص على جبينه ووجنتيه وتيمة النور هذه ميكن الوقوف عليها ، فيما كانت تعتقد بعض . )2( »أصل النور الشعشعاين

فرق الشيعة من نزول للنور من السماء ليشمل آل البيت مبا فيهم علي وأبناؤه ، وخباصة الفرقة النور تنتقل مـن آدم إىل علـي بوسـاطة األنبيـاء الشيعية البيانية ، اليت تعتقد أن قطعة من

.)3(والصاحلني وينتقل هذا النور إىل األئمة حىت آخر العامل كما يتجلى هذا العنصر األسطوري يف النص من خالل تيمة املناصـرة ، إذ ناصـرت

. )4( »علي احلوات يستنصـر ، أنصـروه « القرى السبع علي احلوات عندما نادى أحدهم فالشيعة نصرت اإلمام علي ضد معاوية : تيف املناصرة هذا مرجع يف العنصر األسطوري ومو

.) 5(فحاربت األمويني معه ويتجلى هذا العنصر األسطوري من خالل تيمة العصمة من اخلطأ ، فعلـي احلـوات

ابتعد عن طريق الضاللة ، مل يسرق ، مل يكذب مرة ، مل يتعد على أحـد ، مل يثلـب يف « وتتجلى هـذه التيمـة يف . )6( »ض أو يتعرض بسوء لغريه ، كان مثال الشباب املستقيم عر

ال جيوز اخلطأ عليهم وال يصـدر « شخصية علي بن أيب طالب املعصوم ، هو ومن بعده ، إذ )7( »منهم إال ما كان صوابا ، ومنها رفع مقام علي عن غريه من الصحابة حىت أيب بكر وعمر

.

. 62 الرواية ، ص - ) 1 .153 الرواية ، ص - ) 2

3 ) - Mokhtar Nouiouat , l’inspiration shiite chez le poète el Souyyad el Himyarri , thèse de

doctorat d’état , Sorbonne Paris IV , Paris , p 612 . .192 الرواية ، ص - ) 4 .275 أمحد أمني ، فجر اإلسالم ، ص - ) 5 .17 الرواية ، ص - ) 6 .268 أمحد أمني ، فجر اإلسالم ، ص - ) 7

- 50 -

فية تطويع الكاتب هلذا العنصر األسطوري ، فيتجلى يف البعد االجتمـاعي أما عن كي فاإلمام علي صحايب ، وخليفة راشد ، وقائد عسكري ، وإمام فقيه ، وابن عم : للشخصيتني أما علي احلوات ، فهو شخص جمهـول النسـب ، . ، وزوج ابنته فاطمة ) ص ( رسول اهللا

جمرمني ، نكلوا به شر تنكيل ، وهي عناصر ال جنـدها حوات بسيط ، له ثالثة إخوة أشرار ، .يف شخصية اإلمام علي كرم اهللا وجهه

كما ختتلف الشخصيتان يف نوعية األهداف ، اليت عملت ألجلها كـل شخصـية ، أما علي احلوات ، فقد . فشخصية اإلمام علي حاربت لنصرة الدين اإلسالمي ، والتمكني له

.ضية ، إذ كان يناضل من أجل العدالة واملساواة محل اهلم االجتماعي كقفاإلمام علي مات مطعونا غدرا ، أما علي : ويظهر اخلالف أيضا يف مصري الشخصيتني

احلوات ، فرغم ما لقيه من تنكيل ، فقد تضاربت حول ايته اآلراء ، وإن كانت ايته هـي .انتصار القرى السبع

ر األسطوري على النص الروائي ، فقد جتلت يف جعل أما عن كيفية إشعاع هذا العنص ينتقل من بطل روائي إىل بطل شعيب ملحمي ، ويسـمو إىل مراتـب " علي احلوات " البطل

األنبياء والصاحلني ، كما جعل الرواية تتداخل مع املالحم الشعبية وسري األبطال ، مبا يكتنفها سطوري الذي سـاهم يف البنـاء الـدرامي من أجواء أسطورية خلقها إشعاع هذا العنصر األ

" علي احلوات " أما فيما خيص « :ألحداثها ، وهذا ما يقر به الروائي نفسه يف أحد حواراته فكان من مجلة األبعاد اليت وضعتها لشخصيته هي ربطه بتارخينا ، وبالتـايل حماولـة اقتدائـه

كـل " علي احلوات " ية ، ينهزم وحىت يف مسار الروا .. بشخصية اإلمام علي بن أيب طالب مرة مثلما ازم علي بن أيب طالب ، ولكن اهلزمية لعلي احلوات كانت االنتصار بالنسبة للقرى

.)1( »السبع وهلذا االرتقاء إىل مصاف األنبياء ، الذي أشرنا إليه ، والذي أسـهم فيـه العنصـر

ه التيمة جتلت يف النص الروائي مـن فهذ. األسطوري ، تفسريه من خالل تيمة الرؤيا واحللم

.88 ، ص 1988 ، أفريل 4 عبد العايل زراقي ، حوار مع الطاهر وطار ، جملة اجليل ، عدد - ) 1

- 51 -

يف ليلة واحدة ، يا علي احلـوات ، « خالل رؤية قرية التصوف لعلي احلوات يف منامهم ، إذ وهـي . )1( »رآك مجيع أهل القرية يف منامهم ، حلموا بك حلما واحدا ، يا علي احلـوات

أين قد حلمـت « التوراة ، فقد جاء يف - عليه السالم -التيمة اليت جتسدت يف قصة يوسف وقصه على أبيه وعلى إخوته . حلما أيضا وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدة يل

، فانتهره أبوه وقال ما هذا احللم الذي حلمت ، هل نأيت أنا وأمك وإخوتك لنسجد لـك يف مي قوله تعاىل كما ورد يف القرآن الكر . )2( »وأما أبوه فحفظ األمر . فحسده إخوته . األرض

إذ قال يوسف ألبيه يا أبيت إين رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم يل ساجدين { {)3( .

ويضاف إىل هذه التيمة موتيف حتقق احللم الذي جتلى يف النص الروائي عندما حتقـق تصـوفني كل األقاويل جتمع على أن القصر انتهى وأن حلم امل « حلم قرية التصوف ، إذ أن

فدخل يهوذا وإخوتـه إىل بيـت « يف التوراة ) حتقق احللم ( فنجد هذه التيمة . )4( »حتقق قال يـا { ، وكذا يف القرآن الكرمي )5( »ووقعوا أمامه على األرض . يوسف وهو بعد هناك

. )6(} أبت هذا تأويل رؤياي من قبل ، قد جعلها ريب حقا يمة اإلخوة األشرار ، إذ جند يف الرواية أن إخوة علـي ونصادف جتليا آخر يتمثل يف ت عاقبوه شر عقاب ، انتزعوا منه يديه ، حىت تنتزع عنه صفته ، وانتزعوا لسانه حىت « احلوات

، ) قصة يوسف ( وهي تيمة مستمدة من القصة ذاا . )7( »ال يقول لكم احلقيقة اليت رآها ء يوسف إىل إخوته إم خلعوا عن يوسـف قميصـه ، ملا جا « فقد جاء يف الكتاب املقدس

.63ص الرواية ، - ) 1 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، التكوين ، اإلصحاح السابع والثالثون - ) 2 .04: يوسف - ) 3 .268 الرواية ، ص - ) 4 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، التكوين ، اإلصحاح الرابع واألربعون - ) 5 .100: يوسف - ) 6 .245 الرواية ، ص - ) 7

- 52 -

أما يف القرآن الكرمي ، فقد جـاء . )1( »أخذوه وطرحوه يف البئر . القميص امللون الذي عليه اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا خيل لكم وجه أبيكم وتكونوا من { على لسان إخوة يوسف

.)2(} بعده قوما صاحلني مثلة يف العفو والتسامح ، حيث صفح علي احلـوات عـن كما تتجلى تيمة أخرى مت

أنتم . لقد عقدت العزم على أن ال أتعرض لكم بسوء إطالقا « إخوته رغم كل ما لقيه منهم وهي تيمة تلتقي مع عفو يوسف عن . )3( »إخويت أوال وقبل كل شيء فكيف يل أن أضركم

وبكـى . ع على عنق بنيامني أخيه وبكى مث وق « إخوته وتساحمه معهم ، إذ جاء يف التوراة ، كما )4( »وقبل مجيع إخوته وبكى عليهم ، وبعد ذلك تكلم إخوته معه . بنيامني على عنقه

قال ال تثريب عليكم اليوم ، يغفر اهللا لكم وهـو أرحـم { جاء يف القرآن الكرمي قوله تعاىل .)5(} الرامحني فعلي احلـوات مل : توظيفها توظيفا عكسيا ومتت مطاوعة تيمة احللم هذه من خالل

يكن صاحب احللم ، بل كان موضوعا هلذا احللم ، خبالف حلم سيدنا يوسف ، الذي كـان .صاحب احللم وموضوعه يف آن واحد

: كما جند مطاوعة أخرى تتمثل يف اختزال عائلة يوسف يف النص الروائي إىل الثلـث إىل جانـب تطويـع . دد عائلة علي احلوات فهو أربعة فأبناء يعقوب اثنا عشر فردا ، أما ع

موتيف التوبة ، إذ جند أن إخوة علي احلوات مل يتوبوا يف النهاية ، بل ازدادوا قساوة وتعنت ، أيستشعر أحد الظلم يف سـلطنيت ؟ إن هـذا ال . فلتفقأ عيناه « وهو ما جيسده موقف جابر

يوحي بشدة معاناة علي احلـوات حـىت النهايـة ، ، األمر الذي )6( »يكون إال من األعداء

.قدس ، العهد القدمي ، التكوين ، اإلصحاح السابع والثالثون الكتاب امل- ) 1 .09: يوسف - ) 2 .248 الرواية ، ص - ) 3 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، التكوين ، اإلصحاح اخلامس واألربعون - ) 4 .92: يوسف - ) 5 .264 الرواية ، ص - ) 6

- 53 -

أما إخوة يوسف . وبالتايل يبني عن عظته البطولية ألنه عاىن وصمد من أجل احلق حىت النهاية قالوا يا أبانا استغفر لنـا { فتابوا وندموا على ما فعلوه بيوسف ، إذ جند يف القرآن قوله تعاىل

أثرا ملطاوعة تيمة التسامح ، بل حافظت على عناصرها وال جند . )1(} ذنوبنا إنا كنا خاطئني . كما هي يف املصدر األسطوري

ونظرا إىل كون املطاوعة يف تيمة حتقيق احللم والعفو مل تكن كبرية ، إذ ظلت باهتة ، فقد أثر ذلك على اإلشعاع الذي مل يكن كبريا على النص الروائي بفعل التوظيـف اجلزئـي

.غري املتصرف فيه بالتحوير أو التشويه أو الزيادة أو النقصان للعنصر األسطوري ووإذا كان النص قد استثمر تيمة احللم وحتقيقه ، والتسامح يف قصة يوسف وإخوتـه ،

فإنه وظف تيمة املعجزة كخاصية من خصائص األنبياء ، وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه سالفا من . تضافر عناصر أسطورية إىل مرتبة األنبياء كون شخصية علي احلوات قد ارتقت ، بفضل

ضـرب « فعلـي احلـوات . وجند من بني معجزات األنبياء ، معجزة انفالق البحر »بقصبته املاء سبع ضربات، فانشق من حوله وبان القعر

وهي تيمة ال خيتلف اثنان حول . )2(قل لبين إسرائيل . تصرح إيل فقال الرب ملوسى ما لك « مصدرها الديين ، فقد جاء يف التوراة

فيدخل بنو إسرائيل يف وسـط . وارفع أنت عصاك ومد يدك على البحر وشقه . أن يرحلوا فأوحينا إىل موسـى أن اضـرب { كما جاء يف القرآن قوله تعاىل . )3( »البحر على اليابسة

.)4(} بعصاك البحر ، فانفلق فكان فرقا كالطود العظيم ة دون مطاوعة كبرية ، إذا ما استثنينا عدد الضـربات ، إذ بلغـت ووردت هذه التيم

إىل جانب - عليه السالم -سبعا عند علي احلوات ، مقابل ضربة واحدة عند سيدينا موسى فهي واد عند علي احلوات ، وحبر بالنسبة إىل موسى ، وعليه مل يكن هلـذه : منطقة الضرب

.جائيب للحدث الذي يوحي بعجائبية البطل التيمة إشعاع كبري ، ما عدا البعد الع

.97: يوسف - ) 1 . 206 الرواية ، ص - ) 2 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، اخلروج ، اإلصحاح الرابع عشر - ) 3 .23: الشعراء - ) 4

- 54 -

يقال أن السمكة ، عندما أنزهلا « وجند جتليا آخر هلذه التيمة املتمثلة يف املعجزات ، إذ علي احلوات راحت تصوت كاألفعى ، وخترج من لساا شواظا الزورديا ، لفعتهم احلـرارة

.) 1( »حورة اخلارقة ، فولوا هاربني ، ومر علي احلوات بسمكته املسإىل معجزة دينية أخـرى " املسحورة " ، و " لفعتهم " ، و " األفعى " وحتيلنا كلمات

قال ألقها يا موسـى ، { متثلت يف العنصر األسطوري ، إذ جاء يف القرآن الكرمي قوله تعاىل ا وجاء أيض . )2(} فألقاها فإذا هي حية تسعى ، قال خذها وال ختف سنعيدها سريا األوىل

بل ألقوا فإذا حباهلم وعصيهم خييل إليه من سحرهم أا تسعى ، فأوجس يف نفسه خيفـة { موسى ، قلنا ال ختف إنك أنت األعلى ، وألق ما يف ميينك تلقف ما صنعوا ، إمنا صنعوا كيد

.)3(} ساحر وال يفلح الساحر حيث أتى وحتول العصا والسمكة إىل ويلتقي العنصر األسطوري بالنص الروائي يف ظاهرة السحر

فهو عصا يف العنصـر األسـطوري : أفعى، وتكمن املطاوعة يف العنصر الذي حتول إىل أفعى ومسكة يف الرواية ، ورغم اختالف العنصرين من حيث الطبيعة ، إال أما يتقاربان من حيـث

لى غنمه وله الوظيفة ، فكالمها مهم عند صاحبه لتحقيق مآرب ، فالعصا يهش ا صاحبها ع فيها مآرب أخرى ، ، والسمكة سيتقرب ا صاحبها إىل السلطان ليحقق بـذلك مآربـه ،

. وسيلة لتحقيق مآرب الشخصيتني - أي العصا والسمكة -وبالتايل فهما دموع « وما يعزز ارتقاء الشخصية إىل مصاف األنبياء ، تيمة الدموع الغزيرة ، إذ أن

يف فيضان ، وأن جدران القصر وكل صخوره حتولت إىل ملـح علي احلوات أغرقت القصر وهلذه التيمة امتداد يف التراث الديين ، إذ روي عن النيب داود . )4( »وراحت تذوب وتذوب

بكى أربعني يوما ساجدا ال يرفع راسه حىت نبت املرعى من دموعـه « أنه - عليه السالم -

.59 الرواية ، ص - ) 1 .21 - 19: طه - ) 2 .69 - 66: طه - ) 3 .69 الرواية ، ص - ) 4

- 55 -

" هذا العنصر األسطوري عكسيا ، إذ أن دموع وقد وظف الكاتب . ) 1( »وحىت غطى رأسه كانت عنصر هدم وفناء ، بينما كانت دموع داود عامل إنبات وخصب ، ألن " علي احلوات

الرؤية الفنية تقتضي أن يؤدي نضال علي احلوات إىل التغيري االجتماعي والسياسي عن طريـق على أنقاض السـلطة القائمـة بعـد العنف الثوري ، ألن اتمع املنشود ال ميكن أن يبين إال

اإلحاطة ا ، وذا يتحول اهلدم إىل عنصر بناء ةإخصاب وبعث للحياة اليت حتلم ا اجلماهري .العريضة وآخر تيمة تتعلق بتيمة الدعاء الستجالب العقاب اجلماعي ، تتجلى هذه يف حلـول

ن من تبليغ رسالته أال يسكنها غري لقيط دعا عليها نيب مل يتمك « العقاب بقرية بين هرار ، اليت وهي تيمة ذات مصدر ديين . )2( »أثيم ، هرب من قومه ، فيه الرذائل السبع والعيوب السبع

وقال نوح رب { على قومه ، قال تعاىل -عليه السالم -، قد يكون مرجعه دعاء سيدنا نوح وا عبادك وال يلـدوا إال فـاجرا ال تذر على األرض من الكافرين ديارا ، إنك إن تذرهم يضل

.اخل ... وقد يكون دعاء أنبياء آخرين مثل صاحل عليه السالم ولوط . )3(} كفارا وجتلت هذه التيمة األسطورية دون مطاوعة تذكر ، ألن الدعاء بالعقاب سببه واحد يف

.لنيب النص ويف املصدر ، وهو االحنراف والضاللة ، واستحالة تبليغ الرسالة على اوكما نالحظ ، أسهمت عناصر أسطورية كثرية جمتمعة يف بنـاء شخصـية البطـل

األسطوري ، فالتحمت عدة تيمات يف حتديد مالمح هذا البطل كالتضـحية ، والتسـامح ، وهو تشـكيل أسـطوري ... وحتمل اآلالم ، ودعم القوى الغيبية ، واملعجزات ، واخلوارق

علي احلوات يرمـز « وعليه ، كان . و إىل مرتبة الكمال متشابك ومعقد ، جعل البطل يسم إىل شرحية من األفراد القادرين الذين ميثلون البطل املتسامي ، الذي يتجاوز ذاتـه ، وكـوابح

.95 زكي مبارك ، التصوف اإلسالمي ، منشورات املكتبة املصرية ، بريوت ، ص - ) 1 .54 الرواية ، ص - ) 2 .27 ، 26: نوح - ) 3

- 56 -

وهو البطل املثال الذي حلمت به جل اجلماعـات . )1( »حميطه لنشر القيم اإلجيابية يف عصره إنه ذلك اإلنسـان . هناك بأمساء خمتلفة ولكن اجلوهر واحد البشرية ، وال زالت حتلم به هنا و

العادل الذي يتجرد من كل العيوب والرذائل ويضحي بنفسه من أجل أخيه اإلنسـان ، إمـا .امتثاال لعقيدة أو حتقيقا لقناعة

أسطورة تعدد اآلهلــة- 4

هـا تفسـريا أدى ضعف اإلنسان أمام سلطان الطبيعة ، وعجزه عن تفسـري ظواهر إىل االعتقاد بوجود قوى غيبية تتحكم يف هذه الظواهر ، وتسريها وفقـا إلرادـا " منطقيا"

وقد اختذت هذه القوى عدة أشكال ومتظهرت حبسب اتمع وثقافته، كما تصور . وأهوائها ... هذا اإلنسان أن هذه القوى مثله ، حتب وتكره ، متـوت وحتيـا ، تتصـارع وحتـارب

.ذه القوى يف كل الثقافات واحلضارات يف فكرة اآلهلة وتعددهم وجتسدت هوإذا كانت الظواهر الطبيعية متعددة ، فإن تفسريها أرجعها إىل تعـدد اآلهلـة ، إذ أن

لكل ظاهرة إهلا حتكم فيها حبسب هواه ومصاحله ، وكان من الطبيعي أن يؤدي تعدد اآلهلـة فيما بينها ، وهو ما نقف عليه يف كل احلضـارات وتناقض أهدافها ومصاحلها ، إىل الصراع

إدريس بوذيبة ، الرؤية والبنية يف روايات الطاهر وطار ، منشورات جامعة منتوري قسنطينة - ) 1 .234 ، ص 2000

- 57 -

الشرقية تقريبا كاحلضارة السومرية ، واحلضارة البابلية ، واحلضارة الكنعانيـة ، واحلضـارة ...املصرية وجتلت تيمة الصراع بني اآلهلة كعنصر أسطوري يف النص الروائي يف حوار الغريب مع

موات بينهم ، وتنازلوا لواحد منـهم ، لتوحـدت لو اتفق الربوب يف الس « :علي احلوات .)1( »الرعية

وإذا تتبعنا عنصر الصراع بني اآلهلة يف احلضارات الشرقية ، فنجده عند السومريني يف أسطورة اغتصاب اإلله إنليل اإلهلة الشابة ننليل وتركها ، فغضبت عنه اآلهلة واستنكرت فعلته

. )2(وقررت نفيه إىل العامل األسفل " اإلنوماإليش" أما يف احلضارة البابلية، فإننا نقف على هذا العنصر األسطوري يف ملحمة

الشهرية ، اليت يعود تاريخ كتابتها إىل مطلع األلف الثاين قبل امليالد ، أي قبل ألف ومخسمائة اإلله " آبسو " سنة تقريبا من كتابة إلياذة هومريوس ، وجتسد فيها هذا الصراع الذي دار بني

:من جهة أخرى " أيا " األكرب ، األب ، من جهة ، وبني أحد أبنائه حبل نطاق آبسو ونضا عنه تاجه " أيا " وهنا قام وأسبغها على نفسه) وهيبته ( وجال عنه عظمته وبذلـــــــك أخضعـــــــه ، مث عمــــــد إىل

ذبــــــــحه *** أعـداءه وأخضعهـــــــم " أيـا "وبعـد أن قهـر .)3(عال أمره على خصومه مجيعا

.76 الرواية ، ص - ) 1 .40 - 39 فراس السواح ، مغامرة العقل األوىل ، ص - ) 2 .58 املرجع السابق ، ص - ) 3

- 58 -

اإلهلة األم ، اليت غضبت على " آبسو " زوجة " تعامة " وقام فيما بعد صراع آخر بني " مـردوخ " قتل زوجها ، وقامت حبرب عنيفة ضد األعداء ، ومل يستطع أن يتصدى هلا إال

: مبحاربتها ، وقبل مردوخ التحدي "أيا " اإلله الشاب ، الذي كلفه مث تقدما من بعضهما ، تعامة ومردوخ ، أحكم اآلهلة )مميـــت ( اشتبكا يف قتال فردي ، والتحما يف عراك *** فلما اوت أمامه أجهز على حياا طرح جثتها أرضا واعتلى عليهــــــا وخوبعد أن قضت تعامة على يد مرد تفـرق ربعهـا وتشتـت جيشـــــــها ، اإلله الذي يتمتـع " مي " وجند التيمة ذاا عند الكنعانيني ، إذ جند الصراع يدور بني

شبيه مبردوخ البابلي ، الـذي " بعل " بقوة فائقة ، وسلطة واسعة ، وهو إله املياه البدائية ، و :عرف كيف ينتصر على خصمه القوي

"بعــل " لق السالح يف يد فانط وكالصقر اندفع من بني أصابعه "تــم " وضــرب رأس األميــر "ـــر " يف املنتصف بني عيين وتضعضـــع " تــم " فخــرى وـــــاوى وتساقـــــــــــط *** وقضى حنبه " تيم " لقد مات . )1(وحيكم " بعل " فليسد

.74 املرجع السابق ، ص -) 1

- 59 -

أما يف الديانات املصرية القدمية فنجد عددا كبريا من اآلهلة ، إذ الحظ أحد البـاحثني ال يستطيع املرء أن يلم هنا إملاما كافيا بأمساء اآلهلة املصرية اليت مجعها عامل املصـريات « بأنه

على غرار البـانتيون اآلهلة املصرية ) بانتيون ( ، فيما أمساه جممع (Perrier)" بريييه " الفرنسي ونتج عن تعدد اآلهلة صراع عنيف دار . )1( »اليوناين ، إذ أن عدد هذه اآلهلة يربو إىل األلفني

، الذي استطاع أن يغدر به ويقطع جسمه إربا إربا ، " ست " يف بدايته بني أوزوريس وأخيه أخذ بثأر أبيه وقتل ابن أوزريس ، الذي " خوريس " و " ست " وحتول الصراع فيما بعد بني

.)2(عمه وأصبح هو امللك احلاكم ويتجلى هذا العنصر األسطوري ، املتمثل يف تعدد اآلهلة ، يف تيمة خلق اإلنسـان ، إذ

جند يف الرواية أن جاللة السلطان فوق كل تقدير ألنه معصوم ، ويعلم كل شيء عن رعيته لـ وهـي . )3( » ، وامتأل يف القصر بروح من الرب أنه منحوت يف السماء السابعة بيد ربانية «

تيمة نلمس وجودها يف احلضارات الشرقية القدمية ، وكذا يف الديانات السماوية ، إذ جند عند . )4( »فكرة تكوين اإلنسان من طني ، وفكرة تصوير اإلنسان على صورة اآلهلة « السومريني

هي أول أسطورة خطتها يد « ااورة ألاوأشاعت أسطورة خلق اإلنسان على كل املناطق وعلى منواهلا جرت اساطري املنطقة ، واملناطق اـاورة ، الـيت . اإلنسان عن هذا املوضوع

وجبل الـرب « : كما تتجلى هذه التيمة يف التوراة . )5( »استمدت منها عناصرها األساسية »فصار آدم نفسا حيـة . ونفخ يف أنفه نسمة حياة . اإلله آدم ترابا من األرض

وكـذا يف )6(الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق اإلنسان من طني ، مث جعل نسـله { القرآن الكرمي

، مكتبة مدبويل ، القاهرة 1 برت إم هرو ، كتاب املوتى الفرعوين ، ترمجة فيليب عطية ، ط - ) 1 .248 ، ص 1988

.28 حممد عصمت محدي ، الكاتب العريب واألسطورة ، ص - ) 2 .103 الرواية ، ص - ) 3 .45 فراس السواح ، مغامرة العقل األوىل ، ص - ) 4 .ن . املرجع نفسه ، ص - ) 5 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، سفر التكوين ، اإلصحاح الثاين - ) 6

- 60 -

من ساللة من ماء مهني ، مث سواه ونفخ فيه من روحه ، وجعل لكم السمع واألبصار واألفئدة .)1( »، قليال ما تشكرون

صياغتها صياغة رمزية ختدم الرؤية الفنية من وقد طاوع الكاتب تيمة اآلهلة من خالل .خالل الترميز لألجنحة املتصارعة يف السلطة ، واملتحكمة يف رقاب اجلماهري باآلهلة

كما وظفت تيمة خلق اإلنسان توظيفا نقليا ، حافظت فيه على خصائصها األصـلية سطوري ، متجليا جتليا ونقف على ذلك يف تيمة تعدد اآلهلة كعنصر أ. دون أي مطاوعة تذكر

طفيفا يف النص ، وهو ما مينحه بعدا فنيا تأويليا ، تستحضره القراءة اليت تفكك هذا التجلـي لتعيد بناءه رمزيا ، من خالل ربط صراع اآلهلة بصراع أجنحة السلطة من جهـة ، وصـراع

لت السلطة على السلطة مع اجلماهري املتمثلة رمزيا يف القرى السبع من جهة أخرى ، واليت عم تكريس تفككها للحيلولة دون انسجامها وتوحدها ، لكن حلم التوحد ظل مغروسا يف أعماق الالوعي اجلمعي هلذه اجلماهري ، وكان على هذه اجلماهري أن تنتظر خروج بطل شـعيب مـن

.رمحها جيسد طموحها يف التوحد ، وااللتفاف حول شخصية تأخذ بيدها يف مواجهة السلطة

أسطورة القرابني - 5

القربان مصدر قـرب يقـرب ، أي « أن ) ق ر ب ( ورد يف لسان العرب يف مادة . وكان قربان األمم السالفة ذبح البقر والغنم واإلبل . يتقربون إىل اهللا بإراقة دمائهم يف اجلهاد

اهللا تعـاىل ، الصالة قربان كل تقي ، أي أن األتقياء من الناس يتقربون ا إىل : ويف احلديث من راح يف الساعة األوىل فكأمنـا قـرب : " أي يطلبون القرب منه ا ، ويف حديث اجلمعة

.)2( »، أي كأمنا أهدى ذلك إىل اهللا تعاىل كما يهدي القربان إىل بيت اهللا احلرام " بدنة

.9 - 7: السجدة - ) 1 ) .ق ر ب ( ابن منظور ، لسان العرب ، مادة - ) 2

- 61 -

القربان هو فعل مقدس نقدمه كهديـة إىل « أن" ميكروسوفت " وجاء يف املوسوعة اإلله أو الكائن الروحي لنحافظ على العالقة املقدسة بني اإلنسان واإلله ، ويكون القربـان يف

.)1( »شكل إنسان ، أو حيوان ، أو فواكه ، أو زرع ، أو مخر وقد أشرنا يف املبحث السابق إىل أن عجز اإلنسان أمام سلطة الطبيعة ولد لديه شعورا

بية املتحكمة يف الظواهر الطبيعية ، وجسدها يف أساطري اآلهلة بالضعف، وخلق فكرة القوى الغي اليت اعتقد فيها القدرة على التحكم شقاء وسعادة ، وعليه مارس طقوسا يهدف من ورائهـا دفع شرها ، أو استجالب خريها ، واختذت هذه الطقوس صورة رد فعل اإلنسان أمام الدبيعة

رير لكسب معاشه واإلبقاء على حياته ، ويف جلـب يف مسعاه للتعامل معها ، ويف كفاحه امل فهو يقدس كل ما يرجو خريه ، ويتقي شر كل ما يرى فيـه أذاه ، . اخلري ، ودفع األذى عنه

.وذلك ما يفسر القرابني يف العصور القدمية ولذا ، جند أن فكرة القرابني يف احلضارات الشرقية القدمية ارتبطت باآلهلة منذ ظهـور ن على األرض ، حسب تصور اإلنسان البدائي الذي اعتقد بوجود القرابني يف جممـع اإلنسا

" أنكــي " اآلهلــة قبــل خلــق اإلنســان ، حيــث جــاء يف احلضــارة الســومرية أن " عنـدما يصـل « اإلله األعظم بعد فراغه من اخللق ، استراح وبىن له بيتا لكل يستريح ، و

ته إىل نيجور مدينة أنليل ، يقيم مأدبة لآلهلة يقدم هلم فيها الطعام واخلمـر ، يف مركب " أنكي .)2( »ويف ايتها يقف أنليل فينثين على ما فعله أنكي من بناء للبيت ومينحه بركاته ورضاه

ونالحظ أن اآلهلة يف احلضارة السومرية تقدم املأدبات لبعضها ، حبثا عن رضا وبركات وهذا ما نقف عليه . اإلله األب " أنليل " مع " أنكي " ، وهذا ما فعله اإلله االبن اإلله األكرب

أم " تعامة " اإلله االبن ، و " مردوخ " يف احلضارة البابلية بعد املعركة والصراع الذي دار بني أن حيقق انتصـارا " مردوخ " واستطاع . كل اآلهلة ، اليت أرادت أن تفرض سيطرا عليهم

1 ) - Encyclopédie Microsoft ® , Encarta ® 99 , 1993 - 1998 . .49امرة العقل األوىل ، ص فراس السواح ، مغ- ) 2

- 62 -

وأعدائه ، ففرحت اآلهلة فرحا عظيما ، وأقاموا له حفال ، وقدموا له اهلدايا ، " تعامة " ا باهر :البابلية " اإلنوما إليش " إذ جاء يف

ملا شهد آباؤه ذلك ، طربوا له وابتهجــــــوا وقدموا له نفائــــس اهلدايـــا عربــــون والء قدمي اهلدايــــــاأما آنو وأنليل ، فقد قاموا بت وأمه دومكينا أيضا خصته دية سرت فؤاده وأرسلت تقدمات أضاءت هلا قسمات وجهه )1(الذي محل هدايـــــــــاه " أومسي " فعهد إىل نستشف من هذه املقاطع الشعرية الطابع الطبقي للنظام اإلهلي عند البابليني وفق تراتبية

(Hierarchie)وهو ما يتجلى من األبيات التالية " مردوخ " باإلله تنتهي ،: فيلهج بامسه لسام ويذكرون نعمته عليهم أبدا ويقدمون القرابني ألبنائه ويقدمون أودهم ويرعون هياكلهم )2(ويضعون هلم حمرقات القرابني ويتنسمون رائحتها بني وفق األسطورة البابلية ال يقتصر على البشر ونستنتج من هذه األبيات أن تقدمي القرا

بل متارس اآلهلة طقوسه تقربا ، وطاعة ، ووالء ، وشكرا على النعم ، حسب تصورات البشر .األوىل بطبيعة احلال

كما نقف على اسطورة القرابني يف احلضارة الكنعانية ، فاستنادا إىل أسـاطري هـذه اإلله الشـاب ، " بعل " حىت يعفو عن " مي " إلله األعظم األخرية ، فإن اآلهلة تضرعت إىل ا

" :مي " مقابل تقدمي هذا األخري القرابني وقيامه خبدمة اإلله "مي " عبدا لك أيها األمري " بعل " ليكن

.79 - 75 املرجع نفسه ، ص - ) 1 .85 املرجع نفسه ، ص - ) 2

- 63 -

عبدا لك إىل األبد" بعل " ليكن ابن داجون ، ليكن أسريك وكجميع اآلهلة سوف يقدم لك الطاعة )1(نعم ، وسيبذل لك التقدمات كأبناء القداسة تلتقي األسطورة مع األسطورة البابلية السابقة الذكر ، يف كون فكرة القرابني جمسـدة

، " مي "يطلب القرابني بعد انتصاره على اإلله " بعل " وها هو اإلله . داخل جمتمع اآلهلة ذاته االستسـالم وتقـدمي " عنـاة " ن اإلهلة الغاضبة وإزاحته من عرش إله اآلهلة ، فنراه يطلب م

:القرابني رسالة بعل العلي :احملارب " علي " أعلنا كلمة أن ضعي يف األرض خبزا " )2(وضعي يف التراب لفاحا واسكيب يف األرض قربان السالم )3(والتقدمات يف وسط احلقول ة ، فقد ارتبطت قداسة القرابني مبساءلة املوتى يف العـامل أما يف احلضارة املصرية القدمي إنـه مل .. إنه مل يفسد القرابني يف املعابد .. ال تشوبه شائبة شر .. لقد وجد ... « :السفلي

.)4( ».. تنطق بألسنة السوء عندما كان يف األرض يعد من أشنعها إفساد وحتكي األسطورة يف صحيفة اإلنسان املتويف املتعلقة باخلطايا اليت

القرابني أو سرقتها ، وهو ما نفق عليه يف اعترافات امليت أمام امليزان اإلهلي ، ميزان احلسنات

.115 املرجع السابق ، ص - ) 1 . نبات مقدس عند القدماء اعتقدوا بامتالكه خلواص سحرية كثرية - ) 2 .122 املرجع نفسه ، ص - ) 3 .14 برت أم هرو ، كتاب املوتى الفرعوين ، ص - ) 4

- 64 -

يا مـن أتيـت مـن .. يا من وضعتك رأسك موضعه.. هال « :والسيئات يف العامل السفلي .)1( »عرشك إين مل أسرق قرابني املوتى املباركني

دس ، فقد ارتبطت فكرة القرابني بأسطورة قايني وهابيل ، إذ جـاء أما يف الكتاب املق وحدت بعد أيام أن قايني قدم من أمثار األرض قربانا للرب ، وقدم هابيل أيضا « :يف التوراة

»فنظر الرب إىل هابيل وقربانه، ولكن إىل قايني وقربانه مل ينظر . من أبكار غنمه، ومن مساا )2(

إىل القربان من قبل اإلله عالمة قبول اهلدية من هابيل -وفق هذا النص -كان النظر وملا أعان اهللا الالويني حاملي تابوت الرب « :كما ورد يف التوراة أيضا . ورفضها من قايني

. )3( »ذحبوا سبعة عجول وسبعة كباش عبد املطلب كان « ، إذ) ص(كما يروي لنا ابن إسحاق ، نذر عبد املطلب جد النيب

قد نذر حني لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم ، - فيما يزعمون واهللا أعلم -ابن هاشم فكان . )4( »لئن ولد له عشرة نفر ، مث بلغوا معه حىت مينعوه ، لينحرن أحدهم هللا عند الكعبة

ية كانت متداولة وهي بقايا ممارسات دين . الناس يف اجلاهلية يتقربون إىل اإلله بأعز ما ميلكون .عند البعض من القبائل السامية كما هو الشأن عند قبائل آرامية وعربانية

أما عن جتليات تيمة تقدمي القرابني كعنصر أسطوري يف الـنص الروائـي ، فيمكننـا الوقوف عليها يف نذر علي احلوات بتقدمي أحسن مسكة للسلطان بعد جناة هذا األخري ، حـني

)5( » أنذر جلاللته أحسن مسكة أصطادها خالل هذا السبوع ، احتفاء بنجاته « :صرح قائال أنا متجـه إىل قصـر « :مث نراه يريد إشراك سكان القرى السبع يف تقدمي اهلدايا والقرابني .

.121 املرجع نفسه ، ص - ) 1 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، سفر التكوين ، اإلصحاح الرابع - ) 2 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، سفر أخبار األيام األوىل ، اإلصحاح اخلامس عشر - ) 3 .248 ، مكتبة املعارف ، بريوت ، ص 1 ابن كثري ، البداية والنهاية ، ط - ) 4 .15 الرواية ، ص - ) 5

- 65 -

جاللته ، أمحل له هذه السمكة ، نذرا له على جناته ، وأدعوكم ألن تقدموا له اهلدايا وقرابني . )1( »بة الوالء واحمل

وكانت الساطري القدمية تشترط يف قبول القرابني أن تكون منتقاة بعناية فائقة ، خاليـة ويتجلى هذا . من كل نقص أو عيب ، أي أن تبلغ درجة الكمال بالنسبة للشيء املقدم قربانا

مسكة واحدة تزن سـبعني « الشرط األسطوري يف الرواية حني عزم علي احلوات على تقدمي رطال ، وا تسعة وتسعون لونا ، تعيش يف املاء ، تعيش يف الرب ، أمحلها حني تتعـب علـى كتفي ، وحتملين حني أتعب على ظهرها ، يف النهار مسكة ويف الليل امـرأة ، وإذا مـا رأت خطرا يدامهنا حتولت إىل شبح أو إىل رغبة تسكن الصدر ، تعينين على قهر أعداء جاللتـه ،

.)2( » الوصول إليه وتساعد علىويقوم هذا التوظيف على خلفية أسطورية جتلت يف الكتب املقدسة حيـث جـاء يف . إذا اقترب إنسان منكم قربانا للرب من البهائم ، فمن البقر والغنم تقربون قرابينكم « التوراة

أيام تعمل يف سبعة ... « :وجاء أيضا . )3( »إذا كان قربانه حمرقة من البقر فذكرا صحيحا كمـا . )4( »... كل يوم تيس اخلطية ويعملون ثورا من البقر وكبشا من الضأن صحيحني قال إنه يقـول {ورد يف القرآن الكرمي حتديد نوع البقرة املطلوب ذحبها من قبل بين إسرائيل

ت باحلق ، قالوا اآلن جئ . إا بقرة ال ذلول تثري األرض وال تسقي احلرث مسلمة ال شية فيها .)5(} فذحبوها وما كادوا يفعلون

وخضعت أسطورة القرابني إىل مجلة من املطاوعات اليت أعادت تشكيلها فنيا يف النص الروائي ، وتتمثل أوىل هذه املطاوعات يف نوعية القربان ، فهي يف النص الروائي مسكة تتفـرد

.24 الرواية ، ص - ) 1 .210 الرواية ، ص - ) 2 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، سفر الالويني ، اإلصحاح األول - ) 3 . الكتاب املقدس ، العهد القدمي ، سفر مزقيال ، اإلصحاح الثالث واألبعون - ) 4 .71: البقرة - ) 5

- 66 -

ير هدفه الداللة علـى قيمـة السـمكة ، وهو حتو )1( » بشكلها العجيب وألواا اخلالبة « كمصدر قوت مجاهريي للقرى السبع يقدم إىل السلطان رمز السلطة ، الشيء الـذي ميكـن

.قراءته بفكرة االستغالل ، وهو توظيف رمزي للعنصر األسطوري فهي يف األساطري الشرقية آهلـة ، أمـا يف : كما تتجلى املطاوعة يف اجلهة املتقرب منها

ص الروائي فهي السلطة ، وهذا ما يعزز ما ذهبنا إليه يف أسطورة اآلهلة عنـدما اعتربنـا أن النأسطورة اآلهلة ما هي إال ترميز فين للسلطة وظفها النص لتشريح النظـام السياسـي وإبـراز

.تناقضاته إن وتبلغ املطاوعة ذروا يف عدم وصول القرابني إىل اجلهة املتقرب منها ، إذ أنه يقال

السمكة حتولت إىل حصان بسبعة أجنحة ، ويقال إا محلت علي احلوات على ظهرها وهربت .)2(... به من القصر

وقد أشع هذا العنصر األسطوري على النص برمته ، إذ ارتبطـت باملسـار الـدرامي ففكرة النذر هي اليت وجهت مسار شخصية البطل ، فقد كانت نقطة البداية اليت . لألحداث

.، وبلغت قمته وحددت ايته ) أنذر جلاللته أحسن مسكة ( طورت احلدث الروائي وعليه ، فقد اكتنف العنصر األسطوري املتمثل يف القرابني جممل النص الروائي وألقـى

بضالله عليه ، إذ جعل األسطوري يتماهى مع السياسي يف تالحم جيعل خيط الفصل بينـهما الروائي بعدا تأويليا من خالل خلق هامش قرائي كبري جعـل مـن رفيعا ، كما أعطى النص

النص الروائي نصا متعددا ، أي أنه يتعدد بتعدد قراءاته التأويلية اليت تنطلق كلها مـن قـراءة خاصة وفهم حمدد للعنصر األسطوري ، وإسقاط معانيه األصلية واملوظفـة حبسـب اخللفيـة

ي ، مما مينح النص بعدا مجاليا ، سنحاول الوقوف عليـه يف الثقافية واملعرفية ، والرصيد القرائ .مجاليات التوظيف

.112 الرواية ، ص - ) 1 .265 الرواية ، ص - ) 2

- 67 -

أسطورة االنتقال إىل العامل اآلخر - 6

- 68 -

حول انتقال اإلنسان من العامل األرضـي " االنتقال إىل العامل اآلخر " تدور أسطورة االنتقـال إىل العـامل السـفلي أو إىل عـامل احملسوس إىل عوامل ما ورائية ، سواء أكان هذا

السماوات ويكون هذا االنتقال إما بتدخل من قوى غيبية حلماية ذلك اإلنسان املنتقـل ، أو .بفعل لعنة حلقت به ، أو عقابا استحقه خلطيئة ارتكبها

سومرية وحفلت احلضارات الشرقية بأساطري االنتقال إىل العامل اآلخر ، مثل األسطورة ال اليت حتكي انتقال اإلله أنليل إىل العامل السفلي عقابا له من اآلهلة الغتصابه الربة ننليل ، الـيت

يرضخ أنليل ملشيئة اآلهلة ويبدأ رحلته حنو « سرعان ما حتاول اللحاق به إىل العامل السفلي ، و وتدركه عنـد بوابـة العامل األسفل ، ولكن ننليل اليت متكن منها حب اإلله الشاب تلحق به

.)1( »اجلحيم اإلله الشاب من األعماق املائيـة مقـررا " أنكي " كما تروي األسطورة ذاا ارتفاع

:السفر إىل أبيه للحصول على بركاته عندما ارتفع أنكي ، ارتفعت معه كل األمساك « واضطربت الغمر واصطخب زال من البحر وجه املرح رعب يف األعماق وساد ال واستبد اهللع باألار العالية .)2( »ورفعت ريح اجلنوب الفرات على مد من األمواج ، حينما قرر " اإلينوما إليش " كما ترد أسطورة االنتقال إىل العامل اآلخر ، يف ملحمة

:ه لعرش إله اآلهلة مغادرة األرض واملياه واإلقامة بالسماء ، بعد انتصاره وتقلد" مردوخ"اإلله فوق العيشارة اليت بنيت « سأمهد مكانا صاحلا للبناء

.40 فراس السواح ، مغامرة العقل األوىل ، ص - ) 1 .49 املرجع نفسه ، ص - ) 2

- 69 -

هناك أبين بيتا يل وهيكال به قدس األقداس ، رمز جالليت وعندما تصعدون من أالبسو لالجتماع سيكون مفتوحا الستقبالكم وبه تبيتون أو بطون من السماء لالجتماع )1( »فتوحا الستقبالكم وبه تبيتون سيكون م ويظهر من النص السابق الصفة القدسية لعامل السماء الذي ارتبط ، يف كل الـديانات

أو رضاها كاملطر ... تقريبا مبكان إقامة اآلهلة ، ونزول سخطها من رعد ، وبرق ، وصواعق .أصل احلياة

احلضارة املصرية مقترنة بأسطورة وقد وردت أسطورة االنتقال إىل العامل السفلي ، يف إله اخلري ، الذي حتول بعد موته إىل رمز احلياة األبدية واخللود وأصبح إله العامل " أوزوريس "

.)2(السفلي وقاضي املوتى وجتلت قيمة االنتقال إىل العامل اآلخر كعنصر أسطوري يف الرواية يف معرض االختالف

)3( ».. يقال أن علي احلوات رفع من القصر بقوة خارقة « ذ، إ" علي احلوات " حول مصري يقال إن علي احلوات ، ما إن فقئت عيناه حىت صار وهجا، ارتفع إىل السماء، مث صار « كما

. )4( »وهجا ، ارتفع إىل السماء ، مث صار مشسا هبطت على القصر ورية مرتبطـة بالكتـب ويقوم توظيف هذه التيمة يف النص الروائي على خلفية أسط

عليه " ( إلياس " تعتقد بين إسرائيل أن النيب « السماوية ، فنجدها يف املعتقد اليهودي ، حيثأما يف اإلجنيل ، فقد ورد . )5( »صعد إىل السماء ، وسيعود ، فيعيد الدين والقانون ) السالم

. 80 املرجع السابق ، ص - ) 1 ) .حواشي ترنيمة إىل رع ( 190 برت أم هرو ، كتاب املوتى الفرعوين ، ص - ) 2 .265 الرواية ، ص - ) 3 .267 الرواية ، ص - ) 4 .270 أمحد أمني ، فجر اإلسالم ، ص - ) 5

- 70 -

نظرت ، وإذا باب مفتـوح يف بعد هذا ... « :يف اإلصحاح الرابع عن يوحنا الالهويت قوله اصعد إىل هنا فأريك ما ال بد : السماء ، والصوت األول الذي مسعته كبوق يتكلم معي قائال

كمـا . )1( »أن يصري ، بعد هذا وللوقت صرت يف الروح ، وإذا عرض موضوع يف السماء رفـع يديـه « هجند يف إجنيل لوقا ، أسطورة الرفع مرتبطة بصلب املسيح ، مث لقائه بتالميـذ

وباركهم ، وفيما هو يباركهم ، انفرد عنهم وأصعد إىل السماء ، فسجدوا له ، ورجعـوا إىل . )2( »أورشليم بفرح عظيم

كما ورد االنتقال إىل العامل اآلخر يف القرآن الكرمي ، مرتبطا بقصة اإلسراء واملعراج ، ال من املسجد احلرام إىل املسجد األقصى سبحان الذي أسرى بعبده لي { إذ جاء فيه قوله تعاىل

.) 3(}الذي باركنا حوله ، لنريه من آياتنا إنه السميع البصري واستطاعت تيمة االرتفاع إىل السماء أن تسهم يف جتسيد صورة البطل متالمحـة مـع

ون تيمات املعجزات ، واحللم والتسامح ، إذ أن الرفع من خاصية البطال واألنبياء ، فهم ينتقل من عامل الدنس والزيف واخلطيئة إىل عامل النقاء والطهارة والفضيلة املرتبط دوما بالسماء ، مما

ومما يعزز هذا الطرح ويدعم هـذه " . علي احلوات " زاد يف جتلي الصورة البطولية لشخصية وات مـر يقال إن علي احل « بكل خلفياته التراثية يف النص حيث" الرباق " القراءة جتلي تيمة

ذي رجل " براق " على القرية يركب براقا ، السمكة املسحورة حتولت عند مدخل القرية إىل وجتلت . )4( »واحد وثالثة أجنحة ، ركب علي احلوات براقه ودخل قرية بين هرار كالفاتح

رام سبحان الذي أسرى بعبده ليال من املسجد احل {التيمة ذاا يف القرآن الكرمي يف قوله تعاىل ونعلـم أن . )5(}إىل املسجد األقصى الذي باركنا حوله ، لنريه من آياتنا إنه السميع البصري

اسم « حيث إن الرباق) عليهم السالم(اإلسراء واملعراج قد مت على ظهر الرباق ، دابة األنبياء

. الكتاب املقدس ، العهد اجلديد ، رؤية يوحنا الالهويت ، اإلصحاح الرابع - ) 1 . الكتاب املقدس ، العهد اجلديد ، إجنيل لوقا ، اإلصحاح الرابع والعشرون - ) 2 .01: اإلسراء - ) 3 .59 الرواية ، ص - ) 4 .01: اإلسراء - ) 5

- 71 -

اليت ركبـها ذكر يف احلديث قال وهو الدابة . ليلة املعراج ) ص(دابة ركبها سيدنا رسول اهللا .)1( »ليلة اإلسراء ، مسي بذلك لنصوع لونه ، وشدة برقه ، قيل لسرعة حركته شبهه بالربق

بالرباق ، وهي ) ص( أتى رسول اهللا « وروى عبد اهللا بن مسعود يف كتب السرية أنه يها الدابة اليت كانت حتمل عليها األنبياء قبله، تضع حافرها يف موضع منتهى طرفها ، فحمل عل

وقد يكون الـرباق تطـورا . )2( »مث خرج به صاحبه يرى اآليات فيما بني السماء واألرض الذي رحل على ظهره العديـد مـن اآلهلـة (Pegasos)للحصان اإلغريقي األسطوري انح

!!وأنصاف اآلهلة ، ويف األخري أصبح مركب الشعراء ويع باحلذف والزيادة ، فعمليـة ويالحظ أن هذه التيمة األسطورية خضعت لعملية تط

احلذف جتسدت يف تغيري مسار الرحلة ، فهو يف املصدر األسطوري ، مت من األرض إىل السماء بينما متت الرحلة يف النص من القرية الثالثة إىل القرية اخلامسة، فساعده الرباق على عبور القرية

.الرابعة اليت كانت ترفض استقباله أن الرباق متحول عن مسكة ، وأن لديه رجال واحدة وثالثة أجنحة ، وتتمثل الزيادة يف

دابة أبيض بني البغل واحلمار ، ويف فخذه جناحان حيفـز « بينما جند يف املصدر أن الرباق هو . )« )3ما رجليه ، ويضع حافره يف منتهى طرفه

ليت كانت يف إحدى صارت السمكة ، ا « كما جند تيمة الرباق حتذف برمتها ، حينما )4( »برك القصر ، حصانا بسبعة أجنحة ، امتطاه علي احلـوات ، وطـار إىل وادي األبكار

. وهي مطاوعة شديدة الظهور كبرية التصرف والتحوير ، مجع فيها الروائي بـني الـرباق يف

، التراث اإلسالمي واحلصان األسطوري انح ، وألبس خصائصهما تلك السمكة العجيبـة

) .ب ر ق ( ابن منظور ، لسان العرب ، مادة - ) 1 ، دار إحياء التراث العريب ، بريوت 2 ابن كثري ، السرية النبوية ، حتقيق مصطفى عبد الواحد ، ج - ) 2

.95، ص .95 املرجع نفسه ، ص - ) 3 .265 الرواية ، ص - ) 4

- 72 -

لتقوم بوظائف خمتلفة ومتعددة قد تكون أقواها أن السمكة وسيلة جناة صاحبها ، إذ يتقرب ا .وينجو ا من اخلطر إذا تطلب األمر ، وبذلك تصبح األداة املعول عليها يف كل احلاالت

كما يتجلى العنصر األسطوري املتمثل يف االنتقال إىل العامل اآلخر ، يف تيمة االختفاء « :سدة يف النص الروائي يف مناجاة العذراء لنفسها، وهي تفكر بعلي احلـوات إذ تقـول ا

وهجا كان تفتق عنه قطب األقطاب ، دار على األرض سبع دورات ، حمفوفـا باحلوريـات حتول هو والتاج إىل وهـج ، وارتفـع إىل عنـان ... طاف على القرى السبع ... واجلنيات الذي اختفى " علي احلوات " لى هذه التيمة يف االختالف حول مصري كما تتج . )1( »السماء

يقال إن علي احلوات ما أن فقئت عيناه حىت صـار « عندما دخلت جيوش القرى السبع ، إذوهجا ، ارتفع إىل السماء ، مث صار مشسا ، هبطت على القصر ، فتحول إىل دخـان أزرق ،

.)2( »وى الرماد وعندما وصلت جيوش االنتقام ، مل جتد سوجند تيمة االختفاء هذه يف أساطري بعض الفرق الشيعية اليت تعتقد اختفاء األئمـة ، إذ

.)3( » اإلمام املختفي سيعود فيمأل األرض عدال ، ومنها نبعت فكرة املهدي املنتظر « أن واستطاع النص أن يوظف اجلانب الظاهر من األسطورة وهو االختفاء ، إىل جانـب

توظيفه لعنصر البعث والرجوع توظيفا مسكوتا عنه ، أي توظيفا تستحدثه القراءة ، مما يعطي للنص قيمة أدبية كبرية، إذ أن قيمة النص األدبية ال تكمن يف ما يقوله النص ، ولكن تكمن يف

.ما يسكت عنه أن وقد متكن إحلاح النص على تيمة االرتفاع من خالل تكراره يف النص عدة مـرات

يكسبها إشعاعا ، ألقى بضالله على جممل الفضاء النصي ، وعزز ملحمية األجواء األسطورية كما جعل الكتابة الروائيـة متيـل إىل . للنص ورسم صورة البطل امللحمي يف أكمل جتلياا

.العجائبية ذات األبعاد السياسية املصاغة فنيا ضمن حدود اجلنس األديب الروائي

.168 الرواية ، ص - ) 1 .267 الرواية ، ص -) 2 .270 أمحد أمني ، فجر اإلسالم ، ص - )3

- 73 -

أسطورة التحول واالنسالخ - 7

- 74 -

أن السلخ ما سلخ عنه ، وشـاة سـليخ ) س ل خ ( جاء يف لسان العرب ، يف مادة : ومسالخ احليـة وسـلختها . كشف عنها جلدها ، وكل شيء يفلق عن قشره فقد انسلخ

. )1(وكذلك دابة تنسري من جلدا كاليسروع وحنوه . جلدا اليت تنسلخ عنها ال حييط هذا التعريف بظاهرة االنسالخ إحاطة تامة ودقيقة ، فهو تعريـف لغـوي و

باألساس ، ذلك أن االنسالخ معتقد أسطوري ال تكاد ثقافة بشرية ختلو منه ، ولعل أكثر هذه الثقافات غىن بأسطورة االنسالخ هي الثقافة الشرقية حيث تلقى هذه األسطورة رواجا بـني

كشف احلجاب عن بعض معتقدام فيما بعد املوت من « لفراعنة اليت مستهلكيها ، فحضارة ا الدراسة العميقة املضنية للنصوص املنقوشة على جدار املقابر واملعابد وأوراق الربدى ، وأهـم مصدر هلذه املعلومات هو كتاب املوتى ، فهو يصف رحلة الروح بعد املوت خـالل العـامل

.)2( »... السفلي رة الفرعونية اليت شاعت فيها أسطورة التحول واالنسالخ الذي يتعرض هلا هذه احلضا

اإلنسان يف رحلته حنو العامل السفلي ، وعليه وجدت نصوص كانت واجبـة املعرفـة علـى اإلنسان حىت يتمكن من جتاوز مصاعب العامل السفلي ، إذ جند فصوال تدور حول التحول إىل

الضوء يف الظالم ، وإىل زهرة لوتس ، وإىل العنقـاء ، وإىل صقر ذهيب ، وإىل اإلله الذي مينح .)3(... روح ، وإىل ثعبان

ووردت أسطورة التحول يف التوراة ، إذ جاء يف سفر التكوين يف معرض احلديث عن وملا تواىن أمسك الرجالن بيده وبيد امرأته وبيد ابنته لشـفقة الـرب عليـه « :لوط وقومه

وال . وكان ملا أخرجهم إىل خارج أنه قال أهرب حلياتك . خارج املدينة وأخرجاه ، ووضعاه ونظرت امرأته من ... تنظر إىل ورائك وال تقف يف كل دائرة ، اهرب إىل اجلبل ألنك لك

.)4( »ورائها فصارت عمود ملح

) .س ل خ ( ابن منظور ، لسان العرب ، مادة - ) 1 .03 كمال احلناوي ، أساطري فرعونية ، منشورات املكتبة العصرية ، صيدا بريوت ، ص - ) 2 .101 ، 98 ، 93 ، 90 ، 88 ، 83 برت إم هرو ، كتاب املوتى الفرعوين ، ص - ) 3 . املقدس ، العهد اجلديد ، سفر التكوين ، اإلصحاح التاسع عشر الكتاب- ) 4

- 75 -

نـا لقد علمتم الذين اعتادوا منكم من السبت فقل { وجاء يف القرآن الكرمي قوله تعاىل قل أؤنبئكم بشر من ذلك مثوبة { ، وجاء أيضا قوله عز وجل )1(} هلم كونوا قردة خاسئني

عند اهللا من لعنه اهللا وغضب عليه وجعل منهم القردة واخلنازير وعبد الطاغوت ، أولئك شـر .)2(} مكانا وأضل عن سواء السبيل

ة ظاهرة الفتة لالنتباه وشكلت أسطورة التحول واالنسالخ يف حكايات ألف ليلة وليل ، فقد ورد يف الليلة األوىل على لسان شهرزاد يف حكاية التاجر والعفريت والشيوخ الثالثـة التحول الذي تعرضت له عائلة الشيخ األول ، حيث حتولت زوجته إىل بقرة ، وابنه إىل عجل

بحا كلبتني ، ومس وابنة عمه إىل غزالة ، والتحول الذي مس أخوي الشيخ الثاين ، اللذان أص .)3(... زوجة الشيخ الثالث فأصبحت بغلة

(Ovide)وقد أثرت األسطورة الشرقية يف األدباء الغربيني ، إذ جند يف كتـاب أوفيـد مارماي ، يا أرباب السـموات ، إن « :مناذج من هذه األساطري ، وقد استهل كتابه بقوله سام أخرى ، وأخذت بعد أشـكاهلا األوىل أسرد هنا قصص كائنات استبدلت أجسامها بأج

كما جند يف الكتاب ذاته حتوالت وانسالخات عديدة ، مثل حتول . )4( »... أشكاال جديدة احلكيم الشهري من رجل إىل امرأة بعد أن فرق بني ثعبان وأفعى كانـا (Theresias)ترييسياس

انية الثعـابني يف الوضعيــة يتواقعان ، وبقي عدة سنوات على تلك احلالة حىت وجد مرة ث كما جند يف هــذا الكتــاب الشهــري . )5(نفسها فقام وفرقهما ثانية فاسترد رجولته

.65: البقرة - ) 1 .60 املائدة ، - ) 2 - 18، ص ) الليلتان األوىل والثانية ( ألف ليلة وليلة ، الكتاب األول ، دار مكتبة احلياة ، بريوت - ) 3

23. 5 أوفيد ، مسخ الكائنات ، ص - ) 4 .124ه ، ص املرجع نفس- ) 5

- 76 -

وكان أوفيد يرى أن التحـول أو االنسـالخ . )1(أشكـاال خمتلفـة مـن أساطري التحول . )2(سببه حقد اآلهلة اليت أرادت أن تنتقم من الكائنات احلية

السمكة املسحورة حتولت عنـد « التحول يف النص الروائي ، إذ أن وجتلت أسطورة ونالحظ أن جتلي تيمة التحول كان . »مدخل القصر إىل براق ذي رجل واحد وثالثة أجنحة

مقترنا بالسحر ، وهو املعتقد الشرقي األكثر بروزا وتأثريا على العقول ، إذ جاء يف حكايـات وإذا ... مألا ماء مث إا عزمت عليها ، ورشت ا العجل أخذت طاسة « :ألف ليلة وليلة

وجـاء يف الـنص . )3( »مث إا سحرت ابنة عمي هذه الغزالة ... به انتفض مث صار إنسانا وصارت السمكة اليت كانت يف إحدى برك القصر حصانا بسبعة أجنحة ، امتطاه « الروائي

فاقترنت أسطورة التحول بأسطورة العدد سبعة . )4( »علي احلوات وطار به إىل وادي األبكار .السحري ، الذي تناولنا أسطوريته يف مبحث سابق

يقال إن علي احلـوات « ومل تقتصر أسطورة التحول يف الرواية على السمكة ، بل إنه صار وهجا ، ارتفع إىل السماء ، مث صار مشسا هبطت على القصر ، فتحول إىل دخـان ...

ونالحظ تعدد عمليات . )5( »وعندما وصلت جيوش االنتقام ، مل جتد سوى الرماد أزرق ، التحول ، وهذا يكشف عن عملية مطاوعة تعرض هلا العنصر األسطوري ، مما جعله يشيع على

.النص بضالله األسطورية العجائبية لوا من تلقاء كل الرعية حتو « كما جند عملية املطاوعة يف النص الروائي الذي جاء فيه

أنفسهـم إىل سالطيـن مبـا يف ذلـك سكـان القصــر ، وإن علــي الــحوات

، 282 ، 217 ، 207 ، 166 ، 165 ، 155 ، 153 ، 105 ، 96 املرجع نفسه ، ص - ) 1360 ، 379...

2) Métamorphoses , Encyclopédie Microsoft ® , Encarta ® 99 , 1993 - 1998 . .20 ألف ليلة وليلة ، ص - ) 3 .265 الرواية ، ص - ) 4 .267 الرواية ، ص - ) 5

- 77 -

وهو حتول ذايت ومجاعي يف آن واحد بفعل املطاوعة . )1( »استعـاد كـل أعضائـه املفقودة اليت مارسها النص على العنصر األسطوري األصلي ، الذي أخربنا أن التحول يكـون بفعـل

.مها من الكائنات احلية غضب اآلهلة وانتقا وتستوقفنا يف هذا التوظيف األسطوري تيمة التحول الذايت وتيمة العودة إىل األصل حيث

هذا الكلب سحرته امرأة وأنا أقدر على ختليصه « :جند هذه التيمة يف حكايات ألف ليلة وليلة .)2( » األوىل وقالت اخرج من هذه الصورة إىل صورتك األوىل، فصرت إىل صوريت...

كما جتلى هذا العنصر األسطوري مرتبطا بالقدرة اخلارقة للبطل ذاته ، الذي ميـارس ارتدت عجوز مشطاء ثياب عروس ، وأتـت ... « فعل التحويل الذي جتلى يف الرواية حينما

بكرسي اقتعدته يف عرض الطريق ، وراحت تطلبه بيدها ، عندما اقترب منـها نفـخ عنـها .)3( »تها نار زرقاء ، وتذاوبت دون أن ختلف أثرا فالتهم

وهكذا ، جند البطل يتعرض للتحول حني أصبح دخانا أزرق ، وميارس التحويل عندما حول العجوز إىل شيء يتذاوب ومل خيلف أثرا ، وهي مطاوعة جعلت الرواية تلتقي باألسطورة

نص أجواء عجائبية مـن جهـة ، والقصص الشعيب واخلرافة يف تشابك وتناغم يضفي على ال ومينح شخصية علي احلوات إحياءات وأبعادا داللية متعددة وخمتلفة توسع من البعـد القرائـي

.وتثريه حسب مستوى املتلقي واهتماماته

. 267 الرواية ، ص -) 1 .22 ألف ليلة وليلة ، ص - ) 2 . 57 الرواية ، ص - ) 3

- 78 -

مجاليات التوظيف األسطوري - 8

ـ " احلوات والقصر " تنسج رواية ا يف عاملها من مصادر حكائية متنوعة ، تتقاطع معهتداخل جيعل من الصعب التمييز بني الرواية كجنس أديب سردي ، واألسطورة ، واخلرافـة ، والقصة الشعبية ، والسرية الشعبية ، والقصة البطولية ، مما جيعل هذه الرواية تنفـتح انفتاحـا

مـن -رهيبا على األمناط السردية التقليدية ؛ إذ تستعري منها طابعها احلكائي ، فهي تتقاطع ، )1( »على عنصر اإلدهاش ، ومتتلئ باملبالغات والتـهويالت « مع اخلرافة اليت تقوم -جهة

يطغـى عليهـا اخليـال ومتتلـئ « مع احلكاية البطولية اليت - من جهة أخرى -وتلتقي باملبالغات ، وهي تدور غالبا حول حياة أشخاص مميزين وحمبوبني على النطـاق الشـعيب ،

كما تنفـتح علـى . )2( »ص حياة وأعمال وكرامات القديسني إىل هذه الزمرة وتنتمي قص موضوعاا تكاد أن تقتصر على « احلكاية الشعبية اليت تقوم على اهلاجس االجتماعي ، إذ أن

والعناصر القصصية الـيت تسـتخدمها احلكايـة . العالقات االجتماعية واألسرية منها خاصة أو غرية اإلخوة مـن أخـيهم ... عا ، وذلك مثل زوجة األب احلقودة الشعبية معروفة لنا مجي

الصغري املفضل لدى األب ، والذي جتتمع له خصائص الشجاعة والنبالة يف مقابـل اخلسـة .)3( »واحلسد والغرية لدى إخوته

الشاب الطيب « وجند هذه العالقات االجتماعية ذاا يف النص الروائي ، فعلي احلوات كان مثال ... شذ عن إخوته الثالثة ، وعن كثري من أقاربه ، فابتعد عن طريق الضاللة الذي

.)4( »الشباب املستقيم

.15 فراس السواح ، األسطورة واملعىن ، ص - ) 1 .17 املرجع نفسه ، ص - ) 2 .17 املرجع نفسه ، ص - ) 3 .17 الرواية ، ص - ) 4

- 79 -

ومنح هذا االنفتاح املهول على األجناس السردية التقليديـة وتقاطعـه مـع العـوامل ية ذات امليتولوجية الرواية بعدا مجاليا ، إذ جعل نسيجها السردي يقف على ختوم أشكال سرد

أصل شعيب وتارخيي وأسطوري وملحمي وعجائيب ، تتقاطع مع هذه الشكال ، ليس بشـكل التماهي فيها ، وإمنا دف استنفاذ طاقتها احلكائية يف بنائها السردي ،وخلق منط سردي يقوم على جتاوز األمناط السردية القدمية لصهرها يف عاملها الروائي لتشكل فضاء قرائيا ، وهامشـا

ويليا ، ال ميكن استحضاره قرائيا إال بعد تفكيك جممل اخلطابات السردية املتقاطعة الستقراء تأبذورها املشكلة لعامل النص الروائي ، وإدراك تفسري الرواية كخطاب يقوم بداللة حماولة تفسري تلك اخلطابات والنصوص كوقائع إنسانية ، ومدى إسهامها يف دفع السـريورة التارخييـة ،

عتبار أن احلاضر الذي يشكله النص الروائي ليس إال جتليا لوضعيات اسهمت يف خلقه، وهي بامراحل تارخيية جتسدها اخلطابات السردية التقليدية املتداخلة مع الرواية لتأكيد املعاناة اإلنسانية

إىل ضرب رغم اختالف املعطيات التارخيية ؛ إذ تتحول الرواية ذاا عرب ممارسة الفعل العجائيب .من األسطورة اليت حتمل يقني اإلنسان ماضيا وحاضرا ومستقبال

وساعد جنس الرواية األديب هذا التداخل السردي باعتبارها أكثر األجنـاس األدبيـة .انفتاحا على اخلطابات املتشابكة معها تشابكا بنويا ومجاليا

علـي " يف شخصـية " احلوات والقصر " ويربز التوظيف اجلمايل لألسطورة يف نص الذي يتقاطع فيه الواقعي باألسطوري امللحمي ، إذ تتجسد فيـه ثفـات البطـل " احلوات

وارتفع إىل ... تشكل على رأسه تاجا باهرا ... « ( األسطوري من خالل خاصييت اخلوارق ه إن علي احلوات ضرب بقصبته املاء سبع ضربات، فانشق من حول « ، وكذا)1( »عنان السماء

) اخل ... )3( » يقال إن علي احلوات رفع من القصر بقوة خارقة « ، وأيضا)2( »وبان القعر واخللود ، إذ يتعرض علي احلوات إىل بتر فضيع لكل أعضائه ، لكنه ينفلت من املوت يف كل مرة ، غري أن النص استطاع أن يبذر هذه الصفات األسطورية اخلارقة يف بيئة اجتماعية واقعية

168 الرواية ، ص - ) 1 .206 الرواية ، ص - ) 2 .265اية ، ص الرو- ) 3

- 80 -

إهلا وال نصف إله ، وال نبيا ، وال قديسا ، بل كان جمرد صـياد " علي احلوات " ، فلم يكن .بسيط بائس ساذج لإليهام بالواقعية

ومما أعطى هذه الشخصية بعدا مجاليا الفتا للنظر هو تقاطعها مع عـدة شخصـيات زا ، رغبـة يف تارخيية وأسطورية ، جتسدت فيها من خالل امللمح األسطوري األكثـر بـرو

.استثمار جانبه الرمزي وطرح اجلوانب التفصيلية اليت ال م الرؤية اجلمالية والفكرية للنص ومن األمثلة على ذلك ، فقد وظف هذا النص من شخصية اإلمام علي االسم العلـم

كمحرك للذاكرة القرائية اليت جتعل النص ينفتح على السرية الشعبية ، مع اختالف الشخصيتني من حيث اخلصائص الفكرية واالجتماعية والتارخيية ، وهذا يعطي للتوظيف األسطوري شحنة

.رمزية من خالل االقتصار على جانب واحد من الشخصية األسطورية امللمحني املميزين يف تلك الشخصية -عليه السالم -واستعار من شخصية النيب يوسف

أخيهم الصغري ، فانتقلت اسطورة احللم إىل جتربـة ومها الرؤيا أو احللم وقساوة اإلخوة على مجاعية تؤكد الطابع اجلماهريي للحلم ، وتعزز فكرة البطل يف التصور اجلمعـي الالواعـي

.(Archétypes)باعتباره يعكس بنيات النماذج األوىل للتفكري سـف وأخذ من قساوة اإلخوة اخلاصية الرمزية املتميزة يف الشر ليجعل من إخـوة يو

ماضيا ، وإخوة علي احلوات حاضرا ، رمز الشر يف كل زمان ومكان ، ورمز القوة الرجعيـة .اليت تعطل املشاريع الثورية

واستنفذ من شخصية النيب موسى طاقتها الرمزية مركزا على أقوى خاصيتها املتمثلة يف ماجها يف املوقـف معجزة انفالق البحر ، مث بتر الشخصية عن سياقها الديين األسطوري وإد

احلايل عن طريق صهرها باملعطيات االجتماعية والنفسية للبطل الروائي ، أي أن الصورة لـن الـيت ) الضرب بالعصـا ( توظف توظيفا تفصيليا ، وإمنا توظيفا رمزيا كوسيلة ممارسة الفعل

قال { توظف توظيفا رمزيا ، إذ انتقلت من العصا يف األسطورة اليت امتلكت وظائف حيوية ، إىل قصـبة )1(} هي عصاي أتوكؤ عليها وأهش ا على غنمي ويل فيها مآرب أخـرى

.18: طه - ) 1

- 81 -

فلم يـتم . اليت ترمز إىل اجلانب االجتماعي باعتبار القصبة وسيلة املعاش ، أي احلياة احلوات فـانفالق البحـر يف . توظيف اجلانب التفصيلي لألسطورة األصل ، بل مت توظيف ضـالهلا

معناه النجاة واخلالص من عدو مطارد، وهو ذا املفهوم تصرف سليب ، أما الوادي األسطورة فمعناه إصرار على املواجهة وثبات على املبدأ والغاية ، فهو ذا موقف إجيـايب زاده مجاليـة

فاألسطورة تروي أن انفالق البحر كان وسيلة للخالص من . استدعاء القراءة للمسكوت عنه االضطهاد السياسي والعرقي واالجتماعي ، ويتحقق هذا املسكوت عنـه يف فرعون ، أي من

اعتبار القصر فضاء سياسيا طبقيا ، والسلطان رمزا للسلطة يتماهيان مع رمزية فرعون لتصبح واقعا يف املمارسة السياسية يف احلاضر - أي تأليه السلطة -أسطورة فرعون اليت ادعت التأليه

ي احلايل ضربا من األسطورة جتسد اهلوة السحيقة بني السلطة واجلماهري ويصبح الواقع السياس كانت ضحية للقمع اإليديولوجي والتصفية اجلسـدية « اليت متثلها القرى السبع يف الرواية اليت

.)1( »األمر الذي دفع ا إىل ممارسة نزوع استسالمي قدري ة هو ربط السلطة بأسـطورة اآلهلـة ، وما يعزز هذا التوظيف اجلمايل والقراءة الرمزي

فليس القربان يف املنظور امليثولوجي سوى واسطة بني اإلنسان والقوى الغيبية ، وما إصـرار :على نذره بتقدمي قربان للسلطان إال حماولة للتأكيد على أمرين " علي احلوات " البطل

طهاد ، بأسطورة تعدد اآلهلـة ربط السلطة يف العامل املتخلف، القائمة على القمع واالض - 1بغية تشريح األنظمة السياسية القائمة على مرجعية مستمدة من قيم األسطورة والدجل واخلرافة

. توظيف القربان توظيفا رمزيا يعكس املمارسات السياسية ضمن األنظمة القمعية ، حيث - 2

أشكال السـلطة إال عـن الكبت اجلماهريي ، واالستبداد السياسي ؛ إذ ال ميكن التعامل مع .طريق ممارسات غري مشروعة ، مثل الرشوة اليت يرمز إليها القربان

.25جتربة الكتابة الواقعية ، ص : واسيين األعرج ، الطاهر وطار - ) 1

- 82 -

أن يفضح املمارسات السياسية من خالل قلـب التصـور ) الرواية ( لقد أراد النص بدل أن تتحول األسطورة « األسطوري من تصور غييب سالب ، إىل تصور ثوري إجيايب ، إذ

.)1( »توجهت األسطورة توجها ثوريا ... ات احملرومة واملضطهدة إىل بديل غييب للطبقوما كان هلذا التوظيف أن يكون على هذا اجلانب من اجلمالية لـوال وعـي الـنص

خبلفيات األساطري املوظفة ، وبترها عن هذا السياق التارخيي ودجمها يف بنية النص والتركيـز يف اجلوانب املسكوت عنـها أو اخلفيـة مـن على اجلوانب األكثر رمزية من جهة ، وتوظ

األسطورة األصل من جهة أخرى ، وشحنها بطاقات رمزية ختدم الرؤية الفكريـة واجلماليـة للنص من خالل مطاوعتها الواعية والقصدية ، مهما كان املوقف اإليديولوجي الـذي حيـدد

قه يف مطاوعة النص؛ ألن علينا أن نعترف لكل كاتب حب « قراءة هذه األساطري وتفسريها ، إذ »بالتحليل األديب تكون هذه املطاوعة أكثر أمهية من معطيات أخرى تكون دائما غري مؤكدة

)2(. ومن اجلماليات اليت نقف عليها يف النص ، واملرتبطة بالتوظيف األسـطوري ، جنـد

ة األوىل ثنائية العالقة ، الذي حيدد منذ الوهل " احلوات والقصر " مجاليات املكان بدًءا بالعنوان اجلدلية بني السلطة واجلماهري بكل جتلياا الثقافية والتارخيية ، وبكل محوالا الرمزية واإلحيائية

ينفتح على عوامل ثقافية وأسطورية ، باعتبار أن القصر دال حييل ) املنت ( ، والذي جيعل النص سلطة وما يتبعها من قيم القمع واالضطهاد على مرجعية سياسية ارتبطت يف التراث اإلنساين بال

... وكبت اجلماهري ، بينما ميثل احلوات فئة اجتماعية ترمز إىل الطبقة املسـحوقة املقهـورة : القصر والغيـاب / وهكذا يفي العنوان بوعوده الرمزية انطالقا من عالقات احلضور احلوات

.قهر / مقهور وات على القصر ، أي املقهور على القـاهر ، وقد يتساءل القارئ عن سبب تقدمي احل

فيكون تفسرينا الرمزي لذلك هو الرتعة التفاؤلية للنص منذ البداية ، الذي يـؤمن بإمكانيـة

.131 املرجع نفسه ، ص - ) 12) - Pierre Brunel , mythocritique , p 77 .

- 83 -

التغيري االجتماعي ، بواسطة الفعل الثوري الذي جيسده البطل ، والذي يلتحم حوله اجلماهري عن أسبقية الطبقة السفلى على الطبقة السلطة ، فضال /إلجناز مشروع ثوري يطيح بقيم القصر

.العليا ، من حيث الوجود ، وأن القهر ال يكون إال إذا توفر من يقع عليه القهر كما مت توظيف العدد األسطوري سبعة توظيفا مجاليا بكل طاقاته الرمزيـة يف رسـم

جيعـل الروايـة الشيء الذي ... الفضاء املكاين للنص ، وهو القرى السبع ، املراكز السبعة تستعري من األشكال السردية التقليدية طقوسها احلكائية ، وجتعل هذا العدد السحري األكثـر قداسة يف التراث السامي ومعتقداته القدمية بعد العدد ثالثة ، رمزا للتشتت واالنقسام الـذي

سبعة مسار يشكل الواقع أحد جتلياته ، كما بلور عدد القرى الذي رمز إليه العدد األسطوري النموذج املطلوب ألن كـل « الوعي عند البطل الذي بلغ قمته عند القرية السابعة اليت كانت

مواقفها من القصر هي يف النهاية النتاج الطبيعي لتجربتها القاسية اليت كانـت جمـربة علـى .)1( »عيشها خلة أن يصـهر وهكذا استطاع النص الروائي من خالل توظيفه لعناصر أسطورية متدا

هذه العناصر يف بناء يلتحم فيه األسطوري بالواقعي ، وتصبح األسطورة يف النص داال مشحونا وقـد مـنح هـذا . بطاقات رمزية إحيائية رهيبة تفككه القراءة الواعية باألصل األسطوري

التوظيف األسطوري املتداخل مجالية اكتنفت النص من خالل حتـول األسـاطري داخلـه إىل .مات حمملة بطاقات ال تفجرها إال القراءة املتمرسة املتأنية عال

.126جتربة الكتابة الواقعية ، ص : واسيين األعرج ، الطاهر وطار - ) 1

- 84 -

:الفصل الثاين

مالمح األساطري الغربية "احلوات والقصر " يف رواية

: توطئة -

أشرنا يف الفصل السابق إىل أن الفكر األسطوري ، مل يقتصر على حضـارة دون أن الفيصل بني انتشار أساطري دون أخرى أخرى ، وال ثقافة دون سواها ، كما أشرنا إىل

هو التجليات املعرفية هلذا الفكر األسطوري أو ذاك ، ولعل جتليات الفكـر األسـطوري األدبية يف الثقافة اإلغريقية هي اليت اسهمت بقسط وافر يف ارتباط اإلغريـق يف الـوعي

قافة اإلغريقية والتـراث املعريف اإلنساين بالظاهرة األسطورية ، إذ مل يكن الفصل بني الث .األسطوري ممكنا يف أي تناول للمبحث األسطوري

ويعود هذا االرتباط أو التالزم يف احلضور بني الفكر اإلغريقي والفكر األسطوري إىل اختاذ الفكر األسطوري يف الثقافة اإلغريقية مسة الظاهرة إىل درجة ربط - يف نظرنا -

وأغفل هذا الربط تأثر الفكر اإلغريقـي املتعلـق . ببيا كل ممارسة أسطورية باإلغريق س بالظاهرة األسطورية بغريه من الثقافات اإلنسانية العائد أساسا إىل ذيوع الفكر األسطوري يف الظواهر الفنية واألدبية عند اليونان ، أي أن ظهور أساطري متعددة يف أعمـال أدبيـة

لتلك األساطري ، وأسهم يف ذلك االعتقـاد إغريقية محل على االعتقاد باألصل اإلغريقي ارتباط األدب عند اإلغريق بالدين ارتباطا وثيقا ، إىل جانب ظاهرة تدوين الشعر عنـد اإلغريق اليت خلصت الظاهرة األدبية وما حتمل من فكر أسطوري من التداول الشفوي إىل

تصلة ذا األدب ، الشيء التقييد الكتايب ، فعمل هذا التدوين على أغرقة كل األساطري امل الذي حال دون معرفة أصول هذه األساطري ، ألن الشيء إذا اختذ مسة الظاهرة يف ثقافة ما ، نسب إليها ، فعرفت به وهذا ما وقع لألساطري اليت حفلت ا الثقافة اإلغريقية زيـادة

- 85 -

كيفهـا على خضوع هذه األساطري لتغريات وحتويرات طبعتها بالطابع اإلغريقي الـذي .حبسب معطيات الزمان واملكان واإلنسان

ورأينا فيما سبق أن الثقافة الشرقية أسهمت يف الفكر األسـطوري اإلنسـاين ، وأثرت يف الفكر األسطوري اإلغريقي ، كما بينا أبرز األساطري اإلنسانية كأساطري اخللق

.والتكوين واآلهلة والطوفان ، وغريها إىل أن هذا الطرح ال ميكن أن يفهم على أنه موقف حضـاري غري أنه جيب التنبيه

ذايت يفضي يف األخري إىل مركزية جديدة تدعي األحادية وتزعم األصل ، فذلك بعيد عن الروح العلمية اليت تتطلب املوضوعية واحلياد للوصول إىل بناء معرفة علميـة تسـهم يف

رح موضعه العلمي باعتباره زاوية نظر سلسلة املعرفة العلمية ، بل جيب أن يوضع هذا الط ال تلغي بقية الزوايا بل ترى أن النظر من زوايا متعددة يعطي رؤية أوضح وأمشـل إذ أن املوضوعية العلمية ذاا تقتضي نظرة إنصاف إىل التراث األسطوري اإلغريقي الذي طبـع

سـطوري اإلغريقـي احلضارة اإلغريقية ، وكان أبرز معاملها ، ولعل ارتباط التـراث األ باألدب منحه انتشارا أكرب وذيوعا أفضل بفضل ما أسهم به املبدعون من إغنـاء هلـذا التراث ، فأين لنا أن نسمع بأساطري زيوس وبرومثيوس وسيزيف وبلروفـون ، وهرقـل وأدويب ، لوال الروائع األدبية اليت متثلت هذه األساطري وحولتها إىل وجود فين ال يـزال

.ات نقدية ونفسية إىل يومنا حمل مقاربوما كان هلذا الوجود الفين أن يتحقق ذه الصورة اجلمالية لوال وعـي املبـدعني

الفين ، الذي أدى إىل إفراغ األساطري املوظفة يف األعمال األدبية من كل حمتوياا القدسية ار العمل األديب علـى انتص- إذن -األساطري اليونانية الكالسيكية متثل « الغيبية ، إذ أنوال منلك أسطورة يونانية نقلت إلينا يف سياقها الشعائري ، إمنـا نعـرف . املعتقد الديين

األساطري يف حالة وثائق أدبية وفنية ، ال من حيث هي مصادر أو تعبريات عن خربة دينية

- 86 -

ية ، ال هكذا يفوتنا قطاع كامل وحي وشعيب من الديانة اإلغريق . ناشئة عن أداء طقسي .)1( »لشيء إال ألنه مل يوصف كتابة بطريقة منهجية

وعليه ، كان من الطبيعي أن يفصل كل توظيف أديب لعناصـر أسـطورية بـني .األصول املقدسة لألساطري املوظفة ، وبني حتوالا يف النص األديب

ف عنـد وال ميكن للباحث يف األساطري اإلغريقية أو دارس األدب اإلغريقي أال يق أبرز معلم أديب وأسطوري، ومها اإللياذة واألوديسة، أقدم األعمال األدبيـة اإلغريقيـة وأشهرها ، إذ يعود ظهورمها إىل القرن العاشر قبل امليالد ، واملنسـوبتان إىل هـومريوس الذي اقترن امسه اتني امللحمتني اللتني حفلتا بأخبار اآلهلة واألبطال والكون يف نسـيج

جذاب ، جعل هؤالء اآلهلة واألبطال مناذج لالحتذاء ودفع أجياال من املبدعني إىل شعري .السري على هدي هومريوس

إىل جانب هومريوس مصدرا هاما لألساطري اإلغريقية (Hésiode)كما يعترب هيزيود ـ " أنساب اآلهلة " ، و " األعمال واأليام " إذ ألف روائع شعرية خالدة ، منها ا ، جمد فيه

(Pindaros)هذا الشاعر الفذّ اآلهلة واألبطال األسطوريني ، ليأيت بعده كل من بنـداروس ، فأسهم كـل (Juripides) ، ويوريبيدس (Sophocle) وسوفكليس (Eschyle)وإيسخيلوس

واحد منهم يف بلورة األسطورة اإلغريقية فنيا ، وخباصة يف فن التراجيـديا اإلغريقيـة، لتراجيديا اإلغريقية مستمدا من األساطري سواء أثناء مراحلها األوىل ظل موضوع ا « حيث

أو أثناء فترة ازدهارها يف القرن اخلامس قبل امليالد على يـد كـل مـن إيسـخيلوس وقد سجل لنا التاريخ عناوين أكثر من أربعمائة تراجيديا إغريقية تتنـاول . ويوريبيدس

ا حوايل اثتنني وثالثني تراجيديا كاملـة ، كلها األساطري كموضوعات هلا ، كما وصلتن .)2( »كلها تستمد موضوعاا من األساطري اإلغريقية

.150 - 149 ، مظاهر األسطورة ، ص مرسيا إلياد- ) 1 .24 ص 1 عبد املعطي شعراوي ، أساطري إغريقية ، ج - ) 2

- 87 -

(Appollonus Rhodius)وميكننا أن نعترب أدباء مـن طينـة أبولـونيس الـرودي (Pausanis) وباوسـنياس (Moschos) وموسخوس (Bion) وبيون (Théocritos)وتيوكريتوس

.)1( مصادر لألساطري اإلغريقية (Virgile) فرجيل وكذلك الشاعر الروماينومل يكن الفكر الفلسفي اإلغريقي مبعزل عن التأثريات األسطورية ، إذ أن تفكيكه

كفيل بالوقوف على اخللفيات األسطورية اليت تستند إليها هذه الفلسفة ، فمن الطبيعـي ئلها اخلاصة عـن الـتفكري أن تكون العبقرية اإلغريقية قد عجزت عن التخلص بوسا «

ذلك أن العبقرية الفلسفية اإلغريقية كانت ، من ناحية ، تسـلم جبـوهر ... األسطوري التفكري األسطوري والعود األبدي لألشياء والرؤية الدورية للحياة الكونية والبشرية ، وأن

عا الروح اإلغريقي مل يقدر ، من ناحية ثانية ، أن التـاريخ ميكـن أن يصـبح موضـو وحنن نرى أن النسق الفلسفي ال ميكن أن يبىن من فراغ ، بل هو وليـد . )2( »للمعرفة

مرحلة ، وال ميكن للفكر الذي كان يتنفس يف مناخ أسطوري أن يبين فكرا خاليا من أي يعترب أفالطون « : أبعد من ذلك حني قال Kerenyiرواسب أسطورية ، بل ذهب كرييين

.)3( »جي األساطري ذاته من أكرب مروتنفرد األساطري اإلغريقية فيما يتعلق باآلهلة بطابع إنساين ، فآهلة اليونان مثلها مثل

وعلى هذا .. البشر هلا حياا اخلاصة ، فهي حتىي ومتوت ، حتب وتكره ، تقاتل وتتصارع ، وتضـامنا مـع األساس ، كانت التراجيديا اليونانية حماكاة لعوامل اآلهلة ومتثيال حلياا

مآسيها ونشوة بانتصاراا ، وعليه كانت األسطورة بالنسبة إىل اإلغريقي ، تتـداخل يف كل شيء ، وليس هلا أي حدود ، وهي ضرورية للتفكري كاهلواء أو الشمس بالنسـبة إىل

.)4(حياته

.38 - 32 ص 1 املرجع السابق ، ج - ) 1 .109 - 108 مرسيا إلياد ، مظاهر األسطورة ، ص - ) 2

3 ) - C. Jung et Ch. Kerenyi , Essence de la mythologie , Payot Paris 1974 , p. 13 . 4) - Pierre Grimal , La mythologie grcque , que sais-je ? PUF Paris 1965 , p 7 .

- 88 -

لى وكان جمتمع اآلهلة اإلغريقية قائما على مبدأ التخصص ، إذ كان كل إله قائما ع ظاهرة طبيعية متحكما فيها ، فهناك إله الرعد ، وإله الظالم ، وإله احلرب ، وإله اجلمال ،

، مما يعطي هلـذه البنيـة " زيوس " وجيمع كل هذه اآلهلة رب األرباب ... وإله احلب .األسطورية تفسريا على ضوء بنية اتمع اإلغريقي السياسية واالجتماعية

الظواهر األسطورية اإلغريقية ، ومالحقة عناصرها وجتلياا يف وقد حاولنا استقراء النص الروائي ، متوسلني آليات منهج النقد األسطوري يف مقاربة هذه العناصر األسطورية للكشف عن جتلياا وإبراز عمليات املطاوعة اليت خضعت هلا ومالحقة إشعاعها يف النص

يوس ، وأدويب ، وسيزيف ، وأسطورة القضـاء الروائي ، ويتعلق األمر بأساطري بروميث ..والقدر وأسطورة اخلنثى ، وأسطورة األمازونيات ، وبيجاسوس

أسطورة برومثيوس - 1

، رب األرباب ، بعدما انقلب على (Zeus)تروي األسطورة اإلغريقية أن زيوس (Japet)التينت يـابيتوس ، وتوىل مقاليد األمور ، قرب إليه برومثيوس ابن " كرنوس " أبيه

، مكافأة له على مناصرته يف ثورتـه علـى أبيـه ، وواله (Climène)واحلورية كلوميين الساذج ، واتصف " إبيميتيوس " مسؤولية خلق البشر والكائنات األرضية ، مبعونة أخيه

ا معهم برومثيوس باملكر والدهاء وبالتفكري البارع وبعد النظر ، وكان مياال للبشر متعاطف إذ تروي األسطورة ذاا أنه احتال على زيوس يف تقسيم القربان بينه وبني البشر ، وعندما

ذلك ، انتزع النار من البشر ، فسرقها برومثيوس وأعادها إلـيهم ، " زيوس " اكتشف فعاقبه زيوس بأن صلبه يف صخرة ضخمة يف جبل القوقاز وسلط عليه نسرا ينهش يوميـا

- 89 -

وحتمل برومثيوس اآلالم والعذاب يف سبيل املبـدأ إىل أن . د أثناء الليل كبده الذي يتجد .)1(عفا عنه زيوس وتصاحلا

مصدر إهلام للعديد من األدباء واملبدعني - فيما بعد -وأصبحت هذه األسطورة رمز التمرد ، " برومثيوس " الذين حاولوا استنفاذ الطاقة الرمزية الكامنة فيها ، باعتبار أن

الشـاعر اإلغريقـي الشـهري (Eschyle)فأعطى إسخيل . والتضحية يف سبيل اإلنسانية لألسطورة بعدا دينيا ميتافيزيقيا ، ومحل برومثيوس مسؤولية نقد ظلم اآلهلة باعتباره ضحية هلا ، كما أضاف لشخصية برومثيوس عنصر املعرفة بامتالكه سر اسم املرأة اليت ستنجب

وتنتهي . ) 2(انه، فكتم برومثيوس هذا السر رغم ما لقيه من تعذيب لزيوس ولدا يأخذ مك ، يقتل النســر (Heraclès)األسطورة بأن يأيت بطل عظيم من ساللة البشر يدعى هرقل

بسهـم مـن سهامـه ، وخيلـص برومثيـوس مـن العذاب وتتحقق املصاحلة بـني . ، وهكذا تتحقق العدالة اإلهلية )3(زيوس وبرومثيوس

(Mécène) وميسـان (Epicharme) كما وظف هذه األسطورة كل مـن إيبكـارم .)4( وغريهم ، الشيء الذي أسهم يف انتشار األسطورة (Thibirianos)وتيربيانوس

، فقد كان جزئيا من " احلوات والقصر " أما فيما خيص جتلي األسطورة يف رواية النص كتيمات دالة على األسطورة، لعـل خالل بعض خصائصها املميزة اليت وظفت يف

« ، الذي كان " علي احلوات " أبرزها تيمة التضحية يف سبيل اآلخرين ، اليت اتصف ا وهؤالء السكان الذين يعترفون . )5( »يترقبه كل سكان القرية ليوزع عليهم بامسا صيده

.96 - 83 ص 1 عبد املعطي شعراوي ، أساطري إغريقية ، ج - ) 12 ) - Raymond Trousson , Prométhée , dictionnaire des mythes littéraire , p 1189 - 1190 . 3) - Joël Schmidt , dictionnare de la mythologie greque et romaine , Larousse - Bordas ,

Paris 1998 , p. 178 . 4) - Raymond Trousson , Prométhée , DML , p. 1191 .

.18 الرواية ، ص - ) 5

- 90 -

، ويكنـون لـه احملبـة )1( » لقد أكلنا مجيعا من مسك علي احلـوات « : له باجلميل كـل « :واالحترام ، وهو ما أكده الفارس الغريب الذي أرسلته جلنة املتابعة ملسـاعدته

.)2( »القرى تتحدث عنك ، ذكرك يف كل لسان ، مواليد هذه األيام يطلق عليهم امسك حييلنا تقدمي السمك إىل األهايل ، مث إىل السلطان على األسطورة اليت تروي حماولة

استيالء زيوس على أفضل كومة حلم وانتزاعها من البشر ، وهذا يعزز رمزية اآلهلة الـيت حتيل يف النص على السلطة القائمة على االستغالل واالنتهازية وابتزاز اجلماهري احملرومـة

.اليت تلتقي مع البشر يف األسطورة اط هذه الشخصية ونشري إىل أن تعلق السكان بشخصية علي احلوات مرده إىل ارتب

بأهم جانب يف حياة السكان ، وهو الرزق واملعاش ، وهنـا تلتقـي هـذه الشخصـية تبىن ... عمد برومثيوس إىل منح اإلنسان النار حىت يتفوق على احليوان « باألسطورة ، إذ

وليست النار . )3( »برومثيوس قضية اإلنسان ضد اآلهلة وسرق النار من السماء لإلنسان سطورة سوى سبيل لطهي حلم القربان واحلصول علـى الغـذاء ، وهنـا تلتقـي يف األ

.األسطورة مع النص وتتجلى األسطورة يف بعض إشاراا لتيمة املغامرة اليت كانت السبب الـرئيس يف

العداوة بني اإلنسان واآلهلة يف األسطورة ، وبني احلاكم واحملكوم يف الرواية ، كمـا ورد إنك منذ خرجت من قرية التحفظات ، وأنت « :شقيق علي احلوات على لسان مسعود

. ) 4( »تقحم أنفك فيما ال يعنيك ، أية عالقة أو صلة حلوات برئيس القصر أو بالسلطان وهو السبب ذاته الذي أدى إىل تعذيب برومثيوس الذي احناز إىل البشر يف تقسيم القربان

.ن . الرواية ، ص - ) 1 .181 الرواية ، ص - ) 2 األساطري األدبية ، ترمجة حنا عبود ، دار عالء الدين ، ماكس شابريو ورودا هندريكس ، معجم- ) 3

.209ص ، 1999دمشق ، .199 الرواية ، ص - ) 4

- 91 -

لكومة األكرب ليست سوى العظام مع القليل اكتشف أن ا « وتفضيلهم على زيوس الذي .فعاقب برومثيوس على ذلك الصنيع . )1( »من شرائح الشحم

كما تتجلى األسطورة من خالل تيمة السر املسبب للعذاب ، إذ خاف إخوة علي انتزعوا لسانه حىت ال « احلوات من ذيوع سرهم يف القصر عن طريق علي احلوات ، وهلذا

ومتىن سكان القرى ، وخاصة القرية السابعة ، معرفة . )2( »قيقة اليت رآها يقول لكم احل » لو أباح علي احلوات جبزء من احلقيقة ، بشيء ولو قليل من السر « :سر علي احلوات

كما تعذب برومثيوس بسبب كتمانه للسر املتمثل يف اسم املرأة اليت ستنجب ولـدا . )3(رب السر بالنسبة إىل برومثيوس وسيلة ضغط على اآلهلـة ، لزيوس يأخذ مكانه ، حيث تعت

.بينما ميثل السر عند علي احلوات أداة للضغط عليه أدت إىل قطع لسانه ويتحد البطل الروائي مع البطل األسطوري يف تيمة التحدي والتحمـل ، فعلـي

التنكيل احلوات صمد ومل يرضخ على الرغم مما حلق به من عذاب ، بل واجه كل أنواع إال " ملس مبرفقه موضع القلب من صدره ، وود لو كان يف إمكانه أن يقول هلـم « بأن

ومل يرضـخ . )4( »" هذا لن نتالوه مين إنه املوضع الوحيد الذي لن تقووا على تشويهه مل يرضخ لزيوس أو يصانعه ، بـل « برومثيوس يف األسطورة اليت تروي أنه رغم العذاب

.)5( »تحدي والعنف والثورة ضد غطرسة اإلله زيوس كان مثاال لليرمز القلب يف الرواية إىل إرادة احلياة وبصيص األمل الذي ال تقهره املعاناة ، كما

أما األعضاء ، فترمز . ميثل روح الثورة الكامنة يف الضمري اجلمعي ، حيث يرمز إىل الوعي

.87 ص 1 عبد املعطي شعراوي ، أساطري إغريقية ، ج - ) 1 .245 الرواية ، ص - ) 2 .141 الرواية ، ص - ) 3 .264 الرواية ، ص - ) 4 .82 ، ص 1982 ، اجلزائر 55، جملة آمال ، عدد ) مقال ( مثيوس عبد الدائم الشوا ، برو- ) 5

- 92 -

اجلسدي لن يقتل الوعي ، بل يزيده منوا إىل اجلسد ، كأن النص يريد أن يقول إن العنف .وتبلورا وإصرار على املبدأ

وجتلت أجزاء األسطورة يف النص ، يف تيمة سرقة املعرفـة ، إذ اسـتطاع علـي احلوات بدخوله إىل القصر أن يسرق املعرفة واحلقيقة املتمثلة يف استيالء إخوته الثالثة على

ورة ، فيقوم برومثيوس بسرقة النار املقدسة ، وميد مراكز القصر احلساسة ، أما يف األسط .ا اإلنسان ، وتعترب النار مصدر املعرفة اإلنسانية

وجند جتليا آخر للعنصر األسطوري يتمثل يف تيمة اخلالص ، حيث استطاع علـي املهـم يف « احلوات أن يتغلب على أعدائه يف اية املطاف ، على الرغم مما فعلوه به ، إذ

ل حكاية علي احلوات ، املهم أكثر من أي شيء أن احلقيقة جتلت ، وأن أعداء علـي ك. ) 1( »احلوات مل يستطيعوا أن مينعوه من التعبري عن اخلري الذي جاء يسهم العصـر بـه

وجتسدت تيمة اخلالص هذه يف األسطورة ، إذ يتعذب برومثيوس ملدة قرون إىل أن يـأيت ، وإن كانا خيتلفـان يف )2(هم من سهامه وخيلصه من قيوده البطل هرقل ويقتل النسر بس

طريقة اخلالص ، فتم يف األسطورة بوساطة املصاحلة ، بينما مت يف النص عن طريق الثورة ويعكس هذا اختالف منطق النص عن منطق األسطورة ، أي منطق الفعل الثوري اخلالق

.مقابل املنطق االزامي السليب أن نقول إن الكاتب استطاع أن يستنفذ طاقة هذا العنصر األسـطوري ونستطيع

الرمزية ، وحيوهلا من وجود كامن بالقوة إىل وجود بالفعل ، إذ مل يوظـف األسـطورة الرمزية توظيفا تفصيليا ، بل قام بتفكيك األسطورة األصل واستعمل أجزاء منها مبثوثة يف

لى العنصر األسطوري جتليا تاما ، وهذا يـدل النص ، تفكيكا يذكر بأصوهلا دون أن يتج على وعي الكاتب بأصول األسطورة ومقدرته على التوظيف الفين الذي جيعل األسطورة

.265 الرواية ، ص - ) 12) - Joël Schmidt , dictionnare de la mythologie greque et romaine , p. 178 .

- 93 -

تنتقل من أصلها األول إىل وجود رمزي من خالل توظيف أجزائها الدالة عليها وجعلـها دم رؤية الكاتـب تنصهر مع التجربة الروائية من خالل إعادة صياغة األسطورة صياغة خت

رمزا لإلنسان املتحدي ، املضحي يف كـل " برومثيوس " الفنية والفكرية لتصبح أسطورة زمان ومكان ، وبذلك استطاع الطاهر وطار أن ميرر خطابا فنيا أراد أن يبني من خاللـه أن مأساة اإلنسان واحدة مهما تغريت معطيات الزمان واملكان ، ليتحد بذلك برومثيوس

. احلوات ، ويرتفعان إىل مستوى الرمز مع علي مبـا يالئـم اجلانـب - لإليهام بواقعية الشخصية -وطوع الكاتب األسطورة

االجتماعي لشخصية البطل الروائي ، فتحول البطل الرمز من نصف إله ، ومقرب مـن يصطاد كامل اليوم ، « رب األرباب إىل حوات بسيط يتيم ، يقتات من صيده، إذ كان

.)1( » ينقطع إال ليشوي مسكة مجيلة يتغدى أو يتعشى ا والكما تتمثل مطاوعة أخرى يف تيمة السر الذي يعرفه برومثيوس وعلي احلوات ، إذ

مل يكن سر البطل علي احلوات سرا ميتافيزيقيا ، يتجسد يف اسم امرأة ، بل كـان سـرا .بشريا كبقية األسرار

لط على البطل الذي عوقب عدة مرات لكنه يعود وطوع الكاتب تيمة العقاب املس كل مرة إىل القصر ليتلقى عقابا آخر ، بينما كان برومثيـوس يف األسـطورة مقيـدا يف

.صخرة ضخمة ال يتحرك منها وإذا كان الفكر الذي أنتج األسطورة فكرا حمافظا ، ال يؤمن بالثورة على الوضـع

، فإن الفكر الـذي أنـتج ) السلطة ( مع اآلهلة القائم من خالل اية البطل ، وتصاحله الرواية يؤمن بثورة اجلماهري وبإمكانية ايار األوضاع القائمة على يد الكادحني والبؤساء

االنتقام لعلي احلوات من أعدائه ليس أفضل « ، الذين يلتفون حول البطل ، فهم يرون أن

.17 الرواية ، ص - ) 1

- 94 -

النسور ليموتوا شا ، تارة من أعينهم ، من ربط األعداء باألغالل والقيود ، يف رأس قمة .)1( »وتارة من فروجهم ، وتارة من ألسنتهم ، وتارة من قلوم

وإذا كان برومثيوس عوقب بالصلب يف قمة القوقاز والنسر ينهش كبـده الـذي ، فإن العقاب الذي سيتلقاه علي احلوات ، إذا قرر املرور بقرية بـين )2(يتجدد باستمرار

قد يفحش شيوخهم فيك على مرأى من نسائهم « مضاعف ، إذ أخربوه مبا ينتظرههرار وبنام ، قد يوثقونك إىل شجرة ويشكونك بـاإلبر ، ويطلونـك باخلـل أو اللـنب ، ويدعونك كذلك عدة ساعات ، مث يأتون بامللح أو باملاء اململـح ، ويشـلطون كامـل

.)3( »جسدك أن يربز أن العذاب الذي يصـيب -تيمة العقاب مبطاوعته ل -واستطاع الكاتب

. اإلنسان من قبل السلطة أو أخيه اإلنسان قد يكون أكثر بشاعة من عذاب اآلهلة وإذا كانت القصة األسطورية قد انتهت اية هادئة سليمة ، فإن احلكاية الروائيـة

وتعكـس هـذه . انتهت بعنف ثوري أدى إىل ايار القصر واندحار اجليش السـلطاين املطاوعة وعيا بالبطل األسطوري ، يظهر من خالل اختيار أهـم مالمـح الشخصـية

. األسطورية وتوظيفها توظيفا جزئيا باالرتقاء ا إىل مستوى الرمز وإذا كان خالص برومثيوس من عذابه قد مت بفضل قوة خارقة جسدها نصف اإلله

الطبقة الكادحة برمتها لعلـي احلـوات هرقل الذي انتصر للحق واخلري ، فقد انتصرت وباركته وشجعته على املضي حىت تقوض القصر على من فيه ، وبذلك كانت نتيجة جهد

!علي احلوات أعظم من نتيجة جهد برومثيوس الذي تصاحل يف األخري مع من ظلمه

.255 الرواية ، ص - ) 12) - Prométhée , Encyclopédie Microsoft ® , Encarta 99 , 1993 - 1998 .

.55 الرواية ، ص - ) 3

- 95 -

أسطورة سيزيف - 2

ألدبية الشعرية منها حضورا متميزا يف األعمال ا(Sisyphe)شكلت أسطورة سيزيف والنثرية ، ملا حتمله من طاقات رمزية كامنة ، استلهمها املبدعون للتعبري عن مأساة اإلنسان

.وعبثية وجوده يف احلياة ، ابنة إله النـهر (Egine)إلجيينا " زيوس " وتروي هذه األسطورة اختطاف امللك

وانتقاما من سـيزيف ، أمـر . ، فقام سيزيف بإبالغ هذا األخري ) (Asopos" أزوبوس" إله العامل السفلي مبعاقبة سزيف ، الذي جنا يف املرة األوىل من (Hadès)زيوس أخاه هاديس

فحكمت عليه اآلهلة بالعذاب . )1(العقاب بفضل ذكائه البارع ، لكنه سرعان ما وقع فيه ا إىل القمـة األبدي بأن حيمل صخرة ضخمة إىل أعلى القمة ، وعندما يتمكن من إيصاهل

تتدحرج الصخرة إىل األسفل ، فيعاود الكرة ثانية فيقع معه الشيء نفسه ، ورأت اآلهلـة فهي أسطورة تعرب عن عبثية الوجـود . أنه ليس هناك عقاب أكرب من العمل بدون أمل

.) 2(اإلنساين يف احلياة ليـاذة واستوقفت هذه األسطورة العديد من املبدعني بدءا ومريوس صـاحب اإل

، وبودلري (Victor Hugo) ، وفكتور هيغو (Horace)واألوديسة الشهريتني ، مرورا وراس (Baudelaire) وروين شار ، (René Char) وألبري كامو ، Albert Camus ) ( )3( وصوال إىل ،

1) - Pierre Brunel , Sisyphe , DML , p. 1296 - 1298 . 2) - Albert Camus , le mythe de Sisyphe , Gallimard Paris 1942 , p 161 . 3) - Pierre Brunel , Sisyphe , DML , p. 1300 - 1303 .

- 96 -

الشعراء العرب املعاصرين من الرواد وعلى راسهم بدر شاكر السياب ، وبلند احليدري ، ...هم وغري

ولعل أول جتٍل هلذه األسطورة يف النص الروائي يتمثل يف تيمة تكرار الفعـل دون جدوى ، حيث جند البطل علي احلوات ينتقل من وادي األبكار إىل القصر رغبة يف إيصال

السمكة إىل السلطان ، فعوقب يف املرة األوىل بقص يده اليمىن ، فأعـاد الكـرة ثانيـة ، فعوقب من جديد بقطع يده اليسرى ، ليعيد الكرة ثالثة ، متخليا واصطاد مسكة أخرى

عن فكرة إهداء السمكة ، حامال معه وفدا عن القرى السبع ، ليعاقب بقطـع لسـانه ، فيعيد الكرة رابعة فتفقأ عيناه ، ومن هنا يتماهى علي احلوات يف تكـرار العمـل دون

مـا زال « يف األسـطورة ، إذ وهذا مـا جنـده . جدوى ، ودون أمل ، مع سيزيف سيسيفوس حىت اآلن حياول أن يضع الصخرة فوق قمة اجلبل الشاهق ، ومازالت الصخرة

.)1( »الضخمة حىت اآلن تندفع بقوة رهيبة من القمة حىت تصل سفح اجلبل انتشر « كما يتجلى هذا العنصر األسطوري يف تيمة املعاقبة بدل املكافأة ، إذ أنه ، حيث أراد علي احلوات أن )2( »ة الرعية أن علي احلوات عوقب بدل أن جيازى بني كاف

وهي التيمة ذاا اليت جندها يف األسطورة ، . يقدم هدية للسلطان ، فعوقب أشد العقاب إذ بدل أن جيازى سيزيف على مساعدته ألسبوس ، عاقبته اآلهلة ، أما هو ، فكان يطمع

.)3(منبع مائي مبدينته كورنثة أن جيازى على فعله بتفجري كما تتجلى األسطورة يف النص الروائي يف تيمة التغري يف طباع شخصية البطـل ،

حيث غري علي احلوات ، بعد كل احلواجز اليت اعترضته لدخول القصر ، من طبيعتـه ، رمبا تضـطر ... ألول مرة يكذب ، يكذب وينجح يف كذبه ، كأمنا تعود الكذب « إذ

.141 ص 1اطري إغريقية ، ج عبد املعطي شعراوي ، أس- ) 1 .131 الرواية ، ص - ) 2

3) - Pierre Brunel , Sisyphe , DML , p. 1297.

- 97 -

هكذا من أجل الوصول إىل قصـر صـاحب . تل ، رمبا تضطر النتزاع أيدي الناس للق مثلما أجدين مضطرا لدفع الرشى ، هذا هو الطريـق ، !اجلاللة ديتك ، تضطر للكذب

قرر سيسيفوس أن يقابـل « وهي التيمة اليت جندها يف األسطورة ، إذ . )1( »ما العمل ؟ . )2( »رمية باجلرمية الشر بالشر ، وصمم أن يعاجل اجل

فإذا كان تكرار الفعل قد مجـع بـني : وقام الكاتب بتطويع العنصر األسطوري سيزيف وعلي احلوات ، فإن الغاية من هذا التكرار متباينة متام التباين ، فهو تكرار عبثـي

أمـا . )3( » عمل بدون جدوى ، وبدون أمل « عند سيزيف حمكوم عليه بالفشل ؛ ألنهوإذا كان سيزيف قد استسلم . د علي احلوات ، فهو تكرار تصميم ، وإرادة ، ووعي عن

إىل مأساته ، فإن علي احلوات قد وعى مأساته وأراد أن يتجاوزها حـىت يبلـغ هدفـه ويتمثل هذا اهلدف يف إبالغ صوت اجلماهري إىل السلطة ، حـىت . احملفوف بالتضحيات

دي التماس ، الرعية يف حالة تعيسة يا موالي ، حرسك يا صاحب اجلاللة ، ل « :يقول هلا انـزل املراكـز ... يظلم ، جيشك يهني ويقتل ، الصلة بينك وبينهم مقطوعة فاربطها

.)4( »السبعة اليت تقوم يف وجه من يقصد قصرك قد وعى مأساته ، فأراد أن ينتصر على عبثيـة " ألبري كامو "وإذا كان سيزيف عند

، فإن سيزيف وطار املتجسد يف علي احلـوات جتـاوز ) 5(صخرة كل مرة القدر برفع ال فكانت معاناته معاناة أي ثائر تنطلق ثورته من وعي يؤسس لفعل : املأساة وانتصر عليها

. ثوري خالق

.221 - 220 الرواية ، ص - ) 1 .132 ص 1 عبد املعطي شعراوي ، أساطري إغريقية ، ج - ) 2

3) - Albert Camus , le mythe de Sisyphe , p 161 . 261 الرواية ، ص - ) 4

5) - Albert Camus , le mythe de Sisyphe , p 163 - 164 .

- 98 -

وإذا كان هذا الوعي مل يتبلور منذ بداية الرواية ، فإنه وعي مجاهريي نفخته القرى فاستوى بطال حيمل آلمال هذه اجلماهري ، وأصبح هذا الـوعي السبع يف علي احلوات ،

قمة املطاوعة اليت أدخلها النص على األسطورة ومارس فيها حتويرا خدم رؤيـة الكاتـب الفكرية واجلمالية ، وجعلت سيزيف رمزا لإلنسان املعاصر الذي يثور على مأساته انطالقا

.من درجة وعيه النص لوال تطويع الكاتب هلا مبا خيـدم الـرؤى وما كانت األسطورة لتشع على

الفكرية واجلمالية اليت أرادها حىت تنصهر األسطورة يف الواقع ويف العصـر ، وتـذوب الفواصل الزمنية بني املاضي واحلاضر ، وبني األسطورة والواقع لترتقي األسطورة إىل صيغة

. زمان ومكان الرمز وتصبح بذلك معاناة سيزيف هي معاناة اإلنسان يف كلوإن كانت األسطورة األصل قد جسدت املنطق الذي ال يعترف بإمكانية التغـيري

االجتماعي ألنه منطق معياري ميجد الثابت من بنيات سياسية واجتماعية طبقية ، جيعـل لكل إرادة جتاوزية اية مأساوية ، فإن النص الروائي أطاح مبنطق األسطورة اليت اسـتلهم

ا الرمزية، ليس دف التماهي معها ، بل بقلبها وإعادة قراءا مبنطق ثـوري بعض أبعاده .ومينح املتلقي حلوال وآفاقا أمام الفعل البشري الفعال

- 99 -

أسطورة أوديب - 3

(Cadmus) ، ابـن كـادموس (Laïos) أن اليوس (Œdipe)تروي أسطورة أوديب عن وطنه ، وأثناء منفاه قام باغتصـاب ابـن وملكها عاش منفيا (Thèbes)مؤسس طيبة

.صديقه ، فلعنته اآلهلة لعنة أبدية تالحق كل ذريته الفتـاة (Jocaste)وعند عودته إىل طيبة ، أصبح ملكا على املدينة وتزوج جوكستا

اجلميلة ، لكنهما بقيا دون ذرية إىل أن اطلع اليوس عن نبوءة مفادها أنه سريزق بطفـل وظل اليوس يبحث عن كيفية حتاشي وقوع القدر ، فقرر عدم . تزوج أمه ذكر يقتله وي

فنـدم . مضاجعة زوجته ، غري أا متكنت يف يوم ما أن تغويه بعد أن شرب حىت الثمالة على ذلك وأمرها بأال تكرر صنيعها ، غري أن اآلهلة قد حققت ما أرادت يف تلك الليلة ،

شاء جوكستا ، فصدم اليوس وفكر يف قتل املولـود إذ بدأت النبوءة جنينا يتحرك يف أح وتفادي حتقق النبوءة ، فأمر أحد أتباعه بأن حيمل الرضيع إىل األحراش ويلقيـه هنـاك ،

وتشاء األقدار أن يلتقطه أحد الرعاة وحيملـه إىل . معتقدا بذلك أنه ختلص منه إىل األبد ، اليت سعدت به (Corinthe)ة كورنثة ، ملك(Periboia) سيده الذي محله بدوره إىل بيبويا

.وتعهدته بالرعاية ضمن األسرة امللكية ، وأمسته أوديبوس ، أي متورم القدمني فعاش يف كنفهما حىت بلغ أشده ، دون أن يعلم شيئا عن أصله إىل أن أخربته اآلهلة

حتقـق فهجر أوديب كورنثة لتفـادي . يف معبد دلفي بأنه سوف يقتل أباه ويتزوج أمه النبوءة ، وكان يظن أنه يستطيع أن يصنع قدره بنفسه ، إىل أن قاده القدر إىل مدينة طيبة ، حيث تقابل يف مفترق الطرق مع شيخ عجوز ، فقامت بينهما مشاحنة ، أدت إىل قتل

مث واصل طريقه حنو طيبة ، وعنـد -الذي مل يكن سوى اليوس والده -أوديب الشيخ الذي ألقى عليه لغزه ، فتمكن من (Sphinx)هوال يدعى أبا اهلول باا ، صادف وحشا م

- 100 -

- أمـه -حله ، فانتحر أبو اهلول ، فسعد أهل طيبة بذلك ، فتزوج بامللكة جوكستا .مكافأة له على ختليص املدينة من الوحش ، حمققا بذلك طريف النبوءة

فال صاروا إخوة له ، واستمر حكم أوديب لطيبة أعواما ، وأجنب من أمه أربعة أط ونتيجة لذلك أوقعت اآلهلة عن املدينة كلها وباء مل ينج منه أحد ، فلجأ أوديب إىل اآلهلة ملعرفة سبب الوباء ، فانكشفت له احلقيقة ، وحتققت بنوءة اآلهلة اليت ظن أوديـب أنـه استطاع أن يتفاداها ، فانتحرت جوكستا ، وقام أوديب بفـقء عينيـه تكفـريا عـن

.)1(يئتهخطوانتقلت األسطورة إىل أسطورة أدبية مألت األدب وشغلت األدباء من سوفوكل

(Sophocle) صاحب رواية أوديب ملكا ، مرورا بسينيكه (Seneque) وفولتري ، (Voltaire) اخل ، إذ مـا ... )2( ، وتوفيق احلكيم (André Gide) وأندري جيد (Corneille)وكورناي

أن تعرف هذا االنتشار الرهيب لوال األدب الذي استلهمها وقدمها كان هلذه األسطورة .إىل اجلماهري بكل أبعادها املأساوية اإلنسانية

وأول خيط روائي يقودنا إىل جتليات هذه األسطورة هو تيمة األقدار اليت حتـدد عة فلم يكن علي احلوات بطل الرواية إال صـني : مسار اإلنسان يف احلياة وحترك خيوطه هنالك شيء تدبره األقدار ينبغي أن نساعد مجيعا « هذه األقدار ، إذ ظل يعتقد دائما أن

»..على حتقيقه األقدار هي اليت تدبر حتركايت وتصرفايت منذ « إىل جانب اعتقاده أن. )3(

»حلظة النذر األوىل )4(.

أنـه عندما قـررت اآلهلـة " اليوس " كما حددت األقدار يف األسطورة مصري سوف يأيت اليوم الذي سينجب فيه اليوس طفال ذكرا ، ولسوف يقتل أباه ، مث يتزوج «

.253 - 241 ص 1 عبد املعطي شعراوي ، أساطري إغريقية ، ج - ) 12 ) - Colette Astier , œdipe , DML , p. 1088 - 1089 .

.25 الرواية ، ص - ) 3 .164 الرواية ، ص - ) 4

- 101 -

« كما حددت أيضا مصري أوديب ، إذ أخربه اإلله ، يف معبد دلفي ، بقدره . )1( »أمه سوف تقتل أباك ، مث : أيها الشاب اليافع ، ليس لدي ما أقوله لك سوى هذه الكلمات

فلم يستطع اليوس االنفالت من قدره ، ومل يتمكن أوديب من جتنبه ، )2( »تتزوج أمك .ومل يستطع علي احلوات أن يتفادى تدبري القدر

وجتلت بقية األجزاء األسطورية يف النص يف تيمة فقء العينني ، فـأوامر جـابر ، » ! فلتفقأ عيناه « :شقيق علي احلوات كانت قاطعة ، إذ نصح قائال

جتلـت كما . )3(هذه التيمة يف االختيار اإلرادي لفقء العينني من طرف املتصوفني، جتنبا للبوح بسر حلمهم

أيها الفارس امللثم ، أيها الشهم النبيل ، لقد جئت تطلب منا السر أو « لفرسان السلطنة »تفضل خذ أعيننا .. ال أحد يف قرية التصوف مستعد للبوح باحللم .. أعيننا

وهـي . )4(ـة حتيلنـا على األسطـورة األصـل اليت تـروي أن أوديـب فقــأ عينيــه تيم

مبجـــــــرد . )5(انكشاف احلقيقة تكفريا عن خطيئته

وإىل جانب تيمة فقء العينني، جتلت بعض أجزاء األسطورة يف الـنص، يف تيمـة املكلفة حبراسة احلواجز اليت حتول دون بلوغ القصر ، إذ واجه علي احلوات املراكز السبعة

القصر ، ورئيس احلرس ، وكبري املستشارين ، كما واجه أوديب أبا اهلول ، وفك لغـزه ودخل املدينة كما دخل علي احلوات القصر عن طريق الرشوة اليت طلبت منه يف املركـز

.242 ، ص عبد املعطي شعراوي ، أساطري إغريقية- ) 1 .247 / 246 املرجع نفسه ، ص - ) 2 .264 الرواية ، ص - ) 3 .73 الرواية ، ص - ) 4

5) - Edith Hamilton , Mythologie , nouvelle edition , Marabout Paris 1997 , p. 339 .

- 102 -

تلزمك أربعة أالف قرياط ، تدخل إىل صاحب اجلاللة رأسا دون أن متر علـى « :األول .)1( »املسألة هكذا ... أو على رئيس حرس ، أو كبري املستشارين احلاجب ،

ونالحظ أن األسطورة األصلية مل تتجلّ بتفاصيلها وجزئياا ، بل وظفت يف بعض األحيان توظيفا عكسيا ، فإذا كان أوديب يسري مبشيئة األقدار رغم هروبه منها ، وهـو

إجيابية ؛ ألنه وعـى هـذه األقـدار موقف سليب ، فإن موقف علي احلوات كان أكثر .)2( » أيتها السمكة اجلميلة ، لتكن مشيئة األقدار « وانسجم مع إرادا

أما تيمة فقء العينني ، فتم حتويرها ، إذ مل يكن فقء عيين علي احلوات إراديا ، بل ة بفعـل كان جرمية ارتبكها األعداء يف حقه خبالف فقء عيين أوديب الذي مت بصفة إرادي

.الندم وإرادة التكفري عن اخلطأ وإذا كانت األسطورة ال حتمل اآلهلة أي مسؤولية جتاه أوديب وايته املأسـاوية ،

وهلذا كانت اية . فإن النص حيمل السلطة تبعة ما حلق علي احلوات واملتصوفني من أذى ه املفقـودة ، وتـزوج استعاد كل أعضائ « علي احلوات ، يف نظرنا ، اية سعيدة ، إذ

على غرار ايـة روايـات الواقعيـة . ) 3( »العذراء اليت كانت حبق سلطانة السلطانات .االشتراكية ، اليت كان وطار أحد روادها يف اجلزائر ، بينما عرف أدويب اية تراجيدية

أما إشعاع هذا العنصر األسطوري يف النص ، فكان كبريا ، ألنه وظف األسطورة فإرادة األقدار ، اليت حتكمت يف مصـري أوديـب : يفا عكسيا ، أي توظيفا بالقلب توظ

ورمست ايته ، مل تكن عائقا أمام إرادة علي احلوات واجلماهري امللتحمة به ، وإذا كانت األسطورة ختدم الفكر الذي أنتجها من خالل حرصها يف دوام البنيات القائمة ، الـيت ال

أو جتاوزها ، كأا قدر مكتوب ، فإن الرواية أعـادت قـراءة خرقها - حسبها -ميكن

.222 الرواية ، ص - ) 1 .28 الرواية ، ص - ) 2 .267 الرواية ، ص - ) 3

- 103 -

األسطورة ، وأطاحت بالفكر الذي أنتجها من خالل التأكيد على البنيات القائمة الـيت ميكن جتاوزها بالفعل الواعي ، الشرط األساس لكل ثورة تستهدف التغيري ، والوصـول

.باإلنسانية إىل أكمل صورة بني شخصييت أوديب وعلي احلوات ، فاألول اتبع مسارا حددته وهنا تبدو املفارقة

األقدار ، بينما ساير الثاين األقدار ، وخرج عن مسارها بفعله الواعي ، هذا مـا جيعلنـا علي احلوات وأوديـب يشـتركان يف األبعـاد « خنالف الرأي النقدي ، الذي يرى أن

الذي رمسه هلما القدر وفق خط مستقيم ، املأساوية والرمزية وما لقياه من قسوة املصري ، ال حييدان عنه إال ليعودوا إليه ، ومع ذلك فإن كل واحد منهما سار باجتاه القصر ، دفعا

.)1( »نتيجة ذلك مثنا غاليا ، فتعرضا للعقاب الشنيع ويقوم هذا الطرح على فرضية متاهي النص مع األسطورة إىل درجة التطابق ، بينما

األسطورة األصل حاضرة يف النص بأبعادها الرمزية ، مبتورة عـن سـياقها نالحظ أن التارخيي ، إذ ما كان هلذا التوظيف الرمزي أن يتحقق لوال وعي النص باألسطورة األصل وقدرته على تفجريها رمزيا وإعادة قراءا بغية دجمها يف املوقف الفين واإليـديولوجي ،

.ستوى الرمز حىت ميكنها من االرتقاء إىل م

.249دريس بوذيبة ، الرؤية والبنية يف روايات الطاهر وطار ، ص إ- ) 1

- 104 -

أسطورة القضاء والقدر - 4

- وفق تصور اإلغريق األسـطوري -رأينا يف اسطورة أوديب كيف إن اإلنسان ومما زاد هذا املعتقد رسـوخا ، ارتبـاط . صنيع أقداره ، حتدد مساره وفق ما ترمسه له

دخل لإلنسان فيهـا وال أسطورة القضاء والقدر باآلهلة ، مصدر اإلرادة الغيبية ، اليت ال كما رأينا يف -فال مهرب من األقدار إال إليها . طاقة له يف تغيريها ، مهما حاول واجتهد

إذ الحظنا أن اليوس رضخ لألقدار مكرها ، رغـم أنـه حـاول -األسطورة السابقة .االنفالت منها ، وأن أوديب فر من قدره بكورنثة ليتلقي به يف طيبة

اخلوض يف مسألة أسطورة القضاء والقدر ، أن نربر أمـرين ، يتعلـق بودنا ، قبل أوهلما بأسطورة القضاء والقدر ، ويتعلق ثانيهما باعتبارها أسطورة إغريقية ، أي أسطورة

.غربية إىل أن هذه املسـألة - املتعلق مبسألة القضاء والقدر -يرجع تعليلنا لألمر األول

بطابع التسليم املطلق ، إىل جانب ارتباطها بفكـرة اآلهلـة ارتبطت مبفاهيم يقينية تتسم وعليه ، انطالقا من هذا التربير جتسـدت . وأصل اإلنسان واألشياء ، ومصري كل منهما

وفيما خيص تعليلنا لغربية هذه األسطورة . هذه املسألة يف الفكر األسطوري اإلنساين عامة . الظهور ، والتناول والطرح ، فيعود إىل عامل األسبقية الزمنية من حيث

فقد شغلت اليونان ، قبل امليالد ، مسائل اخللق والتكوين واملصري ، وطـال ـم ففي الثقافة اإلسالمية مـثال ، مل . اجلدل الفلسفي قبل ظهور املسيحية واإلسالم بقرون

م مـن تتبلور مسألة القضاء والقدر ، ومل يطرحها املسلمون بشكل خاص إال بعد انتهائه فلما انتهى « الفتوحات ، وبعد احتكاكهم بغريهم من األجناس كما يوضحه أمحد أمني

- 105 -

، ) القضـاء والقـدر ( املسلمون من الفتح ، وهدأوا وأخذوا يفكرون ، ظهرت املسألة .)1( »وكان قد تكلم فيها من قبل فالسفة اليونان ، ونقلها عنهم السريانيون

فكر اليوناين اإلغريقي يف تناول هذه املسـألة ، وعليـه يؤيد هذا الطرح أسبقية ال .اعتربنا أسطورة القضاء والقدر أسطورة إغريقية على ضوء ما سبق توضيحه

تدور معظم األساطري اإلغريقية حول قدرة اآلهلة ، وصراعها ، ودور اإلنسـان يف مـع ابنـه - إله السماء -ومن هذه األساطري ما يروي صراع أورانوس . هذا الصراع

الذي استطاع النيل من أبيه وقتله بتحريض من أمه األرض ، مث - إله الزمن -كرونوس وصوله إىل سلم احلكم ، لكن القدر ترصده بفعل نبوءة مشؤومة مفادها أن كرونـوس

وللحيلولة دون حتقق النبوءة قرر كرونوس ابتالع كل . سيلقى حتفه على يد أحد أبنائه متكنت من خداعـه يف (Rhéa)" ريا " تلع مخسة من أبنائه ، ولكن زوجته فاب. مولود له

املرة السادسة بعد أن أعطته ، بدل املولود اجلديد ، حجرا صلبا ملفوفا كالرضيع ، فابتلعه وهكذا كتب هلذا املولود أن يعيش ، بل وأن ينتصر على أبيـه ويصـبح رب . كرنوس

.)2(األرباب الذي مل يكن سوى زيوس وشاعت فيما بعد أسطورة القضاء والقدر اإلغريقية يف األدب ، فتخربنا اإلليـاذة

حتقق مشروع زيوس منذ نبع « عن قضاء زيوس ، اإلله األعظم ، يف حرب طروادة ، إذكما جند األسطورة موظفة عند . )3( » املقدس (Achile)الصراع بني ملك البشر ، وأخيل

. ، حيث مل يستطع أوديب أن يفر من قدره احملتوم ملكا-يف أوديب " سوفوكل" وتقوم هذه األسطورة يف الفكر اإلغريقي على الصراع بني اإلنسان واآلهلـة، إذ أن

اإلله يريد أن يفرض سلطانه على الرجل ويصنع له قدره ، والرجل يريد أن يتحرر مـن «

.284 أمحد أمني ، فجر اإلسالم ، ص - ) 1 .74 - 70 ص 1 عبد املعطي شعراوي ، أساطري إغريقية ، ج - ) 2

3) - Homère , Iliade , Rapsodie I , trad le conte de lisle , maxi - livres 1998 , p 11 .

- 106 -

ذيوع أسطورة القضاء والقـدر يف هذا ما يؤكد . )1( »سيطرة اإلله ويصنع قدره بنفسه اهتم اإلغريق مبعرفة الغيب والرضوخ ملشيئة اآلهلـة ، « الثقافة اإلغريقية القدمية ، حيث

عند حلول حمنة أو قبل خوض معركة بتوجه األفراد إىل اهليكل ، كهيكل أبولون مثال يف ة اآلهلة وأنيطـت جزيرة ديلوس أو يف دلفس وسط اليونان، حيث الكاهنة بيتيا تنقل إراد

هذه املهمة بالكاهنة األنثى العتقاد اإلغريق بأن املرأة أكثر استعدادا لتلقي الـوحي مـن . )2( »الرجل ، ولكن هذا ال مينع من أن يشتهر متنبئون من الذكور

يف األساطري اإلغريقيـة بـالتكهن ومعرفـة (Thérésias)وفعال ، اشتهر ترييزياس ن ، بعد أن وهبه رب األرباب تلك القدرة تعويضا له على فقـدان املستقبل وقدر اإلنسا

. ) 3(عينيه وإذا كانت اآلهلة يف الفكر األسطوري اإلغريقي متحكمة يف مصري البشر ، فـإن . )4( » هم أنفسهم مسريون حسب حتمية تستبد م « األربابمت تسليما تاما باجلرب سل « وقد اعتنقت الذهنية الشعبية هذا املذهب الفكري ، إذ

، ورفضت االختيار خمتارة ، وأشاعت شعارا رفعته يف املآقط ، ورددته يف املقامـات ، اللوح " ، ويريدون به إىل أن ما كتب اهللا للمرء ، أو ما كتبه عليه يف " املكتوب " وهو

.)5( »هو الحقه حتما " احملفوظ حقته يف الرواية جمسدا يف تيمـة التنبـؤ أو ويتجلى عنصر القضاء والقدر عند مال

اعلـم « االطالع على الغيب ، إذ جاء على لسان علي احلوات عندما خاطب السمكة أنك لست من هذا الوادي ، وأن املقادير هي اليت أرسلتك ، فافعلي أيتها السمكة اجلميلة

.85املرجع السابق ، ص - ) 1 .156 ، ص 1985 ، دار املشرق ، بريوت 11 لبيب عبد الستار ، احلضارات ، ط - ) 2 .124 أوفيد ، مسخ الكائنات ، ص - ) 3 .154 لبيب عبد الستار ، احلضارات ، ص - ) 4 .21 عبد امللك مرتاض ، عناصر التراث الشعيب يف الالز ، ص - ) 5

- 107 -

مكة إىل الوادي هو الذي جاء بالس - حسب علي احلوات -فالقدر . )1( »ما أمرت به .، وهو الذي رسم مسار حياا الذي ال نستطيع تغيريه ) احلياة (

لقد اختارتين األقدار « كما تتجلى هذه األسطورة على لسان علي احلوات كذلك »بني إخويت ألمثل اخلري ، وأعتقد أن هذه األقدار نفسها هي اليت اختارتين لتمثيل القرية

ظيف على خلفية أسطورية ، إذ تروي األسطورة اإلغريقية املذكورة ويستند هذا التو . ) 2(أن كرنوس علم مبيالد ابن له ، تكون ايته على يده ، كما علم اليوس مبصرعه على يد

.ابن له واطلع أوديب على النبوءة نفسها وإذا كانت سلطة األقدار مطلقة يف األسطورة اإلغريقية ، إذ تنتهي كل أسـطورة ار إرادة اآلهلة وخضوع اإلنسان أمام هذه اإلرادة ، فإننا جند مطاوعة هذا العنصـر بانتص

األسطوري من خالل انسجام البطل علي احلوات ، إذ أنه يرى يف القدر خمرجا وسـبيال لفعل اخلري ، وال ضائر من االنسياق خلف األقدار ، ما دامت تتفق مع األهداف السامية

شاءت األقدار أن أخرج لوسـم عصـر السـلطنة كلـها لقد « للبطل، الذي يصرح .) 3( »باخلري

فإذا كانت األقدار ال تتعارض مع القيم اليت يؤمن ا ، فعليه حتقيق إرادا ، ويظهر )4( » أيتها السمكة اجلميلة ، فلتكن مشيئة األقدار « :ذلك عندما خاطب السمكة قائال « :احب رسالة لتحقيق إرادة القدر ، وداعية إىل حتقيقها ، بل جيعل من نفسه مناضال وص

دعوين معها أرجوكم ، دعوين معها ، هنالك شيء تدبره األقدار ، ينبغـي أن نسـاعد .)5( »مجيعا على حتقيقه

.27 ص الرواية ،- ) 1 .29 الرواية ، ص - ) 2 .118 الرواية ، ص - ) 3 .28 الرواية ، ص - ) 4 .25 الرواية ، ص - ) 5

- 108 -

وعلى النقيض من ذلك ، يستسلم البطل يف األسطورة مكرها جمربا ملشيئة األقدار عليه ، فال كرونوس قاومها بقرار ابتالع أوالده ، وال اليوس وينساق وفق ما متليه إرادا

يفكر أثناء عودته إىل طيبة ، كيف يتحاشى قدره املكتوب ، كيف يهرب « الذي أصبح ، استطاع دفـع إرادـا ، وال )1( »من مصريه احملتوم ، كيف يظل بال أطفال إىل األبد ة كورنثة لكي ال يقتل أباه ويتزوج أمه أوديب استطاع الوقوف يف وجهها روبه من مدين

. ، بل استسلموا مجيعا ملشيئتها احملتومة يف اية األمر )2(هذه املطاوعة العكسية اليت تعرض هلا العنصر األسطوري ، جعلته يشـع إشـعاعا

كبريا يف النص ، وهو ناتج عن القراءة اجلديدة لألسطورة األصل ، وفهمها فهما جديـدا فسريا فكريا ينسجم مع املعطيات اإليديولوجية العصرية اليت ال تقر بالقـدرة وإعطائها ت

املطلقة ألية قوة غري قوة اإلنسان ، الفاعل األساس يف هذا العامل واملالك ملصـريه ، ومـا األقدار سوى ما يصنعه اإلنسان لنفسه ، فإذا أرادت اجلماهري حياة ، فما على القـدر إال

ن لن يتغري بقوة خارقة ، بل يتغري بفعله اخلالق املصحوب بالوعي أن يستجيب ، واإلنسا .كما جاء يف النص الروائي

.244 عبد املعطي شعراوي ، أساطري إغريقية ، ص - ) 1 .247 املرجع نفسه ، ص - ) 2

- 109 -

أسطورة اخلنثى - 5

، أي اإلنسان (Hermaphrodite) أو (Androgyne)ارتبطت أسطورة الكائن املخنث م البشـر ذي الطابع اجلنسي املزدوج ، حبلم الكمال ، إذ واكبت هذه األسطورة أحـال

.) 1(ومسالكهم ، مالبسهم ، وحكايام ، وأعماهلم الفنية والسحرية على طابع هذه األسطورة العاملي، اليت ظهرت (Marie Miguet)وتؤكد ماري ميقي

يف كل الثقافات ، وارتبطت بأسطورة اآلهلة املخنثة ، املنبثقة عن بيضة واحـدة حتمـل .مكونات الذكورة واألنوثة معا

ذكر هذه الباحثة أن أفالطون تناول هذه األسطورة ، وأعطاها وظيفة تعليلية ، وت ، عندما حاول أن يفسر معاناة العشـاق الـذين Cosmologiqueذات طابع كومسولوجي

فرقتهم الطبيعة ، ورأى أن الذكور أصحاب الرجولة هم أبناء الشمس ، وأن اإلناث هن املخنثون ، فجعلهم أفالطون أبناء القمر الذي يعد بنات األرض أما اجلنس الثالث ، وهم

.مرتبة بني الشمس واألرض وبناء على هذا املعتقد األسطوري ، نسج هيزيود الشاعر اإلغريقي الشهري تصوره

األسطوري الفين ، حني تصور أن األرض أجنبت السماء قبل أن تقوم مبضاجعتها ، ليدلل .ثوية بذور الذكورة على أن األرض حتمل يف طياا األن

كما تناول هذه األسطورة العديد من املبدعني املشهورين ، كأوفيـد ، الشـاعر ، إضافة إىل ألـبري مسـني (Gustave Flaubert)الالتيين الفذ ، والفرنسي غوسطاف فلوبري

، ص 1995 ، خليل أمحد خليل ، معجم املصطلحات األسطورية ، دار الفكر اللبناين ، بريوت- ) 163.

- 110 -

(Albert Samin) وتريستان لرميت (Tristan L’Hermite) ... )1( . جعل هذا التناول الغريبألسطورة يف الفلسفة واألدب ، جعلها تنتشر يف الغرب أكثر من أية منطقة أخـرى يف ل

.العامل حتـى كـادت أن تصبـح أسطورة غربية صرفة ، إذ أننا نعثـر " احلوات والقصر " وجند جتليات هذه األسطورة يف النص الروائي

لتحول بعد سنة من زواج أن امللكة خنثى ، أصيبت با « على بعض جزئياا ، حينما نعلم )3( » أحيانا جيدها مع جارية وأحيانا مع وصيف « ، حىت إن السلطان)2( »جاللته ا

.وهذا يؤكد طابع هذه امللكة اخلنثوي . ويستند هذا التوظيف األسطوري يف الرواية على خلفية أسطورة إغريقية تروي أن

ب البـارع اجلمـال هرمافروديـت أغرمـت بالشـا (Salmacis)احلورية سـاملاكيس (Hermaphrodite) ولتمنحين اآلهلة أمنييت ، فال يأيت يوم ينفصل « : فتوسلت إىل اآلهلة قائلة

وفعال استجابت هلا اآلهلة وحتول هرمافروديـت . )4( »فيه هذا الغالم عين أو أنفصل عنه .ة إىل خنثى يف األسطورة ، كما حتولت امللكة إىل خنثى يف الرواي

كما جند أصداء هذه األسطورة أو بعض جزئياا يف ذيوع التخنث داخل قصـر ختتلط أحيانا كثرية ، حىت ال يبقى يتميز فيـه شـيء ، « السلطان ، إذ أصبحت األمور

هذه اجلزئيات املوظفة . )5( »الرجل من املرأة ، والعبد من السيد ، والسلطان من امللكة استلهامية من األسطورة اليت سبق ذكرهـا ، وأورت احتـاد يف النص تقوم على خلفية

1 ) - Marie Miguet , Androgynes , DML , p 57 . .78 الرواية ، ص - ) 2 .78 الرواية ، ص - ) 3 .148 أوفيد ، مسخ الكائنات ، ص - ) 4 .78 الرواية ، ص - ) 5

- 111 -

ندري أمها ذكر أم « احلورية ساملاكيس جيسم هرمافروديت التحاما تاما حىت إننا مل نعد .)1( »أنثى أو أما شيء واحد معا ، أو أما ليس من هذا أو ذاك

لنا بعض عناصـره وكلما تتبعنا هذا اخليط األسطوري داخل النص الروائي تتجلى مثل انتصار العنصر األنثوي الذي متثله امللكة يف الرواية اليت أخـذت بزمـام األمـور ،

صارت امللكة تطلب اجلواري أكثر من جاللتـه ، « وجتاوزت سلطة السلطان نفسه، إذ .)2( »حىت امتأل القصر كما أا صارت تعترض على خصي الغلمان

دها يف األسطورة ، حيث استطاعت احلورية ساملاكيس أن وهي التيمة ذاا اليت جن يريد أن مينحها املتعة اليت كانت تتوق إليها ، غـري أـا « تقهر هرمافروديت الذي ال

قاوم ما شئت ، لكنك لن تفلت مين أيها : صائحة ... أحكمت قبضتها وطوقته جبسدها ويتقبل وضعيته اجلديـدة ، بـل واستطاعت يف األخري أن جتعله يرضخ هلا . )3( »الوقح

أباه ، أماه ناشدتكما أن حتققا أمنية ولدكما « :وصل به األمر إىل أن يتوسل إىل والديه وهي أن خيرج كل رجل يرتل إىل هذه الربكة نصف رجل فحسب ، وأن يفقد فحولته ..

. )4( »ونشاطه حني يلمس املياه قص الذي متكن من هرمافروديـت، وحتمل كلمة نصف رجل معاين الشعور بالن

الرجل اخلنثى ، وهو ما يعزز فكرة االنتصار للعنصر األنثوي ، غري أن النص الروائـي مل يوظف األسطورة توظيفا كامال وأصليا ، حيث مل حتافظ األسطورة األصلية على كامـل خصائصها يف النص ، حيث نعثر على التحوير يف التيمـة األسـطورية ، فـإذا أصـبح

خمنثا بفعل احتاده اجلسـمي والروحـي مـع - كما تروي األسطورة -رمافروديت ه التحمت أطراف الفىت بأطراف احلورية يف هذا العنـاق اجلسـمي « ساملاكيس ، حيث

.148 أوفيد ، مسخ الكائنات ، ص - ) 1 .78 الرواية ، ص - ) 2 .148 ، ص أوفيد ، مسخ الكائنات- ) 3 .ن . املرجع نفسه ، ص - ) 4

- 112 -

، فإن العنصر األسطوري )1( »املتالصق ، فصارا شخصا واحدا ، وإن بقيا بطبيعة مزدوجة بعد سنة من زواج جاللته « تخنث أصاب امللكةتعرض يف النص لبعض االنزياح ؛ ألن ال

فالكائن املتحول . )« )2ا ، جعلتها كثرة اجلواري اليت تطوف ا تتعرض لعملية التحول أما يف الرواية فهي ملكـة حتولـت إىل - أفردويت -إىل خنثى يف األسطورة هو شاب

حوهلـا عـن طبيعتـها ، خنثى بسبب اجلواري اللوايت حيطن ا ؛ أي أن ما يف القصر .فامنسخت ، األمر الذي أضفى عليها إحياء سلبيا

كما أننا ال نعثر يف النص الروائي على اجلهة اليت مارست هذا التحول ، أمـا يف يف - الكائن املخنث -وإذا كان أفروديت . األسطورة ، فجاء هذا التحول بإرادة اآلهلة

نصف ذكر ، فإن امللكـة املخنثـة تتـأرجح األسطورة قد حافظ على ختنثه حني أصبح سري به إىل جاللته ) علي احلوات( يقال إنه « بسلوكها اجلنسي بني الرجولة واألنوثة ، إذ

السلطانة ، اليت باتت تستمتع بشبابه كأنثى ، وهو معصوب العينني ، وعندما تيقظ فيهـا .)3( »اجلانب الرجويل أمرت جبلده سبعمائة جلدة

قلت أسطورة التخنث من بعدها اإلغريقي األصلي ، لتدمج داخل الـنص كما انت ضمن أجواء شرقية متمثلة يف السلطان والقصر واجلواري والغلمان ، وهو جو حييلنا على املوروث العريب اإلسالمي يف عصوره الذهبية ، أراد النص أن يكشف تناقضاا الداخليـة

يؤكد من خالله على أن املمارسة السياسية العربية لريبط الصلة بني املاضي واحلاضر ربطا هي ممارسة واحدة ، قائمة على التناقض ومبنيـة علـى - ماضيا وحاضرا -اإلسالمية

الدجل واخلرافة ، وهي حماولة لتشريح الواقع السياسي تشرحيا داخليا ، بكشف آليـات وكشف عيوا يف العـامل املمارسة السياسية السلطوية ، تفسريا يهدف إىل نقد السلطة ،

.ن . املرجع نفسه ، ص - ) 1 .78 الرواية ، ص - ) 2 .130 الرواية ، ص - ) 3

- 113 -

العريب اإلسالمي ، عرب مسارها التارخيي ، وتبيان أن الواقع احلايل ما هـو إال تراكمـات .للممارسات القدمية ، وأن احلالة واحدة مهما تغريت األزمنة واألمكنة

كما أسهم توظيف اسطورة اخلنثى الرمزي يف تشريح بنية النظام السياسـي ، أي . ختنث امللكة على رغبتها يف إكمال الذكورة الناقصة لدى السـلطان السلطة حيث يدل

ونفهم من هذا التوظيف أن اهليبة اليت ترافق صورة السلطان يف الوجدان اجلمعي ليسـت سوى ضرب من اخلرافة ، حيث يفتقد السلطان إىل مقومات الرجولة ، بينمـا ميـارس

خيتفي وراءه لتربير عجزه وتغطية تناقضاته العنف على رعيته ، وليس قمع النظام إال ستارا .الداخلية

- 114 -

أسطورة األمازونيات - 6

جمموعـة - وفق املنظور امليثولوجي اإلغريقي - (les amazones)تعد األمازونيات من النساء احلوريات ، املقاتالت ، من ذوات الطابع املتوحش ، إذ يتغذين على اللحوم ،

يف زمرة احليوانات الالمحة ، كما جيمعن بني األنوثة والرجولة ، ويتميزن بالطابع ويصنفناملعادي للرجال ، إذ حياربن هؤالء بكل الوسائل مبا فيها اإلغـواء ، ويرفضـن الـزواج

.)1(واالستسالم للرجال إال إذا انتصر هؤالء عليهن يف احلرب يف جنوب شرق أوروبا -غريقية كما تروي األسطورة اإل -وعاشت األمازونيات

، أي يف آسيا الصغرى ، وينتمني إىل نوع خرايف من النساء املقاتالت الالئي كن يعشـن حتت قيادة ملكة ، ألن يرفضن وجود الرجال بينهن إال مرة واحـدة يف السـنة بغيـة

كما كانت األمازونيات تعشـن مـن . اإلخصاب، وكن يتخلصن من املواليد الذكور نهب والسرقة، وكانت تقطعن الثدي األمين حىت يسهل عليهن استخدام األقواس ، وقد ال

وقفن إىل جانب الترواديني يف حرب طروادة الشهرية ، لكن أخيل استطاع أن يصـرع كما حاربت األمازونيات عدة أبطال منهم هرقل . ملكتهن ، وبالتايل توقفت عن القتال

.)2(أكرب أبطال اإلغريق ، وبلروفون ومل يتناول األدباء أسطورة األمازونيات كموضوع رئيس يف كتابام ، بل اكتفى

(Kleist) ، وكليست (Boccase)البعض منهم بذكرهن يف مؤلفام ، من أمثال بوكاتشيو .)3(غري أن السينما اهتمت كثريا ذا النوع من النساء ... (D.H. Lawrence)ولورانس

.24 / 23 خليل أمحد خليل ، معجم املصطلحات األسطورية ، ص - ) 12) - Joël Schmidt , dictionnare de la mythologie greque et romaine , p. 22 . 3) - Ibid , p. 23 .

- 115 -

طورة يف النص من خالل بعض أجزائهـا يف القريـة السادسـة وجتلت هذه األس يتبادلن النهش ، وميصصن دماء بعضهن « املعروفة بقرية املخصيني ، حيث راحت النساء

، حـىت )2( » ميتصصن برجولته حىت تنتهي « ، وكل رجل يتصل ن)1( »بتلذذ غريب لقد وظفها . )3( »هي إىل اهلالك الرجل الذي يقع فريسة بني نساء املخصيني ينت « أصبح

النص للداللة على انعدام الرجولة يف هذه القرية ، لريمز إىل فئة اخلاضعني االـزاميني ، .الذين يرضون باألمر الواقع ، ويتقبلون ممارسات السلطة القمعية بالسلبية واالزامية

كـل مـا يف « :ويتعزز هذا الطرح عند خماطبة رجال هذه القرية لعلي احلوات قريتنا من عباد ومتاع مهدى من أجيال جلاللته ، اعلم يا علي احلوات أننا ما إن تقربنا من القصر جباريتنا احلظة حىت تقربنا بكل حالئلنا وبناتنا جواري مباحات للسلطان وحلاشيته

قريتنـا ولنقيم الدليل علىإخالصنا يف ذلك أقسمنا على أن األنثى يف . ولفرسانه وحلرسه لن توطأ من رجال منا ، ولنثبت ذلك ، حكمنا على كل رجل فينـا باخلصـي ، نعـم

.)4( »باخلصي يوحي هذا املوقف بسلوك زمرة اجتماعية انبطاحية ال تدخر جهدا يف التضـحية

بأي مبدأ سام أو مقدس يف سبيل التقرب من السلطة ، وقد استعار النص ملمح اخلصـي التضحيات املشبوهة ، ملا جتسده قيمة الرجولة يف اتمعات الشرقية للداللة على نوع هذه

وهو توظيف رمزي للداللة على فئة تكرست بنية السلطة من خالل خنوعها ومواقفهـا السلبية االنبطاحية ، حيث تعمل السلطة على توسيع هذه الفئة حىت تكون كل اتمعات

.الروائي على شاكلة رجال القرية السادسة يف النص

.82 الرواية ، ص - ) 1 .183 الرواية ، ص - ) 2 183 الرواية ، ص - ) 3 .85 - 84 الرواية ، ص - ) 4

- 116 -

كما متثل نساء القرية السادسة بقايا الوعي اجلماهريي الذي حـاول القصـر أن يقضي عليه ، ألن سلوكهن اجلنسي يدل على الرغبة يف احلياة واالستمرار واخلصب ، ويف املقابل ميثل رجال هذه القرية موت الوعي حيث يرمز اخلصي إىل العجز وما ميثله من قيم

.الفناء واملوت ، " كره الرجـال "وال يزال العنصر األسطوري يتجلى يف الرواية ، متمثال يف تيمة

)1( »وهن معاديات للرجال ... كلهن حماربات « حيث تروي األسطورة أن األمازونيات صرن حيملن السالح وينصـنب « إىل درجة مواجهتهم بالسالح ، وأن النساء يف الرواية

استولني يف املدة األخرية على كوكبة من رجال القصر امللثمني الكمائن يف الطرقات ، لقد )2( »، ومل يظهر هلم من يومها أثر ، بل إن القرى ااورة صارت تتعرض لغزوهن

ميتصصن رجولته حىت تنتهي ، فريحن ميتصصن دماءه ، « وكلما وقع رجل يف قبضتهن. .)3( »دة منهن ، وهي تطلق الزغاريد وينهشن حلمه حىت يبلغن قلبه ، فتأكله الواح

ويستند هذا التوظيف على اخللفية األسطورية املتصـلة باألمازونيـات اللـوايت يرفضن وجود الرجال بينهن إال مرة واحدة يف السنة بغية اإلخصاب ، وكن يتخلصـن «

.)4( »من املواليد الذكور ا زوال الفوارق اجلنسية بـني كما تتجلى بعض أجزاء األسطورة يف الرواية ، منه

أن األنوثة حني يج اهليجان األكـرب تتحـول إىل « الرجال والنساء ، إذ جند يف النصوجند يف األسطورة أن األمازونيات هـن . )5( »ذكورة تعوض عن الذكورة إىل حد ما

.جنس بني الرجال والنساء

1) - Edith Hamilton , mythologie , p 375 . .183 / 182 الرواية ، ص - ) 2 .183 الرواية ، ص - ) 3

4) - Joël Schmidt , p. 22 . .90 الرواية ، ص- ) 5

- 117 -

ذلك يف النص ، عندما ووظفت أجزاء األسطورة مثل تيمة أكل اللحم ، ويتجلى « كما جند . ) « )1تاج األنوثة ، فتأكل النساء حلم بعضهن نيئا ، ويشربن دماءهن «

يقال إن فتاة مأكولة الصدر والثديني والبطن هجمت على شاب واحتضنته ، وراحـت أن وختربنا األسـطورة . )2( »تواصل ضمه إليها متلذذة وتقحمه يف أحشائها حىت غاب

األمازونيات ال يتغذين إال على اللحوم ، لكننا نعثر على مطاوعـة جزئيـة ، إذ جنـد أمازونيات الرواية يأكلن كل أنواع اللحوم ، حىت اللحم البشري ، الشيء الذي مل تذكره

.األسطورة األصل اعتمد هذا التوظيف األسطوري على ظالل األسطورة األصلية، حيث حذف منها

فصيلية واستلهم أهم مالحمها الرمزية ، للداللة على فئة اجتماعيـة انبطاحيـة اجلوانب الت املواقف ، ازامية السلوك ، عملت السلطة على دعمها وجتشيعها ، باعتبارهـا اتمـع

.األمنوذج الذي ترى فيه دعامة من دعائم استمراها وبقائها جود الذكوري ، الـذي متثل األسطورة األصل مشروع جمتمع نسائي خيلو من الو

ويعـين . يرمز إىل قيم القمع واالستبداد املرتبطة أساسا بالسلطة جمسدة يف هذا العنصـر الرجال - يف النص -رفضه رفض قيم السلطة ، يف حني تدل معاداة نساء القرية السادسة

.على رفض الفناء واالندثار ، ومتسكهن بقيم اخلصب واحلياة الفنية هلذا التوظيف األسطوري الـذي يتمثـل يف تفجـري ومن هنا تربز القيمة

األسطورة األصل تفجريا رمزيا ، وإعادة صياغتها مبا خيدم رؤية النص الفنية والفكريـة ، حيث تفارق األسطورة موقعها األصلي لتندمج مع بنية النص اندماجا جيعلها تنسجم مع

.ية ال متناهية هذه البنية لتمنحها أبعادا داللية مشحونة بقيم رمز

.86 الرواية ، ص - ) 1 .96 الرواية ، ص - ) 2

- 118 -

- 119 -

أسطورة بيجاسوس - 7

إلـه (Poseïdon) ابن بوسيدون (Pegasus)تروي األسطورة اإلغريقية أن بيجاسوس . (Persée) حصان جمنح ، ولد من دم أمه اليت قتلها البطل برسي (Meduse)البحر وميدوزا

. )1(مة جبل إليكون ، فانفجرت منه عينا وبعد والدته بفترة وجيزة ، ضرب األرض يف قكما تروي األسطورة ذاا أن بيجاسـوس كـان حصـانا ميتطيـه بلروفـون

(Bellerophone) أحد أبطال كورنثة ، الذي استطاع أن يقهر كـل األخطـار مبسـاعدة بيجاسوس ، وحاول هذا البطل أن يذهب إىل جبل األوملب ممتطيا بيجاسوس ، إلظهـار

ربيائه ، مما جعله يثري غضب زيوس ، رب األرباب ، الذي قرر أن يلقيه مـن عظمته وك على ظهر بيجاسوس ، الذي محله زيوس فيما بعد إىل جبل األوملب حيث حتول إىل برج

. )2(من النجوم مر « وجتلى هذا العنصر األسطوري يف النص يف تيمة الرباق ، إذ أن علي احلوات

، السمكة املسحورة حتولت عند مدخل القرية إىل براق ذي رجل على القرية يركب براقا . )3( »ركب علي احلوات براقه، ودخل قرية بين هرار كالفـاتح . واحد وثالثة أجنحة

فوظف النص عنصر الرحلة ووسيلتها ، وشكل هذه الوسيلة ذات أجنحة غري أن التيمـة كوا حصانا إىل مسكـة ، وجنـد يف ذاا تتعرض إىل حتوير يف النص ، فتنتقل املطية من

حصان بسبعة أجنحة امتطاه « النص أن السمكة اليت كانت يف إحدى برك القصر صارت .)4( »علي احلوات ، وطار به إىل وادي األبكار

1) - Pegase , Mythologie , Encyclopédie Microsoft ® , Encarta ® 99 , 1993 - 1998 . 2) - Joël Schmidt , dictionnare de la mythologie greque et romaine , p. 161 .

.59 الرواية ، ص - ) 3 .265 الرواية ، ص - ) 4

- 120 -

ونلمس يف هذا التوظيف انزياحا يقترن بتوظيف العدد األسطوري سـبعة ، مـع كما مارس الـنص حتـويرا كـبريا يف . ألخطار حفاظه على تيمة املساعدة على جتاوز ا

" األسطورة األصل يتجلى يف اية الرحلة بني األسطورة والنص ، فـإذا كانـت ايـة حتول إىل بائس جير نقمة « كما تروي األسطورة ، هي اية مأساوية ، إذ أنه" بلروفون

بيعة الفكـر الـذي ، وإذا كانت األسطورة األصل قد كشفت اللثام عن ط )1( »اآلهلة أنتجها ، والقائم على املعيارية الصارمة ، املرتبطة بالسلطة اليت ترفض كل جتاوز أو خرق وجتمد روح االمتثال والتسليم عندما تنتصر إىل اآلهلة ، فإا يف احلقيقة ليست إال مظهرا

ير الوضع القائم ميثولوجيا للسلطة السياسية الفعلية اليت تلجأ إىل األسطورة واخلرافة ، لترب واحليلولة دون أية ثورة على هذا الوضع ، وهذا ما يتجسد يف اية األسطورة حينما انتهى البطل بلروفون إىل جمرد بائس جلب غضب اآلهلة ونقمتها ، ألنه سلك طريق املغـامرة ،

.ورفض سلطة زيوس ، اإلله األسطورة من الوضع السلطوي القائم أمـرا ويريد الفكر الذي أنتج هذه األسطورة أن جيعل

حمتوما ، بل ضربا من القضاء والقدر ، ال بد لكل ثورة دف إىل تغيريه أن تعرف ايـة مأساوية مثلما مر ا البطل يف األسطورة ، وتفهم بيجاسوس ذلك ، إذ بقي مطيعا ووفيا

وملب ، بـل إلله اآلهلة زيوس ، حيث رفض كربياء البطل يلروفون ، ومل يصعد جبال األ فضل إسقاطه من على ظهره ، وذا العمل نال رضا زيوس الذي جعله حصانه املفضل ،

. )2(وجعله رسوله الذي يأيت له بالربق والرعد من أمر التغيري أمـرا ممكنـا ، وفعـال - على النقيض من ذلك -وجتعل الرواية

، وهو ما جيسد جناح البطـل مشروعا ، إذا ما ارتبط بالوعي ، وتالحم بأحالم اجلماهري علي احلوات يف مرحلته بفضل الرباق الذي ختطى به كل احلواجز وطوى كل املراحـل

1) - Pegase , Mythologie , Encyclopédie Microsoft ® , Encarta ® 99 , 1993 - 1998 . 2 ) - Edith Hamilton , Mythologie , p. 174 .

- 121 -

حىت بلغ غايته ، على خالف بيجاسوس يف األسطورة ، الذي مل يتمكن من إنقاذ بلروفون .، بل كان سببا يف فشله

- 122 -

مجاليات التوظيف األسطوري- 9

أينا يف الفصل السابق ، يف مبحث مجاليات التوظيف األسطوري أن انفتاح النص ر الروائي على األشكال السردية التقليدية منحه أبعادا أسطورية وخلق فيـه أجـواء مـن

العجائبية ، يضاف إىل ذلك أن تظافر أجزاء متعددة من أساطري شىت خلق الرمز والداللة ألساطري األصلية والتركيز على املالمح األشد بروزا وترميزا من خالل قراءة النص الواعية ل

فيها أو تفجري اجلوانب الفنية تفجريا رمزيا يوحي ببتر األسطورة عن سـياقها التـارخيي األول ، وإعادة تفسريها برؤى عصرية وتفتيتها داخل النص الروائي ، بعد تطويعها مبـا

ست مزية التوظيف األسطوري يف أي نص أديب خيدم أبعاد النص الفكرية واجلمالية، إذ لي حشد األساطري فيه وإقحامها عليه وتوظيفها توظيفا أصليا ، اجترارا يكـرس الفواصـل الزمنية واإليديولوجية بني املاضي واحلاضر ، بل تتوقف املزية على فهم األسطورة األصل

د ذلك قراءة هذه األساطري بكل أبعادها الفكرية ، مث اختاذ موقف من هذه األبعاد لتأيت بع وفق رؤى النص بعد تكثيفها رمزيا بغية استنفاذ طاقاا الرمزية الداللية ، وحتويل هـذه

فترقى األسطورة بـذلك مـن أبعادهـا « الطاقات من وجود بالقوة إىل وجود بالفعل »ا واقعيا البسيطة إىل أبعادها املعقدة ، لتصري يف النهاية ذات ظالل اجتماعية تفرض تفسري

)1(. وعليه ، أسهم البناء األسطوري يف خلق مجاليات رواية احلوات والقصر من خالل

توظيف األساطري اإلغريقية يف بنية النص الروائي ودجمها مع رؤى النص الفكرية ، بتغـيري .دالالا األصلية وتطويرها فنيا وفكريا

.120جتربة الكتابة الواقعية ، ص : واسيين األعرج ، الطاهر وطار - ) 1

- 123 -

ة البطل الذي ارتقى بفعـل وجتلت مجاليات التوظيف األسطوري يف بنية شخصي األجواء األسطورية إىل صيغة الكمال ، فالتقى هذا البطل بشخصيات أسطورية ذات أبعاد رمزية وداللية كثيفة ، ليس على سبيل املطابقة أو املقارنة ، بل علـى سـبيل االلتقـاء التراجيدي الرمزي ، والتقت شخصية البطل يف بعض أبعادها بأجزاء أو مالمح شـديدة

يف التضحية وحتمل اآلالم كمـا " برومثيوس " الربوز من هذه الشخصيات ، فالتقت مع التقت مع شخصية أوديب يف املسار القدري ، ومع سيزيف يف تكرار الفعل واملثابرة عليه ، إذ حضرت هذه العناصر األسطورية يف شكل جتليات جزئية خافتة وبصورة متشابكة ،

.جزاء الرمزية هلذه الشخصيات األسطورية معقدة راجعة إىل تظافر األكما التقى هذا التجلي اجلزئي مع عمليات مطاوعة شديدة ، خضعت هلـا هـذه

العناصر األسطورية اليت تفتتت يف النص واندجمت مع بنيته ، مما منح توظيفها بعدا مجاليـا التحوير كبريا كبريا ؛ ألن التوظيف كان جزئيا وواعيا ، كانت املطاوعة شديدة ، وكان

ودليلنا على هذا التحوير هو ما تعرضت إليـه ايـات . وهذه مسة مجالية حتسب للنص األساطري األصلية من قلب ، نتج عن قراءة جديدة هلذه األساطري وتغيري مضامينها التارخيية

فإذا كان مترد برومثيوس على السلطة جىن عليه العذاب واآلالم ، فإن احتكـاك علـي : وإذا كان سيزيف قـد . وات بالسلطة قوض أركان بنيتها وحفز اجلماهري على الثورة احل

استسلم ملصري عبثي أملته إرادة اآلهلة ، فإن علي احلوات كرر الفعل إصرارا وتضـحية يف سبيل املبدأ السامي ، فلم تكن ايته عبثية ، بل كانت ثوريـة كرسـت إرادة التغـيري

وديب ضحية للعنة وملخطط قدري استسلم له يف ايـة األمـر وإذا كان أ . اجلماهريي مكرها ، فإن علي احلوات ساير األقدار فسريها ، ألا ال تستجيب إال إلرادة الفـاعلني

.اإلجيابيني ومنح هذا التوظيف الرواية أبعادا مجالية أسهم فيها قلـب األسـاطري األصـلية

ا ، ثوريا ، من خالل جعل معاناة الشخصـيات وحتويرها ، فتحولت يف النص حتوال إجيابي األسطورية مثل برومثيوس وسيزيف وأوديب تتوحد مع معاناة علي احلـاوت يف املبـدأ

- 124 -

واملنطلق ، وختتلف عنها يف النهاية اليت كشفت عن قراءة جديدة لألساطري األصل ودجمها .يف املوقف الفين والفكري العصري

روا يف توظيف أسطورة القضـاء والقـدر ، الـيت وتبلغ هذه القراءة اجلديدة ذ ارتبطت يف املوروث الثقايف باحلتمية املطلقة واخلضوع القسري الذي جيعل حياة اإلنسان مسارا حتركه خيوط غيبية قدرية ، فأفرغ النص األسطورة من حمتواها الغييب ، ونفخ فيها

توجها ثوريا ، فحىت العقليـة توجهت األسطورة « من روح اإلرادة اإلنسانية ، وبذلك الشعبية يف تقييمها أصبحت تطرح قضية القصر موازية لقضية اخلبز ، وبشـكل واضـح وتطرح الصراع الطبقي كبديل للغموض الغييب ، الذي ال يعمل إال على تكريس العقليـة

.)1( »املتخلفة ، فمارس ) ائيا بتشكيلها نصا رو ( وكأن الكاتب أراد أن يصوغ إرادة التغيري فنيا

التغيري على مستوى األسطورة ذات الطابع اليقيين املطلق حمرفـا هلـا ومعيـدا لفهمهـا وتفسريها طاملا اعتربت السلطة أسطورة ال ميكن التعامل الواعي معها إال مبمارسة فعـل التغيري ، غري أن النص الروائي مل يعد قراءة األساطري األصل مبفهوم فكري جديد فحسب

ستعار من الفكر األسطوري طابعه غري املعترف مبطنق املستحيل ، فجاءت األحداث بل ا الروائية مفعمة بروح أسطورية عجائبية تطيح بكل املسلمات والثوابت ، فـإذا كانـت

هي حماولة خلـرق هـذا - فنيا -السلطة هي تكريس الثابت ، فإن املمارسة األسطورية ورة أا تقرب البعيد وتبعد القريب ، وتنفي الثابـت مجال األسط « الثابت ، وعليه كان

وتثبت املنفي ، أي أا ترفض بطبعها وطبيعتها املستحيل ، بل قصاراها التعامـل معـه .)2( »والتمكني له

.589ر ، ص واسيين األعرج ، اجتاهات الرواية العربية يف اجلزائ- ) 1 .05 عبد امللك مرتاض ، امليثولوجيا عند العرب ، ص - ) 2

- 125 -

مبحاولة تشريح بنية السـلطة - مجاليا -كما يفهم التوظيف األسطوري يف النص والغارقة يف األسطورة والدجل واخلرافة إىل أمخـص يف العامل الثالث القائمة على القهر ،

القدمني ، فكأن النص أراد أن حيارب األسطورة باألسطورة من قبيل التدواي باليت كانت ال يزال اتمع العريب املعاصر حمكوما ، عرب أزمنة انتقاله الثوري بفكر « هي الداء ، طاملا

ة بالرغم من ابتعاد بعضها ابتعادا نسـبيا أسطوري ضارب اجلذور يف أجهزة احلكم العربي فهذا اتمع بتكوينه الطبقي يعطي األسطورة املعلنة أو . عن املمارسة األسطورية السياسية

. املغلفة بشيء من العلم احلديث ، دورا أساسيا ، فهي بذلك ذات تأثري مجاهريي حاسم ايف والعلمي فحسب، بل يعـود وهذا التأثري ال يعود إىل أوضاع التخلف االجتماعي والثق

أيضا إىل أن الفكر الثوري اليساري مل يتكون بعد عرب املمارسات الشـعبية النضـالية ، .)1( »كبديل للفكر األسطوري

كما يستمد التوظيف األسطوري يف النص مجاليته من مجلة التحوالت اليت طرأت لتركيز علـى بعضـها على الشخصيات األسطورية بفضل تصرف النص يف خصائصها با

وتفجريه رمزيا وترك اجلانب التفصيلي الذي ال خيدم الرؤية وال يتماشى مع املوقف الفين والفكري ، فلم يكن توظيف أجزاء هذه األساطري اعتباطيا ، بل وفـق تقنيـات عاليـة ومقصدية ركزت على اجلوانب األكثر بروزا واألشد قابلية الستنفاذ طاقتـها الرمزيـة ،

هذه الشخصيات تلتحم مع شخصية البطل يف جتربتها املأساوية ، بعد أن ختلـت وجعل هذه الشخصيات عن وضعيتها األسطورية األوىل كما جسـدها الفكـر األسـطوري اإلغريقي ، وتتوحد مع معاناة علي احلوات الصياد البسيط الطيب ، الذي مل يكن إهلـا ،

ا من بني آالف اجلماهري ويعيش واقعه يف وال نصف إله ، وال حىت ملكا ، بل كان واحد إطار شروط ثقافية وتارخيية ، ورجل بسيط خيرج من رحم املعانـاة ويتوحـد بـالوعي اجلماهريي ليحمل آماله وآالمه ، وكأين بالنص يريد أن ميرر رسالة مفادهـا أن التغـيري

.190 خليل أمحد خليل ، مضمون األسطورة يف الفكر العريب ، ص - ) 1

- 126 -

ري قضـية إنسـانية االجتماعي املنشود ال يتطلب قوى خارقة وال بطولة غيبية ، إمنا التغي بالدرجة األوىل واألخرية ، تشترط يف جناحها وعيا حمركا والتفافا مجاهرييا يـؤمن ـذه

.القضية اليت ما أن ألقيت إليه حىت احتضنها وتبناها وذا التناول الفين ، أصـبحت شخصـيات برومثيـوس وسـيزيف وأوديـب

نزلت من أبراجها األسطورية إىل وهرمافروديت اإلغريقية تعيش يف مناخ شرقي ، بعد أن فعل التغيري الواعي ، مكنـها - ملتحمة مع معاناة علي احلوات -أرض الواقع ، لتمارس

النص من ذلك فنيا ، بفضل مطاوعة األساطري األصلية ، مطاوعة عكسية ناجتة عن رفض يـة النص للمنطق االزامي االستسالمي الذي جسدته األسطورة األصلية ، بفعـل عمل

القلب عن طريق شحن هذه الشخصيات األسطورية بقيم إجيابية بعد طـرح اجلوانـب .السلبية وإعادة صياغة األسطورة الرمز صياغة رمزية تعرب عن جتربة فكرية إنسانية جديدة

ويتناقض هذا اجلانب املبتور من األساطري األصل مع هذه التجربة ، وهلذا مت طرحه املطروح من األسطورة األصل وسيلة يقدم من خالهلا املوقـف بطريقة جتعل هذا اجلانب

احلاضر بطريقة شديدة التكثيف رمزيا ، مما مينح توظيف هذه األساطري أبعادا مجالية تتنامى كلما ازدادت القراءة الواعية تعمقا ، ذلك أن هذه الشخصيات حتولـت يف الـنص إىل

. ة مضمون إنساين ميكن أن يستنفذ طاقاا البطوليوبإمكاننا أن حندد أبعاد هذا التوظيف اجلمايل لتلك األساطري اإلغريقية يف الـنص

:الروائي يف اجلوانب اجلمالية التالية استعارة اجلوانب الرمزية لتلك الشخصيات األسطورية وتوحيدها مبعاناة البطل الروائي -

حدت املعطيات التارخيية ، فما للتأكيد على وحدة التجربة اإلنسانية اليت تتوحد إذا ما تو برومثيوس وسيزيف وأوديب وعلي احلوات سوى رموز هلذه املعانـاة اإلنسـانية بكـل

.أبعادها املأساوية للتأكيد على أن الواقع احلاضر ما هو إال أسطورة حديثة

- 127 -

تكثيف البعد الرمزي لشخصية البطل الروائي جبعله يتماهى مع شخصيات أسـطورية - أصبح علي احلوات مفترق املسار اإلنساين ، الذي يلتقي فيه األبطال احلاملني متعددة حىت

.هلم املعاناة اإلنسانية يف كل زمان ومكان قلب األساطري األصلية وتفريغها من حمتواها الغييب عن طريق تأويل بعـض معطياـا -

ثانية تسـتند إىل األسطورية األصلية مبعطيات فكرية عصرية ، أي قراءة األسطورة قراءة رؤية فكرية عميقة وقدرة فنية على إعادة صياغتها رمزيا مبا خيدم الرؤى الفكرية والفنيـة

.للنص التركيز على بعض اجلوانب واألجزاء املتعلقة بالشخصيات األسطورية وطرح اجلوانب -

.النص اليت ال ختدم املوقف اإليديولوجي احلاضر ، وال تنسجم مع البناء الفين داخل استنفاذ الطاقات الرمزية الكامنة يف األساطري وبلورا فكريا وفنيا بتقنيات يف البناء الفين -

جتعل هذه املعطيات األسطورية تتسرب إىل عمق النص لتندمج مع بنيتها الفنيـة ، إذ ال .يبقى منها سوى إشارات دالة تستحضرها القراءة املتمرسة

االستنفاذ الرمزي ، قابلة لعمليات شحن وتكثيـف وتظل األسطورة ، رغم هذا داليل تتوقف بالدرجة األوىل على قدرة املبدع على النفاذ إىل اجلوانب الغامضة يف هـذه

األسطورة مل تستنفذ كل طاقتها اإلبداعية ، فما تـزال « األساطري والتعامل معها طاملا أنعليها وعلى األبعاد اجلمالية اليت ميكن أن حىت اآلن أعظم أعمال الواقعية االشتراكية ترتكز

فما تزال لديها القدرة الكافية على حتقيق املعجزات يف عامل الفن ... تضيفها على اإلبداع . )1( »عموما ، واألدب خصوصا ، حني تتوفر القدرة اإلبداعية لدى الفنان الواعي

، حينما استطاع " احلوات والقصر " وتوفرت هذه القدرة اإلبداعية عند صاحب أن يتناول الراهن باستقطاب أسطورة تارخيية ، وجيعل من معاناة األبطال األسطوريني رمزا .ملعاناة أي بطولة حتمل آمال اجلماهري وتتحمل ألجل ذلك اآلالم يف سبيل املبدأ السامي

.131 واسيين األعرج ، اجتاهات الرواية العربية يف اجلزائر ، ص - ) 1

- 128 -

وجتسدت هذه البطولة يف شخصية علي احلوات ، اليت جسدت بـدورها آمـال فعلي ، ذا املعـىن ، أداـا . حاملة أحالمها ومهومها إىل القصر « باعتبارهااجلماهري

فالفكر األسطوري الشعيب القائم على أساس . الكتشاف غموض الواقع ورؤيته عن قرب غييب ، ال عقالين يف الكثري من مرتكزاته يف تضخيمه صريح ، وله منطقه اخلاص ، وهـو

.)1( » عن املوضوع امللموس خمتلف بكل تأكيد من حيث الشكلاحلوات والقصر " كما كشفت هذه األبعاد اجلمالية للتوظيف األسطوري يف رواية

عن قيمة أدبية كبرية هلذا العمل الروائي ، ونقلة نوعية يف املمارسة الكتابيـة الروائيـة " .اجلزائرية

.126 املرجع نفسه ، ص - ) 1

- 129 -

الـخــاتـمــة

من املالحظة اإلشكالية ، -ختالف موضوعاا وحقوهلا على ا -تنطلق املعرفة العلمية أي املالحظة القائمة على طبيعة الظاهرة املدروسة اليت تثري الباحث من خـالل خصائصـها املميزة القابلة للفهم والتفسري ، وتؤدي املالحظة اإلشكالية إىل جمموعة من الفرضيات العلمية

حتدد طبيعة املنهج املالئم لفك إشكاالا وحتويـل اليت توجه عملية البحث وتضبط إطارها، و ظواهرها من وقائع معطاة إىل وقائع مبنية وفق ما توفره الظاهرة املدروسة وما يتيحه املنـهج املطبق الذي يتكيف مع خصائص الظاهرة حىت تؤدي الفرضيات إىل نتائج منطقية مستنتجة من

.هذه الفرضيات ذاا للطـاهر " مالمح أسطورية يف رواية احلوات والقصر « املوسوم انطلقت إشكالية حبثنا الظاهرة املتميزة بوجود ظواهر أسطورية / ، من خاصية النص »مقاربة نقدية أسطورية : وطار

متكاثفة أخذت مسة الظاهرة الالفتة لالنتباه واحملفزة على البحث واملناسبة ملوضـوع مقاربـة األديب للرواية يف بلورة اإلشكالية باعتبار الرواية جـنس نقدية أسطورية ، كما أسهم اجلنس

أديب ينفتح يف عوامله ونسيجه على زخم من املعارف اإلنسانية ليشكلها مجاليا، داخـل بنيتـه .النصية أفضل من بقية األجناس األدبية

يتمثل وبعد حتديد الظاهرة واستقرائها ، حتدد املنهج وفق املربرات املنهجية املذكورة ، و .(Mythocritique)هذا املنهج يف املنهج النقدي األسطوري

فإذا كان هذا املنهج يقوم على استقراء نصوص أدبية وظفت عناصر أسطورية ، وكان يتميز حبضور ظواهر أسطورية متعددة ، فإن منهج النقد األسطوري " احلوات والقصر " نص

." احلوات والقصر " أنسب علميا ملقاربة نص اختذت العناصر األسطورية اليت وظفت يف النص املقـارب مسـة املالمـح الدالـة ال

اخلصائص التفصيلية ، فأدى هذا التوظيف إىل حماولة تتبع هذه املالمح ، فاعتمدنا يف عمليـة االستدالل على خطوات منهجية ، انطلقنا فيها من جتلي العناصر ، أي مالحظـة الظـاهرة

- 130 -

وبعد مالحقة التجليات جاء دور حتديد مجلة التغريات اليت خضعت . يفها ومعاينتها ، مث تصن هلا األسطورة املوظفة ، وأدت هذه التغريات إىل إشعاع عناصر وأجزاء منها بطرق متفاوتة يف

.النص الروائي ( استمد حبث هذه اخلطوات االستداللية من خطوات املنـهج النقـدي األسـطوري

إذ كنا كل مرة نالحق العناصر األسطورية يف النص إلبـراز ) إلشعاع التجلي واملطاوعة ، وا جتلياا وطرائق هذا التجلي وأشكاله ، مث الوقوف على مجلة التحوالت الـيت خضـعت هلـا العناصر األسطورية املتجلية يف النص ، وكنا كل مرة نربر هذه املطاوعات بالعودة إىل أصـول

ان الفروقات بني الوجود الفعلي لألسطورة ووجودها اجلمـايل العناصر األسطورية املوظفة لتبي .يف النص

:وعليه ، أفضت عملية االستدالل إىل النتائج التالية يعترب املنهج النقدي األسطوري املنهج األقرب علميا إىل مقاربة نصوص أدبية وظفت عناصر -

.أسطورية رة الفتة لالنتباه من خـالل توظيـف للطاهر وطار ظاه " احلوات والقصر " شكل النص -

.عناصر أسطورية اختذت مسة الظاهرة تنوعا ثقافيا جعلنا نصنفها " احلوات والقصر " تنوعت العناصر األسطورية املوظفة يف نص -

إىل أساطري شرقية وأساطري غربية ، متثلت األساطري الشرقية يف العدد سـبعة األسـطوري ، البطل ، وأسطورة تعـدد اآلهلـة ، وأسـطورة القـرابني ، وأسطورة أوزوريس ، وأسطورة

أما األسـاطري الغربيـة . واسطورة االنتقال إىل العامل اآلخر ، وأسطورة التحول واالنسالخ فتمثلت يف أسطورة برومثيوس ، وأسطورة أوديب ، وأسطورة سيزيف ، وأسطورة القضـاء

. وأسطورة جباسوس والقدر ، وأسطورة اخلنثى ، وأسطورة األمازونيات ، اختذ وجود هذه العناصر يف النص الروائي شكل املالمح الدالة اليت انزاحت عـن أصـلها -

وما كان لذلك أن يتحقق . األسطوري وانفتحت للنص باعتبارها عناصر من عناصره اجلمالية .لوال إفراغ األسطورة من حتواها الغييب املقدس ، وحتويلها إىل وجود مجايل

- 131 -

انفتاح النص الروائي يف بنيته السردية على أشكال سردية تقليدية إىل تداخله مع عوامل أدى -هذه األشكال األسطورية وامللحمية والعجائبية ، وزادها مجالية استنفاذ النص لطاقاا احلكائية

.وتتمثل هذه األشكال يف اخلرافة والسرية الشعبية والقصة البطولية امللحمية . والرمزية استعار النص من العناصر األسطورية املوظفة مالحمها األكثر بروزا وأجزاءها األشد ترميزا ، -

.وجعلها عناصر بنائية للفضاء الروائي أدى طرح بعض العناصر املكونة لألساطري األصلية إىل قراءة موقف معاصر بكل محوالتـه -

بتر الشخصيات األسطورية املوظفة الفكرية ورؤاه اإليديولوجية ، ويظهر ذلك جليا من خالل يف النص عن سياقها التارخيي ، وقلب ايات األساطري األصلية بإفراغها من حمتواهـا الغـييب

.وشحنها بالرؤى الثورية ختليص العناصر األسطورية املوظفة يف النص من مظاهرها السلبية االزاميـة ، وحتويلـها -

غيري اياا بقلب األساطري األصلية ، كأساطري برومثيـوس حتويال إجيابيا فاعال ، عن طريق ت ...وأوديب وسيزيف

إسقاط التوظيف األسطوري للنص على الواقع احلاضر ، وجعله أداة لتشريح هـذا الواقـع - .وفضح تناقضاته السياسية واالجتماعية ، كربط أسطورة اآلهلة بالسلطة

وات والقصر تداخال مجاليا ، أدى إىل اسـتحالة تداخل األسطوري والسياسي يف رواية احل -الفصل بينهما للتأكيد على أن املمارسة السياسية يف الراهن ضرب من األسـطورة والـدجل

.واخلرافة أدى التوظيف األسطوري الكثيف إىل خلق صورة البطل امللحمي ، احلامـل للمشـروع -

بطال القدسيني الذين غريوا جمرى التاريخ الثوري التغيريي ، الذي يرتقي إىل صفة األنبياء واأل ويظهر هذا التوظيف من خالل تظافر عدة عناصر أسطورية يف تشكيل صورة البطل . اإلنساين

علي احلوات الذي يلتقي بشخصيات أسطورية يف أبرز مالحمها الرمزية ، وحيتفظ جبانبه الواقعي .لإليهام بالواقعية

األسطورية وإعادة صياغتها صياغة رمزية ختدم الرؤى الفنية خلق التوظيف اجلزئي للعناصر -والفكرية للنص هامشا قرائيا كبريا ، وأحال النص إىل فضاء من العالمات احململـة بطاقـات

- 132 -

نصا متعددا حتققت " احلوات والقصر " رمزية رهيبة قابلة للعديد من القراءات ، مما جعل نص البحث حماولة أرادت أن تؤسس لوعي نقدي أسطوري ، وخنال هذا . فيه أقصى حدود األدبية

وأن تفتح آفاقا نقدية تكون منطقال لبحوث تستثمر هذا املنهج يف مقاربة نصوص أدبية وظفت .أساطري ، وهو ما وقفنا عليه يف مجاليات التوظيف

جهـة ويف األخري ، فإننا ال نزعم هلذه النتائج كماال ، وال ندعي هلا غاية ، وإمنا هي و نظر نقدية نظنها علمية ، حاولت أن تكون انسجاما بني طبيعة النص وآليات املنهج ، وهـي فوق كل ذلك حماولة تأسيسية يف املنهج النقدي األسطوري ، ولكل شيء إذا ما مت نقصان ،

.ولعل هذا البحث يكون فاحتة لبحوث أخرى أكثر نضجا واكتماال ، واهللا من وراء القصد

- 133 -

قائمة املصادر واملراجع )مصحف املدينة املنورة ، جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف ( القرآن الكرمي - . الكتاب املقدس ، مجعية الكتاب املقدس يف الشرق األدىن -

: املصدر -أوال ) :الطاهر ( وطار -

.1984زائر ، املؤسسة الوطنية للكتاب ، اجل2 احلوات والقصر ، ط - : املراجع -ثانيا

) :نبيلة ( إبراهيم - ) .ت . د ( أشكال التعبري يف األدب الشعيب ، دار غريب ، القاهرة - 1

) :واسيين ( األعرج - .1986 اجتاهات الرواية العربية يف اجلزائر ، املؤسسة الوطنية للكتاب ، اجلزائر - 2 الواقعية ، الرواية منوذجا ، املؤسسة الوطنية للكتاب ، جتربة الكتابة: الطاهر وطار - 3

.1989اجلزائر ) :مرسيا ( إلياد -

، دار كنعان للدراسات والنشر ، 1 مظاهر األسطورة ، ترمجة اد خياطة ، ط - 4 .1991دمشق ) :أمحد ( أمني -

.1969 ، دار الكتاب العريب ، بريوت 10 فجر اإلسالم ، ط - 5 : أوفيد -

1984 مسخ الكائنات ، ترمجة ثروت عكاشة ، اهليئة املصرية العامة للكتاب ، القاهرة - 6.

- 134 -

) :كرم ( البستاين - .1980 أساطري شرقية ، طبعة جديدة ، دار مارون عبود ، بريوت - 7

) :صاحل ( بن محادي - دار بوسالمة للطباعة والنشر ، ،1 دراسات يف األساطري واملعتقدات الغيبية ، ط - 8

.1983تونس ) :إدريس ( بوذيبة -

.2000 الرؤية والبنية يف روايات الطاهر وطار ، منشورات جامعة منتوري ، قسنطينة - 9 ) :حممد بشري ( بوجيرة -

.1986 الشخصية يف الرواية اجلزائرية ، ديوان املطبوعات اجلامعية ، اجلزائر - 10 ) :أمحد بن حزم الظاهري ( ابن حزم -

.1975 ، 2 ، دار املعرفة ، بريوت ، ط 3 الفصل يف امللل واألهواء والنحل ، مج - 11 ) :حممد عصمت ( محدي -

الكاتب العريب واألسطورة ، الس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم االجتماعية - 12 .1968القاهرة ) :كمال ( احلناوي -

) .ت . د ( بريوت - أساطري فرعونية ، منشورات املكتبة املصرية ، صيدا - 13 ) :خليل أمحد ( خليل -

.1986 ، دار الطليعة ، بريوت 3 مضمون األسطورة يف الفكر العريب ، ط - 14 ) :أمحد كمال ( زكي -

.1979 ، دار العودة ، بريوت 2 األساطري ، ط - 15 ) :فراس ( ح السوا-

.1993 ، دار عالء الدين ، دمشق 10 مغامرة العقل األوىل ، ط - 16 .1997 ، دار عالء الدين ، دمشق 1 األسطورة واملعىن ، ط - 17

) :عبد املعطي ( شعراوي -

- 135 -

.1992 ، مكتبة األجنلو املصرية ، القاهرة 2 أساطري إغريقية ، اجلزء األول ، ط - 18 ) : غايل( شكري -

.1980 حماورات اليوم السابع ، دار الطليعة ، بريوت - 19 ) :لبيب ( عبد الستار -

.1985 ، دار املشرق ، بريوت 11 احلضارات ، ط - 20 ) :نورتروب ( فراي -

األسطورة والرمز ، ترمجة جربا إبراهيم جربا ، املؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط - 21 .1980 بريوت 2

، 1 نظرية األساطري يف النقد األديب ، جترمة حنا عبود ، دار املعارف ، دمشق ، ط - 22 1987. ) :سيقموند ( فرويد -

) .ت.د( تفسري األحالم ، ترمجة جورج طرابيشي ، مكتبة التحليل النفسي ، القاهرة - 23 : ابن كثري -

) .ت.د(مكتبة املعارف ، بريوت ، 1 البداية والنهاية اجلزء ، ط - 24 ، دار إحياء التراث العريب ، بريوت 2 السرية النبوية ، حتقيق مصطفى عبد الواحد ، ج- 25

. ) :زكي ( مبارك -

. التصوف اإلسالمي ، منشورات املكتبة املصرية ، بريوت - 26 ) :عبد امللك ( مرتاض -

طنية للكتاب ، اجلزائر ، والدار التونسية للنشر ، امليثولوجيا عند العرب ، املؤسسة الو- 27 .1989تونس

1987 عناصر التراث الشعيب يف رواية الالز ، ديوان املطبوعات اجلامعية ، اجلزائر - 28 ) :برت إم ( هرو -

- 136 -

1988 ، مكتبة مدبويل ، القاهرة 1 كتاب املوتى الفرعوين ، ترمجة فيليب عطية ، ط - 29.

) :كلينت ( بروكس -. ) ويليام ك( ات وميز- ، مطبعة جامعة 4 النقد األديب ، ترمجة حسام اخلطيب وحمي الدين صبحي ، ج - 30

.1977دمشق : املعاجم -ثالثا

) :أمحد خليل ( خليل - .1995 معجم املصطلحات األسطورية ، دار الفكر اللبناين ، بريوت - 1

) :رودا ( هندريكس ، و) ماكس ( شابريو - .1999 معجم األساطري ، ترمجة حنا عبود ، دار عالء الدين ، دمشق ، - 2

: ابن منظور - ) .ت.د( لسان العرب احمليط ، إعداد وتصنيف يوسف خياط ، دار لسان العرب بريوت - 3

: االت -رابعا . 1982 ، اجلزائر 55 جملة آمال ، عدد - 1 .1988 ، أفريل 4عدد جملة اجليل ، - 2 .1992 ، اجلزائر 3 - 2العدد جملة املساءلة ، احتاد الكتاب اجلزائريني ، - 3 .1978 ، يوليو 197 جملة املعرفة ، وزارة الثقافة واإلرشاد القومي ، دمشق ، العدد - 4

: املراجع األجنبية -خامسا 1 - Astier (Colette), Œdipe, dictionnaire des Mythes littéraires , ed du Rocher , Paris 1988

2 - Bilen (Max), Lettérature et initiation dictionnaire des Mythes littéraires .

3 - Brunel (Pierre) , Préface, dictionnaire des Mythes littéraires .

4 - Brunel (Pierre) , Sisyphe, dictionnaire des Mythes littéraires .

5 - Brunel (Pierre) , Mythocritique: théorie et parcours, PUF Paris 1992 .

6 - Camus (Albert) , Le mythe de Sisyphe , Gallimard , collection les essais , 1942 .

7 - Carlier ( C ) et Gritton-Rotterdam (N) , Des mythes aux mythologies (Ellispses) ,

editions Marketing , Paris 1994 .

- 137 -

8 - Dabezies (Andé) , Des mythes primitifs aux mythes littéraires , dictionnaire des Mythes

littéraires .

9 - Encyclopédie Microsoft Encarta 99 , 1993 - 1998 .

10 - Frye (Northrop) , littérature et mythe , Poétique n° 8 , 1971 .

11 - Grimal (Pierre) , La mythologie grecque , « que sais-je ? » PUF 1965 .

12 - Guirand (Felix) , Schmidt (Joël) , Mythes et mythologies , histoire et dictionnaires

Larousse - Bordas , Paris 1996 .

13 - Hamilton (Edith) , Mythologie , nouvelle edition , Marabout Paris 1997 .

14 - Homère , Iliade , trad leconte de lisle , Maxi-livres 1998 .

15 - Jolles (André) , Formes simples , trad A.M. Buguet , ed du Seuil , Paris 1972 .

16 - Jung (C.G.) Kerenyi (Ch) , introduction à l’essence de la mythologie , Petite

bibliothèque Payot , Paris 1974 .

17 - Levy-Bertheray (Ann-Deborah) , Isis, dictionnaire des Mythes littéraires .

18 - Miguet (Marie) , Androgynes , dictionnaire des Mythes littéraires .

19 - Nouiouat (Mokhtar) , l’impulsion shiite chez le poète El Sayyad El Himyarri , Thèse

de doctorat d’état , Sorbonne Paris IV , Paris .

20 - Pageaux (D.H.) , La littérature générale et comparée , ed Armand colin , Paris .

21 - Schimdt (Joël) , dictionnaire de la mythologie grecque et romaine , Larousse - Bordas

Paris 1998 .

22 - Sellier (Phillipe) , Qu’est-ce qu’un mythe littéraire ? revue littérature , Paris 1984 .

23 - Smith (Pierre) ,Mythes , Encyclopédia Universalis , Tome 15 .

24 - Trousson (Raymond) , Prométhée , dictionnaire des Mythes littéraires .

25 - Trousson (Raymond) , Thèmes et mythes , ed Université de bruxelles 1981 .

- 138 -

فهرس املوضوعات 01.................................................................. املقدمة - 1 : املدخل - 2

- 07.................... ..األسطورة مفهومها وأنواعها ومناهج البحث فيهـا 30

08.............................................. مفهوم األسطورة - 1 13............................................... أنواع األسطورة - 2 15........................................... خصائص األسطورة - 3 17............................................ سطورة وظائف األ- 4 19....................................... عالقة األسطورة باألدب - 5 21.............................................. النقد األسطوري - 6 22.... ................... النقد األسطوري والتحليل النفسي -أ 24................. أندري يولس " النقد األسطوري عند -ب 26" ................ نورتروب فراي " النقد األسطوري عند -ج 27" .................... بيار برونال " النقد األسطوري عند -د

: الفصل األول - 3 - 31................. " احلوات والقصـر " مالمح األساطري الشرقية يف رواية

84 32.......................................................... توطئة -

- 139 -

37.......................................... العدد سبعة األسطوري - 1 43.............................................. أسطورة أوزوريس - 2 .................................................. أسطورة البطـل - 3

48 ............................................. أسطورة تعدد اآلهلـة - 4

58 ................................................ أسطورة القـرابني - 5

62 ................................. اآلخـر أسطورة االنتقال إىل العامل - 6

69 ...................................... أسطورة التحول واالنسـالخ - 7

75 79................................... مجاليات التوظيف األسطوري - 8

: الفصل الثاين - 4 - 85................ "احلـوات والقصـر " مالمح األساطري الغربية يف رواية 131

86.......................................................... توطئة - 91............................................ أسطورة برومثيوس - 1 98............................................... أسطورة سيزيف - 2 ــطورة - 3 ــب أس ............................................. أودي102

....................................... أسطورة القضـاء والقـدر - 4 107

ــى - 5 ــطورة اخلنث .............................................. أس112

- 140 -

ــات - 6 ــطورة األمازوني .............. ............................ أس117

ــوس - 7 ــطورة بيجاس .......................................... أس122

................................. مجاليات التوظيـف األسـطوري - 8 125

132............................................................... اخلامتة - 5 137............................................. ادر واملراجع قائمة املص- 6 143................................................... فهرس املوضوعات - 7