books.almaaref.org · web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ...

245
ات الذ ة ف ر مع ذ ذي ج ل ا ها ئ ا ن ب ل1

Upload: others

Post on 28-Jul-2021

1 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

معرفةالذات لبنائهاالجديد

الأستاذ آية الله الشيخ محمدتقي مصباح اليزدي

1

Page 2: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

المترجم الشيخ محمد علي التسخيري

2

Page 3: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

3

معرفة الذات لبنائها الجديدالكتاب: الأستاذ آية الل��ه الش��يخ محم��دالمؤلف:

تقي مصباح اليزديالمترجم

الشيخ محمد علي التسخيري:

مرك����ز المع����ارف للت����أليفإعـداد:والتحقيق

دار المع������ارف الإس������لاميةإصدار:الثقافية

تصـــميموطباعة:

م2021الطبعة الأولى - ISBN 978-614-467-176-4

[email protected]

00961 01 467 547

00961 76 960 347

Page 4: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

معرفةالذات لبنائهاالجديد

الأستاذ آية الله الشيخ محمدتقي مصباح اليزدي

4

Page 5: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

المترجم الشيخ محمد علي التسخيري

5

Page 6: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

6

Page 7: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

المحتويات7.............................................................مقدمة المركز

11.......................................................مقدمة المؤسسة15......................................................................مقدمة

19.................................................ضرورة معرفة الذات21...................................................توضيحات ضرورية

24......................................................................الكمال26.....................................................سلسلة الكمالات

29..................الحركة الاستكمالية وعواملها وشرائطها30....................................الحركة العلمية وغير العلمية

31.................................الإدراك الغريزي وغير الغريزي32.............................الحركة الاختيارية وغير الاختيارية33.............................معرفة الكمال قبل الحصول عليه

34هل يمكن معرفة الكمال الحقيقي للإنسان بالتجربة؟37...........................آراء الفلاسفة حول كمال الإنسان

40........................................الميول الفطرية واتجاهاتها41.......................................................الإدراك ومراتبه

7

Page 8: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

45...................................................القدرة ومظاهرها47.........................................................الحب والعبادة

52............................................................اللذة والكمال58........................................ذروة الميول وغاية الآمال

65....................الإمكان العقلي للارتباط الواعي بالخالق68...........................................................أبسط السبل

73....................................شواهد من الآيات والروايات81....................................الاستنتاج من البحوث الماضية84....................................الجواب عن بعض التساؤلات

88.........................................................القرب الإلهي92..........................................................سبيل التقرب96...........................................................حقيقة العبادة

100................................دور العلم في تحقيق التكامل105.........................العلاقة بين العلم والإيمان والعمل

110............................................................تدبير الإرادة111.........................................................جهاز الإدراك114..........................................................جهاز الإرادة

117...........................علاقة جهاز الإدراك بجهاز الإرادة120..............................دور الميل والرغبة في الإدراك

124....................................................الإرادة والاختيار129.....................................................النتيجة النهائية

8

Page 9: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

مقدمة المركز

الحم��د لل��ه رب الع��المين، وص��لى الل��ه على س��يدنا محم��د وآل��هالطاهرين.

النفس الإنسانية أم��ر ملك��وتي ش��ريف وج��وهرة ثمين��ة، وهي منش��أ الفضائل والقيم الإنسانية، يقول أمير المؤمنين )عليه السلام(: »إن

.1النفس لجوهرة ثمينة؛ من صانها رفعها، ومن ابتذلها وضعها«h ل��ذا، ف��إن تزكيته��ا وته��ذيبها من الغاي��ات الأساس��ية في مس��يرتنا ��ة، فهي طري�ق الوص��ول إلى الل��ه، إن ص��لحت ك��انت منش�أ الجهاديh للس��يئات والهلاك. ولا للحسنات والنج��اة، وإن فس�دت ك��انت منش��أ يمكن إدراك هذه الغاي��ة من دون معرفته��ا ومعرف��ة أس��رارها؛ ف��إن لمعرفته��ا ومعرف��ة دوافعه��ا وش��ؤونها، وم��ا يهيج ش��وقها ويش��د من

ا بالغhا في حسن تدبيرها وكمال تربيتها. hعزمها، تأثير

.227 الآمدي، غرر الحكم، ص19

Page 10: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ل��ذلك، ارتأين��ا في مرك��ز المع��ارف للت��أليف والتحقي��ق نش��ر كت��اب »معرفة الذات لبنائها الجديد« للأس��تاذ آي��ة الل��ه الش��يخ محم��د تقي مصباح اليزدي )رحمه الل��ه(، وال��ذي يبحث في��ه ح��ول الإنس��ان من زاوية كون��ه موج��ودhا يقب��ل التكام��ل، في��بين أس��اليب الاس��تفادة من��ة، للوص��ول إلى الس��عادة ��ة والإمكان��ات الخارجي الطاق��ات الداخلي��ة البس��يطة الحقيقية، مستدلا| بالمعطيات الوجدانية والبراهين العقلي

غير المعقدة.

�اني وفيلس�وف متبحر، مطل�ع وإن آية الله الش�يخ ال�يزدي، ع�الم رب على حق��ائق النفس وكوامنه��ا، وم��درك لموان��ع الس��ير في ته��ذيبها، وعارف بأساليب تربيتها، نال الم��راتب العلي��ا في الفق��ه والفلس��فة، ووصل إلى الدرجات الرفيعة في السير إلى الله -تعالى-، يقول في��ها، hا ب��ارز hر hا: »لقد كان س��ماحته مفك الإمام الخامنئي )دام ظله( معزيا يتمتع بالكفاءة، وصاحب لسان بليغ في إظهار الحق، ويس��ير hومدير بثبات على الصراط المستقيم. كم��ا أن خ��دمات س��ماحته في إنت��اج��زين ��ة، وتربي��ة تلام��ذة ممي الفك��ر ال��ديني وت��أليف الكتب التوجيهيرين، والمشاركة الثورية في الساحات كاف��ة، ال��تي تلمس فيه��ا ومؤث الحاجة إلى حضوره، كانت منقطعة النظير حق|ا وإنصافhا. لق��د ك��انت��ام الش��باب حتى آخ��ر التق��وى خص��لته الدائم��ة ال��تي رافقت��ه من أي|ا ��hا إلهي عمره، فكان توفيقه في سلوك طريق المعرفة التوحيدية ثواب

.1عظيمhا لهذا المجاهد العتيق«

من كلام للإمام الخ�امنئي دام ظل�ه، في بي�ان تعزي�ة برحي�ل آي�ة الل�ه الش�يخ محم�د تقي1م.02/01/2021مصباح اليزدي، بتاريخ

10

Page 11: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

، مجموع��ة دروس،»معرفة الــذات لبنائهــا الجديــد«إن كت��اب ��hا ألقاها آية الله الشيخ اليزدي، وكتب ملخصها بالفارسية، ليكون عون

ر�﴾ولا ينبئك مثل خبيفي تربية النفس والوصول إلى الله، ﴿1. وقد نقلها آية الل��ه الش��يخ محم��د علي التس��خيري )رحم��ه الل��ه(إلى العربية، ليعم نفعها. ونحن نعيد نشر ه��ذا الأث��ر القيم لكب��ير فائدت��ه، شاكرين لمؤسسة في طريق الحق حسن تعاونهم في ذل��ك، راجين من الل��ه -تع��الى- أن ينتف��ع ب��ه الإخ��وة المؤمن��ون في الوص��ول إلى

الغاية المنشودة.مركز المعارف للتأليف والتحقيق

.14 سورة فاطر، الآية 111

Page 12: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

12

Page 13: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

مقدمة المؤسسة

ىها ر�ونف وما سو ــد أفلح٨ فألهمها فجورها وتقوىها ٧﴿ قىها ٩ من زكىها 1﴾١٠ وقد خاب من دس

تزكية النفس هي البغية التي يبتغيها كل من تنور قلبه بنور المعرف��ة والإيمان، ويسعى وراءه��ا ك��ل من ع��رف وأيقن أن الف��وز والفلاح لاا تسهي القلب عن الانتب��اه، hيتيسران إلا عن طريقها، لكن هناك أمور وتمن��ع المنتب��ه عن الإرادة، وتص��رف المري��د عن الس��لوك، وتص��دير والوص��ول إلى اله��دف الأس��مى الك عن الإمع��ان في الس�� الس��

والغاية القصوى. إن لمعرفة النفس ودوافعها، ومعرفة شؤونها وسوائقها، ومعرفة ماا بالغhا في حسن ت��دبيرها وكم��ال hيهيج شوقها ويشد من عزمها، تأثير

تربيتها، وإزالة الموانع عن طريقها، والنجاح في بنائها من جديد.

.10 - 7 سورة الشمس، الآيات 113

Page 14: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا في هذا الصدد، hولقد ألقى الأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي دروس ��راي خ��ود س��ازي«، وق��د وكتب ملخصها بالفارسية »خود شناس��ى با من الق��راء الك��رام ال��ذين جرب��وا hا وافرh طبع مرات عدة ونال إعجاب

في أنفسهم نوره الساطع، ودوره الفعال، وتأثيره الإيجابي البالغ.��ة؛ ليعم نفعه��ا، وقد حثنا ذلك على نقل هذا الكتاب إلى اللغ��ة العربي وينتشر ضوؤها في سائر الأقطار الإسلامية، راجين من الله -تع��الى-

حسن القبول والتوفيق لخدمة الإسلام والمسلمين أكثر فأكثر.مؤسسة في طريق الحق

14

Page 15: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

بسم الله الرحمن الرحيم

لام على نبين��ا محم��د وآل��ه لاة والس�� الحمد لل��ه رب الع��المين، والص����ة الل��ه في الأرض )عج��ل الل��ه تع��الى المعص��ومين، ولا س��يما بقي فرجه(، وجعلنا من أعوانه وأنصاره، ومن علينا برض��اه، واللعن على

أعدائهم أجمعين.

15

Page 16: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

16

Page 17: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

مقدمةيقع الإنسان -من جهات مختلفة- موضوعhا لعلوم مختلفة:

علم النفس، علم الاجتماع، التاريخ، الأخلاق، الطب، وح��تى الفيزي��اءوالأحياء؛ فإنها علوم يتناول كل منها الإنسان من زاوية خاصة.

وما نرمي إليه هنا هو البحث حول الإنسان من زاوي�ة كون��ه موج��ودhا يقب���ل التكام���ل، وس���نتحدث عن أس���اليب الاس���تفادة المثلى منعادة ��ة، للوص��ول إلى الس�� ��ة، والإمكان��ات الخارجي الطاق��ات الداخلي الحقيقية، عبر التأمل في وجودنا، ومعرفة العوامل التي أودعت في الفطرة لتسير بنا إلى الهدف الأص�لي، وك�ذلك ع�بر معرف��ة عناص�رامية، والرواب��ط ال��تي تربطن��ا الج��ذب نح��و الأه��داف الإنس��انية الس�� ب��الآخرين، وال��تي تمكنن��ا من خلال الاس��تفادة منه��ا، والس��عي في

تقويتها وتحكيمها، من تقوية أنفسنا وتهيئتها للتكامل والتسامي. ونسأله -تعالى- أن يعينن��ا لأن نخط��و -في ه��ذا- خط��وةh على طري��ق

تكاملنا وتكامل الآخرين.

17

Page 18: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وعليه، فموضوع بحثنا عبارة عن »الإنسان من زاوي��ة كون��ه موج��ودhا يقبل التكامل«، وهدفه عبارة عن »معرفة الكمال الحقيقي وس��بيل الوص��ول إلي��ه«، وأس��لوبه عب��ارة عن »دراس��ة تأملاتن��ا الداخلي��ة للوصول إلى معرفة جديدة لمتطلباتنا وعناصر الجذب الموجودة في أعماقنا، والتي تسير بنا نح��و الكم��ال، والعوام��ل ال��تي تس��اعدنا في

ذلك، والظروف التي يمكن استغلالها للوصول إلى ذلك«.��ة وسنس��عى إلى الاكتف��اء لإثب��ات م��ا نق��ول بالمعطي��ات الوجداني��ة البس��يطة غ��ير المعق��دة، مس��تفيدين من أوض��ح وال��براهين العقلي المعلوم��ات وأكثره��ا قناع��ةh لكش��ف المجه��ولات، وق��د نش��ير عن��د

الضرورة إلى الأدلة العقلية والنقلية المعقدة.

18

Page 19: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

بحث كلي موجز حول معرفة الذات

لبنائها من جديد

19

Page 20: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

20

Page 21: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ضرورة معرفة الذات من الطبيعي جد|ا للموجود ال��ذي يحم��ل في فطرت��ه حب ال��ذات أن يعرف هذه الذات، ويدرك كمالاتها وس��بل الوص��ول إليه��ا، فلا نحت��اج��ة الش��رعية إلى أن ن��درك ��ة المعق��دة أو التعبدي إلى الأدل��ة العقلي

ضرورة معرفة الذات. ومن هنا، فإن أي تغافل عن هذه الحقيقة، والانشغال بالأش�ياء ال�تيعادة الإنس��انية أم��ر غ��ير ط��بيعي لا تملك أي دخل في الكمال والس�����ا البحث عن عل���ة ه���ذا وانح���رافي بلا ريب، وه���ذا م���ا يتطلب من

الانحراف، ومعرفة سبيل الخلاص من آثاره السلبية. والحقيقة، أن أنماط الس��عي الإنس��اني كله��ا، س��واء العلمي منه��ا أو العملي، إنما يحصل لضمان اللذات والمنافع والمصالح للإنسان. لذا، فإن معرف��ة الإنس�ان لنفس��ه وبدئ�ه ومنته�اه، وك�ذلك كمالات�ه ال��تي يمكن الوصول إليها، هذه المعرف��ة مقدم��ة للمواض��يع كله��ا، ب��ل من دون معرفة حقيقة الإنسان وقيمته الواقعية لا تبقى أي فائدة وقيمة

للبحوث الأخرى.

21

Page 22: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

إن تأكيد الأديان السماوية وقادة الدين وعلم��اء الأخلاق على معرف��ة��ة النفس وكش��ف حقيقته��ا ه��و إرش��اد إلى ه��ذه الحقيق��ة الفطري��ة، فه��ذا الق��رآن الش��ريف يعت��بر نس��يان النفس من ل��وازم والعقلي

نسيان الله، وأنه بمنزلة جزاء لهذا الذنب العظيم، فيقول -تعالى-:هم ىهم أنفســ لله فأنســ وا ــ لذين نس ــوا ك ﴾ولا تكون ٱ ٱ ، وفي1﴿

ل إذاموض���ع آخ���ر: ــ كم من ضـ ر ــ كم لا يضـ ــ ﴿عليكم أنفسـ﴾هتديتم . وقد وجه الأنظار إلى آياته -تعالى- في الآف�اق والأنفس،2ٱهم حتىفق��ال: ــ ــاق وفي أنفس لأف ــا في نريهم ءايتن ــ ٱس ﴿

لحق ﴾يتبين لهم أنه ةh، حين3ٱ ، وقد أولى آيات الأنفس عنايةh خاص����ر -تع��الى- بقول��ه: رونعب كم أفلا تبصــ ﴾وفي أنفســ ، ف��ألقى4﴿

��ة في باللوم على أولئ��ك ال��ذين لا يس��عون إلى معرف��ة الآي�ات الإلهيأعماق وجودهم.

hوقد أعطى النبي الأكرم )صلى الله عليه وآله( معرفة النفس أهمية فائقةh، وجعلها سبيل معرفة الل��ه، إذ ق��ال: »من ع��رف نفس�ه، فق�د

.5عرف ربه« وقد نقلت روايات كث��يرة عن أم��ير المؤم��نين )علي��ه الس��لام( به��ذا

رواي��ةh في30الصدد، نقل منها المرح��وم »الآم��دي« م��ا يق��رب من كتابه »غرر الحكم«، ومنها هذه الكلمات القصار:

»معرفة النفس أنفع المعارف«.

.19 سورة الحشر، الآية 1.105 سورة المائدة، الآية 2.53 سورة فصلت، الآية 3.21 سورة الذاريات، الآية 4.588 الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص5

22

Page 23: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

»عجبت لمن ينشد ضالته وقد أضل نفسه فلا يطلبها«.»عجبت لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه«.

»غاية المعرفة أن يعرف المرء نفسه«.»الفوز الأكبر من ظفر بمعرفة النفس«.

وق��د روي عن��ه )علي��ه الس��لام( قول��ه: »كلم��ا زاد علم الرج��ل، زاد.1عنايته بنفسه، وبذل في رياضتها وصلاحها جهده«

توضيحات ضرورية لما كنا نستعمل في حديثنا ه��ذا بعض التعب��يرات ال��تي تس��تعمل في��ه مجالات أخرى بمعان أخرى ق��د تختل��ف عن م��وارد اس��تعمالنا، فإن

يجب الالتفات إلى التوضيحات الآتية لئلا نقع في الاشتباه: أ. إننا نقصد من »معرفة الذات« -كما أشرنا إليها- معرف��ة الإنس��انا على اس�تعدادات وطاق�ات تمه�د ل�ه س�بيل hمن زاوية كونه مت�وافر التكامل الإنساني. ومن هنا، فإننا لا نستغني عن ه��ذا البحث بمق��دار|ا، كم�ا أنن��ا لا نقص�د العلم ا بنفس�ه علم�hا حض�وري ما يعلمه الواحد من الحضوري الكام��ل ال��ذي يحص��ل علي��ه الإنس��ان في أواس��ط س��يره المعن��وي؛ فيش��اهد الإنس��ان حقيقت��ه من دون أي حج��اب؛ لأن ه��ذه الحالة من نتائج بناء ال��ذات، لا من مق��دماتها. كم��ا أنه��ا لا تبحث عن��ة عمله��ا -كم��ا يبحث ذل��ك في معرفة أجهزة الب��دن ومكونات��ه وكيفي

علم الفسلجة-

.310، ص2 الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج123

Page 24: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ة ب��النحو ال��ذي يبحث��ه علم ب��ل حتى معرف��ة النفس وقواه��ا الداخلي النفس، فإنها ليست غايتنا، وإن كنا قد نستفيد من البحوث النفس��ية

المقطوع بها؛ كمقدمات ومبادئ لبحثنا هذا. ب. إننا نقصد من »بناء الذات« عمومhا دراسة ال�ذات والاهتم�ام به�ا منح النشاطات الحياتية شكلها وجهتها، لا تحدي��دها وإيقافه��ا. بعب��ارة أخرى، إن الغرض من هذا البحث هو أن نعلم كيفية تنظيم مس��اعيناحيحة ال��تي يجب توجيهه��ا ��ة، وم��ا هي الوجه��ة الص�� ��ة والعملي العلمي نحوها لكي يؤثر ذلك في وص��ولنا إلى الكم��ال الحقيقي؟ على ه��ذا،��ه لا يل��زم من ه��ذا البحث أن ننك��ر الحق��ائق الموض��وعية خ��ارج فإن الذهن، أو ننكر قيمة معرفتها، أو أي اتجاه مثالي غير إيجابي تمام��hا، كما أن النزعة البرجماتية )النفعية( القائمة على أصالة »مبدأ العمل��ة«. المفيد للحياة المادية الدنيوية« والتي هي من مظ��اهر »الأوماني هذه الاتجاهات لا يمكنها أن تبين حقيقة هذا البحث، ب��ل س��نرى أنه��ا|ا، اللهم إلا أن يعطي بعض أنماط هذه الأفكار تختلف عنها اختلافhا كليhا، وه��و م��ا لم يقص��ده مؤسس��و hا س��امي ا متعالي hتفاسير تتضمن تصور

هذه الاتجاهات وأتباعها. ج. إن المقصود من العودة إلى الذات والتأمل في أعماقه��ا والبحث عن أبعادها هنا هو أن يعرف الإنسان هدفه الأصلي وكماله النه��ائي،��ه الحقيقي، ع��بر التأم��ل في وج��وده وك��ذلك مس��يرة س��عادته ورقي

واستعداداته الداخلية، وميوله الباطنية،

24

Page 25: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ولا نقصد قطع الروابط الوجودية للذات بالآخرين وعدم أخ��ذها بعين الحسبان وإنكار الإمكانات التي يهيئها المجتمع والتع��اون الاجتم��اعي

لتحقيق التقدم والتكامل الذاتي.��ة، فيجب فالمقصود إذhا من هذه التعب��يرات ليس إلا جوانبه��ا الإيجابي��ة« ��ة الس��لبية« و»الأناني ��ة« و»الباطني ألا نخل��ط بينه��ا وبين »الفردي و»عبادة الذات«، وأمث��ال ذل�ك من التعب��يرات ال�تي نج��دها في علم

النفس أو الأخلاق، وغيرها التي تتضمن معاني سلبية. د. ثمة ألفاظ أخرى لها معان اص��طلاحية متع��ددة، وله��ا اس��تعمالات متفاوتة في العلوم المختلفة، بل قد يك��ون لبعض��ها مع��ان متغ��ايرة،ا في إط��ار علم واح��د مث��ل: hا خاص��| يس��تعمل مع��نى ك��ل منه��ا م��ذهب العق��ل، النفس، الش��هود، الحس، الإدراك، الخي��ال، الق��وة، الطاق��ة،

الغريزة... والتقيد باصطلاح خاص في مثل هذه الأمور يوق��ع الس��امع والمتكلم��ه لكي نعين المقص��ود من تعب��ير في ضيق لا داعي له. ومن هنا، فإن من هذه التعب��يرات، ينبغي أن نعين المع��نى من خلال س��ياق الكلام،ا ألا |ا خاص��| |ا وفلس��في وعلى أولئ��ك ال��ذين يأنس��ون اص��طلاحhا عملي يحص��روا أنس��هم في إط��ار ذل��ك الاص��طلاح، لئلا يبتل��وا بالخل��ط

والاشتباه.

25

Page 26: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الكمال على الرغم من أن مفهوم الكمال واضح لا يحتاج إلى تعريف، ولكننا لئلا نقع في الخلط في بعض الموارد، سنقدم توضيحhا حول��ه في م��ا

يأتي:- صفة وجودية يتصف بها الموجود، ولكننا عن��دما إن الكمال -بلا شك|ا ما إلى أشياء مختلفة، فإننا نج��ده كم��الاh بالنس��بة ا وجودي hنقيس أمر إلى بعضها، في حين أنه لا يعد كمالاh بالنسبة إلى الأخرى، بل قد يعد

نقصhا وتقليلاh في القيمة الوجودية لتلك الأخرى.ا أي اس��تعداد لبعض الكم��الات، hكما أن البعض الآخر لا يمتلك أساس�� فإن الحلاوة مثلاh تعد كم��الاh لبعض الفواك��ه؛ ك��الكمثرى والبطيخ، في حين يكمن كم��ال بعض الفواك��ه في حموض��تها، أو في طمعه��ا، أو نقول إن العلم للإنسان كمال، في حين لا يمتلك الحج��ر والخش أي

استعداد له.|ا خاص|ا به، بحيث يتب��دل سر الأمر هو أن أي موجود يمتلك حد|ا ماهوي

إلى نوع آخر من الوجود إذا تجاوز هذا الحد.

26

Page 27: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

إن التغييرات الماهوية قد تحصل بعد تغيير شكل الجزئيات، أو زيادة الذرات وقلتها، أو بعد التغييرات الداخلية في تركيب الذرة، أو تب��دل المادة إلى طاق��ة أو العكس، كم��ا أنه��ا ق��د تحص��ل على ال��رغم من وحدة هذه التركيبات كلها، فل��و قس��نا الب��ذرة الص��ناعية إلى الب��ذرة���ة وج���دنا وح���دة في ال���تركيب ال���داخلي للب���ذرتين، ولكن الطبيعي الصناعية منها تفتقد إلى القدرة على النم��و، على ال��رغم من وح��دة

تركيباتهما. على أي حال، فإن أي ماهية تنس��جم -بمقتض��ى طبيعته��ا- م��ع بعض الأوصاف، وفيها استعداد قبول بعض الكم��الات لا غ��ير؛ لكن ح��دوث ماهية جديدة لا يستلزم دائمhا فناء الكمالات القبلية، ف��إن الكث��ير من��ة متع��ددة؛ ك��ل منه��ا ي��أتي في ط��ول الموجودات تتقبل حالات فعلي الآخر )بعده(، مع الاحتفاظ بالكمالات والفعليات السابقة، وذلك كم��ا��ة نفس��ها، بالإض��افة نجد أن النباتات تحوي ال��ذرات والم��واد المعدني إلى الفعلية النباتية التي تأتي في طول توافر تلك ال��ذرات والم��واد، وهكذا الأمر في الحيوان والإنسان. وفي مثل هذه الموج��ودات، من الممكن أن تكون الكمالات السابقة مساعدة إلى حد ما في ح��دوثرورة أن يك��ون الكمالات التالية الأسمى منها، ولكنها لا تقتضي بالض��hا للكمالات الفعلية الأخيرة، أو أنه��ا على الأق��ل لا ازديادها دائمhا موجب تزاحمها، ب�ل إنن��ا نج��د في كث�ير من الم�وارد أن الوص�ول إلى بعض��ة الأخ��يرة يتوق��ف على تحدي��د الكم��الات ال��تي هي مقتض��ى الفعلي

الكمالات السابقة، فإن كثرة الأوراق والأغصان

27

Page 28: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

تزاحم عملية الإثمار الجيدة للأش��جار المثم�رة، وإن س��منة الحص�ان الأص��يل الش��ديدة تمنع��ه من الوص��ول إلى كمال��ه اللائ��ق ب��ه، وه��و

سرعة الركض والوثب. على ه���ذا، فالكم���ال الحقيقي لأي موج���ود عب���ارة عن الص���فة أو الأوصاف التي تقتضيها فعليته الأخيرة. أما الأمور الأخ��رى، فبمق��دار تأثيره��ا في الوص��ول إلى الكم��ال الحقيقي، تك��ون من مق��دمات

الكمال.

سلسلة الكمالات عندما نقارن شجرةh مع قطعة حجر أو كثيب من تراب، فإنن��ا س��نجدة لا توج��د في الحج��ر وال��تراب. أن الشجرة تملك بالفعل قوىh خاص�� وعلى الرغم من التشابه بين ذراتها وجزئياتها، فإن الآثار التي تنتجها

الشجرة لا تولد من الحجر والتراب.نستطيع أن نعرض هذه الحقيقة بالنحو الآتي:

��ة وه��و منب��ع ظه��ور إن في الشجرة كمالاh بالفعل هو الص��ورة النباتيالأفعال والآثار الخاصة بالنبات��ات. كم��ا أن النبات��ات تمل��ك كم��الات - بالقوة- لا تملكها الجمادات استعدادhا للوصول إليها، فإن قلم شجيرة مثمرة مستعد أن ينتج س�لال الفواك��ه الحل�وة؛ الأم�ر ال�ذي لا يوج��د

استعداده في الحجر والخشب. من البديهي، فإن النبات عندما يمتلك هذه الفعلية والقوة المذكورة، فإنه ليس فقط لا يفقد الصفات الجسمانية والقوى الطبيعية، بل إنه

بالاستعانة بها يؤدي أعماله ويطوي مسير تكامله،

28

Page 29: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

فيمكن أن نس��تنتج من ذل��ك أن الموج��ود النب��اتي يس��تخدم ق��واه الطبيعية للوص�ول إلى كمالات�ه. ومن الط��بيعي أن�ه يحت�اج إلى ه��ذه الق��وى ولكن إلى الح��د ال��ذي يس��تفيد في��ه من ه��ذه الق��وى لص��الح

كماله.��ة، بالإض��افة إلى الحس ��ه واج��د للق��وى النباتي ك��ذلك الحي��وان، فإن��ة. وب��النحو ذين هما من ل��وازم الص��ورة الحيواني والحركة الإرادية الل نفسه نجده يستخدم القوى النباتية لتكامله الحي��واني، ويحت��اج إليه��ا بالمقدار الذي تؤثر فيه في وصوله إلى كمال��ه الحي��واني. والإنس��ان��ة، بالإض��افة إلى الق��وى ��ة والحيواني أيضhا بدوره واجد للقوى الطبيعي الناتج��ة من ص�ورته الإنس�انية. فه�و يس�تخدم الق�وى الس�ابقة كله�ا لصالح تكامله الإنساني بالمقدار الذي تؤثر في تحقي��ق هدف��ه، ولكن كما رأينا كثرة الأوراق والأغص��ان مانع��ة من تكام��ل ش��جرة التف��اح؛���ة ���ه لا يمكن جع���ل الاس���تفادة اللامح���دودة من الق���وى النباتي فإن

والحيوانية مفيدة لتحقيق الهدف التكاملي الإنساني.نستنتج من هذا البحث بعض النتائج:

��ة إلى أ. يمكن تقسيم الموجودات المادية حس��ب الكم��الات الوجودي درجات، ومن بين الموجودات التي نألفها نجد الجمادات في الدرجة السفلى، ثم النباتات، ثم الحيوانات في الوس��ط، ويق��ع الإنس��ان في

الدرجة العليا. من الب��ديهي في مث��ل ه��ذا الت��درج أن الملح��وظ ه��و ن��وع الكم��ال��ه ل��و وقيمته، لا حجمه ومقداره. ولذا، فلا مجال للاعتراض علين��ا بأن

كان الإنسان أكمل الحيوانات، فلماذا لا يمكنه

29

Page 30: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

أن يأكل بقدر أكل البقرة، ويركض كالغزال، ويفترس كالأسد تمام��hا، كما لا يقال في سمو النباتات على الجمادات، بأنه لو كانت الشجرة أسمى من الحجر وال��تراب، فلم��اذا لا تمتل��ك الش��جرة وزن الجب��ال

الهملايا؟ ولماذا لا توجد في أعماقها معادن الذهب والنفط؟ ب. إن أي موجود مادي في درج��ة أعلى من الوج��ود يمتل��ك الق��وى

الأدون من درجته؛ ليستخدمها في سبيل تكامله. ج. إن الاس��تفادة من الق��وى الأدون يجب أن تك��ون بالق��در المفي��دhا للرك��ود وتوق��ف للوصول إلى الكمالات الأعلى، وإلا فإنها تعود س��بب

hا. السير التكاملي، وقد تؤدي إلى التراجع والهبوط أحيان د. بملاحظة البحث السابق، نستنتج أن الكمال الحقيقي لأي موج��ود��ة ل��ه، وإن ك��ان ه��ذا الكم��ال نفس��ه ذا عبارة عما تقتضيه آخ��ر فعلي مراتب ودرجات مختلف��ة، ف��إن أع��داد التف��اح لش��جر التف��اح كم��ال، ولكنه ذو مراتب. أما سائر الكمالات ال��تي تختل��ف عن ه��ذا الكم��ال|ا، وهي بالطبع في درج��ات أدون من��ه، فهي لا تع��د من اختلافhا ماهوي

كمالات هذا الموجود، بل هي مقدمات ووسائل لكماله. وعليه، يمكننا أن نقسم الكمال إلى قسمين: أصيل وآلي، أو حقيقي

ونسبي، كما يمكننا أن نقول بوجود مراتب الكمالات الأصلية.

30

Page 31: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا للاس��تفادة من الق��وى الأدون، تل��زم ملاحظ��ة hه. لكي نعين مقياس�� الكم��ال الحقيقي الأص��يل. بعب��ارة أخ��رى، لا يمكن اعتب��ار الص��فات الوجودية الأدون مق��دمات الكم��ال، أو كم��الات نس��بية، إلا إذا ك��انت مقدمات للوصول إلى الكمال العالي الحقيقي، ومن هنا يتأكد ل��زوم

معرفة الكمال الحقيقي للإنسان.

الحركة الاستكمالية وعواملها وشرائطها إن التكامل والحركة الاس�تكمالية لموج�ود م�ا عب�ارة عن التغي�يرات التدريجية التي تحصل فيه، والتي تنتج أن يص��ل اس��تعداده للوص��ول��ة. ه��ذه ��ة، هي »الكم��ال« إلى المرحل��ة الفعلي إلى ص��فة وجودي التغييرات تحصل بواسطة القوى المودعة في خلقة الموجود القابل

للكمال، مع الاستفادة من الشرائط والإمكانات الخارجية. فبذرة الحنطة عندما تستقر تحت التراب، ويتوافر لها الم��اء واله��واء والحرارة والنور والشرائط الأخ��رى، تنفل��ق، ثم ت��برز س��اقhا وأوراق��hا

��hا. ه��ذه التغي��يرات700وسنابل، مما ينتج حصول بذرة أخ��رى تقريبالتي تحدث من��ذ الب�دء في ب�ذرة الحنط�ة، إلى حص�ول الب�ذرات ال��

ا »الحركات الاستكمالية«، كما تسمى الق��وى700 hتسمى اصطلاح ، التي ك��انت كامن��ةh في الب��ذرة، وال��تي اس��تطاعت بواس��طتها ج��ذب المواد اللازمة، ونفي المواد المضرة وتحول العناصر المجتذب��ة ع��بر تفاعلات خاصة إلى بذرات مشابهة لها، تسمى »عوام��ل التكام��ل«،��ة الأخ��رى »ش��رائط في حين يسمى الماء والهواء واللوازم الخارجي

التكامل«.

31

Page 32: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

من البديهي، فإن معرفة ميزان التكامل، وعبارة أخرى سعة الدائرة��ة وح��وزة كم��الات موج��ود م��ا، وك��ذلك عوام��ل وش��روط الوجودي التكام��ل، يمكن أن يحص��ل ع��ادة ع��بر التجرب��ة، وإن لم يكن من

الممكن نفي وجود سبيل آخر لمثل هذه المعرفة.هنا، تثار بعض الأسئلة في البين:

��ه يمكن أن توج��د هل الموجودات كلها تقب��ل التغي��ير والتط��ور، أو إن بعض الموجودات التي نعرفها أو تلك التي يحتم��ل وجوده��ا، ونحن لا نعرفها، وهي لا تقبل التطور والتحول مطلق��hا، فلا يح��دث فيه��ا ذل��ك أب��دhا؟ وه��ل إن أي تغي��ير س��واء أك��ان في ال��ذات أم في الع��وارض والصفات، أم في النسب والإضافات، ه��و تغي��ير حقيقي وواقعي، أو|ا؟ ا حقيقي h��ه لا يمكن اعتب��ار التغي��ير في النس��ب والإض��افات تغي��ير إن��ة، أو يمكن وهل إن أي تغيير حقيقي يوجب الوصول إلى صفة كمالي

أن تنتج حركة ما لفقدان بعض الصفات الوجودية؟ هذه الأسئلة كلها تطرح في محله�ا، ولكن لم��ا ك��ان بحثن��ا لا يتوق��ف

على الإجابة عنها، فإننا نتركها إلى مجال آخر.

الحركة العلمية وغير العلمية في مثال بذرة الحنطة، نج��د أن التغي��يرات الموجب��ة لتح��ول الب��ذرة إلى بذرات مش��ابهة ليس��ت مرهون��ةh ب��الإدراك والتش��خيص العلمي،

وكذلك التغييرات التي تحدث في البيضة، إلى أن تنتهي لحصول

32

Page 33: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الفرخ مع فرق بين هذه الحركة والحركة الاس��تمكالية للف��رخ، ح��تى أصبح دجاجة كاملة. فإن هذه الحركة الأخيرة تتبع الإدراكات التي لو فقدها الفرخ لم يستطع أن يصل إلى كماله اللائ��ق ب��ه. فل��و لم يكن��ة ��ز بين الحب الف��رخ يحس ب��الجوع والعطش وال��برد والح��ر، ويمي والحجر والخشب، والماء والنار، فإنه ليس فقط لا يمكنه أن يتط��ور��ه لا يس��تطيع أن ي��ديم حيات��ه. ومن هن��ا نس��تنتج أن وينم��و، ب��ل إن��ة الحرك��ات الاس��تكمالية يمكن تقس��يمها إلى ن��وعين كل��يين: إدراكي

وطبيعية، أو علمية وغير علمية.

الإدراك الغريزي وغير الغريزي��hا إن الإدراك ال��ذي ه��و ش��رط للحرك��ة الاس��تكمالية ق��د يك��ون أحيان|ا، وإن كان الموجود نفسه لا يدرك وجوده بكل وض��وح، |ا طبيعي فطري|ا ��ة، وق��د يحص��ل ت��دريجي ��ة الحيواني وذل��ك مث��ل الإدراك��ات الغريزي وبالتعلم، فيكون مورد الاطلاع الكام��ل، كم��ا في العل��وم الاكتس��ابية

لدى الإنسان. هنا تطرح بعض الأسئلة التي تجب الإجابة عنها في مج��ال آخ��ر، من قبيل أنه هل تفق�د النبات�ات أنم�اط الإدراك كله�ا، أو يمكن أن يوج�د��ة، أو ��ة كله��ا غريزي في بعضها نوع منها؟ وهل إن الإدراك��ات الحيوانيhا من الإدراكات الكس��بية؟ وعلى ف��رض وج��ود بعضhا منها يمتلك نصيب الإدراك الاكتس��ابي في الحي��وان، فه��ل يوج��د بين��ه وبين الإدراك��ات

الإنسانية تفاوت ذاتي أم لا؟

33

Page 34: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الحركة الاختيارية وغير الاختيارية��ة بش��كل ط��بيعي لاإرادي عن��د اجتم��اع ق��د تحص��ل الحرك��ة التكاملي الش��رائط اللازم��ة ل��دى الموج��ود ال��ذي يمتل��ك ق��وةh كافي��ةh لتكام��ل خاص. وقد يتوقف حصولها على إعم��ال الإرادة والاختي��ار، وه��ذا م��ا��ز بينه��ا وبين الأفع��ال ��ة، ونمي نلاحظه بوضوح في نش��اطاتنا الاختياري

الطبيعية واللاإرادية الأخرى بكل وضوح أيضhا.��ة من الب��ديهي أن م��دى التكام��ل والتق��دم في الحرك��ات الاختياري مرتبط بإرادة الموجود المتح��رك واختي��اره. بعب��ارة أخ��رى، إن ع��دم الوصول إلى الكمال المطل��وب ليس معل��ولاh فق��ط لنقص الطاق��ات��ة، ب��ل ق��د ��ة أو ع��دم مس��اعدة الش��رائط والإمكان��ات الخارجي الذاتي يس��تند إلى إرادة الش��خص نفس��ه، ولأن الانتخ��اب لا يحص��ل بلا علم ووعي، ف��إن حس��ن الانتخ��اب مرتب��ط ب��العلم والتش��خيص الص��حيح،��ة وكلما كانت دائرة المعلومات أوسع وإمكانات كسب العلوم اليقيني��ة أكبر، فإن إمكانات الاس��تفادة الص��حيحة منه��ا للتك��املات الاختياري��ه كلم��ا ك��ان مي��دان التح��رك أوس��ع س��تكون أك��ثر وأوف��ر،كم��ا أن والشرائط الخارجية أكثر تنوعhا، فإن الأعمال الاختيارية يمكن تأديتها

بحرية أكبر. ومن هنا، يحصل لنا دليل واضح على لزوم معرفة اله��دف، ومعرف��ة��ه -كم��ا أش��رنا- يتوق��ف الاختي��ار على العلم السير الصحيح نحوه؛ لأن والوعي، والتكامل الإنساني أو على الأق��ل قس��ط من ه��ذا التكام��ل

هو اختياري بلا ريب.من الطبيعي أننا سنتحدث في ما يأتي -إن شاء الله تعالى- عن

34

Page 35: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

حدوث الإرادة والعوامل التي تؤثر في هذا الحدوث. هنا يثار سؤال عن وجود موجودات أخ��رى غ��ير الإنس��ان له��ا اختي��ار الحركة. وعلى ف��رض وجوده��ا، فه��ل يوج��د فيه��ا م��ا ه��و أكم��ل من

الإنسان؟ من الواضح أن الإجاب��ة بالس��لب أو الإيج��اب عن مث��ل ه��ذه الأس��ئلة

ليس له أي تأثير في سير البحث.

معرفة الكمال قبل الحصول عليه من الب��ديهي أن معرف��ة الكم��ال الحقيقي للإنس��ان، بمع��نى الإدراك��أ لأولئ��ك ال��ذين وص��لوا إلى الوجداني والعلم الشهودي به، إنم��ا يتهي

درجته.��ة يتوق��ف على العلم لكن، لما كان الوص��ول إلى الكم��الات الاختياري والوعي، فإنه من اللازم معرفة مثل هذه الكلمات بشكل ما معرف��ة مس���بقة، لكي تق���ع موق���ع الش���وق والإرادة، فتحص���ل بالاختي���ار

والانتخاب.ا بالحص��ول عليه��ا، لم يكن الحص��ول hولو كان سبيل معرفتها منحصر ��hا. فالمعرف��ة ال��تي نحتاجه��ا مس��بقhا ليس��ت من قبي��ل عليه��ا ممكن��ة أو علم حص��ولي المعرفة الشهودية الوجدانية، بل هي معرفة ذهني -كم��ا في الاص��طلاح- يحص��ل عن طري��ق البره��ان والاس��تنتاج، من��ة المس��لم به��ا. ��ة أو الاس��تنباط من الأص��ول النقلي المقدمات العقلي والواقع أن هذا البحث يحتاج إليه المحققون الباحثون الذين يس��عون

إلى معرفة

35

Page 36: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الكمال ومعرفة طريق للوصول إليه. أما الذي نال الكمال الحقيقي،فإنه لا يجد حاجةh لمثل هذه البحوث.

على هذا، فإن توقع معرفة حقيق�ة الكم�ال الإنس�اني قب��ل الوص�ول إليه -بحيث نعرفه كما نعرف مدركاتنا الوجدانية- توقع لا محل له ولا���ة لا س���بيل إلا س���بيل الاس���تدلال للحص���ول على المعرف���ة الذهني

الشهودية، وتعيين مشخصاتها بمعونة العقل والنقل. ومن الطبيعي، فإننا سنسعى إلى أن نختار مق��دمات الاس��تدلال من��ة، وأوض��حها؛ لتك��ون النتيج��ة ��ة والوجداني أبس��ط المعلوم��ات اليقينيhا، وتتوسع الفائ��دة. وق��د نش��ير إلى بعض الأدل��ة أوضح وأكثر اطمئنان

النقلية أو البراهين العقلية المعقدة.

هل يمكن معرفة الكمال الحقيقي للإنسانبالتجربة؟

يمكن أن يتصور أحد أنه كما يمكن معرف��ة كم��ال ش��جرة أو حي��وان عن طريق التجربة، ف��إن من الممكن ح��ل ه��ذه المس�ألة في م��ورد الإنسان بمعونة التجارب العلمية، أي يمكن دراسة أف��راد كث��يرة في أزمنة وأمكن��ة مختلف��ة، وملاحظ��ة الكم��الات ال��تي يحص��لون عليه��ا، وحدودها القصوى. ومن ثم معرفة شرائط الكمال وس��بيل الوص��ول

إلى الكمال النهائي. ولكن، أدنى تأم��ل يوض��ح أن الأم��ر ليس به��ذه الس��هولة في م��ورد

الإنسان؛ ذلك:

36

Page 37: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ة هي في : لأن النباتات والحيوان��ات من حيث الكم��الات الوجودي hأولا درجة أدون من الإنسان، ومن هنا، فإن كل إنسان يمكن��ه أن يع��رف كمالاتها ويدرسها، ولكن الأفراد الذين لما ين��الوا الكم��ال الحقيقي لا يستطيعون معرفة نسخ هذه الكمالات، ومن هم الواجدون لها، وهمة في ه��ذه الجه�ة كالأطف�ال الراغ�بين في معرف�ة الكم�الات الخاص� بالأفراد البالغين، ولا يمكن أن يسهم في ذلك إلا نخب��ة وص��لت على

الأقل إلى المراتب الأولية للكمال الحقيقي للإنسان.hا: إن كمال أي نوع من أن��واع النبات��ات والحيوان��ات ل��ه ح��د معين ثاني يمكن تجربته ومعرفته بكل س��هولة. ولم��ا لم تكن هن��اك ف��روق بين أف��راد ن��وع واح��د منه��ا خلال ق��رون، من حيث ن��وع الكم��ال والح��د النهائي له، فإنه بملاحظة ودراسة عدد منها يمكن الاطمئنان إلى أن كماله النوعي هو ما أدرك لا غ��ير. فكم��ال ش��جرة التف��اح يكمن فية، وفي حجم معين، إعطائه��ا ثم��رةh له��ا طعم ول��ون ورائح��ة خاص��ا يس��مى hا معطرhحلو hئ سائلا حلة في أن تعيش بنظام وتهي وكمال الن

»العسل«.��ه من الممكن أن تك��ون للتف��اح والعس��ل خص��ائص ومن الطبيعي أن|ا أخرى ومنافع لم يتوصل البشر إليها تمامhا. لكن مثل هذه الفوائد، أي كانت، هي من صفات التفاح والعس��ل ال��تي ك��انت تل��ك الش��جرة أو النحل��ة تمت��از به��ا خلال ق��رون. لكن عن��دما نلاح��ظ الإنس��ان، ه��ذا��ه على ال��رغم من ص��غره الموجود العجيب المليء بالأسرار، نجد أن

النسبي في الحجم، وشبهه في كثير من الأمور

37

Page 38: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��زه عن المادية مع سائر الحيوانات، فإنه مع ذلك يمتلك خصائص تميغيره تمامhا.

إنه الإنسان الذي ينكشف لنا يومhا بعد يوم جانب من أسرار وج��وده،�ه الإنس�ان ال�ذي لم وتعرض لنا صفحة جديدة من فنون�ه الرائع��ة، إن��ر؛ ليع��رض ك��ل يتوقف من بدء خليقت��ه إلى الآن عن التح��رك والتغي يوم هذه المظاهر المختلفة، من العلوم والصنائع على مسرح العالم الواسع. على أن هذا التقدم العجيب إنما هو من الثمار المادية لهذهرة بمث��ل ه��ذه ��ة ميس�� الشجرة المحيرة. أم��ا معرف��ة الثم��ار المعنوي السهولة، وقد تكون العجائب الروحية والمعنوية أعظم من العجائب

المادية. ونحن نجد سالكي سبيل العالم المعنوي يبدون بعض الأم��ور ال��تي لارها بقوانينن��ا يفهمه��ا الآخ��رون، ويقوم��ون بأعم��ال لا يمكن أن نفس��

المادية، كما لا يمكن إنكارها مطلقhا.��ة م��ع ك��ل ه��ذا، فه��ل يمكنن��ا أن نق��ول إن معرف��ة الح��دود الوجودي للإنس��ان -بالأس��لوب نفس��ه ال��ذي تع��رف ب��ه كم��الات النبات��ات

والحيوانات- شيء عملي؟hا: إن ما يقب��ل التجرب��ة مباش��رةh ه��و الأش��ياء ال��تي تقب��ل الإدراك ثالث الحسي. أما الكمالات الروحية والفضائل المعنوية، فلا يمكن تجربتها مباشرةh ومعرفة موازينها. ولو قلن��ا إن آث��ار الكث��ير منه��ا مم��ا يقب��ل التجربة إلى حد ما، فإن معرفة منابعها النفسية ال��تي انطلقت منه��ا

هذه الآثار وتقييم كمالها مما لا يقبل التجربة.

38

Page 39: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

بملاحظ�ة م�ا س�بق، لا عجب إذا رأين��ا الفلاس�فة والعلم�اء يختلف�ونحول تشخيص الكمال الحقيقي للإنسان.

آراء الفلاسفة حول كمال الإنسان بملاحظة الاختلافات الموجودة بين الفلاسفة والمفكرين في النظرة الكونية، فإنه من الطبيعي أن توج��د مواق��ف وأنظ��ار مختلف��ة ح��ول الإنسان. لكن دراسة تلك المواقف والآراء كلها وعلاقاتها بالم��ذاهب المختلفة ليست بذات فائدة مهمة، ولهذا فإننا س��نكتفي ب��ذكر بعض

الآراء الأساسية فيها:��ة.1 ��ع من اللذائ��ذ المادي . إن الكم��ال الإنس��اني يكمن في أك��بر تمت

وللوص��ول إلى ذل��ك، تجب الاس��تفادة من العلم والتكني��ك لاس��تثمار المنابع والثروات الطبيعية لتحقيق حياة أكثر رفاهhا ولذةh، وهذا الرأي

مبني على أصالة المادة واللذة وأصالة الفرد. . إن الكمال الإنس��اني ه��و في حص��وله الاجتم��اعي على الم��واهب2

الطبيعية. وللوص��ول إلي��ه يجب الس�عي إلى تحقي��ق رف��اه الطبق�ات��ه يب��نى على ��ة كله��ا. وف��رق ه��ذا عن س��ابقه يكمن في أن الاجتماعي

أصالة المجتمع.��ه المعن��وي وال��روحي ال��ذي3 . إن الكم��ال الإنس��اني يكمن في رقي

يحصل بالارتياض والنضال ضد اللذائذ المادية. وهذا الرأي يق��ف فيقبال الرأيين السابقين تمامhا.

39

Page 40: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ه العقلي ال��ذي يحص��ل عن4 . إن الكم��ال الإنس��اني يكمن في رقيطريق العلم والفلسفة.

��ه العقلي والأخلاقي ال��ذي5 . إن الكم��ال الإنس��اني يكمن في رقييحصل عن طريق تحصيل العلوم وكسب الملكات الفاضلة.

الرأيان الأخيران كالرأي الثالث يتنافيان مع أص��الة الم��ادة، في حين يفترق الثالث بأنه ينظر إلى البدن كعدو، وتجب مكافحته، وبالانتصار��ه ينظ��ر عليه يحصل الكمال الإنساني. أما في الرأيين الأخ��يرين، فإن إلى البدن كوسيلة يستفاد منه��ا للوص��ول إلى الكم��ال. والف��رق بين الرأي الرابع والخامس واضح، وإن ك��ان ال��رأي الخ��امس ق��د يط��رح

كتفسير للرابع.��ة من الواضح أن هذه الآراء والآراء الأخرى التي لم نذكرها كلها مبني على أصول فلسفية خاصة، ينبغي أن تدرس مسبقhا ومتابعتها، يحتاج إلى بحوث فلسفية عميقة لا تنسجم مع هذا البحث؛ لأننا أش��رنا في المقدم��ة إلى أن أس��لوبنا ه��و الاس��تفادة من المق��دمات الواض��حة��ة، وت��رك الاس��تدلالات المعق��دة ال��تي تحت��اج إلى مق��دمات الوجداني كثيرة؛ لتكون الفائدة أكبر؛ أي ليستفيد منه الأفراد الذين لا يملك��ون اطلاعhا على المسائل الفلسفية والاستدلالات النقلية، ولكي لا نواجه

تعصبات من المخالفين. ومن هنا، لكي نع��رف الكم�ال الحقيقي للإنس��ان، نس�عى لئلا نعتم�د في أدلتنا على الأسس الفلسفية المعينة التي تقبلها بعض الم��ذاهب

من دون غيرها، أو الآراء الكلامية المعينة التي يؤمن بها بعضهم

40

Page 41: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الآخ��ر من دون غ��يرهم، ب��ل نش��رع ب��البحث من أوض��ح المعلوم��ات وأبسطها حول الإنسان. ومن الب��ديهي أن مث��ل الش��روع لا يع��ني ألا��ة فلس��فية -خلاف س��يرتنا الاس��تنتاجية- وأن تك��ون نعارض أي نظري

نتيجة البحث مقبولة عند المذاهب والآراء كلها. إن مثل هذا الانتصار ليس إلا في حكم انتظار توافق النقيضين، وه��و

محال بالضرورة.

41

Page 42: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الميول الفطرية واتجاهاتها��ات إن للإنس��ان غرائ��ز وأحاس��يس وعواط��ف ومي��ولاh ودواف��ع وكيفي نفسانية ونشاطات وانفعالات نفسية كثيرة، وهي ك��ذلك تق��ع -بنح��و ما- موردhا لبحوث الفلاس��فة وعلم��اء النفس والمحللين النفس��انيين،���ات والآراء ح���ول معرف���ة حقيقته���ا مم���ا أنتج العدي���د من النظري��ة حص��ولها وتصنيفها، وتشخيص الأصيل من غير الأصيل منه��ا، وكيفيا ش��بكة الأعص��اب hونموها، والعلاقة بينها وبين أعضاء البدن، خصوص�� والمخ والغ��دد المختلف��ة؛ لكن أس��لوب بحثن��ا في ه��ذه السلس��لة لا

ينسجم مع عرض تلك الآراء ونقدها. ل��ذا، فنحن هن��ا -من دون أيي محاول��ة لتأيي��د أي م��ذهب فلس��في أو نفس���ي أو تحليلي أو رده- نح���اول الترك���يز والتأم���ل في بعض أهم��ة أص��الة -في نظرن��ا- والس��عي لدراس��ة المظ��اهر المي��ول الفطري المختلفة لها وسيرها التكاملي، وأنم��اط النش��اطات ال��تي يق��وم به��ا الإنسان لإشباعها في الظروف والمراحل المختلفة من حيات��ه؛ لأنن��ا ذلك -قد نستطيع اكتشاف سبيل لمعرفة الكم��ال الحقيقي واله��دف��ة هي من أش��د الق��وى النه��ائي للإنس��ان؛ ذل��ك أن المي��ول الفطري

الإنسانية- التي أودعتها

42

Page 43: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

يد الخلقة في أعماق الإنسان أصالة وعمقhا -لكي ينطلق- بدافع منها��ة والاكتس��ابية hا ب��القوى الطبيعي في تحركه ونهضته وس��عيه، مس��تعين

hا طريق كماله وسعادته. والإمكانات الخارجية، وطاوي وعليه، فإن الوجهة أو الاتجاهات التي تعينها هذه المي��ول يمكنه��ا أن تهدينا -كالمؤشر المغناطيسي تمامhا- إلى اله��دف والمس��ير النه��ائي

المطلوب.��ز على ه��ذه المي��ول -بك��ل دق��ة وص��بر وتحم��ل- لهذا، ينبغي أن نرك��بين أي حكم مس��بق ورأي مرتج��ل س��ريع لكي فنتأمله��ا تمام��hا متجن��ة، من خلال تأملاتن��ا الدقيق��ة، نصل بالتالي إلى نتيجة صحيحة قطعي

فنحصل من ثم على مفتاح السعادة المنشودة.

الإدراك ومراتبه للإنسان ميل فطري للمعرف��ة والاطلاع والإحاط��ة بحق��ائق الوج��ود.يبدو هذا الميل منذ أوان الصبا، ولا يفارق الإنسان حتى نهاية حياته.

إن تساؤلات الأطفال المتتابعة تدل على وجود هذا المي��ل الفط��ري. وكلما ارتفعت استعدادات الطف��ل وقدرات��ه كلم��ا اتس��عت تس��اؤلاته��ة معلوم��ات أك��ثر كلم��ا وتعمقت، وكلما أضيفت إلى حص��يلته الذهني

طرحت أمامه مجهولات أكثر ومسائل أخرى. فالاتجاه العام للقوى الإدراكية التي تشكل وسائل لإشباع هذا الميل��ة الكامل��ة بع��الم الوج��ود؛ إذ لا الفط��ري يس��ير نح��و الإحاط��ة العلمي

يخرج أي موجود عن الدائرة الواسعة التي يسعى إليها هذا الميل.

43

Page 44: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

فلن��درس إذhا الس��ير العلمي للإنس��ان من نقط��ة ش��روعه، ونتابع��هخطوة خطوة لنجد إلى أين ينتهي به المطاف.

تبدأ معرفة الإنسان عن العالم من حواسه الظاهرية وارتباط أجهزةية البدن بالأشياء التي تقع قباله، ويقوم كل من ه��ذه الأجه�زة الحس� من خلال التفاعل الخاص مع الأش��ياء بإيص��ال بعض الآث�ار من قبي��ل النور، والصوت والحرارة والرائح��ة والطعم، إلى الأعص��اب، ومن ثم إلى المخ، وبهذا يدرك الكيفيات والحالات المتعلقة بظ��واهر الأش��ياء

المادية الموجودة في مجال معين أمامه.

ي ن��اقص وغ��ير ك��اف لإش��باع المي��ل الفط��ري لكن الإدراك الحس����ه أولاh يتعل��ق الغري��زي للاطلاع ومعرف��ة الحقيق��ة ل��دى الإنس��ان؛ لأن بكيفيات معينة، من ظواهر الأشياء المحسوسة وأعراض��ها، من دون��ات، فض��لاh عن ش��مول ذوات الأش��ياء أن يستطيع شمول كل الكيفيhا، إن مجال عمل هذا وجواهرها، أو شمول الأشياء اللامحسوسة. ثاني الإدراك الحسي محدود بظروف خاصة؛ فالعين لا تستطيع أن تبص��ر

%4إلا الأن��وار ال��تي ت��تراوح أط��وال أمواجه��ا بين م��ا لا يق��ل عن % ميك��رون، فلا يمكنن��ا ل��ذلك أن نبص��ر8ميك��رون، ولا يزي��د على

النور فوق البنفسجي، أو ما دون الأحمر، وك��ذلك ف��إن الأذن يمكنه��ا ذبذب��ة16000 إلى 30أن تسمع الأصوات التي تتراوح ذب��ذباتها بين

في الثانية لا غير. وكذلك سائر الإدراكات الحسية، فإن له��ا ش��رائطhا، إن بقاءها قصير جد|ا من الناحية الزمانية، فالعين والأذن معينة. ثالث مثلاh يمكنهما أن يحتفظا بأثر النور والصوت خلال عشر ثاني��ة واح��دة

لا

44

Page 45: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ي م��ع الخ��ارج ينس��د ب��اب أكثر، ومجرد انقطاع ارتباط الجهاز الحس��المعرفة والإدراك.

ية ح��ديثها ال��ذي يكش��ف عن ع��دم كفاي��ة ه��ذا، وإن للأخط��اء الحس��ية بش��كل أوض��ح؛ لكن س��بيل المعرف��ة والإدراك لا الإدراكات الحس��ية، فتوج��د في الإنس��ان مثلاh ق��وة أخ��رى ينحص��ر ب��الأجهزة الحس�� تستطيع بعد انقطاع ارتباط البدن بالعالم الم��ادي أن تحتف��ظ بالآث��ار التي استلمتها منه بأسلوب خاص، وتعكسها في مواقع الحاج��ة على صفحة الذهن المدرك. كم�ا أن لل��ذهن ق��وة أخ�رى ت�درك المف��اهيم الكلية، وتهيئ الذهن لحصول التصديقات والقضايا، وتيس��ير التفك��ير

والاستنتاجات الذهنية، الأعم من التجريبية وغير التجريبية.ع من دائ��رة ��ة أن يوس�� يستطيع الإنسان بوسيلة ه��ذه الق��وى الداخلي��ة إدراكات��ه ويس��تنتج بعض النت��ائج من تجريبيات��ه وإدراكات��ه الفطري والبديهية، وأن تقدم الفلسفة والعلوم والصناعات رهين هذه الق��وى الباطنية العقلية، مع ملاحظة التفاوت بين الفلسفة والعلوم الأخرى، فإن��ه في العل��وم ينص��ب البحث عن خ��واص الموج��ودات وآثاره��ا للاس��تفادة منه��ا في تحس��ين المعيش��ة، في حين ينص��ب اله��دف��ة الأصلي في الفلسفة على معرفة ماهيات الأش��ياء والرواب��ط العلي

والمعلولية لها. من الواض��ح أن المعرف��ة الكامل��ة لموج��ود م��ا لا تحص��ل من دون معرفة علله الوجودية، أو كما عبر الشيخ الرئيس ابن سينا في كتابهhا؛ إذ ق��ال: »ذوات الأس��باب لا »برهان الشفاء«، وشرحه شرحhا وافي

تعرف إلا بأسبابها«.

45

Page 46: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ولأن ه���ذه المس���يرة في إط���ار البحث عن العل���ل تنتهي إلى ذات��ه يمكنن��ا أن نس��تنتج أن الس��ير العقلي للإنس��ان البارئ -تعالى-، فإن

ينتهي إلى معرفة الله -تعالى-. وقد تصور الكث��ير من الفلاس��فة أن التكام��ل العلمي للإنس��ان ينتهي إلى هذا الحد. ومن هنا تصوروا أن الكمال الإنساني، أو بتعب��ير أدق،��ة الكامل��ة لع��الم الكمال العلمي للإنسان ينحصر في المعرفة الذهنيح أن غري��زة الوجود؛ لكن التأمل الأعمق في متطلبات الفطرة يوض�� طلب الحقيقة في الإنسان لا تقنع تمامhا به��ذا الح��د من الإدراك، ب��ل��ة والإدراك الحض��وري والش��هودي لحق��ائق تتطلب المعرف��ة العيني��ة الوج��ود، ومث��ل ه��ذا الإدراك لا يحص��ل بواس��طة المف��اهيم الذهني

والبحوث الفلسفية. إن التصورات والمفاهيم الذهنية مهما اتسعت وتوضحت لا تس��تطيع��ة أن ترينا الحقائق العينية، ويبقى الفرق بينها وبين الحقائق الخارجي

نفسها كالفرق بين مفهوم الجوع والحقيقة الوجدانية له. إن المفهوم الذي نملكه عن الجوع ه��و تل��ك الحال��ة ال��تي نحس به��ا عند احتياج البدن للغذاء. أما إذا لم يحس الإنسان بمثل هذه الحالة،��ه لا يس��تطيع الإحس��اس به��ا عن طري��ق ه��ذا المفه��وم. ك��ذلك فإن الفلسفة، فإنها تستطيع أن تعطينا مف��اهيم حق��ائق الوج��ود من الل��ها عن hإلى المادة؛ لكن معرفة الحقائق العينية وشهودها تختل��ف كث��ير هذه المفاهيم، وإن الأمر الذي يروي لهف��ة الغري��زة لطلب الحقيق��ة

بشكل كامل هو العلم الحضوري والإدراك الشهودي

46

Page 47: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

للحقائق العينية اللازم لإدراك مقوماتها وارتباطاتها الوجودية، وم��تى��ة كله��ا بش��كل تعلق��ات وارتباط��ات ما شوهدت الموجودات الإمكاني بالله القيوم المتعال، فإن كل المعلومات العينية في الحقيق��ة ترج��عإلى العلم بحقيقة مستقلة أصيلة، ويكون الكل ظلالاh أو مظاهر لها.

القدرة ومظاهرها���ة للإنس���ان المي���ل للق���درة والتس���لط على من المي���ول الفطري الموجودات الأخرى، ويبرز هذا الميل أيضhا من أوان الطفولة، ويسير مع الإنسان حتى نهاية حياته، طبعhا مع ملاحظة الفروق ال��تي ينتجه��ا��ة في متعلق��ات اختلاف السنين وفص��ول الحي��اة والظ��روف الخارجي القدرة هذه؛ تحريكات الرضيع السليم الرتيبة ليديه ورجليه والتحرك الذي لا يقبل التعب والكل��ل للطف��ل كله��ا علام��ة على ه��ذه الحاج��ة الفطرية، ثم تتسع دائ��رة م��ا يتطلب��ه من س��يطرة، وتمت��د إلى م��ا لا

نهاية له. يحصل العمل والاستفادة من الطاقة وبسط القدرة في ب��ادئ الأم��ر��ة وعض��لات الب��دن والاس��تناد إلى الق��وى بوس��يلة الأعص��اب الحركي الطبيعية لا غير، وهذه الحركات المتتابع��ة للطف��ل نفس��ها بمقتض��ىhا تق��وى عض��لاته hا فش��يئ الغري��زة تس��اعده على تقوي��ة نفس��ه، وش��يئ وتس��تعد للقي��ام بأعم��ال أك��بر وأثق��ل إلى أن يص��ل إلى أوج قدرت��ه

البدنية وشبابه، ثم تبدأ مرحلة الركود والتوقف في هذا المجال،

47

Page 48: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ة بالتحل��ل، إلا أن ثم مرحلة الضعف والش�يخوخة؛ فتب�دأ ق��واه البدنيالميل الشديد للتسلط في أعماق الإنسان لا يخبو مطلقhا.

الإنسان في سبيله للاقتدار والتسلط لا يكتفي بالقوى الطبيعية، ب��ل يسعى بمعونة العلوم والصناعات إلى اختراع وسائل أفضل للتسلط وتسخير الكائنات لصالحه، وواضح جد|ا الدور الذي لعبته الاكتشافات والاختراعات العلمية خصوصhا في العصور الأخيرة، وم��ا س��تلعبه في

مجال إشباع هذه الميول الفطرية. إن الإنسان لم يمتنع حتى عن استخدام طاقات أبناء نوعه الإنس��اني في سبيل تحقيق تسلطه؛ إذ عمل بمقتض��ى قدرات��ه وإمكانات��ه على

استخدام الآخرين واستثمارهم بشتى السبل والوسائل. على أن هذا الس��عي المحم��وم للحص��ول على المواق��ع والمقام��ات الاجتماعية والاعتبارية، على صعيد الشعب الواحد، وعمل ش��عب م��ا��ر على استعمار الآخرين واستعبادهم، وجعلهم تحت نفوذه، إنم��ا يعب، hا ومعق��ولاhصحيح hعن تطبيق هذا الميل؛ إذ إن تطبيقه قد يتخذ شكلا وقد يتخ��ذ ش��كل التج��اوز على حق��وق الآخ��رين بأش��كاله المختلف��ة؛

كالاستعمار والاستثمار الظالم. ثم إن هذا السعي المتزايد لتحقيق القدرة الأكبر لا يتوقف عن��د ه��ذا��ة؛ الأم��ر الحد، بل يحاول شمول الق��وى اللامحسوس��ة والميتافيزيقي الذي توضحه ه��ذه الف�روع العدي�دة للعل�وم الغريب��ة، وتس�خير الجن والأرواح وأنواع الرياضات النفسية، مما يكشف عن السعي العجيب

لتوسعة القدرة وبسط نفوذها على الحقول المختلفة.

48

Page 49: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

لكن، وعلى فرض حصول القدرة لتسخير القوى المحسوس��ة وغ��ير المحسوس��ة كله��ا، ه��ل يص��ل الإنس��ان إلى ح��د كمال��ه وتش��بع في

أعماقه حاجته وجوعته إلى القدرة بشكل كامل؟ إذا كانت هذه القوى -مهما كانت متنوعةh وعظيم��ةh- محكوم��ة لق��وى أعلى وس��لطة أوس��ع، فه��ل يمكنن��ا أن نتص��ور أن المي��ل الإنس��اني

اللانهائي قد أشبع تمامhا؟��روى تمام��hا إلا إذا اتص��ل من الواضح أن هذا العطش الفط��ري لن ي الإنسان بمنبع قدرة لانهائية، وإلا فإن سعي الإنسان الطموح سيبقى

ا بلا نهاية. مستمر|

الحب والعبادة يوج��د في الإنس��ان مي��ل فط��ري آخ��ر ليس ه��و من س��نخ المعرف��ة والقدرة، بل هو ميل للتج��اذب والاتص��ال الوج��ودي والإدراكي. ولم��ا لم يكن هذا الميل معروفhا لدى علماء النفس والمحللين النفسانيين، فإنهم لم يبحث��وا حول��ه بالمق��دار الك��افي، ول��ذا ف��إن توض��يحه ليس

بالأمر السهل.��ا يج��د في نفس��ه ميلاh وتعلق��hا بش��يء م��ا يجذب��ه إلي��ه، كم��ا |ا من إن أي يجذب المغناطيس الأشياء الصلبة إليه؛ ولهذا الج��ذب م��راتب وآث��ار مختلفة، وق��د يص�ل اختلاف الم�راتب إلى ح��د ي�وجب التش��كيك في

وجود جامع بين هذه المراتب وهل أنها من ماهية واحدة أم لا؟إن أوضح تجل للمحبة الفطرية يكمن في الأم؛ إذ تغرق في عالم

49

Page 50: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

اللذة عندما ترى طفلها وتتلقفه بالأحضان وتلاعب��ه وتراقب��ه. إن حب��ة ال��تي ألهمت مظاهره��ا - ��ة الفطري الأم هو من أروع تجليات المحب على مدى التاريخ- الكتاب والشعراء، فأنتجوا في ذل��ك أروع النت��اج،

وهكذا محبة الأب لولده. وعلى غرار هذا الحب، توجد روابط الحب أيضhا بين الابن تجاه أبويه، وبين الإخوة والأخوات وسائر أفراد العائلة التي تترابط في م��ا بينه��ا بوشائج طبيعية. وكمظهر آخر للحب والميل الفط��ري م��ا نج��ده بين أبناء النوع الواحد؛ كالترابط الإنساني العام الذي يشد الناس بعضهم إلى بعضهم الآخر؛ فتشتد ه��ذه الرابط��ة كلم��ا أض��يفت إلي��ه عناص��ر أخ��رى كرابط��ة المدين��ة الواح��دة، أو الج��وار، أو وح��دة الس��ن، أو

الزواج، أو اتحاد المعتقد والمسلك وغير ذلك.��ة يب��دو في مي��ل الإنس��ان لبعض hا آخر له��ذه المحب كما أن هناك تجلي��ة، وال��تي له��ا دخ��ل في الأشياء التي يس��تفيد منه��ا في حيات��ه المادي ت��أمين حاجات��ه فيه��ا، وتل��ك من مث��ل: الم��ال وال��ثروة واللب��اس

والمسكن. من تجليات��ه ش��وق الإنس��ان وميل��ه بالنس��بة إلى الكم��ال والجم��الا الأناس���ي ذوي الح���ظ من الجم���ال، hوالأش���ياء الجميل���ة، خصوص��� فالإنسان يميل إلى الأشياء التي تروي ظمأه للجمال وتألفه��ا روح��ه

ونفسه. على هذا النسق، نلاحظ الميل الإنس��اني لأنم��اط الجم��ال المعن��وي، مثل: جمال المفاهيم والتشبيهات، والاستعارات، والكنايات، وجم��ال��ة والش��عرية ال��تي يعش��قها أرب��اب ال��ذوق الألف��اظ والعب��ارات النثري

المرهف.

50

Page 51: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

كذلك من مثل الكمال والجم��ال ال��روحي والأخلاقي ال��ذي يهيم في��ه علم���اء النفس وعلم���اء الأخلاق، ويؤك���دون على مجالات���ه، وهك���ذا الجمال العقلاني مث��ل روع��ة التنظيم في ه��ذا الوج��ود ال��ذي يس��حر ألب�اب الحكم�اء والفلاس�فة، أو الجم�ال الوج�ودي ال�ذي ي�درك ع��بر الشهود العرفاني؛ فيصل الأمر إلى درجة لا يعني الوجود فيها س��وى

.1﴾ۥ﴿ٱلذي أحسن كل شيء خلقهالجمال. كلما قويت حصة الموجود من الوجود وتأصل الوجود فيه كلما كانت

ا. hا وأروع تأثيرh مشاهدته وجماله أشد إعجاب وبعبارة أخرى، فإن أي موجود يعبر -مقدار سعته الوجودية وقابليته- عن إشراق للنور الإلهي، وكلما تكاملت حصته الوجودية كلما أمكن��ه

أن يعرض إشراقhا أشد وروعة أعظم. بش��كل ع��ام، يمكنن��ا أن نتص��ور الحب، من حيث الش��دة والض��عف

مراتب ثلاث هي: الأولى: المرتب��ة الض��عيفة ال��تي تقتض��ي الق��رب إلى المحب��وب في��ة، من دون أن يص��حب ذل��ك أي ن��وع من أن��واع الظ��روف العادي

التضحية والإيثار. الثانية: المرتبة الوسطى ال��تي تتض��من -بالإض��افة إلى إرادة الق��رب من المحب��وب- نوع��hا من التض��حية في س��بيله، ولكن إلى المس��توى

الذي لا يتنافى مع المصالح الكلية الأساسية للشخص.

.7 سورة السجدة الآية 151

Page 52: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الثالثة: مرتبة الإعجاب العميق ال��تي لا تمن��ع الإنس��ان من تق��ديم أي نوع من أنواع التضحية في سبيل المحبوب، فلا لذة له إلا في اتباعه وتحقيق رغباته في الحالات المختلف��ة، ب��ل يعت��بر كم��ال الت��ذاذه في تعلقه وارتباطه الوجودي، وكذلك في الفناء ونس��يان النفس أمام��ه، ولذا فهو يعيش غاية اللذة عندما يخضع لمعبوده ويق��دم ل��ه ف��روض��ة ال��تي ت��ؤدي بالإنس��ان؛ الولاء، فتلك هي آية هذه المرتبة من المحب

لأن يقدم إرادة المحبوب على أي شيء سواها بلا أي تحفظ.��ة والش��وق بالنس��بة إلى ش��يء كلم��ا ت�أججت من الواض��ح أن المحب واش��تدت، كلم��ا ك��انت الل��ذة الحاص��لة من تحقي��ق ذل��ك الش��يء والوصول إليه أك��بر وأش��د. ومن جه��ة أخ��رى، نج��د أن كم��ال الل��ذة يرتبط بمستوى المطلوبية والقيمة الوجودية للمحبوب... إذhا، فلو أنا امتل��ك أش��د أن��واع الحب بالنس��بة إلى أعظم الموج��ودات hشخص�� وأكبرها قيمة، وأدرك هذه القيمة الوجودية بدقة، فإنه بالوصول إلى محبوب��ه ه��ذا يك��ون ق��د ح��از أروع الل��ذات. ف��إذا افترض��نا أن ه��ذاh��ة، ب��ل ك��ان وص��ولا ��ة والزماني الوصول غير محدود بالظروف المكاني��ة س��وف تك��ون ق��د دائمhا، وفي أي مكان ف��إن ه��ذه الحاج��ة الفطري

أشبعت بشكل تام، ولم يبق في إشباعها أي قصور. على هذا، فإن هذا الميل الفط��ري اللانه��ائي يتج��ه نح��و حب مت��أجج لمحبوب كامل جميل، كمالاh وجمالاh مطلقhا له أشد الروابط الوجودية

بالإنسان؛ حيث يمكن للإنسان أن يرى وجوده هو قائمhا

52

Page 53: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

hا فيه، ومتعلقhا تمام التعلق به، وبالتالي فهو يحق��ق الوص��ول به وفاني الحقيقي إلى محبوب��ه، فلا يس��تطيع أي ش��يء أن يفص��ل بين ه��ذين

الحبيبين. أما محبة أي موجود آخر لا يملك هذه الأمور، فإنها لا يمكن أن تشبع|ا، وإنما يقترن بها الهجران والهزيم��ة هذا الميل الفطري إشباعhا نهائي

والفراق والعذاب.

53

Page 54: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

اللذة والكمال��ه بفطرت��ه يدرك كل إنسان -بأدنى تأمل في وجوده وبكل وضوح- أن يبتغي اللذة والراحة والسعادة، ويهرب من الألم والعذاب والش��قاء. وهكذا ينصب سعي الإنسان ال��ذي لا يك��ل في حيات��ه للحص��ول على لذائذ أك��ثر وأق��وى وأك��ثر دوام��hا، والف��رار من الآلام وأن��واع الع��ذاب والأمراض، أو التقليل منها على الأقل. وعند التزاحم، ف��إن الإنس��ان��ل الألم القلي��ل في س��بيل الخلاص من يق��ارن بين الأم��رين، فيتقب العذاب والألم الشديد، ويضحي بالل��ذة المح��دودة في س��بيل الأش��د

والأكثر دوامhا.hا كما أن مقتضى العقل والفطرة الإنسانية أن يتحم��ل الإنس�ان ع��ذاب قليلاh للوصول إلى لذة كبرى ودائمة، وأن يغض النظر عن لذة قليل��ة��ة كله��ا ��ك لتج��د التص��رفات العقلائي للخلاص من الع��ذاب الكث��ير. وإن قائمة على أساس من هذا المع��نى. أم��ا م��ا يح��دث من اختلاف في التصرف بين الأفراد في ت��رجيح بعض الل��ذات والآلام، فه��و ن��ابع من اختلافهم في التش���خيص، أو خطئهم في الحس���اب، ومن عوام���ل

أخرى سنتحدث عنها في ما بعد.

54

Page 55: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

فالل��ذة إذhا -من جه��ة- داف��ع للنش��اط والس��عي الحي��اتي، ومن جه��ة أخ��رى هي نتيج��ة وثم��رة له��ذا النش��اط، ومن جه��ة ثالث��ة يمكن أن نجعله��ا كم��الاh للموج��ودات ذات الش��عور والإدراك باعتباره��ا ص��فة

وجودية يمتلك الأفراد استعداد الحصول عليها. وإن العمل الذي ي��ؤدي إلى حص��ول ل��ذة والخلاص من ألم م��ا، يق��ع موق��ع الإرادة الإنس��انية، فه��و -أي الإنس��ان- يحب ك��ل م��ا يلت��ذ ب��ه، وهكذا ي��أتي تعب��ير الحب بالنس��بة إلى العم��ل والص��فات المرغوب��ة.

ومن هنا تتوضح العلاقة بين اللذة والإرادة والحب.��ز الإنس��ان على ل��ذة معين��ة، يحت��اج ينبغي أن نلتفت إلى أنه قد يرك الوصول إليها إلى مقدمات كثيرة. ومن هنا، فهو يص��مم على القي��ام بأعمال يمكن أن يكون كل منها بدوره مقدم��ة للآخ��ر، ولكن الواق��ع هو أن الإرادات المتعلقة بهذه الأعمال أشعة من تلك الإرادة الأصلية

التي تعلقت بالعمل الأصلي الذي ركز عليه الإنسان من أول الأمر. وهك��ذا، ف��الحب الأص��يل يتعل��ق بموج��ود يس��عى إلي��ه وي��رغب في��ه��ة إلى ��ة وفرعي بالأص��الة. وفي ظ��ل ذل��ك، تحص��ل ل��ه رغب��ات جزئي مقدماته ومتعلقاته؛ فيحقق الوصول إلى أي منها لذة فرعية ونسبية

بمقدار ارتباطه بذلك المطلوب الأصيل. وقد رأينا في ما سبق أن الكمال الحقيقي للإنسان هو آخر المراتب الوجودية وأعلى الكمالات التي يمتل��ك الق��درة على الوص��ول إليه��ا.

أما الكمالات الأخرى، فهي تمتلك صفة مقدمية وهي كمالات آلية

55

Page 56: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

نسبية. ترتبط مقدميتها بمقدار تأثير أي منها في إيصال الإنسان إلىكماله الحقيقي، وإن كان الكمال الحقيقي نفسه له مراتب مختلفة. على هذا، فإن المطلوب الأصيل للإنسان ه��و الكم��ال الحقيقي. أم��ا مطلوبية الأشياء الأخرى، فهي فرعية تتبع مق��دار أثره��ا في حص��ول الكمال الحقيقي. وكذلك فإن الل��ذة ال��تي يطلبه��ا الإنس��ان بالأص��الة هي الل��ذة ال��تي يملكه��ا الكم��ال الحقيقي، في حين تمتل��ك س��ائر المقدمات لذات فرعية نسبية، ذلك أننا قلن��ا آنف��hا أن الل��ذة الأص��يلة

هي تلك التي تحصل من الوصول للمطلوب الأصيل. وعلي��ه، فمعرف��ة الكم��ال الحقيقي تس��تلزم معرف��ة اللذي��ذ الأص��يل، وكذلك العكس حيث تتطلب معرفة اللذي��ذ الأص��يل معرف��ة الكم��ال الحقيقي. ولأن اللذيذ الأصيل يملك أسمى لذة ممكنة للإنسان، ف��إن معرفة اللذي��ذ الأص��يل تلازم معرف��ة الش��يء ال��ذي يمكن��ه أن يق��دم للإنسان أكثر اللذات وأسماها وأكثره��ا دوام��hا. ومن هن��ا فل��و عرفن��اا للذة، عرفنا اللذيذ بالأصالة والكم��ال الحقيقي hأكثر الموجودات منح

للإنسان. فينبغي إذhا التأم��ل في حقيق��ة الل��ذة، وس��بب اختلاف مراتبه��ا، لكي

نعرف أسمى اللذات الإنسانية وأشدها دوامhا.ما هي اللذة؟ وما هي أسمى اللذات الإنسانية؟

إن ما نراه في وجودنا ونعبر عنه باللذة هو حالة إدراكية تحصل لديناعند حصولنا على شيء نهواه ونرغب فيه، وذلك حين

56

Page 57: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

نعلم أنه هو المطل��وب كم��ا نعلم ونلتفت إلى حص��وله. إذhا، فإنن��ا لم نكن نعلم بأن ما حصلنا عليه هو المطل��وب، ف��إن ه��ذا الحص��ول لن يترك لذة في وجودنا، وكذلك إذا لم نكن نعلم بحص��وله ل��دينا، فإنن��ا

لن نلتذ بشيء. وعليه، فحصول الل��ذة يتوق��ف -بالإض��افة لوج��ود الش�يء المطل��وب والشخص الملتذ- على امتلاك قوة إدراكية خاصة يمكن أن يدرك ب�ه حصول الش��يء المطل��وب، وك��ذلك يتوق��ف على معرف��ة المطل��وب والالتفات لحص��وله. أم��ا الم��راتب المختلف��ة لل��ذة، فهي ترتب��ط إم��ا

بالقوة المدركة، أو بنوع المطلوبية، أو بالتفات الإنسان إليها. فمن الممكن أن يكون التذاذ شخص من أكلة معينة أك��ثر من��ه ل��دى شخص آخر؛ وذلك لأن الحاسة الذائقة لديه أقوى وأكثر سلامة. كم��ا��hا لدي��ه يمكن أن يلتذ إنسان بطعام أكثر من غ��يره؛ لأن��ه ك��ان مرغوب أكثر. وقد يكون التذاذ شخص ما بطع��ام معين ح��ال التفات��ه الكام�ل أكثر منه حال فق��دان ه��ذا الالتف��ات وتوجه��ه للأش��ياء الأخ��رى. وق��د يختل��ف الت��ذاذ تلمي��ذين بمعرف��ة معين��ة مختلف��ة، نتيج��ة اختلاف تصورهما عن ه��ذه المعرف��ة المعين��ة وض��رورتها وم��دى تأثيره��ا في

كمال الإنسان وصلاحه. كما أنه من الواضح أن دوام الل��ذة مرتب��ط ب��دوام ظ��روف تحققه��ا،��ر ��ة أو تغي ��ر حال��ة المطلوبي فإذا فنيت ذات الشيء المطلوب، أو تغي تصور الشخص، أو اختلفت حالة التوجه إليها، فإن الل��ذة المفروض��ة

سوف تتغير بلا ريب.

57

Page 58: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وه��ذا التع��دد ال��ذي نلاحظ��ه بين ال��ذات الملت��ذة والش��يء اللذي��ذ وشرائط حصول اللذة نجده في عموم اللذات المتعارفة؛ لكننا قد لا نجد هذا التعدد في حقيقة اللذة في موارد أخرى؛ فنستعين بنوع من التحليل المفهومي حتى يمكننا استعمال كلمة »اللذة« فيها، وهذا ما

نجده في موردي »العلم« و»الحب«.، يل��زم لكي يحص��ل العلم أن تك��ون هن��اك ذات عالم��ة وش��يء hفمثلا معلوم وصفة للعالم تدعى »العلم«؛ لكن المعنى التحليلي لذلك ه��و ال����ذي يمكن أن يص����دق في م����ورد »العلم الحض����وري« للنفس��ه لا يوج��د أي بوجودها، أو علم الله -تعالى- بذاته، على الرغم من أن

تعدد في البين بين العلم والعالم والمعلوم.��ة ��ه يس��تلزم ف��رض ذات محب وكذلك المفهوم المتع��ارف للحب، فإن وشيء محبوب وحالة حب؛ لكنه في مورد حب الذات لا يوج��د مث��ل

هذا التعدد الخارجي. على هذا، يمكننا أن نجد مصاديق للذة لا تحتاج إلى التعدد الم��ذكور، فمثلاh يمكننا أن نقول في المجال الإلهي إن الذات المقدس��ة ملت��ذة��ر في ه��ذا الم��ورد من ذاته��ا ب��ذاتها وإن رجح بعض العلم��اء أن نعب بالبهجة ب��دلاh من الل��ذة. وك��ذلك الأم��ر في المج��ال الإنس��اني، فإن��ه يمكن القول بأن الإنسان يلتذ بوجوده، بل إن ذاته هي أحب الأش��ياء إليه، فإن اللذة ال��تي تحص��ل لدي��ه من مش��اهدة ذات��ه م��ع الالتف��ات

لمطلوبيتها هي أكبر من أي لذة أخرى، بل إن كل

58

Page 59: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

اللذات الأخرى هي ظلال من اللذة التي تحصل لدي��ه بوج�وده؛ لأنه�ا تحص��ل على أس��اس الوص��ول إلى ش��أن من ش��ؤونه، وكم��ال من

كمالاته. أم��ا م��ا ن��راه من ع��دم الالت��ذاذ في الح��الات المتعارف��ة، فه��و على أس��اس ع��دم الالتف��ات. وم��تى م��ا توج��ه إلى ذات��ه بش��كل كام��ل،��ة كالأخط��ار وانصرف عن الأشياء الأخرى على أثر العوام��ل الخارجي الكبرى، أو على أثر الرياضة النفسية وتمركز الإدراك، فإنه ستحصل��ه ص��در حكم بإع��دام ش��خص، ��ة بلا ريب. فل��و أن لديه لذة غ��ير عادي وبش��كل ق��اطع لا يقب��ل النقض، ثم التفت إلى انتف��اء الحكم، فإن��ه

ستحصل لديه لذة لا تقبل المقارنة إلى أي لذة أخرى. ومن الط��بيعي أن الل��ذة في ه��ذا المث��ال، وإن ك��انت ترتب��ط بع��ودة الحياة الدنيوية بعد اليأس منه��ا، ولكنه��ا من زاوي��ة توض��يحها لش��وق

الإنسان إلى الحياة والالتذاذ بوجوده مفيدة لبحثنا هنا. والحاصل، أن اللذة التي تحصل لدى الإنسان إما أن تكون نابعة من وجوده، أو من كماله، أو من الموجودات التي يحتاج إليها ويرتبط بها بنحو من أنحاء الارتباط الوجودي. فإذا استطاع أن ينظر إلى وجوده��ه وج��ود تعلقي يرتب��ط بموج��ود تنتهي إلي��ه ك��ل على أس��اس أن��hا للإنس��ان عن أي الارتباطات والتعلقات؛ إذ يكون الارتب��اط ب��ه مغني��ه حينئ��ذ سيحص��ل على أس��مى الل��ذات. وإذا نظ��ر إلى ش��يء، فإن��ه التعل��ق نفس��ه ب��ه ولم ي��ر ل��ه أي اس��تقلالية عن��ه، وج��وده على أن فسوف تحصل لديه اللذة الاستقلالية من ذل��ك الموج��ود. على ه��ذا،

فإن المطلوب

59

Page 60: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الحقيقي للإنسان، والذي يلتذ منه أسمى اللذات، ه��و موج��ود يق��وم به وجود الإنسان؛ فيكون وجود الإنسان عين الربط والتعلق به، وإن اللذة الأصيلة تحصل له من مشاهدة ارتباطه به، أو مش��اهدة نفس��ه ح��ال كونه��ا متعلق��ة وقائم��ة ب��ه، أو هي في الحقيق��ة تحص��ل من

مشاهدة إشعاع من جماله وجلاله -تعالى-.

ذروة الميول وغاية الآمال النتيج��ة ال��تي تحص��ل ع��بر الت��أملات الماض��ية هي أن م��دى المي��ول الفطرية الإنس�انية يمت��د إلى اللانهاي�ة، فلا يع��رف أي منه��ا ح��د|ا، ولا يقتضي أي محدودية أو توقف في مرتبة معينة، بل إنها جميعhا تسوقhالإنسان نحو اللانهاي��ة. ه��ذا من خ��واص الإنس��ان ال��ذي يمل��ك مي��ولا ورغبات غير محدودة، ولا يقتنع بسعادة مؤقتة مح��دودة. والواق��ع أن��ة في المي��ول الإنس��انية أم��ر يقبل��ه ح��تى ه��ذه الخاص��ية اللانهائي الفلاسفة غير الإلهيين، بل تعد من أهم المميزات الأساسية للإنسان

عن الحيوان. يق��ول راس��ل: »إن أهم أنم��اط التف��اوت الرئيس��ية بين الإنس��ان��ة- غ��ير والحيوان هي أن المي��ول البش��رية -خلاف��hا للرغب��ات الحيواني

.1محدودة، ولا يتيسر إرضاؤها بشكل كامل« على ال��رغم من أن ه��ذه المي��ول تتعل��ق ب��أمور مختلف��ة، لكنه��ا في

النهاية ترتبط وتلتحم في ما بينها، ويتلخص الإشباع النهائي في

.19 القدرة، ص160

Page 61: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

شيء واحد هو عبارة عن الارتب��اط ب��المنبع المطل��ق للعلم والق��درة والجمال والكمال. وهذه هي خاصية مراتب الوجود، فإنه مهما اشتد وقوي وتكامل اتجه نحو الوحدة والبساطة، وذلك ك��القوى الإنس��انية المتفرقة في مقام تعلقها بالبدن والمتحدة في حق النفس؛ إذ تكون النفس في حال وحدتها وبساطتها واحدة لكمالات الق��وى الإنس��انية

كلها. ومن هنا يعبر الفلاسفة عن ذلك بقولهم: »والنفس في وح��دتها ك��ل

القوى«. وهكذا، فإن ما يطلبه أي من الميول الفطرية -الذي يمت��د م��داه من جهة باتجاه اللانهاية؛ حيث يتحد هناك مع سائر المطلوب��ات- ه��و في الحقيقة شيء واحد ينظر إليه من زواي��ا نظ��ر مختلف��ة، ويبحث عن��ه من جه��ات ش��تى، وه��و عب��ارة عن الارتب��اط ب��الموجود المطل��ق

اللانهائي الكامل؛ أي القرب من الله -تعالى-. وفي مثل هذا المقام، يجد الإنسان ارتباطه الكام��ل بالخ��الق، ويج��د نفسه متعلقhا ومرتبطhا به، بل يجدها عين التعلق والربط، ولا يجد أي ن��وع من الاس��تقلال والاس��تغناء. وفي ه��ذه المرتب��ة بال��ذات، يج��د��ة المقدس��ة، ويحص��ل ل��ه علم الأش��ياء كله��ا قائم��ة بال��ذات الإلهي حضوري بحقائق الوجود، وينعم وفق اس��تعداده الوج��ودي من أن��وار الجم��ال والجلال الإلهي، ويش��بع ميل��ه الفط��ري بمعرف��ة حق��ائق

الوجود.

61

Page 62: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

كذلك، فإنه في هذه المرتبة التي ينفذ من خلاله��ا إلى منب��ع الق��درة اللانهائية، وتبعhا لارتباطه به، يمكنه القيام ب��أي عم��ل يق��ع في دائ��رة

إرادته، فيمكنه حينئذ إشباع ميله الفطري للقدرة. ك��ذلك يس��تطيع في ه��ذه المرتب��ة أن يحص��ل على أس��مى درج��ات الحب لأسمى المحبوبين، وين��ال نهاي��ة الق��رب والوص��ول والارتب��اط��ه يش��اهد قرب��ه وارتباط��ه ب�أروع وض��وح، الحقيقي به. بتعبير آخر، إن

وهو كذلك ينال أفضل اللذات وأدومها.﴾في مقعد صدق عند ملي مقتدر ر� ﴿1.

��ة الإنس��انية ال�تي تنب��ع من الخاص��ية طبقhا لهذا، فإن المي��ول الفطري��ة ل��ه؛ ه��ذه الإنسانية، وهي مقتضى الفعلية الأخيرة والص��ورة النوعي الميول كلها تسوقه نحو اللانهاية، ولا تشبع بالكامل إلا بالوصول إلى

مقام القرب الإلهي والارتباط بالعالم الأبدي. فالكمال الحقيقي للإنسان هو مقام القرب للباري -جل وعلا- نفسه.��ة، فكله��ا مق��دمات ووس��ائل ��ة والروحي أم��ا س��ائر الكم��الات البدني للوص��ول لمث��ل ه��ذا المق��ام؛ إذ يس��تفاد منه��ا بمق��دار تأثيره��ا في الوصول إلى الكمال الحقيقي -طبقhا للمقياس الذي تحدثنا عنه آنفhا- وليس أي منها ح��تى أس��ماها وألطفه��ا يع��د من الكم��الات الإنس��انية

الأصيلة، وإن كانت مما يميز الإنسان، فلا نجدها عند الحيوان.

.55 سورة القمر، الآية 162

Page 63: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

hا إذا بعبارة أخرى، إن الإنس��ان إنم��ا يص��بح -حقيق��ة وبالفع��ل- إنس��ان استطاع أن يعبر المرتبة الحيوانية ليخطو في س��بيل الق��رب الإلهي. أما قبل أن يخطو في هذا الطريق، فهو إما إنسان ب��القوة إن ك��انت استعدادات الوصول إلى هذا المق��ام في��ه محفوظ��ة، أو ه��و س��اقط بشكل كامل ومع��دود من الحيوان��ات، أو أض��ل منه��ا إن ك��انت ه��ذه

الاستعدادات قد انتفت من وجوده بسوء اختياره.��ة ومن هن��ا، نج��د الق��رآن الك��ريم يع��د الك��افرين ال��ذين فق��دوا قابلي

لــدوآبالإيمان والعبودية شر الدواب وأضل من الأنعام: ٱإن شر ﴿ لذين كفروا فهم لا يؤمنون لله ﴾عند ٱ ، ويقول في آية أخرى:1ٱ

لذين لا يعقلــون لبكم م لصــ لله لــدوآب عنــد ر ﴾إن شــ ٱ ٱ ٱ ٱ ٱ ﴿2، لأنعم بل هم أضل أولئكويقول في سورة الأعراف: ٱأولئك ك ﴿

لغفلون ﴾هم .3ٱهل يمكن إشباع الميول الفطرية بشكل كامل؟

��ه وإن ك��انت المي��ول هنا يمكن أن تثور شبهة في الذهن حاص��لها: أن��ة تتج��ه نح��و اللانهاي��ة، ولكن أنى لن��ا أن نع��رف أن الإش��باع الفطريا م��ع الالتف��ات إلى أن hالكام��ل له��ا أم��ر ممكن الحص��ول؟ خصوص�� الإنسان نفسه موجود ضعيف له قدرات طبيعية واكتسابية مح��دودة،ع لا ب��د أن تتن��اهى من حيث الزم��ان، وهي مهم��ا ق��در ل��ه من توس��

وتفنى بالتالي عند الموت.

.55 سورة الأنفال، الآية 1.22 سورة الأنفال، الآية 2.179 سورة الأعراف، الآية 3

63

Page 64: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وحل هذه الش��بهة -بالبي��ان ال��ذي يناس��ب ه��ذا البحث- ه��و أن دلي��ل إمكان مثل هذا الإشباع هو الفطرة نفسها. ذلك أن الميول الفطرية هي من الواقعيات العينية، وهي جزء من قوانين الوجود ونواميس��ه، فهي من قبيل الجاذبيات التي تقوم بنفس��ها دليلاh على وج��ود الق��وة الجاذبة، لا من قبيل الصور الذهنية التي تحصل بواسطة الحواس أو��ة نس��بة الكاش��ف القوى الذهنية، وتكون نس�بتها إلى الحق��ائق العيني

إلى المنكشف؛ ليأتي فيها احتمال المخالفة للواقع.��ة أما مسألة محدودية القوى الإنس��انية وانتهائه��ا ب��الموت، فهي مبني��ة، وكلا ه��ذين على أص��الة الم��ادة وانحص��ار الحي��اة بالحي��اة الدنيوي المبدأين يخالفان الفطرة، وإن الميل الفط��ري الإنس��اني للكم��الاتhفوق الطبيعية وللحياة الخالدة هو بنفسه مما يبطلهم��ا ويش��كل دليلا

hا لإثبات ما وراء الطبيعة وإثبات الحياة الأخروية. كافي ومن الطبيعي أن دليل ه��ذا الموض��وع لا ينحص��ر ب��الفطرة، إذ يمكن��ة متع��ددة علي��ه، وه��ا نحن نكتفي بأح��دها إقامة براهين عقلية ونقلي

مشيرين إليه في ما يأتي: إن التأمل في نظام الخلقة يوضح حقيقة مهم��ة هي أن المخلوق��اتا للعق��ول، h��ر من أصغر ذرة فيها إلى أكبر مجرة تتبع نظامhا بديعhا محي وأن بقاء الع��الم وحص��ول الظ��واهر اللامح��دودة رهين به��ذا النظ��ام المتقن المقدر الدقيق. ومهما سمت العلوم، فإنها تستطيع أن تحدد بش��كل أك��بر م��دى العظم��ة في ه��ذا النظ��ام والدق��ة في أس��راره

وحكمه،

64

Page 65: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

رة للإنس��ان إنم��ا نمت في ظ��ل كش��ف ه��ذه وأن الاختراع��ات المحيالأسرار والروابط بين الموجودات.

على هذا، فلا يمكنن��ا أن ننس��ب حص��ول أي ظ��اهرة في الع��الم إلىا لغ��وhا لا فائ��دة في��ه؛ لأن حص��ولها hالص��دفة العمي��اء، ونتص��وره أم��ر معلول لهذا النظام، وهي بدورها جزء منه وقطعة من جه��از الخلق��ة العظيم، ومؤثرة في حركته نحو هدفه وغايته المنشودة. والواق��ع أن

مجرد وجود عنصر لاغ لا فائدة منه يؤدي إلى الفوضى والفساد.ا hا ليس أم��ر h��ة في الإنس��ان أيض�� على هذا، فإن وجود الميول الفطري، بل هو على العكس عامل مهم لرقيه وتكامله ووص��وله hا وباطلاhلغو إلى السعادة. ولو كانت سعادة الإنسان وكماله منحص��رة بالس��عادةا hالمادية المحدودة، فإن وجود الميول اللامحدودة س��وف يص��بح أم�ر

لغوhا بلا فائدة. من هنا، إن إيجاد هذه الميول في أعم��اق الإنس��ان -عن��دما لا يك��ونhا- يشبه هداية الإنسان إلى طريق معين، وإشعاره بأنه إشباعها ممكن�ه يس�تجمع ق��واه كله�ا لطي ه��ذا الطري�ق، طريق طويل بعي��د؛ إذ إن��ه أثن��اء حركت��ه الس��ريعة ويتح��رك نح��و ه��ذا اله��دف الموه��وم، ولكن

يصطدم فجأة بصخرة تعلمه أن الطريق مغلق لا منفذ له. من الطبيعي أن مث��ل ه�ذا الخ��داع لا يناس��ب ش��أن الخ��الق الحكيم،

وإنما هو من عمل الحمقى الذين يلتذون -نتيجة عقدهم النفسية-

65

Page 66: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

بخ��داع الن��اس وع��ذابهم وه��زيمتهم. ف��إذا ب��دا له��ؤلاء المخ��دوعينالسراب راح أولئك الحمقى يضحكون بملء أفواههم من ذلك.

ا خلــقيق��ول الق��رآن الك��ريم: ﴿أو لم يتفكروا في أنفسهم ملحق لأرض ومــا بينهمــا إلا ب وت و م لســ ﴾لله ٱ ٱ ٱ ﴿ويتفكرون، 1ٱ

ــذا بطلا� ــا خلقت هـ ــا مـ لأرض ربنـ وت و م ــ لسـ ــق ٱفي خلـ ٱنك لأرض وما بينهمــا لعبين2﴾سبح ماء و لس وما خلقنا ،﴾ ٱ ٱ ﴿3،

﴾أفحسبتم أنما خلقنكم عبث�ا وأنكم إلينا لا ترجعون ﴿4.

.8 سورة الروم، الآية 1.191 سورة آل عمران، الآية 2.16 سورة الأنبياء، الآية 3.115 سورة المؤمنون، الآية 4

66

Page 67: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الإمكان العقلي للارتباط الواعي بالخالق كانت النتيجة التي خلصنا إليها من تأملاتن��ا الس��ابقة هي أن الإش��باع الكامل للاحتياجات الفطرية الإنسانية لا يحصل إلا في ظل الارتب��اط الكام��ل ال��واعي بمب��دأ الوج��ود. يمكنن��ا أن نثبت إمك��ان مث��ل ه��ذا الارتباط بالبرهان الفلسفي العقلي وملخص��ه أن جمي��ع الموج��ودات لها ارتباط لا ينفصم بخالقها، وإن حقيقة وجودها هي الربط والتعلقا على العلم الحض��وري بحقيقت��ه، وم��ا hب�ه. ولم��ا ك��ان الإنس��ان ق��ادر حقيقته إلا عين الربط بالخ��الق، فه��و ق��ادر على تحقي��ق ارتب��اط واع كامل به. وبعبارة أخرى، نقول: هو ق��ادر على المعرف��ة والمش��اهدة

الواضحة للارتباط الوجودي الكامل بالخالق.��ون أما العلم الحضوري بالنفس، فهو أمر اتفق عليه الفلاس�فة الإلهيية كلهم، فم��تى انص��رف التوج��ه الإنس��اني عن الإدراك��ات الحس��hا والخواطر النفسية، وتركز على الذات، فإن الإنسان سيدركها إدراك

|ا. حضوري

67

Page 68: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا، وإن لم يكن هن�اك التف�ات hيوجد هذا العلم في سائر الح��الات أيض� تفصيلي له على أثر الانشغال بالم��دركات الأخ��رى. ومن هن��ا، يمكن تقويته وإيصاله إلى مرتبة من الوضوح والوعي، ع��بر تقلي��ل المي��ول والتعلقات المادية والتع��ود على النظ��ر إلى النفس، وترك��يز الانتب��اه

نحو الذات. وأما الارتباط الوجودي وتعلق الموجودات بالخالق، فيمكن إثباته من خلال مبادئ الحكمة المتعالية التي بينها المرحوم »صدر المتألهين«؛ إذ أثبت أن للموج��ود م��راتب طويل��ة، وأن الم��راتب الداني��ة حس��ب ترتيبها هي شعاع من المرتب��ة العالي��ة ومعلول��ة ل��ه وقائم��ة ب��ه، وأن العلية الحقيقية لا تعني سوى الربط الوج��ودي، لا بين ش��يئين يوج��د كل منهما بش��كل مس��تقل، إذ والح��ال ه��ذه لا يحت��اج أي منهم��ا في وجوده إلى الآخر، وإنما الربط الوجودي بين ش��يء مس��تقل وش��يء آخر غير مستقل يكون وج��وده عين الرب��ط والتعل��ق بالعل��ة. وعلي��ه،��ة ال��تي هي المفيض��ة فوج��ود المعل��ول بالنس��بة إلى العل��ة الحقيقي للوج��ود علي��ه ليس إلا ارتب��اط المحض والإض��افة الإش��راقية، وإذا

شاهد أحد حقيقته وجدها قائمة بالعلة وشعاعhا منها. على هذا، فلو قام أحد بمشاهدة حقيقته، فسوف يرى نفس��ه قائم��ة ومتعلقة بالخالق، بل يراها عين الربط والتعلق به. ومثل هذه الرؤية��وم المتع��الي؛ لأن إدراك لا تنف��ك عن رؤي��ة إش��عاع من أن��وار القي ارتباط الوج��ود غ��ير المس��تقل لا يمكن من دون إدراك ذي الارتب��اط

والموجود والمستقل القيوم عليه.

68

Page 69: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

»وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظره��ا إلي��ك، حتى تخ��رق أبص��ار القل��وب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتص��ير أرواحن��ا معلق��ة بع��ز

.1قدسك« فمشاهدة حقيقة النفس تواكب المشاهدة الاس��تقلالية للإش��عاع من

��ه« .2نور الجمال والجلال الإلهي: »من عرف نفس��ه، فق��د ع��رف رب وكلما كانت الدائرة الوجودية للنفس أكثر اتس��اعhا، ومرتبته��ا أكم��ل، ورؤيته��ا أعم��ق، والانتب��اه والترك��يز أش��د، كلم��ا ك��ان لإدراك الأن��وار

الإلهية أشد وأوضح. »وألحق���ني بن���ور ع���زك الأبهج، ف���أكون ل���ك عارف���hا وعن س���واك

.3منحرفhا« وبمقدار وض��وح إدراك الإنس��ان لارتباط��ه وع��دم اس��تقلاليته، يك��ون التفات��ه وتوجه��ه إلى ص��احب الرب��ط والموج��ود الأص��يل والمس��تقل أشد، ورشفه من أنوار عظمته أكثر، إلى أن يصل إلى مرتب��ة يك��ون

ا كاملاh لذات الخالق -جلت عظمته-. hومظهر hجلية hفيها مرآة »لا فرق بين��ك وبينه��ا إلا أنهم عب��ادك وخلق��ك، رتقه��ا وفتقه��ا بي��دك،

.4بدؤها منك، وعودها إليك« ومع الحصول على مثل هذا الارتب��اط، ف��إن حاج��ة الإنس��ان لمعرف��ة

الحقيقة والتوافر على القدرة، سوف تشبع إشباعhا تام|ا، وسوف

المناجاة الشعبانية.1.588 الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص2 المناجاة الشعبانية.3 دعاء أيام شهر رجب.4

69

Page 70: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

يحص��ل على أس��مى الل��ذات ع��بر وص��وله إلى مطلوب��ه الحقيقي واكتشاف ارتباطه الوجودي به، وتحص��ل أعلى مراتب��ه عن��دما تف��رغ النفس من تدبير البدن، فلا ترى لها أي التف��ات إلا للب��اري -تع��الى-، ولا تشغلها الشواغل في هذا العالم عن رؤيتها والاستغراق في ه��ذه

الرؤية..1»واقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك«

أبسط السبل أبس��ط الس��بل للاعتق��اد بإمك��ان الارتب��اط بع��الم الق��دس والس��احة الإلهية هو ذلك السبيل الذي هدى الله -تع��الى- عب��اده إلي��ه بوس��يلة��ة، وأتم الحج��ة عليهم: المرسلين، فامتن بذلك على عبادة غاية المن

ل ســ لر ــد ة بع لله حج ــون للناس على ﴾لئلا يك ٱ ٱ . فق��د دع��ا2﴿ الأنبياء جميعhا الناس إلى التقرب من الخ��الق والارتب��اط بمنب��ع العلم والقدرة اللانهائيين ووعدوهم بالوصول إلى النعم الخال��دة، والل��ذات

ا يشاءوناللامنتهية، والحصول على ما تش��تهيه أنفس��هم: ﴿لهم منين لمحســ زآء ــك جــ ﴾عنــد ربهم ذل ا مــا تشــتهيه، 3ٱ ﴿وفيهــ

لأعين ﴾لأنفس وتلـــــذ ٱ ا أخفي لهم من، 4ٱ س�فلا تعلم نف م ﴿ ة أعي ﴿لهم ، 5ر﴾قر

مناجاة الزاهدين.1.165 سورة النساء، الآية 2.34 سورة الزمر، الآية 3.71 سورة الزخرف، الآية 4.17 سورة السجدة، الآية 5

70

Page 71: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا ولــدينا مزيــ اءون فيهــ ا يشــ لذي، 1س�﴾م لحمــد لله الوا ٱوقــ ٱ ﴿ لجنة حيث نشاءۥصدقنا وعده أ من لأرض نتبو ﴾ وأورثنا ٱ .2ٱ

��د ه��ذه الميزة الرئيسة لدعوتهم على دع��وات س��ائر المص�لحين تؤك الحقيقة، وهي أن هذه الحياة المحدودة العابرة ليس��ت آخ��ر مرحل��ة من مراحل الحياة الإنسانية، بل هي مقدمة للحصول على الس��عادة

ــوةالأبدية، وجسر للوصول إلى الع��الم الأب��دي لحي ــؤثرون ٱبل ت ﴿ ــدنيا ي وأبقى ١٦ٱل ــ رة خ ــ لأخ س� و حف١٧ٱ ــ لص ــذا لفي ٱ إن ههيم وموسى١٨ٱلأولى .3﴾ صحف إبر

كما أن السبب الرئيس لرفض الكافرين لدعوة الأنبي��اء ه��و اس��تبعادهذه الحقيقة:

قتم لذين كفروا هل ندلكم على رج ينبئكم إذا مز ر�وقال ٱ ﴿ ق إنكم لفي خل جديد ــذبا أم٧ر كل ممز لله ك ٱ أفترى على

لل جنةۦبه لضــ لعــذاب و لأخرة في لذين لا يؤمنــون ب ٱ بــل ٱ ٱ ٱ﴾لبعيد .4ٱ

لذين كفروا أن لن يبعثوا قــل بلى وربي لتبعثن ثم ٱزعم ﴿ ي ــ لله يس س�لتنبؤن بما عملتم وذلك على ــوم يجمعكم 5﴾٧ٱ ﴿ي

ا لح� لله ويعمل ص لتغابن ومن يؤمن ب لجمع ذلك يوم ٱليوم ٱ ٱي اته ــه ســ ر عن رۦيكف ــ لأنه ا ــه جن تجــري من تحتهــ ٱ ويدخل ر�

لعظيم لفوز لدين فيها أبد�ا ذلك ٱخ ٩ٱ

.35 سورة ق، الآية 1.74 سورة الزمر، الآية 2.19 - 16 سورة الأعلى، الآيات 3.8 و 7 سورة سبأ، الآيتان 4.7 سورة التغابن، الآية 5

71

Page 72: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

لدين فيها لنار خ ب لذين كفروا وكذبوا ب ايتنا أولئك أصح ٱو ٱلمصير .1﴾١٠ٱوبئس

ا م� ا وصـ ا وبكم�ـ لقيمة على وجوههم عمي�ـ ٱونحشرهم يوم ﴿ ا عير� أوىهم جهنم كلما خبت زدنهم ســ زآؤهم٩٧م ــك جــ ذل

ــا أءنا ت ــا ورف الوا أءذا كنا عظم� ــ ــا وق روا ب ايتن ــ ــأنهم كف با جديــدا ــق۞ ٩٨لمبعوثون خلق� لذي خل لله ــروا أن ٱأو لم ي ٱ

ــق مثلهم وجعــل لهم ادر على أن يخل لأرض قــ وت و م ٱلســ ٱا لظلمون إلا كفور� ﴾أجلا� لا ريب فيه فأبى .2ٱ

ا من hلم يكتف رسل الله بالدعوة والوعد والوعيد، وإنما عرضوا آث��ار الارتباط بالعالم الربوبي والمنبع اللانهائي للعلم والقدرة ب��إذن الل��ه؛ ليعلم الجميع أن السبيل لكسب العلم والق��درة لا ينحص��ر بالأس��باب المادية المحدودة، وأن الاستفادة من العلوم الإلهية والقدرات ف��وق

الطبيعية أمر ممكن للإنسان.��اني، وتلقي العل��وم وق��د أثبت الأنبي��اء إمك��ان الارتب��اط بالع��الم الرب��ة، دنية عبر أخبارهم بالمغيبات، وكش��فهم للأس��رار الخفي الغيبية والل

وبيانهم للعلوم والحكم دونما دراسة منهم وتعلم.لأسماء كلها ﴾وعلم ءادم ٱ ﴿3.

ا ﴾وعلمنه من لدنا علم� ﴿4.

.10و9 سورة التغابن، الآيتان 1.99 - 97 سورة الإسراء، الآيات 2.31 سورة البقرة، الآية 3.65 سورة الكهف، الآية 4

72

Page 73: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

لحكم صبي�ا ﴾وءاتينه ٱ ﴿1.بي�ا لمهــد صــ ٱقالوا كيــف نكلم من كـاـن في قــال إني٢٩﴿

لكتب وجعلني نبي�ا لله ءاتىني ﴾عبد ٱ .2ٱ﴾وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ﴿3.

لطير وأوتينا من كل شيء ﴾علمنا منطق ٱ ﴿4.ا ا وعلم� ﴾وكلاª ءاتينا حكم� ﴿5.

الق���رآن نفس���ه ف���وق ك���ل ذل���ك؛ إذ ه���و معج���زة خال���دة لن���بي )صلى الله عليه وآله(، نزل على فرد أمي عاش في مجتمع الإسلام

��اهم أن ي��أتوا hا إي متخلف، ودعا الجن والإنس -منذ بدء نزوله- متح��دي بسورة من مثله، ونحن نعلم أنه مع كثرة الدواعي لمثل ه��ذا العم�لبؤ القرآن لم تتحقق أي معارضة للقرآن، ولن تتحقق مطلقhا طبقhا لتن

الكريم. كما أن الأنبياء، بقي��امهم بالأعم��ال الخارق��ة للع��ادة وانتص��ارهم على��ة، ��ة، أثبت��وا عملاh إمك��ان الخلاص من القي��ود المادي الق��وى الطبيعي

والحصول على قدرة لا تقهر.��ة من قلب الجب��ل بواس��طة الن��بي ص��الح )علي��ه فخروج الناقة الحي الس��لام(، وخلاص إب��راهيم )علي��ه الس��لام( من الن��ار الك��برى ال��تي أوق��دها نم��رود، وتح��ول عص��ا موس��ى إلى ثعب��ان وانفلاق البح��ر،

hا وجريان اثنتي عشرة عين

.12 سورة مريم، الآية 1.30 و 29 سورة مريم، الآيتان 2.49 سورة آل عمران، الآية 3.16 سورة النمل، الآية 4.79 سورة الأنبياء، الآية 5

73

Page 74: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

من الحج��ارة بواس��طة موس��ى )علي��ه الس��لام(، وش��فاء الأكم��ه والأبرص وإحياء الموتى بواسطة عيس��ى )علي��ه الس��لام(، وتس��خير القوى المحسوسة وغير المحسوسة لسليمان )علي��ه الس��لام(؛ هي كله��ا نم��اذج من الأعم��ال الخارق��ة للع��ادة ال��تي حص��لت على أي��دي الأنبي��اء، وحتى الكث��ير من أتب��اعهم الص��ادقين بمث��ل ه��ذه العل��وم والقدرات. وقد جاء في حديث قدسي: »عبدي أطع��ني حتى أجعل��ك��ا أق��ول للش��يء كن فيك��ون، أجعل��ك تق��ول للش��يء كن مثلي؛ أن

.1فيكون« وإذا حاولنا أن نجمع الكرامات الثابتة بالنقل الصحيح والمتواتر، ف��إن

ذلك سيتطلب منا مجلدات ضخمة بلا ريب.ا ينك��رون -بك��ل ج��رأة hومع هذا كله، فهل من الصحيح أن نج��د أناس�� وإغماض عن الحق- وجود عالم ما وراء الطبيعة، أو إمكان الارتب��اط

به، ويمنعون الناس عن السير في هذا السبيل؟ الحقيقة، أنه حتى لو عدمنا مث��ل ه�ذا المع�اجز والآي�ات البين�ة، ك�ان��ق نظم الأنبي��اء، الأحرى بالبشرية -ولو على س��بيل التجرب��ة- أن تطب��ة؛ ذل��ك لأن ��ة والمعنوي ثم تقوم الآثار الكبرى لها في سعادتها المادي أهمية الأمر هي بحيث ترخص كل تضحية في سبيل تحققه، خصوصhا إذا لاحظنا أن إج��راء ش��ريعة الأنبي��اء ليس مم��ا يس��تلزم ت��رك النعم���ة، ب���ل هي تض���من الس���عادة والراح���ة ���ة والدنيوي واللذائ��ذ الماديوالطمأنينة في هذا العالم أيضhا. ولقد وجد من بين الأنبياء وأتباعهم

. وفيه: »عبدي أطعني حتى أجعلك169، ص102 راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1مثلي؛ أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون«.

74

Page 75: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

�ة أك��ثر مم��ا تنعم ب�ه أه��ل ال�دنيا وعبي�د أناس تنعم�وا ب�النعم الدنيويالمادة.

ألا يدفعنا إصرار جمي��ع الأنبي��اء )عليهم الس��لام( بص��دق وتأكي��د على هذا الأمر والتض��حيات ال��تي لا نظ��ير له��ا ال��تي ق��دموها وأوص��ياؤهم وأتب��اعهم الص��ادقون في س��بيل إعلائ��ه، ألا ي��دفعنا لاحتم��ال ص��دق

مدعاهم؟ إن الإنصاف يؤكد ذلك بوضوح.��ة وهل تقل قيمة مثل هذه الحقيقة عن قيمة كشف الأسرار الطبيعي وتسخير الفضاء؟ كيف يعد تحمل المصاعب والمشاق وب��ذل الق��وىا h��ة أم��ر الطبيعية والإنسانية التي لا تعد في سبيل الاكتشافات العلمي وجيه��hا يقب��ل الثن��اء، ولا يس��تحق الارتب��اط ب��المنبع اللانه��ائي للق��درةhا والعلم والوصول إلى السعادة الخالدة، أن نص��رف في س��بيله ش��يئ

من ذلك؟

شواهد من الآيات والروايات��ده الكت��اب هذا الذي استفدناه من المقدمات الوجدانية والعقلية يؤي والسنة، وقد أشرنا في بعض الموارد إلى الشواهد النقلية، وها نحن

نذكر نماذج أخرى من الآيات والأخبار.��ه، وأن إن القرآن الكريم يؤكد على أن الإنس��ان يع��رف الل��ه بفطرت��hا واع��ترفوا الن��اس كلهم في نش��أة من وج��ودهم رأوا خ��القهم عيان

﴾ألست بربكم قالوا بلىبربوبيته: ، وأن الحياة في ه��ذا الع��الم1﴿إنما

.172 سورة الأعراف، الآية 175

Page 76: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

هي للعمل بمقتضى عهد العبودية. ويحصل تقويم مقدار وفاء الناس بعهدهم وميث��اقهم الفط��ري، وبالت��الي تك��املهم الاختي��اري بواس��طة

�����ة لل�����ه: لإنس إلاالطاع�����ة والعبودي لجن و ٱومــــا خلقت ٱ ﴿ .1﴾ليعبدون

وليحصل هذا التقويم، فإن ثمة ظروفhا مختلفة ليختار كل سبيله بكل﴾ليبلوكم أيكم أحسن عملا�حرية: ﴿2.

عبر السبل المعوجة والمنحرفة، وفي خضم الحياة ومش��كلاتها، فلن���ون ربهم، يص���ل إلى الس��بيل الأق���وم الآمن إلا أولئ���ك ال���ذين يحب

ويلجؤون إليه، ويبتغون مرضاته ويريدون وجهه: لذين ءامنوا أشد حب�ا لله ﴾و ٱ ﴿3،

لله تبعوني يحببكم لله ف ﴾قل إن كنتم تحبون ٱ ٱ ٱ ﴿4،نه تبع رضو لله من ٱيهدي به ٱ نۥ﴿ لم ويخــرجهم م لســ ٱ سبل

لنور بإذنه ت إلى ٱلظلم ر�﴾ ويهديهم إلى صر مستقيۦٱ ،5ر�كۥ﴿ومن يســلم وجهه ستمســ د لله وهــو محســ فقــ ٱ إلى س ٱ

لوثقى لعروة ﴾ب ٱ ،6ٱموا به عتصـــ لله و لذين ءامنـــوا ب ا ٱفأم ٱ ٱ يدخلهم فيۦ﴿ فســـ

ا ط�ا مستقيم� نه وفض ويهديهم إليه صر ﴾رحم م ر� .7ر�

.56 سورة الذاريات، الآية 1.2. سورة الملك، الآية 7 سورة هود، الآية 2.165 سورة البقرة، الآية 3.31 سورة آل عمران، الآية 4.16 سورة المائدة، الآية 5.22 سورة لقمان، الآية 6.175 سورة النساء، الآية 7

76

Page 77: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

هؤلاء سينالون كذلك جوار رحمة ربهم، ومق��ام الق��رب الإلهي، عن��دلقاء الحبيب.

لمطمئنة لنفس ا ــ ــ ــ ٱيأيته ٱ ية٢٧�﴿ ــ ــ ــ رجعي إلى ربك راض ٱ دخلي في عبدي ٢٨مرضية� دخلي جنتي٢٩ٱ ف ﴾ و ،1ٱ

﴾في مقعد صدق عند ملي مقتدر ر� ﴿2 ،ر�وجو يومئ ناضرة س� .3س�﴾ إلى ربها ناظر٢٢﴿

��ة الآخ��رين أما أولئك الذين تعلقت قلوبهم بزينة الدنيا، ورجحت محب�ون �ة الل��ه، فلا ش�وق لهم إلى رحمت��ه، فس��وف يبتل لديهم على محب

بعذاب أليم لا نهاية له، ويحرمون من وصل محبوبهم الفطري. أنوا طمــ لــدنيا و لحيوة لذين لا يرجون لقاءنا ورضوا ب ٱإن ٱ ٱ ٱ ﴿

لذين هم عن ءايتنا غفلون لنار بما٧ٱبها و ٱ أولئك مأوىهم .4﴾كانوا يكسبون

نكم وأزوجكم ــو ــاؤكم وإخـ ــاؤكم وأبنـ اـن ءابـ ــ ــل إن ك ﴿قـادها ون كسـ ر تخشـ قترفتموهـا وتجـ يرتكم وأمـول س�وعشـ ٱ

لله ورسوله ن كن ترضونها أحب إليكم م ر� وجها فيۦٱومسلله بأمرهۦسبيله .5﴾ۦٱ فتربصوا حتى يأتي

بهم يومئ لمحجوبون ﴾كلا إنهم عن ر ر� ﴿6.

.30 - 27 سورة الفجر، الآيات 1.55 سورة القمر، الآية 2.23 و 22 سورة القيامة، الآيتان 3.8 و 7 سورة يونس، الآيتان 4.24 سورة التوبة، الآية 5.15 سورة المطففين، الآية 6

77

Page 78: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

�ة وأخب��ار أه�ل بيت الرس�الة )س�لام الل�ه توج�د في الأح�اديث النبويا ش��واهد كث��يرة. نج��د نم��اذج منه��ا في بعض hعليهم أجمعين( أيض�� الأحاديث القدسية، وأخبار مناجاتهم وأدعيتهم )عليهم الس��لام(، من�hا الن�بي )ص�لى الل�ه علي�ه مثل: ما ج�اء في ح�ديث المع�راج مخاطبا لا hوآل��ه(: »فمن عم��ل برض��اي ألزم��ه ثلاث خص��ال: أعرف��ه ش��كر ��ة لا ي��ؤثر على ا لا يخالط��ه النس��يان، ومحب hيخالط��ه الجه��ل، وذك��ر ��ني أحببت��ه، وحببت��ه إلى خلقي، ��ة المخل��وقين. ف��إذا أحب ��تي محب محبة وأفتح عين قلب��ه إلى جلالي وعظم��تي، فلا أخفي علي��ه علم خاص�� خلقي، فأناجيه في ظلم الليل ون��ور النه��ار، حتى ينقط��ع حديث��ه م��ع المخل���وقين ومجالس���ته معهم، وأس���معه كلامي وكلام ملائك���تي، وأعرفه سري الذي سترته عن خلقي... ولأستغرقن عقله بمعرفتي، ولأق��ومن ل��ه مق��ام عقل��ه... فتق��ول ال��روح: إلهي، عرفت��ني نفس��ك فاستغنيت بها عن جميع خلقك. وعزتك وجلالك، لو ك��ان رض��اك فيhا أو أقتل سبعين قتل��ة بأش��د م��ا يقت��ل ب�ه الن��اس لك��ان أن أقطع إرب رضاك أحب إلي... وأفتح عين قلبه وسمعه حتى يس��مع بقلب��ه م��ني

وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي...ماء والأرض، ويص��وم ص��يام يا أحمد، لو صلى العبد ص��لاة أه��ل الس�� أهل السماء والأرض، وطوى من الطعام مثل الملائكة، ولبس لباس العاري، ثم أرى في قلبه من حب ال��دنيا ذرة أو س��معتها أو رياس��تها��تي، أو صيتها أو زينتها، لا يجاورني في داري، ولأنزعن من قلب��ه محب ولأظلمن قلبه حتى ينساني، ولا أذيقه حلاوة معرفتي وعليك سلامي

.1ورحمتي«

.147، ص26 راجع: الفيض الكاشاني، الوافي، ج178

Page 79: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وفي حديث آخر يقول: »إن الله -ج��ل جلال��ه- ق��ال: م��ا يتق��رب إلي��ه ليتق��رب عبد من عبادي بشيء أحب إلي مم��ا افترض��ت علي��ه. وإن��ه، ف��إذا أحببت��ه كنت س��معه ال��ذي يس��مع ب��ه، إلي بالنافلة ح��تى أحب وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها،

.1إن دعاني أحببته، وإن سألني أعطيته« وفي حديث آخر يقول: »يابن آدم، أنا غني لا أفتق��ر، أطع��ني في م��ا|ا لا تفتقر. يابن آدم، أن��ا حي لا أم��وت، أطع��ني في أمرتك أجعلك غني|ا لا تم��وت. ي��ابن آدم، أن��ا أق��ول للش��يء كن م��ا أمرت��ك أجعل��ك حي

.2فيكون، أطعني في ما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون« يقول أمير المؤمنين )عليه السلام( في مناجاة شهر شعبان تض��رعhا إلى ربه: »واجعل هم��تي إلى روح نج��اح أس��مائك ومح��ل قدس��ك... إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبن��ا بض��ياء نظره��ا إلي��ك، حتى تخ��رق أبص��ار القل��وب حجب الن��ور، فتص��ل إلى مع��دن العظمة وتصير أرواحنا معلق��ة بع��ز قدس��ك... وألحق��ني بن��ور ع��زك

الأبهج، فأكون لك عارفhا وعن سواك منحرفhا...«. وفي دعاء كميل، يقول الإمام علي )عليه السلام( متضرعhا إلى اللهبر على فراق��ك؟ وهبني ��ف أص�� برت على ع��ذابك، فكي -تعالى-: »ص��

ظر إلى كرامتك؟«. صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن الن

، وكذلك في الوسائل ومحاسن البرقي.352، ص2 الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج1.291 ابن فهد، عدة الداعي، ص2

79

Page 80: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

hا إلا ورأيت الل��ه وقد روي عنه )عليه السلام( قوله: »م��ا رأيت ش��يئ.1قبله«

.2وفي جواب من سأله: هل رأيت ربك؟ قال: »أفأعبد ما لا أرى«��ه في ي��وم ويدعو الإمام الحسين س��يد الش��هداء )علي��ه الس��لام( رب��اختلاف الآث��ار وتنقلات الأط��وار أن عرف��ة، فيق��ول: »إلهي علمت بيء، ى لا أجهلك في ش�� ف إلي في كل شيء حت ي أن تتعر مرادك من��ك بخدم��ة ��وجب بع��د الم��زار ف��اجمعني علي إلهي ترددي في الآث��ار ي��ك؟! توصلني إليك، كيف يستدل عليك بما هو في وج��وده مفتق��ر إليى يكون ه�و المظه�ر ل�ك؟! م�تى أيكون لمن الظهور ما ليس لك حت��ون ى تك ��ك؟! وم��تى بع��دت حت ��دل علي ى تحت��اج إلى دلي��ل ي غبت حت��hا! ��راك عليه��ا رقيب ��ك؟! عميت عين لا ت ل إلي تي توص�� الآث��ار هي ال

hا! ك نصيب وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حب

جوع إلى الآثار؛ فارجعني إليك بكسوة الأنوار وهداية إلهي أمرت بالرر ى أرجع إليك منها كما دخلت إليك منها، مصون الس�� الاستبصار، حتمني ظر إليه��ا، ومرف��وع الهمة عن الاعتم��اد عليه��ا... إلهي عل عن الني بسترك المصون، إلهي حققني بحق��ائق من علمك المخزون، وصن��دبيرك لي أهل القرب واسلك بي مسلك أهل الجذب، إلهي أغنني بت��وار في ذي أشرقت الأن عن تدبيري وباختيارك عن اختياري... أنت الذي أزلت الأغي��ار عن ى عرف��وك ووحدوك، وأنت ال قلوب أوليائك حت

وا سواك ولم ى لم يحب ائك حت قلوب أحب

.98، ص3 المازندراني، شرح أصول الكافي، ج1.281، ص69 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2

80

Page 81: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

تهم الع��والم، وأنت يلجؤوا إلى غيرك، أنت المونس لهم حيث أوحش��ذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم، ماذا وجد من فقدك؟! وما ال

ذي فقد من وجدك؟! ال... h��ك متح��ولا ر من بغى عن لقد خاب من رضي دونك بدلاh ولق��د خس����ل ى أقب ك حت ��ك واج��ذبني بمن ل إلي ى أص�� ��ك حت إلهي اطلبني برحمتفت إلي ذي تع��ر فت لكل شيء فما جهلك شيء وأنت ال عليك... تعر��ل يء وأنت الظاهر لك ��ل ش�� ا في ك h��ك ظ��اهر يء فرأيت ��ل ش�� في ك

شيء«. ويق�ول الإم��ام زين العاب�دين )علي��ه الس��لام( في مناج��اة الخ��ائفين

متضرعhا إلى ربه:ظر إلى جميل رؤيتك«. »ولا تحجب مشتاقيك عن الن

ك ��أنوار قدس�� بحات وجه��ك وب ألك بس�� وفي مناج��اة الراغ��بين: »أس��ي بم��ا ك أن تحقق ظن ��ر ��ك ولط��ائف ب ��ك بعواط��ف رحمت وأبته��ل إليلفى ��ك وال��ز أؤمله من جزيل إكرامك وجميل إنعامك في الق��ربى من

ظر إليك«. ع بالن مت لديك والترنا وفي مناجاة المريدين: »إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك وسي��ك لا ��رك م��رادي ول ��ك... ف��أنت لا غي في أق��رب الطرق للوف��ود عليي لك م�نى نفس� ة عيني ووص�� هادي ولق��اؤك ق��ر هري وس�� لسواك س��تك ولهي، وإلى هواك صبابتي ورض��اك بغيتي وإليك شوقي وفي محبؤلي... ي��ا نعيمي ��ة س�� ��ك غاي ��ك ح��اجتي وج��وارك طلبي وقرب ورؤيت

تي ويا دنياي وآخرتي«. وجن���ك... طفيته لقرب وفي مناج���اة المحبين: »إلهي فاجعلن���ا ممن اص���

ظر إلى وجهك وحبوته برضاك، وأعذته من هجرك ومنحته بالن

81

Page 82: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ه لمش��اهدتك... دق في ج��وارك... واجتبيت ��ه مقع��د الص�� وقلاك وبوأتظر إليك علي«. وامنن بالن

��وم لقائك �ك ي ظر إلي �الن وفي مناجاة المتوسلين: »وأق��ررت أعينهم بوأورثتهم منازل الصدق في جوارك«.

��وعتي لا لك، ول ده��ا إلا وص�� تي لا يبر وفي مناج��اة المفتق��رين: »وغلظر إلى وجهك، وقراري ه إلا الن يطفيها إلا لقاؤك، وشوقي إليك لا يبل

لا يقر دون دنوي منك... وغمي لا يزيله إلا قربك«.��وبهم أعينهم... وم��ا ظر إلى محب ��الن ت ب وفي مناجاة العارفين: »وقر��ك! فأع��ذنا من ط��ردك رب قرب ك! وم��ا أع��ذب ش�� أطيب طعم حب

وابعادك«.��ك ه��امت القل��وب الواله��ة، وعلى وفي مناج��اة ال��ذاكرين: »إلهي ب��ذكرك، ولا معرفتك جمعت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بفوس إلا عند رؤياك... وأستغفرك من كل لذة بغير ذكرك، تسكن الن��ل ��ك، ومن ك ��ر قرب رور بغي ��ل س�� ك، ومن ك ومن كل راحة بغير أنس��

شغل بغير طاعتك«.��ك، وأتمم ت جار محب وفي مناجاة الزاهدين: »واغ��رس في أفئدتنا أش��

لنا أنوار معرفتك، وأقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك«.

82

Page 83: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الاستنتاج من البحوث الماضيةمن خلال التأملات التي مرت في البحوث الماضية، نستنتج ما يأتي:��ة المختلف��ة، ��ة والعملي ��ة في الحق��ول العلمي إن النش��اطات الحياتي الفردية والاجتماعية، إنما تعد نشاطات إنس��انية إذا ك��انت في إط��ار

السير بالإنسان إلى كماله الحقيقي. بعبارة أخرى، إن الحركات والنهضات التي يجب أن تتخذ له��ا اتجاه��hاhا- إذا hا، إنم��ا تع��د من نش��اطات الإنس��ان -من حيث كون��ه إنس��ان معين اتجهت باتجاه الكمال الإنس��اني. وإنم��ا يمكن إعطاؤه��ا ه��ذا الاتج��اه الإنساني إذا أمكن معرفة النقطة النهائية للسير التكاملي للبش��رية؛��ة، فهي بالت��الي تحت��اج ��ة وإرادي ذلك لأن حركته الكمالية حركة علمي إلى معرف��ة اله��دف والس��بيل نح��و اله��دف. ثم إن معرف��ة اله��دف|ا لا يحصل قبل الوصول |ا شهودي hا وجداني بمعنى وجدانه وإدراكه إدراك��ة. إليه. ولذا فلا مناص من كون معرف��ة اله��دف بش��كل ص��ورة ذهني وكلما كانت هذه المعرفة أوضح وأوعى، كان إمكان التكامل الإرادي

الاختياري أكثر.

83

Page 84: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

على أن السير التك��املي للإنس��ان يحص��ل -بلا ريب- بمعون��ة الق��وى الداخلية والدوافع النفسية الموجودة في أعماقه. وعليه، فإن اتج��اه الميول الفطرية يعد أفضل سبيل لمعرفة اله��دف النه��ائي والكم��ال الحقيقي للإنسان. وعبر التأمل في الوجهة التي يش��ير إليه��ا أي من هذه الميول، نعرف أنه�ا جميع��hا تس��وق الإنس�ان نح��و اللانهاي��ة، وأنhا ومح��دودhا لا يقن��ع الإنس��ان بش��كل كام��ل، ولا يحص��ل إشباعها مؤقت إشباعها تمام��hا إلا بالاتص��ال بمنب��ع العلم والق��درة والارتب��اط بمع��دن��ة الجم��ال والكم��ال اللانه��ائي. وعلي��ه، ف��التعلق بن��ور العظم��ة الإلهي لوحده هو المجال الذي يشاهد الإنسان من خلاله حقيقت��ه ه��و وك��ل

عوالم الوجود قائمةh بالذات الإلهية المقدسة.ة »وأفتح عين قلبه إلى جلالي وعظم��تي، فلا أخفي علي��ه علم خاص��

خلقي«. عندئذ يشبع ميله لاستطلاع الحقيقة، وكذلك يص��ل إلى حقيق��ة نف��وذ القدرة الإلهية اللانهائية من خلال إرادته، فهو يفعل ما يريد بإذن الله

-تعالى-.»أجعلك تقول للشيء كن، فيكون«.

فيش��بع ميل��ه للق��درة ال��تي لا تقه��ر. وفي ه��ذه المرتب��ة يص��ل إلى محبوبه ذي الجم��ال والكم��ال اللامتن��اهي، ويج��د نفس��ه في أحض��ان اللطف والعناية اللامحدودة، فيروي بذلك ظمأه وحاجات��ه كله��ا، وم��ا أروع ه��ذا الإش��باع بي��د المعش��وق يص��حبه اللط��ف الغ��امر والحب

العميم: »فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به«.

84

Page 85: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��رك ��ر إلا برض��اه: »ف��أنت لا غي عندئ��ذ لا ينش��غل إلا بوص��اله ولا يفكي... ورض��اك بغيتي«، لك م��نى نفس�� نم��رادي ووص�� وان م ﴿ورضـ

.1﴾الله أكبر فلا يحصل بين بين��ه وبين محبوب��ه، ولا يبتلى بف��راق أو هج��ران: »ثم أرف��ع الحجب بي��ني وبين��ه، فأنعم��ه بكلامي، وأل��ذذه ب��النظر إلي«،

»وأعذته من هجرك وقلاك«. كذلك فإنه سيجد نفسه في هذا المقام، وهو واجد للكم��ال النه��ائي،��ه لا يج��د وق��ائم بمفيض الوج��ود، وحينئ��ذ ين��ال أس��مى اللذائ��ذ. ولأن��ة ، فإن حب ذات��ه س��يفقد اس��تقلاليته، وتتعل��ق المحب hلنفسه استقلالا الأصيلة بالخالق، وبدلاh من أن يريد الله لذاته فإنه يريد ذاته لله، ب��ل

لا يلتفت لذاته، وإنما يغيب في عالم من جمال المحبوب.»وأستغرقن عقله بمعرفتي، ولأقومن له مقام عقله«.

وعلي��ه، ف��إن المطل��وب الحقيقي والمحب��وب ال��ذاتي للإنس��ان ه��و الخ��الق -ج��ل وعلا-، ويكمن الكم��ال الحقيقي للإنس��ان في التق��رب��ة في س��بيل إليه، ويجب أن تستثمر سائر الكمالات المادية والمعنوي الوصول إلى هذا الكمال، وتتلاحم القوى كلها لتحقي��ق ه��ذا اله��دف، وك��ل خط��وة في غ��ير ه��ذا الص��راط تبع��ده عن اله��دف، وك��ل ق��وة تصرف في ما عدا س��بيل الرض��ا الإلهي س��وف ت��ؤدي إلى خس��ارته

وضياعه.

.72 سورة التوبة، الآية 185

Page 86: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

»وأستغفرك من كل لذة بغير ذكرك ومن كل راحة بغير أنسك ومنكل سرور بغير قربك ومن كل شغل بغير طاعتك«.

الجواب عن بعض التساؤلات التساؤل الأول: إن كان المطلوب الحقيقي للإنسان هو مقام القرب الإلهي، وأنه عبر وصوله إليه ينال أسمى وأدم اللذائذ، فلماذا لا نج��د أكثرية الناس في هذا الصدد، على الرغم من أنهم بالفطرة يس��عون

نحو اللذة والسعادة؟ عند الإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن سعي الإنس��ان للوص�ول إلى��ة، ونيل��ه لل��ذتهما، من��وط بمعرف��ة الل��ذة الكم��ال والس��عادة الحقيقي وتصديقه بها. ولأن أكثرية الأفراد لا يعرفون الهدف الأص��لي للخلق��ة وكم�الهم الحقيقي كم�ا ينبغي، ولم ي�ذوقوا ل�ذة الوص�ول إلي��ه، فلن يكون��وا بص��دد البحث والوص��ول إلي��ه، ولكنهم يعرف��ون الكم��الات المادية والدنيوية، ويدركون لذة الوصول إليها، ولذا فهم يبذلون ك��ل قواهم للوصول إليها، هذا وإن كان هناك فرق بين الناس في اختي��ار الحاجات الدنيوية وشؤونها، فنجد كل ش��خص يخت��ار -وفق��hا لميول��ه- مجموعة معينة منها، باعتبارها الأهم والأكثر قيم��ة، أو الأق��ل مؤون��ة

والأسهل، ويبذل جل اهتمامه في سبيل الوصول إليه.ا فطريةh، ولكنه��ا hإن معرفة الكمال الحقيقي، وإن كانت تمتلك جذور لا تصل عند أكثر الن��اس -بش��كل ط��بيعي- إلى ح��د ال��وعي الك��افي،

وإنما تحتاج إلى إرشاد وتربية صحيحة.

86

Page 87: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

من هنا، ك��انت أح��د أهم أه��داف وظ��ائف الأنبي��اء )عليهم الس��لام(، توعي��ة ه��ذا الج��انب اللاش��عوري الفط��ري، والت��ذكير بالعه��د الإلهي

المنسي..1»ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسى نعمته«

ه��ذه المس��ؤولية العظمى ملق��اة في ه��ذا الزم��ان على عه��دة من عرفوا سبيل الأنبياء بشكل أتم، ولديهم قدرة تعريفه للآخ��رين؛ لكي يعيدوا الضالين عن طريق السعادة إلى الس��بيل الأق��وم، ويعرف��وهم

بغيتهم الفطرية. التساؤل الثاني: إذا كان الهدف الأصلي لخلق الإنسان ه��و الوص��ول لمثل هذا المقام، فلماذا نجد الغرائ��ز الموج��ودة في أعماق��ه تق��وده��ة الخلاب��ة، وتمنع��ه من ��ة والظ��واهر الدنيوي دائمhا نح��و اللذائ��ذ المادي السير نحو هدفه الأصلي؟ ألا يعد هذا نقضhا للغرض وخلافhا للحكم��ة؟ ألم يكن الأمر أكثر انسجامhا مع هذا اله��دف ل��و لم يكن في أعماق��هح سوى الدوافع التي تسوقه نحو الل��ه والع��الم الأب��دي؟ ولكي يتوض��

الجواب عن هذا التساؤل، يجب الالتفات إلى نكتتين هما:|ا، وهي الم��يزة1 . إن قيمة الكمال الإنس��اني تكمن في كون��ه اختياري

التي تجعل الإنسان مخ��دومhا من قب��ل الملائك��ة وم�وردhا لس��جودهم. لكي تتحق��ق أرض��ية الاختي��ار ك��ان لا ب��د من وج��ود س��بل مختلف��ة|ا وج��واذب متنوع��ة لكي لا يك��ون الس��ير في س��بيل الس��عادة إجباري

مفروضhا.

نهج البلاغة، الخطبة الأولى.187

Page 88: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ه من اللازم2 . إن التكامل الإنساني تدريجي وله مراحل طويلة؛ فإن أن يدوم مجال الاختيار إلى مدة لا ب��أس به��ا لكي يس��تطيع الإنس��ان

في كل مرحلة أن يختار سبيله بكل حرية ويغير اتجاهه إذا شاء.��ة ح س��ر الحي��اة الدنيوي م��ع الالتف��ات إلى ه��اتين النقط��تين يتوض�� والتدريجية للإنسان. ومن البديهي أن بقاء الإنسان في عالم الحركة والتغيير والتكامل الت��دريجي بحاج��ة إلى أس��باب ووس��ائل وش��رائط��ة في الواق��ع دواف��ع لتهيئ��ة وإمكانات خاصة. تشكل الغرائ��ز الطبيعيا في تهيئ��ة hهذه الأسباب والظروف، وهي في ضمن ذل��ك تلعب دور مجال الاختيار الإنساني، وفي حالة اختيار السبيل الصحيح يمكنها أن تقدم خدمات جيدة للتقدم الإنساني باتجاه الهدف الأص�لي والكم��ال النهائي. وعليه، فإن وجودها لا يناقض هدف الخلق��ة، ب��ل إن ع��دمها

يخالف الحكمة الإلهية المطلقة. التساؤل الثالث: على فرض التسليم ب��أن الكم��ال النه��ائي للإنس��ان ممكن التحق��ق في الجمل��ة ع��بر الق��رب الإلهي وتج��اوز الرغب��ات��ه لا والميول كلها في سبيل نيله والوصول إلى مثل هذا المق��ام، فإن ريب في انحص��ار مث��ل ه��ذه المهم��ة والق��درة في أف��راد ن��ادرين،ا وبالتالي فإن الوصول إلى الكم��ال المطل��وب س��وف يك��ون مختص��|

بهم في حين تحرم الأكثرية العظمى للناس من هذه النعمة. في مثل هذه الحالة، هل يمكننا أن نقول إن هؤلاء الأف��راد الن��ادرين

هم وحدهم من يستحقون لقب الإنسانية، في حين يكون الآخرون

88

Page 89: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

في الواق��ع حيوان��ات لا يمتلك��ون حظ|ا من الإنس��انية إلا في الش��كلالظاهري لا غير؟ وبالتالي، يحكم عليهم جميعhا بالشقاء الأبدي.

وفي مجال الجواب عن هذا التساؤل، نقول:ا- ل��ه م��راتب hإن الكمال الحقيقي للإنسان -كما أكدنا على ذلك مرار ر للجمي��ع، مختلفة، وإذا كان الوصول إلى أسمى المراتب غ��ير ميس�� فإن الوصول إلى أدنى المراتب ميسر للجميع، وهو يحصل بالإيم��ان بالله، والسير على سبيل عبوديته، في حين أن بذل القوى كله��ا في

سبيل الرضا الإلهي هو من خصائص المراتب السامية. ومن الط���بيعي أن الآث���ار المترتب���ة على الق���رب الإلهي ليس على مستوى واحد في المراتب كلها. ف��العلم الكام��ل بالحق��ائق والق��درة على إيجاد أي شيء، أو الل��ذة الكامل��ة من اللق��اء الإلهي، لا تحص��ل لدى أي مؤمن في هذا العالم. لكن من يحفظ إيمانه إلى نهاية حياته من أي تلاعب ولا تسلبه كثرة الذنوب والعصيان إيمانه، هذا الإنسان��ة وإن ك��انت الم��دة الفاص��لة سوف يصل من ثم إلى السعادة الأبدي إلى ذلك اليوم طويلة المدى. وفي هذا الأثناء، س��وف يم��ر بمراح��ل��ة، ولا ن��رى حاج��ة لتوض��يح أن ص��عبة أليم��ة نتيج��ة أعمال��ه الانحرافيا له��ا درج��ات مختلف��ة، وأن كلا| hالسعادة الأبدية والجنة الخال��دة أيض�� يجازى في ذلك العالم بمقدار معرفته وإيمانه ووزن أعماله وأخلاقه،��ة إدراك لذائ��ذ ويمكن ألا يملك أي شخص في أي درجة سوى ظرفي

تلك الدرجة، وأن إرادته تتعلق بالحصول عليها فقط.على هذا، فليس كل من لم يصل إلى قمة الكمال الإنساني

89

Page 90: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ونهاية القرب الإلهي لا يستحق اس��م الإنس��ان، وك��ذلك ه��و محك��ومبالشقاء والعذاب الأبدي.

القرب الإلهي ليس المقصود بالقرب من الل��ه -وه��و المطل��وب النه��ائي للإنس��ان،��ة �ة- قص�ر الفواص�ل الزماني وال��ذي ينال��ه الإنس��ان بحركت��ه الاختياري والمكانية؛ ذلك لأن الله -تعالى- هو خالق الزمان والمكان والمحي��ط

بكل الأزمنة والأمكنة، ولا نسبة زمانية أو مكانية له مع أي موجود.لباطن لظهر و لأخر و لأول و ﴾هو ٱ ٱ ٱ ٱ ﴿1.

﴾وهو معكم أين ما كنتم ﴿2.لله ﴾فأينما تولوا فثم وجه ٱ ﴿3.

هذا بالإضافة إلى أن قلة الفواصل الزمانية والمكانية بنفس��ها لا تع��د، فما المقصود من هذا القرب إذhا؟ hكمالا

���ة بالعب���اد من الط���بيعي أن تك���ون لل���ه -تع���الى- إحاط���ة وجوديحيطۥ﴿ألآ إنهوالمخلوقات كلها: ﴾ بكل شي م .4ر�

��ة للموج��ودات كله��ا في قبض��ة وأن يكون الوجود والشؤون الوجودي قدرته ومتعلقة بإرادته ومشيئته، بل إن الوجود وكل ش��يء ه��و عين الارتباط والتعلق ب��ه، على ه��ذا، فه��و إلى ك��ل ش��يء أق��رب من أي

شيء آخر.

.3 سورة الحديد، الآية 1.4 سورة الحديد، الآية 2.115 سورة البقرة، الآية 3.54 سورة فصلت، الآية 4

90

Page 91: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

لوريد ﴾ونحن أقرب إليه من حبل ٱ ﴿1.﴾ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ﴿2.

|ا. من هن��ا، لا ��ه ليس كس�بي ه��ذا الق��رب ق��رب وج��ودي حقيقي، ولكن يمكن أن يعد غايةh وهدفhا للسير التكاملي، ويمكن أن يتصور للق��رب معنى اكتسابي يقبل الانطب��اق على الكم��ال النه��ائي للإنس��ان، وه��و القرب الاعتباري والتشريفي؛ بمعنى أن يكون الإنسان موردhا للعناية

الإلهية الخاصة، فتجاب له طلباته كلها.»إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته«.

والعبد الذي يصل إلى هذا المقام يكون قد وصل إلى مطلوبه، وهذا الاستعمال شائع لدى العرف أيضhا؛ إذ يقال للشخص الذي يقع موردhا��ة ش��خص عظيم بأن��ه »مق��رب«، وق��د أطل��ق الق��رآن الك��ريم لمحب��ة عنوان »المق��ربين« على ال��ذين هم في طليع��ة المس��يرة التكاملي

الإنسانية.بقون لس بقون لس ٱو ٱ بون١٠﴿ لمقر ﴾ أولئك .3ٱ

|ا، ولا نرمي لمعرفة المع��نى المناس��ب hا لفظي لكن بحثنا هنا ليس بحث للف��ظ »الق��رب«، إنم��ا نقص��د الدق��ة الأك��ثر في اله��دف النه��ائي للإنس��ان؛ لنع��رف من خلال ذل��ك الطري��ق الكلي والمس��ير الأص��لي��ز على الحقيق��ة الكامن��ة وراء التش��ريف للتكام��ل؛ فيجب أن نرك

والاعتبار:

.16 سورة ق، الآية 1.85 سورة الواقعة، الآية 2.11 و10 سورة الواقعة، الآيتان 3

91

Page 92: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

إن الحقيقة التي تعد هي الكمال النهائي ونسميها ب�»القرب الإلهي« هي مرتبة من الوجود، تصل فيها الإمكانات الذاتية للش��خص بس��بب��ة، س��واء أك��انت حرك��ة سيره وحركته الاختيارية إلى المرحلة الفعلي س��ريعة كس��رعة ال��برق، مث��ل حرك��ة بعض الأنبي��اء والأولي��اء ال��ذين يب��دؤون بالس��ير التك��املي من اللحظ��ات الأولى لحل��ول ال��روح في الب��دن، ويص��لون خلال م��دة قص��يرة إلى الكم��الات العظمى، مث��ل

للهعيسى بن مريم )عليه السلام( إذ يقول في المهد: ٱإني عبد ﴿ لكتب وجعلني نبي�ا ﴾ءاتىني . وق��د ج��اء في رواي��ات الش��يعة أن1ٱ

الق��ادة من أه��ل ال��بيت )عليهم الس��لام( ك��انوا يس��بحون الل��ه في بطون أمهاتهم، وأنهم يولدون ساجدين وهم »السابقون«، أم ك��انت حركة عادية أو بطيئة، مثل حركة سائر المؤم��نين في قب��ال الحرك��ة

الهابطة والسير المتراجع للكافرين والمنافقين. والكمال ال��ذي يحص��ل أث��ر ه��ذا المس��ير الاختي��اري لا يتب��ع الموض��ع الزماني والمكاني والأوضاع المادية والجسمانية، ب��ل يرتب��ط ب��الروح��ة، فله��ا دور تهيئ��ة الأرض�ية والقلب الإنسانيين. أم�ا الظ��روف المادي��ة المس��اعدة للس��ير والس��لوك المتكام��ل، وإلا ف��إن الحرك��ة الكمي والكيفية للبدن، أو الانتقال من مكان إلى مكان آخر، لا تأثير لها في تكامل الإنسان، إلا بمقدار المساعدة ال��تي تق��دمها للس��ير ال��روحيوالمعنوي، فتؤثر بطريقة غير مباشرة في السير التكاملي للإنسان.

.30 سورة مريم، الآية 192

Page 93: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

التكام��ل الحقيقي الإنس��اني عب��ارة عن الس��ير العلمي لل��روح في أعماق ذاتها إلى الله؛ لتصل إلى مقام تجد في��ه نفس��ها عين التعل��ق والارتباط، ولا تجد لها ولا لأي موجود استقلالاh في ال��ذات والص��فات والأفع��ال، ولا يمنعه��ا أي ع��ارض عن المش��اهدة، وتق��وم العل��وم��ة للإنس��ان، والمشاهدات في هذا المس��ير بتعمي��ق المرتب��ة الوجودي

وتجعل جوهر ذاته بالتدريج أكمل فأكمل. على هذا، بالمقدار الذي يتصور الإنس�ان نفس�ه أق��ل احتياج�hا للم�دد الإلهي وأكثر اس��تقلالاh في ت��دبير أم��وره وتهيئ��ة الأس��باب والوس��ائل��ة، وك��ذلك بالمق��دار ال��ذي الحياتية، والقيام بالأعمال البدنية والفكريhا أك��بر، يك��ون أش��د جهلا| ا اس��تقلالي hي��رى في��ه للأش��ياء الأخ��رى ت��أثير ��ه بالمق��دار ال��ذي يحس ونقصhا، وأبعد عن الله. وفي قبال ذل��ك، فإن بحاجت���ه الش���ديدة لل���ه، ويرف���ع حجب الأس���باب، ويجلي الحجب المظلمة والمنيرة عن عين قلبه، سوف يكون أعلم وأكم��ل وأق��رب إلى الحد الذي لا يكون فيه موحدhا في الأفعال والت��أثيرات فحس��ب، بل لا يرى للصفات والذوات أيضhا أي استقلالية في البين، وهو مقام يناله العباد الص��الحون والمنتجب��ون المخلص��ون، والعب��اد المخت��ارون من الل��ه -تع��الى-، فلا يبقى حج��اب بينهم وبين معب��ودهم، ف��القرب الحقيقي إلى الله هو أن »يعي« الإنسان أنه يملك بالل��ه ك��ل ش��يء

وأنه من دونه لا شيء.

93

Page 94: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

سبيل التقرب إن موجودات العالم كلها مخلوقة لله -تعالى-، وهي محتاجة إليه في

شؤونها الوجودية، ولا استقلالية لها مطلقhا.لق كل شي لله ربكم خ ر�﴾ذلكم ٱ ﴿1.

لحميد لغني لله هو لله و لفقرآء إلى ﴾أنتم ٱ ٱ ٱ ٱ ٱ ﴿2.وحقيقة وجودها عين الربط والتعلق ومحض المملوكية والعبودية.

.3﴾ۥ﴿كل شيء هالك إلا وجهه

لقيوم لوجوه للحي ﴾وعنت ٱ ٱ ﴿4.ن عبد�ا حم لر لأرض إلآ ءاتي وت و م لس ﴾إن كل من في ٱ ٱ ٱ ﴿5.

والأفعال التي تصدر منها هي آثار للوجود التعلقي وعلامة للمملوكيةhا. والفقر، وعليه، فكل موجود هو عبد الله تكوين

لأرضۥ﴿وله وت و م لس ﴾ أسلم من في ٱ .6ٱلأرض وت وما في م لس ﴾ولله يسجد ما في ٱ ٱ ﴿7.

بح بحمـــده يء إلا يســـ ولكن لا تفقهـــونۦ﴿وإن من شـــ.8﴾تسبيحهم

��ه لا يعي ع��ادة ��ة، ولكن hى من هذه القاعدة الكلي ليس الإنسان مستثنعبوديته التكوينية. بعبارة أخرى، إنه خلق في هذا العالم؛

.62 سورة غافر، الآية 1.15 سورة فاطر، الآية 2.88 سورة القصص، الآية 3.111 سورة طه، الآية 4.93 سورة مريم، الآية 5.83 سورة آل عمران، الآية 6.49 سورة النحل، الآية 7.44 سورة الإسراء، الآية 8

94

Page 95: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

فيتصور نفسه والأشياء الأخ��رى مس��تقلة في الوج��ود: »بن��اهم بني��ة��ه لا ي�رى وج��وده متعلق��hا بالل��ه، وي�رى أن1على الجه�ل« ؛ بمع��نى أن

كمالاته هي من صنع نفسه، ويرى نفسه مس��تقلا| في أفعال��ه، وي��رىللموجودات الأخرى هذا الاستقلال في الوجود والآثار الوجودية.

��ة وني��ل كم��الات أك��ثر هو يس��عى دائم��hا إلى توس��عة دائرت��ه الوجودي وق��درة أك��بر على الأعم��ال وتحكيم أس��س اس��تقلاله، فلا يوج��د بين إدراكاته وميوله الواعية شيء يتنافى مع تصور الاستقلال ه��ذا. ومن|ا باحتياج��ه ال��ذاتي، وع��دم |ا فطري ��hا لاش��عوري الط��بيعي أن ل��ه إدراك استقلاله الوجودي، ولكن سيطرة الج��انب الم��ادي والحي��واني تمن��ع من أن يصل إدراكه الفطري إلى حد الوعي، اللهم إلا في الظ��روف

الاستثنائية. وعندما يصل الإنسان إلى رشده العقلي، يستطيع بواسطة نشاطاته��ة أن يعي فق��ره الوج��ودي -إن قليلاh أو ��ة واس��تدلالاته العقلي الذهنيا- ويهتدي بذلك إلى وج��ود خ��الق الك��ون. وع��بر تكامل��ه العقلي hكثير وقدرت���ه الاس���تدلالية بالت���دريج، يحص���ل على وعي أك���ثر بحاجت���ه الأساسية وع��دم اس��تقلاله ال��ذاتي، ومن ثم يص��ل في نهاي��ة الس��ير|ا. ولكن هذا السير العقلاني إلى حقيقة ربطه، ويعلم بها علمhا حصولي الذهني بنفسه لا يؤدي إلى نتيجة شهودية حضورية؛ فلا يبقى تس��لط

الغرائز والإحساسات وجاذبية الميول والعواطف -في

.2، ح15، ص3 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج195

Page 96: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الغالب- مجالاh لظهور المعرفة الفطرية وتجليه�ا. اللهم إلا أن يص��مم الإنسان على الوقوف بوجه طغيانها، ليعي ذاته إلى حد ما، ويفتح له|ا إلى الح��ق؛ بمع��نى أن ا معنوي hإلى أعم��اق روح��ه، ويب��دأ س��ير hسبيلا يتوجه بقلبه إلى الله، ويصقل معرفته الفطرية بدوام التوجه القل��بي

وتقويته وتركيزه، وبالتالي بتقريب نفسه إلى الله. في مثل هذه الحالة، يبدأ السير التكاملي الإنس��اني باتج��اه المقص��د الحقيقي والمقصود الفطري؛ بمعنى أنه بالاختي��ار الح��ر يب��دأ بس��عي واع ليجد ارتباطه بالله، ويعترف بحاجته وعجزه وذله، ومن ثم فقره وفقدانه الذاتي، ويرجع مملوكات الله -التي كان ينسبها بالباطل إليه وإلى الآخرين- إلى مالكه��ا الحقيقي ويعي��د رداء الكبري��اء الإلهي إلى

صاحبه.ا جهولا�ۥ﴿إنه .1﴾ كان ظلوم�

تستمر هذه المرحلة حتى يكون عبدhا خالصhا. على هذا، يمكن القولا، أو hا خالص��hإن الكم��ال النه��ائي للإنس��ان يكمن في ص��يرورته عب��د مشاهدة الفقر الذاتي أو الكامل في نفسه، وأن سبيل الوصول إليه يكون بالعبادة وطلب رض�ا الل�ه بمع�نى جع�ل رض�ا الل�ه ب�دلاh لرض�ا

نفسه.لأعلى بتغاء وجه ربه ﴾إلا ٱ ٱ ﴿2.

.72 سورة الأحزاب، الآية 1.20 سورة الليل، الآية 2

96

Page 97: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

فالمسير الأصلي التك��املي الص��راط المس��تقيم للإنس��انية والس��بيل��ة والعب��ادة، وإلغ��اء الص��حيح للق��رب الإلهي ه��و قض��اء ح��ق العبودي

تصورات الاستقلال والاعتراف بالعجز الكامل الشامل له.لإنس إلا ليعبدون لجن و ﴾وما خلقت ٱ ٱ ﴿1.

ذا صر مستقي عبدوني ه س�﴾وأن س� ٱ ﴿2.hا في س��بيل الق��رب الإلهي وفي مس��ير يمكن أن يعتبر السعي س��عي|ا إذا كان مصطبغhا بص��بغة hا إنساني التكامل الحقيقي، وبتعبير آخر سعي العبودية وعبادة الحق المعبود. ولا يمكن اعتب��ار أي عم��ل أو نش��اط

hا للكمال الحقيقي مطلقhا إلا عبادة الله -تعالى-. ا موجب hأمر

.56 سورة الذاريات، الآية 1.61 سورة يس، الآية 2

97

Page 98: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

حقيقة العبادةللعبادة معان أو تعبيرات مختلفة من حيث السعة والضيق:

��ة في رح��اب الخ��الق،1 . العبادة عمل ي��ؤدى بعن��وان تق��ديم العبودي وليس لها أي علاقة -في ذاتها- مع ما عدا الله، مثل الصلاة والص��وم

والحج. . العبادة عمل يجب أن يؤدى بقصد القربة، وإن كان عنوانه الأولي2

��ة، ويتعل��ق بالعب��ادة، مث��ل الخمس لا يدخل في مجال تق��ديم العبوديوالزكاة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

. العبادة عمل يؤدى بقصد القرب��ة وإن ك��انت ص��حته غ��ير متوقف��ة3 على هذا القصد، مثل كل الأعم��ال ال��تي تق��ع م��وردhا للرض��ا الإلهي،

فإذا أديت بقصد القربة فإنها ستكون عبادة بهذا المعنى. . العبادة طاعة لمن يراه مس��تقلا| واجب الطاع��ة، وإن ك��انت ه��ذه4

الطاعة لا تنطلق من قصد العبادة والعبودية.يمكننا عبر المقارنات اللغوية والاستفادة من القواعد اللفظية

98

Page 99: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وأصول المحاورة أن نرجح بعض هذه المعاني على بعضها الآخ��ر، أوhا يقبل الانطب��اق على ك��ل ه��ذه الم��وارد، م��ع أن نراه مفهومhا مشكك الاحتف��اظ ب��اختلاف ال��درجات. لكن من الواض��ح أن قص��دنا في ه��ذا البحث ليس حل المسائل اللفظية، ونحن لا نستند في كون العب��ادة سبيلاh للتقرب إلى الله إلى الأدلة النقلية، وإنما نقول إننا توصلنا عبر��ة إلى نت��ائج رأين��ا أن اس��م العب��ادة ��ة والعقلي المق��دمات الوجداني والقرب تناس��بها، ورأين��ا أن ألف��اظ الكت��اب والس��نة تقب��ل الانطب��اق عليها، وعليه فمن المناسب أن ي��روم البحث طب��ق ذل��ك الأس��لوب، فنعم�د ع��بر الاس�تناد إلى الأم��ور ال�تي ص��دقناها بش�كل واض�ح إلى

توضيح هذا الموضوع. والمواضيع التي تثبت لدينا لحد الآن، والتي يمكنها أن تعيننا في ح��ل

هذه المسألة هي: . إن الإنسان موجود يجب أن يصل إلى كماله النهائي ع��بر حركت��ه1

��ة، وأن وص��وله إلى هدف��ه الأص��يل رهين اختي��اره الح��ر الاختياريالواعي.

��ع به��ا هي2 ��ة والإمكان��ات ال��تي يتمت ��ة والفطري . إن الق��وى الطبيعي وس��ائل يجب أن يس��تفيد منه��ا للوص��ول إلى كمال��ه النه��ائي، وليس

بينها ما لا أثر له على سيره التكاملي. . إن اله��دف الأص��لي للإنس��ان ه��و الق��رب إلى الل��ه، وإن حقيق��ة3

القرب هي الحصول الشهودي للتعلق والارتباط الوجودي له بالله.

99

Page 100: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

. إن السير والحرك��ة ال��تي تحص��ل باتج��اه مث��ل ه��ذا اله��دف س��ير4hباطني يبدأ من أعماق الروح والقلب الإنساني، ولا ربط له مباش��رة

بالأمور المادية، وبملاحظة هذه المقدمات نستنتج:: إن التكام��ل الإنس��اني والوص���ول إلى الق���رب الإلهي من���وط hأولا بالنشاطات الإيجابية المتقدمة، ولا يمكنن��ا أن نع��د الجه��ات الس��لبية خط��وات باتج��اه الكم��ال. على ه��ذا، ف��ترك عب��ادة الأص��نام وطاع��ةالطواغيت أو الاعتزال والانزواء وترك المعاش��رة لا يمكنه��ا جميع��hا -

لوحدها وبلحاظ جانبها السلبي- أن تعد سبيلاh للتقرب الإلهي.��ة ��hا: إن أي نش��اط لا يك��ون داخلاh في إط��ار المس��يرة التكاملي ثاني��ة باله��دف والكم��ال النه��ائي الإنسانية إلا إذا ك��انت ل��ه علاق��ة إيجابي للإنس��ان؛ أي الق��رب إلى الل��ه والحص��ول على التعل��ق والارتب��اط

الوجودي له بالله.��hا: إن مث��ل ه��ذه العلاق��ة لا يمكن البحث عنه��ا مباش��رة إلا بين ثالث التوجهات القلبية والحالات الروحية والمعنوية. على ه��ذا، ف��إن أش��د��ة ال��تي يق��وم به��ا القلب بش��كل واع العبادات أصالةh هي تلك الفعالي

حر للحصول على المطلوب الفطري له. رابع��hا: يجب أن ترتب��ط س��ائر النش��اطات الإنس��انية بنح��و م��ا به��ذا��ة، النشاط القلبي؛ ليتسنى لها أن تكون في إطار المس��يرة التكاملي وإلا فإما يجب تركها تمامhا )ومث��ل ه��ذا العم��ل -على ف��رض إمكان��ه-��ة ومس��تلزم لتحدي��د أرض��ية مخالف لحكمة وج��ود الج��وانب الفطري

التكامل الاختياري(، أو اعتبارها من اللوازم

100

Page 101: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الاضطرارية والأجنبية عن المسيرة التكاملية الإنسانية الأصيلة. وفي مثل هذه الحال، يجب جعل قسم مهم من الفعاليات الحياتية خارجة عن المسيرة التكاملية واليأس من إيصالها إلى الهدف وهذا أمر غير

صحيح.��ة وعليه، فالسبيل الص��حيح الوحي��د ه��و أن تتح��ول الفعالي��ات الحياتي المختلفة كلها في ظل القصد والنية إلى عبادة، وتمنح وجهة تكامليةا من جه��ة، وتتس��ع دائ��رة hلكي لا يذهب أي من طاقات الإنسان هدر ��أ ل��ه الاختيار والانتخاب إلى المستوى ال��ذي أراده الل��ه للإنس��ان وهي

وسائله من جهة أخرى. لقد ظن بعضهم أنه لما كان السير التكاملي للإنسان يبدأ من القلب إلى الله، فإنه يجب ترك النشاطات الحياتية كله��ا -إلا م��ا ك��ان منه��ا��ة، |ا- واختيار مكان خلي يحلو في��ه إلى ذك��ره وتوجهات��ه القلبي ضروري دون أن تشغل باله أي رابطة بأي أحد. هؤلاء، وإن كانوا ق��د أص��ابوا في تشخيص الهدف والمسير الإجمالي، لكنهم أخطؤوا في تشخيص الطري�ق الص�حيح والأس�لوب الص�حيح ال�ذي ينتهي بهم إلى الكم�ال الإنساني الخاص )ومن مميزات��ه الش��مول للج��وانب المختلف��ة( فلم

يلاحظوا الأبعاد المختلفة للروح الإنسانية. هن��ا يجب الالتف��ات إلى أن الم��يزة الأساس��ية للإنس��ان تكمن في اختياره الحر لمسير سعادته ووص��وله إلى كم��ال يس��مو على كم��ال الملائكة، وهو لا يحصل إلا في مجال الأخذ والرد والتض��اد الخ��ارجي والص�راع، وإلا في ظ�ل أنم�اط الجه��اد والس�عي الش�امل، أم�ا قل�ع

جذور

101

Page 102: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

بعض الميول الفطرية أو قطع العلائق الاجتماعية، فهو في الحقيق��ة تحديد لدائرة الاختيار وتضييق لميدان الصراع وس�د لكث�ير من س�بل

الترقي والتكامل. من الطبيعي ألا نغفل عن اختلاف القابليات والاستعداد لدى الأفراد، فعلى كل فرد اختيار مجاله المناسب لظرفيته واستعداده، فلا يمكن لأي طائر أن يحلق كما يحلق النس��ر، وليس لأي رياض��ي أن يص��ارع

بطل العالم.��ة وعلى أي حال، فإن السبيل الصحيح للتكامل ه��و التنمي��ة التدريجي

المتوازنة لأبعاد الوجود كلها.

دور العلم في تحقيق التكامل��ة الإنس��انية يس��ير فيه��ا القلب -بش��كل عرفن��ا أن الس��يرة التكاملي��ة، وتبع��hا للأفع��ال رئيس��ي- حيث يتج��ه إلى الل��ه في طري��ق العبودي��ة، فت��ؤثر في تكام��ل ��ات ص��فة العبودي ��ة تتخ��ذ س��ائر الفعالي القلبي

الإنسان. هذا السير والسلوك القلبي إنما يبدأ إذا عرف الإنسان هدفه وسبيله إلى هذا اله��دف، ثم راح يخط��و في ه��ذا الس��بيل بإرادت��ه واختي��اره. فالشرط الأساسي هو العلم والمعرفة، والآن، فلنلاحظ مح��ل العلم، فه��ل ه��و hفي السير التكاملي، هل هو كمال أم لا؟ وإذا ك��ان كم��الا

من الكمالات الأصلية أو من الكمالات النسبية أو المقدمية؟توجد حول تقييم أهمية العلم آراء مختلفة تتراوح بين الإفراط

102

Page 103: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ائين ي��رون أن العلم والتفريط؛ فبعض��هم من قبي��ل الفلاس��فة المش�� والفلسفة ليسا مؤثرين في الكمال فحسب، بل إنهما الأصل والغاية للكمالات الإنسانية كلها. وكما قلنا من قب��ل، فإن��ه ي��رى أن الإنس��ان الكامل هو من يملك العلم البرهاني بعوالم الوجود كله�ا، وفي قب�ال ذل��ك توج��د مجموع��ة أخ��رى تعتق��د أن العلم الحص��ولي لا رب��ط ل��ه بالكمال الإنساني )إن العلم الرسمي كل��ه قي��ل وق��ال(، ولم يكتف��وا ب��ذلك الق��در، وإنم��ا رأوه مانع��hا من الس��ير التك��املي، ب��ل وأس��موه

»الحجاب الأكبر«. لسنا الآن في ص��دد نق��د ه��ذه الآراء أو تبريره��ا وتوجيهه��ا، والس��عي وراء سبيل للجمع بينها، وإنما نسعى -وفق أسلوب هذا البحث وتبع��hا للمطالب التي أثبتناه��ا إلى ح��د الآن- لنع��رف الموق��ع ال��ذي يمتلك��ه

العلم في المسيرة التكاملية. بعد معرفة أن الكمال النهائي للإنسان هو الق��رب إلى الل��ه -تع��الى- والارتب��اط الش��هودي بالخ��الق، لا مج��ال للبحث في أن آخ��ر مرحل��ة للسير الإنساني هي من سنخ العلم الحضوري، ومثل ه��ذا العلم ه��و المطلوب الذاتي والكمال الأصيل، بل هو غاية الكمالات كلها، وإنم��ا الكلام في العلم الحص��ولي ال��ذهني، وهن��ا يجب أن نق��ول: طبق��hا للتفسير الذي ذكرناه للكمال، يمكن اعتبار العلم كمالاh للإنسان؛ لأن العلم صفة وجودية، يحصل عليها الإنس��ان، وبواس��طته ينتفي الع��دم والنقص، ومن هن��ا ف��إن العلم مطل��وب للإنس��ان ب��الفطرة. لكنن��ا

أوضحنا أنه ليست كل صفة وجودية هي كمال للموصوف مطلقhا،

103

Page 104: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

، كم��ا ق��د تك��ون hأص��يلا hا كمالاh وإنما قد تكون الصفات الوجودية أحيان|ا، وإنما تكون الكم��الات النس��بية كم��الاh للموج��ود |ا ونسبي كمالاh مقدمي واقعhا إذا كانت وس��يلة للوص��ول إلى الكم��ال الأص��يل، ف��إذا اس��تفيد منها في جهة تن��افي الكم��ال النه��ائي فهي، وإن ك��انت بالنس��بة إلى

مراتبها الأدون كمالاh لكنها مقدمة للنقص والانحدار النهائي.�ة منه�ا، ��ة. أم��ا النظري �ة أو عملي إن العلوم الحص�ولية إم��ا هي نظري فهي وإن لم تكن مرتبط��ة مباش��رة بالمس��يرة، لكن بعض��ها مث��ل العلوم الإلهية لها دورها في مساعدة الإنسان لمعرفة الهدف، ومتىhم��ا اس��تعين به��ا للوص��ول إلى الق��رب الإلهي، فإنه��ا س��تكون كم��الا

|ا قيمhا. مقدمي أما سائر العلوم النظرية، فهي وإن لم تكن مقدمة لمعرف��ة اله��دف��دhا لتحقي��ق ��hا جي أو سبيل الوصول إليه؛ لكنها تس��تطيع أن تق��دم عون المعارف اللازمة، وذلك خصوصhا في مثل العل��وم ال��تي تكش��ف عن��ة ��ات الحياتي أسرار الخلقة وحكمها، كما أنها تستطيع أن تسد الحاجي التي لها بدورها قيمة مقدمية كمالية، وإن التوافر على النعم يمكن��ه أن يش��كل دافع��hا للش��كر وعب��ادة الل��ه، وب��ذلك ترتب��ط بالس��عادة��ة بالس��ير التك��املي ��ة للإنس��ان. أم��ا علاق��ة العل��وم العملي الحقيقي ومقدمات��ه، فإنه��ا لا تحت��اج إلى التوض��يح، فمن الجلي أن التكام��ل

الواعي للإنسان منوط بها. هناك نقطة يجب التأكيد عليه��ا، هي أن دور العل��وم الحص��ولية كله��ا

في التقدم الحقيقي للإنسان لا يعدو دور تهيئة الأرضية

104

Page 105: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وتوسعة الإمكانات، وليس لها أي تأثير حتمي وضروري في السعادة الإنسانية. على هذا، فالعلم -بمعنى القضايا الذهنية- لا يمكن اعتبارهhا، اللهم إلا أن يك��ون كم��الاh بالفع��ل للإنس��ان من زاوي��ة كون��ه إنس��ان وسيلةh للق��رب إلى الل��ه، إم��ا لمعرف��ة الل��ه أو لمعرف��ة الطري��ق، أو��ة لتحقي��ق الش��كر، أو لتحقي��ق مق��دمات للاس��تفادة من النعم الإلهي

السير له وللآخرين.��ة، ح موقفن��ا تج��اه المدرس��ة البرجماتي وبملاحظ��ة م��ا قلن��اه، يتوض�� وتوض��يح ذل��ك أن أنص��ار ه��ذه المدرس��ة )وهي بنفس��ها من مظ��اهر الأومانية( يعتقدون أن العلم والفن إنما يمتلكان قيمة خاصة إذا كان��ا وسيلة للحياة الأفضل، وأن ما له قيمة بالأص��الة ه��و م��ا ك��ان مفي��دhا

للحياة.وفي قبال هؤلاء نقول:

��ة ليست الحياة الدنيوية ولا أنماط السعي إلى تحسين الحياة الفردي والاجتماعية مما يملك قيمة أصيلة لكي تكون للعلم والفن في ظلها قيمة معينة، وإنما الش��يء الوحي��د ال��ذي يمتل��ك قيم��ة بالأص��الة ه��و القرب الإلهي، وكل شيء يشكل وسيلة للتق��رب إلي��ه يمتل��ك قيم��ة بمقدار تأثيره في التقريب إليه -تعالى-، والإنسان المتكامل لا يضمه أي عنوان غير العنوان الإلهي، ولا يقبل أي اتج��اه إلا الاتج��اه الإلهي،

ولا يرى الأصالة إلا لله لا غير.

105

Page 106: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ــدعون من دونه لحــق وأن مــا ي لله هــو ــأن ــك ب ٱذل ٱ هــوۦ﴿﴾لبطل .1ٱ

��ة، لا على ه��ذا، فلا تحص��يل العلم ولا الحص��ول على الخ��برة الفني العمل الفردي ولا السعي الاجتماعي، ليس أي منها مما يمتلك قيمة مطلقة، وهي كلها إذا أديت بعنوان العبودية لله تحص��ل على قيمته��ا

في ظل الارتباط به.��ة لم تكن مم��ا يقب��ل وهن��ا يمكن أن يق��ال: إن المدرس��ة البرجماتي��ه القبول؛ لأنها جعلت معيار التق��ييم »المنفع��ة للحي��اة ال��دنيا«؛ إلا أن يمكن قبول نوع من النزعات البرجماتية بشكل أصالة العمل للحي��اة الأخروية، وعليه فالعم��ل المفي��د للآخ��رة يمتل��ك أص��الة نس��بية، وإن

العلم والفن لا يتمتعان حتى بهذا المستوى من الأصالة النسبية.��ة تنم��و في القلب، لا ويجب الالتفات إلى أن جذور السعادة الحقيقي في الأعضاء والجوارح ووسائل العمل، وأن ال��دور الأساس��ي للس��ير نحو الله يقوم به القلب. وعلي��ه، فالأص��الة النس��بية هي للنش��اطات��ة، فهي تكتس��ب قيمته��ا في ظله��ا، لا القلبية، أم��ا الأعم��ال الخارجي

العكس. كما يمكن للعلم أن يكون مقدمة للأعمال الحسنة، فيكتس��ب قيم��ة،ا أهم بعنوان كونه مقدمة للإيمان، وه��و ب��دوره hفيمكنه أن يلعب دور

مقدمة العمل وأساس له.

.62 سورة الحج، الآية 1106

Page 107: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

العلاقة بين العلم والإيمان والعمل إن اعتبار الإيمان كتصديق ذهني هو بعينه اعتبار العلم، وب��ذلك ليس���ة، وليس |ا؛ لأن بعض العل���وم ي���دركها العق���ل بالبديهي ا اختياري hأم���ر للإنس��ان أي اختي��ار في تحص��يلها والتص��دق به��ا، وبعض العل��وم وإن كانت تحصل عادة عبر مقدمات اختيارية؛ لكن الاختي��ار ليس مقوم��hا��ه من الممكن أن تحص��ل تل��ك المق��دمات في ال��ذهن لها، بمع��نى أن بسماع صوت أو رؤية خط، وعندئذ ي��دركها الإنس��ان من دون اختي��ار ويصدق بها. نعم، إذا كانت مقدمات العلم متحققة بالإرادة والاختيار، فلا بد أن تكون هناك دواف��ع لتحص�يلها وتركيبه��ا. وه��ذه ال��دوافع ق��د تك��ون غري��زة الاس��تطلاع أو العم��ل على كس��ب مج��د وفخ��ر، أو��ة أو رض��ا الل��ه. وفي الحال��ة الأخ��يرة فق��ط يك��ون الاس��تفادة المادي

عبادة، ولكن مثل هذه العبادة يجب أن تسبقها حتمhا معرفة الله.��ز علي��ه في ه��ذا البحث والاعتب��ار إن المقصود عن الإيمان الذي نركا للس��عادة، فه��و حقيق��ة تختل��ف hفي القرآن والنصوص الدينية أساس عن المعنى المقابل للكفر والجح��ود، ويتف��اوت عن المعرف��ة؛ إذ م��اhا، ولكن قلب��ه يرفض��ه ولا يل��تزم بل��وازم أكثر أن يعرف الإنسان ش��يئ تلك المعرفة. ومن هنا، فهو يخالف�ه عم�دhا، وربم�ا اقتض�ى الأم�ر أن ينكره بلسانه، ومثل هذا الإنكار مع العلم أشد سوءhا من الإنك��ار م��عا بالتكامل الإنساني، وهذا القرآن الكريم يص��فهم: hالجهل وأكثر ضرر

ا ا وعلو� ستيقنتها أنفسهم ظلم� ﴾وجحدوا بها و ٱ ﴿1.

.14 سورة النمل، الآية 1107

Page 108: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وعلى لسان موسى )علي��ه الس��لام( وه��و يخ��اطب فرع��ون يق��ول:لأرض وت و م لس ؤلآء إلا رب ﴾لقد علمت ما أنزل ه ٱ ٱ ﴿1.

﴾ما علمت لكم من إله غيريفي حين كان فرعون يقول: ﴿2. هناك الكثير من أمثال فرعون ممن أنك��روا م��ا يعرف��ون، س��واءh في حياة الرسول الأعظم )صلى الله عليه وآله( أو بعدها، وما زالوا إلى يومنا هذا. والسر النفسي لمثل هذا الإنكار هو أن الإنسان ق��د ي��رى أن قبول بعض الحقائق يعني تحديد حريته وتحلله ومنع��ه من إش��باع

نمتطلباته التي لا يستطيع قطع تعلقه القلبي بها: لإنس ٱبل يريد ﴿ .3﴾ۥليفجر أمامه

سنعطي بعض التوضيحات في هذا الصدد. النتيجة هي أن الإيمان عبارة عن قبول القلب للأمر ال��ذي ص��دق ب�ه العق��ل وال��ذهن، والتزام��ه ب��اللوازم المترتب��ة علي��ه كله��ا، وعزم��ه��ة. فالإيم��ان من��وط ومش��روط الإجم��الي على تنفي��ذ لوازم��ه العملي

بالمعرفة؛ لكنه ليس هو العلم نفسه ولا اللازم الدائم له. من هنا، تتوضح العلاقة بين الإيمان والعمل، ذل��ك أن الإيم��ان يقتفي العمل، ولكنه ليس العمل الخارجي نفسه، وإنم��ا ه��و س��ره ومانح��ه وجهت��ه، وأن الص��لاح واللياق��ة والحس��ن الف��اعلي للفع��ل من��وط

بالإيمان. فإذا لم يستمد العمل وجوده من الإيمان بالله، فإنه لن

.102 سورة الإسراء، الآية 1.38 سورة القصص، الآية 2.5 سورة القيامة، الآية 3

108

Page 109: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا، وكانت ل��ه hصالح hيؤثر في السعادة الحقيقية للإنسان وإن كان عملا منافع كثيرة في الدنيا للإنسان أو للآخرين.

لظم ان مــاء به لهم كسراب بقيع يحســ لذين كفروا أعم ٱو ر� ٱ ﴿ اءه ــ ــدهۥحتى إذا ج لله عن د ــ ي �ا ووج ــ ــده ش ــهۥٱ لم يج ى فوف

.1﴾ۥحسابهيح لــر شــتدت بــه لهم كرماد لذين كفروا بربهم أعم ثل ٱم ٱ ٱ ﴿

ا كسبوا على شي ر�﴾في يوم عاص لا يقدرون مم .2ر� ف��الخطوة الأولى ال��تي يخطوه��ا الإنس��ان في س��يره التك��املي نح��و الكم��ال النه��ائي، أي الق��رب من الل��ه -تع��الى-، ه��و الإيم��ان. وه��ذه

الخطوة أساس الخطوات التالية، وروح مراحل الاستكمال كلها. وأما الخط��وة الثاني��ة في الس��ير التك��املي الإنس��اني، فهي النش��اط الذي يقوم ب��ه القلب بع��د الإيم��ان بالل��ه، بغض النظ��ر عن الأعض��اء

ر عنه بذكر الله. والجوارح؛ أي التوجه لله، وهو ما يعبا لعلكم تفلحون لله كثير� ذكروا ﴾و ٱ ٱ ﴿3.

ا في التقدم hوكلما قوي هذا التوجه وتمركز أكثر، كلما كان أشد تأثير ا من hالإنساني. وقد تكون لحظة من التوجه القلبي الت��ام أك��بر ت��أثير

سنين من العبادة البدنية. الخطوة الثالثة: هي الأعمال الباطنية الأخ��رى ال��تي يؤديه��ا الإنس��ان باس��م الل��ه، مث��ل التفك��ير في آي��ات الل��ه وعلائم قدرت��ه وعظمت��ه

وحكمته،

.39 سورة النور، الآية 1.18 سورة إبراهيم، الآية 2.10 سورة الجمعة، الآية 3

109

Page 110: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وإن استدامة الذكر الفكر لها أثرها في هيام القلب وحبه وتعلقه.ا وقعود�ا وعلى جنوبهم ويتفكرون لله قيم� ٱلذين يذكرون ﴿ٱ

لأرض وت و م لس ﴾في خلق ٱ .1ٱ��ة المختلف��ة. بعب��ارة أخ��رى، إن بعد هذا، تقبل التوب��ة للأعم��ال البدني العزم الإجمالي، هو من لوازم الإيم�ان، يتجلى في مظ��اهر مختلف�ة،��ة، وه��ذه الإرادات -وهي من وفي قالب الإرادات التفص��يلية والجزئيزاوية معينة فرع الإرادة الأصلية- توجب تقوية ذكر الله والإيمان به.

لوة لذكري لص ﴾وأقم ٱ ﴿2.

لح يرفعه لص لعمل ٱو ٱ .3﴾ۥ﴿ كذلك فإنه إذا كانت هناك إرادة على خلاف مقتض��ى الإيم��ان، فإنه��ا تؤدي إلى ضعف الإيمان. إذhا العلاقة بين الإيم��ان والعم��ل هي تمام��hا مثل العلاقة بين جذر النبات والأعمال النباتية. فكما أن جذب الم�واد الغذائية مفيد ومؤثر في نمو الج��ذر واس��تحكامه وقوت��ه، وأن ج��ذب المواد السامة المضرة م�وجب لض�عفه ومن ثم ذبول�ه وموت�ه، ف�إن الأعم���ال الص���الحة عام���ل م���ؤثر في دوام الإيم���ان واس���تحكامه، والأعمال السيئة وارتك��اب ال��ذنوب موجب��ة للض��عف، ومن ثم م��وت

جذور الإيمان.

.191 سورة آل عمران، الآية 1.14 سورة طه، الآية 2.10 سورة فاطر، الآية 3

110

Page 111: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا في قلوبهم إلى يوم يلقونه ۥ﴿فأعقبهم نفاق� وا ــ بما أخلف﴾لله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون .1ٱ

لله ــذبوا ب ايت وأى أن ك لســ وا ــ ـ لذين أس ــة ٱثم كـاـن عقب ٱ ٱ ﴿ .2﴾وكانوا بها يستهزءون

.77 سورة التوبة، الآية 1.10 سورة الروم، الآية 2

111

Page 112: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

تدبير الإرادة عرفنا من البحوث الماض��ية حقيق��ة الكم��ال النه��ائي وه��دف الس��ير التكاملي للإنس��ان، وك��ذلك عرفن��ا الخ��ط الع��ريض الأس��لوب الع��امير والس��لوك. أم��ا الخط��وط التفص��يلية والدقيق��ة ل��ذلك، فهي للس�� متروك��ة لعلم الأخلاق والفق��ه، وإنم��ا نري��د الح��ديث عن المرحل��ة الأخيرة لهذا البحث، وهي الحديث حول ت��دبير النفس ليقط��ع س��بيل

التكامل.نعني بذلك أننا نحاول معرفة الأمر الآتي:

كي��ف نس��تطيع تحقي��ق المق��دمات اللازم��ة لاتخ��اذ الإج��راء الق��اطع���ة لقط���ع س���بيل العب���ادة والقي���ام بواجب���ات وامتلاك الإرادة الجدي العبودية. إننا نعلم أنه توجد في كل موجود حي ميزت��ان أساس��يتان،��ر -حس��ب ��ة«، ومجموعهم��ا يعب هم��ا: »الإدراك« و»الحرك��ة الإرادي

المصطلح المنطقي-عن الفصل والميزة الجوهرية للإنسان.ا بش��كل أوس��ع وأعم��ق وأعق��د في hيتان أيض�� توج��د هات��ان الخاص��ا، وتش��كلان جه��ازين مش��تركين hا متميز| الإنسان، باعتباره موجودhا حي للروح والبدن؛ أحدهما جهاز الإدراك، والثاني جهاز الإرادة. ولما كان

هذان الجهازان مرتبطين ملتحمين تمام الالتحام، فقد اشتبه

112

Page 113: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ة حص��ول أمرهما حتى على بعض العلماء الدقيقين. ولكي نعي كيفي الإرادة وارتباطه��ا بجه��از الإدراك، من المستحس��ن مقدم��ةh أن نلقي نظرة على أنواع الإدراكات والدوافع والج��واذب ال��تي تش��كل منبع��hا

لحصول الإرادة. لق��د حق��ق الفلاس��فة والعلم��اء من��ذ الق��دم في الإدراك��ات والغرائ��ز الإنسانية، وقسموها إلى أقسام مختلفة. ونحن هنا، بغض النظر عن البحوث العلمية المصطلحة والاس��تنتاجات، نكتفي بمطالع��ة س��ريعة��ة ح��ول الإدراك، وك��ذلك متطلب��ات الإرادة ح��ول تفاعلاتن��ا الروحي��ة بعثه��ا وحص��ول الفع��ل الإرادي، لكي نحص��ل على المع��ارف وكيفي

اللازمة لبناء النفس وتوجيه أعمالنا الوجهة الإلهية الصحيحة.

جهاز الإدراك: هن��اك hيتحقق الإدراك في الإنسان بصورة مختلفة نشير إليها إجمالا ��ة أو مجموع��ة من الإدراك��ات تحص��ل ع��بر تف��اعلات فيزيوكيماوي��ة والأجه��زة الحس��ية، مث��ل ة بين الم��واد الخارجي ��ة خاص�� فيزيولوجيم وال��ذوق واللمس. وهن��اك مجموع��ة من مع والش�� الرؤي��ة والس����ة تحص��ل دون أن يك��ون هن��اك أي تم��اس للم��واد الإدراك��ات الجزئي الخارجية بالبدن، مثل الإحساس بالجوع والعطش. وهن��اك مجموع��ةية ثالث��ة من إدراكاتن��ا تحص��ل في ال��ذهن بواس��طة الق��وى النفس�� الخاصة. ولهذه الإدراكات أنواع مختلفة، والتحقيق حول هذه الأن��واع والمشخصات والقوى المتعلقة بها، وكذلك ارتباطها أو عدم ارتباطها

113

Page 114: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

بالجهاز العصبي أمر لا يتسع له صدد هذا البحث. ونؤكد على أننا نجد إجمالاh في أنفسنا مدركات تبقى بش��كل م��ا في الذهن بعد أن تنقطع الصلة بين حواسنا مع الخ��ارج، وق��د تع��ود بع��د الغفلة أو النسيان مج��ددhا إلى الخ��اطر، وتنعكس في شاش��ة ال�ذهن��ة وس��ائر الواعية، وهكذا مدركات الحس الباطني والحالات الانفعالي

الأمور الإدراكية.��ة ال��تي النوع الآخر من نشاطات الذهن يرتبط بدرك المف��اهيم الكلي��ة، أو بص��ورة أخ��رى يش��به ه��ذا تتحقق عبر تجريد الإدراك��ات الجزئير عنها ب�»المعق��ولات الثاني��ة«، مث��ل إيجاد المفاهيم الخاصة التي يعب مفه��وم الوج��ود والع��دم والوج��وب والإمك��ان. وهن��اك ن��وع آخ��ر من الفعالية الذهنية في مورد الإدراك، هو ت��ركيب وبن��اء القض��ايا بإيج��اديتين نوع من الوحدة بين المفاهيم المتعددة، وكذلك عبر تركيب قض��ة إلى إدراك قض��ية أخ��رى، تس��مى نصل مع ظروف وش��روط خاص��

»نتيجة البرهان«.ا حول القضايا: hا منحصرhوهنا يحسن بنا أن نعطي توضيح

��ة واكتس��ابية، ومن م القضايا الذهنية من زاوية معين��ة إلى بديهي تقس��ة -ع��ادة- زاوية أخرى إلى نظرية وعملية، وتنسب الإدراكات النظري��ة إلى »العق��ل العملي«، إلى »العقل النظ��ري«، والإدراك��ات العملي ويعتبرون العق��ل العملي ق��وة تص��در الأوام��ر، وتح��رك الإرادة. وق��د يتصور أن الإرادة مرتبطة بالعق��ل العملي، وحتى يق��ال أنه��ا معلول��ة

له. في حين أنه ثبت في محله أن العقل النظري والعقل

114

Page 115: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ه ليس هن��اك ا، وأن hالعملي ليسا قوتين منفصلتين عن بعض��هما بعض�� أي تفاوت جوهري بين الإدراك العملي والإدراك النظري، وأن عم��ل العق��ل في م��ورد الإدراك العملي ه��و نفس��ه في م��ورد الإدراك��ات النظرية؛ بمعنى أن العقل ي��درك العلاق��ة بين الفع��ل ونتيجت��ه تمام��hا كما يدرك علاقة العلية بين الأس��باب والمس��ببات والحرك��ة والغاي��ة،��ة بمعون��ة وأن هذا الإدراك عندما يصب في قالب المف��اهيم الاعتباري القوى التي تصوغ المفاهيم في ال��ذهن يتخ��ذ لنفس��ه ش��كل الأوام�ر العقلية، وإلا فإن عمل العقل في الواق��ع لا يع��دو الإدراك، وليس ل��ه أي علاقة مباشرة بالإرادة والبعث والتحريك، وما ينس��ب للعق��ل في مجال أفعال الإنسان من »ينبغي - ولا ينبغي« هي في الواقع كمث��ل الأمور التي يتحدث علماء العلوم الطبيعية والرياضية عن أنه��ا تنبغي

أو لا تنبغي في مجال بيان قوانين هذه العلوم. ثمة نوع آخر من الإدراك يت��وافر ل�دى الجمي�ع، ه�و عب��ارة عن العلم��ة وتأثيراتن��ا الحض��وري لن��ا بأنفس��نا وقوان��ا وأفعالن��ا ووس��ائلنا البدنيا ن��وع من الإدراك الحض��وري بالنس��بة إلى hالعص��بية. ويوج��د أيض�� المبادئ العالية للمب��دأ الأعلى، وه��و يحص��ل في الب��دء ل��دى الأف��رادعي الأكي��د لإيص��اله إلى الع��اديين بش��كل لاش��عوري، ل��ذا يجب الس��

مرحلة الشعور. وتوجد، عدا هذه الإدراكات العام��ة المعروف��ة، إدراك��ات أخ��رى مث��ل »التل�پ�ائي« والعل��وم ال��تي تؤخ��ذ من الجن أو الأرواح أو تعطى في

حال الهي�پ�وتيسم والمنياتيسم، والتي تؤدي إلى معلومات

115

Page 116: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

��ة لدى المرتاضين، وكذلك الوساوس الشيطانية والإلهام��ات الملائكيوالرحمانية.

)عليهم وفوق هذه الإدراكات كلها، هناك الوحي النازل على الأنبي��اء السلام( من قبل الباري -تع��الى-، ويش��بهه الإله��ام والتح��ديث ال��ذي  يخص ب��ه س��ائر العب��اد الخلص، وذل��ك من قبي��ل تبش��ير أم موس��ى

)عليه السلام( برج��وع ول��دها ووص��وله إلى مق��ام الرس��الة، وك��ذلك الأمور التي ألقيت إلى مريم )عليها السلام(، والعلوم ال��تي ألهم به��ا الأئم��ة المعص��ومون من أه��ل ال��بيت )عليهم الس��لام( ولا تع��رف حقائقه���ا إلا لمن يتلقونه���ا. علاوة على ه���ذا، يمكن أن ن���ذكر ك���ل الإدراكات والصور الحاص��لة في ال��ذهن دون أن يص��حبها أي تفس��ير منطقي وفلس�في، مث�ل ك�ل الوس�اوس الش�يطانية ال�تي ق�د تغ��زوبيل hا في أنفسنا، ولا نع�رف ماهيته�ا والس� أذهاننا ونعرف نتائجها عيان��ة حص��ولها -بغض النظ��ر العام للتصديق بأصل هذه الإدراك��ات وكيفي��د بق��ول المعص��وم )علي��ه عن مش��اهدة آثاره��ا- عب��ارة عن التعب السلام(، أو نقل أولئك ال��ذين تلقوه��ا ونحن نع��رف ص��دقهم في م��ا

ينلقون.

جهاز الإرادة توجد في الإنس��ان مي��ول وج��واذب ودواف��ع تش��كل بمجموعه��ا س��ر��ة. وق��د درس علم��اء النفس أنواع��hا حص��ول الإرادة والحرك��ة الإراديموها إلى أن��واع ع��دة، ��ة، وقس�� ��ة والفطري كثيرة من المي��ول الطبيعي��ة تص��نيفها، ونحن هن��ا نتع��رض إلى ولهم اختلافات في ع��ددها وكيفي

ذكر الدوافع والميول

116

Page 117: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

hا )دون التقيد باصطلاح أو متابعة لمدرسة خاصة(. التي نحسها وجدان���ة بعض ه���ذه ال���دوافع له���ا علاق���ة واض���حة بالتف���اعلات الكيماوي والفيزيولوجية للبدن، مثل ميول الأكل والشرب، وهي تصاحب حياة الإنسان من��ذ ال��ولادة إلى الم��وت، وتث��ار عن��د احتي��اج الب��دن للم��واد الغذائية والمائية، وهكذا نجد المي��ل الجنس��ي ال��ذي يظه��ر على أث��ر

ترشح الهرمونات الخاصة، ويكون ذلك بعد سني البلوغ.ة؛ إذ ��ة خاص�� وهناك مجموعة أخ��رى من ال��دوافع تعقبه��ا ح��الات بدني يتصور ذوو النظر السطحي من الناس أن هذه الدوافع النفس�ية هي الحالات البدنية نفسها، مثل الميل إلى ال��دفاع والانتق��ام ال��ذي يب��دو��ر في��ه ملامح الوج��ه وتنتفخ في��ه الأوداج، بش��كل غض��ب ظ��اهر تتغي

ومثله الميل إلى الفرار من الخطر، ويعد نوعhا من الدفاع. وهن��اك مجموع��ة أخ��رى من ال��دوافع تش��كل »العواط��ف«، أهمه��ا

العواطف العائلية والاجتماعية. ومن غرائز الإنسان غري��زة حب الاطلاع والبحث عن الحقيق��ة، وهي تدفع الإنسان إلى كشف المجهولات ومعرفة الواقع، وهن��اك غري��زة طلب الاقتدار والتسلط وتوسيع دائرة النش��اط، كم��ا أن هن��اك نوع��hا آخر من الغرائز يرتبط بالحصول على العن��اوين الاعتباري��ة من قبي��ل

الجاه والمقام والاستقلال في الشخصية. وثمة نوع آخر من الميول الفطرية ترتبط به أنماط الجمال والكمال الظاهرية والمعنوية، وهي تحرك الإنسان نح��و الحص��ول على أن��واع

الكمالات وأنماط الجمال القابلة للاكتساب، والارتباط،

117

Page 118: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

والتعلق بالأشياء الكاملة والجميلة، والخضوع أمام الكم�ال والجم�الالأصيل.

hيمكننا أن نعتبر »حب الذات« أم الغرائز الإنس��انية، وينقس��م ابت��داء إلى قسمين رئيسيين: »حفظ الوج��ود« و»الحص��ول على الكم��الات الممكنة«، ويتشعب »حفظ الوجود« بلحاظ تعلق��ه ب��الفرد أو الن��وع، وبلحاظ إشباعه للاحتياجات ودفع الأخطار إلى الميل للأكل والشرب والش��هوة الجنس��ية وحس ال��دفاع والف��رار من الخط��ر والانتق��ام

والعواطف العائلية والاجتماعية. كذلك يشمل »تحصيل الكمالات« غرائز الاستطلاع والاقت��دار وطلب

الجاه وحب الكمال والجمال. ينبغي ألا يظن أحد أن ما ذكرناه يش��مل الغرائ��ز والمي��ول الإنس��انية كلها، كما لا ينبغي أن يؤدي بنا تصنيفها إلى توهم أنها أم��ور منفص��لة��ه من الممكن أن تت��دخل ا في مق��ام الت��أثير؛ إذ إن hعن بعض��ها بعض��

غرائز عدة في تحقيق عمل واحد. وثمة نقطة أخرى ينبغي تذكرها، وهي أن فصل الميول والدوافع عن العلوم والإدراكات لا يعني إنكار دخولها في مجال الشعور الإنساني؛ لأن من البديهي أن ه��ذه الج��واذب والح��الات النفس��ية ليس��ت مث��ل القوة المغناطيسية التي تعمل دون إدراك أو شعور، وإنما المقص��ود من ذلك التفريق بين جهاز الإدراك المحض وجهاز الإرادة من زاوي��ة

وجود الدفع والجذب في الجهاز الثاني وعدمه في

118

Page 119: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الجهاز الأول، ومعرفة العلاقة بينهما لكي نحص��ل على معرف��ة أك��بربالنسبة إلى الظواهر النفسية للتدبير والسيطرة.

علاقة جهاز الإدراك بجهاز الإرادة إن حصول أي ميل مسبوق بإحساس خاص له معه سنخية وتواف��ق،، hفالميل نحو الغذاء والم�اء مس�بوق بإحس�اس الج�وع والعطش مثلا

ولشدة هذا الترابط يحس الإنسان بأنها حالة واحدة. كم��ا أن إش��باع ه��ذه المي��ول والاحتياج��ات الغريزي��ة متوق��ف على إدراكات متناس��بة. أم��ا ت��أثير جه��از الإدراك على جه��از التحري��ك في مثل هذه المرحلة، فهو واضح إلى ح��د كب��ير، ويمكن أن تتع��اون في��ة متع��ددة، وفي مج��ال واس��ع، ف��إن إشباع مي��ل خ��اص ق��وى إدراكي مجرد التركيز على عملية طبخ وجبة غذائية بالوسائل العادي��ة الي��وم��ة ��ة الواس��عة »الحس��ية والخيالي ��ات الإدراكي يوض��ح م��دى الفعالي��ة« ال��تي تج��ري لتحقي��ق ه��ذا اله��دف، لكن رابط��ة ه��ذين والفكري الجهازين لا تنحصر بهذين المجالين، وإنما هناك نوع آخر من الترابط بينهما له أهمية خاصة بالنسبة إلى بحثنا ه��ذا، وه��و عب��ارة عن ت��أثير بعض الإدراكات في تحريك الميل والإرادة أو النفور والاشمئزاز مما لا يعرف بينهما رابطة طبيعية، فقد يؤدي رؤية منظر خاص أو سماع صوت معين أو الإحساس برائح��ة إلى تحري�ك المي��ل نح��و الغ�ذاء أو الشهوة الجنسية، أو غ��ير ذل��ك من المي��ول، في حين ي��ؤدي ل��ون أو طعم أو رائحة خاصة إلى نفور واشمئزاز خاص بالنسبة إلى غذاء أو

شيء آخر.

119

Page 120: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا إلى ح��د يظن مع��ه hا واض��ح| إن تأثير بعض هذه الأمور قد يكون عادي الإنسان بوجود علاقة طبيعية مع تحريك هذا الميل، مث��ل الإحس��اس برائحة طعام وتحرك اشتهاء الإنسان له، في حين نجد ت��أثير بعض��ها|ا إلى حد يظن معه الإنسان أن بعض الميول تحصل اتفاق��hا الآخر خفي

ودون سبب، أو يتحير في تعليل حدوثها.ة لتحقي��ق ه��دفنا إن معرف��ة مث��ل ه��ذه الرواب��ط ل��ه أهميت��ه الخاص����ه ق��د تك��ون المنشود؛ ذلك لأن التركيز عليها ي�ؤدي إلى أن ن��درك أن نظ��رة واح��دة أو س��ماع ص��وت م��ا ذات ت��أثير عجيب في مس��تقبل الإنس��ان، وكي��ف تح��رك ميلاh أو إرادة ت��ؤدي إلى س��عادة الإنس��ان أو

شقائه. سر هذه العلاقة يكمن في ت��داعي الم��دركات والمع��اني؛ بمع��نى أن الذهن الإنساني خلق فيؤدي تقارن صورتين في�ه بش�كل متك��رر إلى أن يتذكر إحداهما عند حصول الأخ��رى. فل��و ك��ان يك��رر أك��ل طع��ام��ه بمج��رد الإحس��اس بتل��ك الرائح��ة يحس برائحة وطعم خاصين، فإن

بالطعم أيضhا، وتتحرك شهيته نحو هذا الطعام.ية ا الإدراك��ات الحس�� hول��و بحثن��ا عن عل��ل ح��دوث إرادتن��ا عرفن��ا دور ا المنظ��ورات والمس�موعات- في تخيلاتن�ا وأفكارن�ا، hالمهم -خصوص� وعرفنا آثارها في صدور الأفعال الإرادية. ومن هنا نستنتج أن أفضل وس��يلة لت��دبير المي��ول والاحتياج��ات، وبالت��الي التس��لط الأك��ثر على النفس والانتصار على أنماط الهوى النفسي والوساوس الشيطانية، ه��و الس��يطرة على الإدراك��ات، وقب��ل ذل��ك الس��يطرة على العين

والسمع.

120

Page 121: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

لفؤاد كل أولئك كان عنه مس ولا� لبصر و مع و لس ﴾إن ٱ ٱ ٱ ﴿1. كما أن أحد أفضل وسائل تحريك الإرادة الخيرة هي رؤية الأشخاص الص��الحين وس��ماع قصص��هم، وق��راءة الق��رآن، ومطالع��ة الكتب المفيدة، وزيارة المعابد والمشاهد والأمكنة التي تذكر الإنسان بالل��ه وبالعباد الخلص والأهداف المقدسة والسبل التي طووه��ا في س��بيل

هيم﴿فيه ءايتذلك. قام إبر ﴾ بين م .2س� ومن هنا تبدو الحكمة في كثير من الأحك��ام الواجب��ة والمس��تحبة، أو المحرمة والمكروهة، مثل الحج وزيارة المش��اهد المقدس��ة، أو غض النظر عن المناظر المثيرة للشهوة، وكراهة الجلوس في مكان في��ه��ة ال��دور ال��ذي حرارة ناتجة من جلوس المرأة الأجنبية، وكذلك أهمي

ــويلتى ليتني لميلعبه الصديق في السعادة والشقاء الإنساني: ﴿يلذكر بعد إذ جاءني٢٨أتخذ فلانا خليلا� ﴾ لقد أضلني عن .3ٱ

��ره وإن ذك��ر ا، إن نسي ذك hصالح hا رزقه خليلا hإذا أراد الله بعبد خير« .4أعانه«

»قال الحواريون لعيسى بن مريم )عليه السلام(: ي��ا روح الل��ه، مننجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه،

.36 سورة الإسراء، الآية 1.97 سورة آل عمران، الآية 2.29 - 28 سورة الفرقان، الآيتان 3ا285، ص3 راجع: الفيض الكاش��اني، المحج��ة البيض��اء، ج4 hه ب��ه خ��ير . وفي��ه: »من أراد الل

ره، وإن ذكر أعانه«. رزقه خليلاh صالحhا، إن نسي ذك121

Page 122: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

.1ويرغبكم في الآخرة عمله« وكذلك الت��أثير ال��ذي تملك��ه أعم��ال الإنس��ان وأقوال��ه في الآخ��رين، والدور الذي يلعبه سلوكنا كنموذج في السعادة أو الشقاء للعائل��ة أو المجتمع. ومن هنا، تترتب علينا مسؤولية أخرى؛ »كونوا دعاة الناس

.2بغير ألسنتكم«

دور الميل والرغبة في الإدراك

��ة إلى ح��د ��ة الاس��تفادة من الق��وى والوس��ائل الإدراكي إننا نملك حري كبير، فمتى شئنا حدقنا في منظ��ر معين ورض��ا نتف��رج، وم��تى ش��ئنا غضض��نا النظ��ر عن��ه. وهن��ا يمكن أن نتص��ور أن��ه عن��د انفت��اح العين��ل ووجود النور، فليست هناك حالة منتظرة لرؤية الشيء ال��ذي يتمث��ه في أمامنا، في حين أن الحقيقة تثبت خلاف ه��ذا التص��ور؛ ذل��ك أن كث��ير من الأحي��ان نج��د أنفس��نا لا ن��رى الش��يء، على ال��رغم من انعكاس صورة المرئي في العين، و على ال�رغم من ارتع��اش طبل��ةhا، وذل��ك عن��دما الأذن بواسطة أم��واج الص��وت، لكنه��ا لا تس��مع ش��يئح أن الإدراك ليس ي��تركز انتباهن��ا على ش��يء آخ��ر. ومن هن��ا، يتض��|ا فحسب، وإنما هو في الواق��ع عم��ل ظاهرة فيزياوية أو عملاh فيزيائي النفس، فإذا توجهت النفس حصل الإدراك وإلا انتفى. أما الانفعالاتالمادية، فهي تشكل شرائط الإدراك ومقدماته، ثم إن وجود التوجه

.39، ص1 الشيخ الكليني، الكافي، ج1.311، ص67 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2

122

Page 123: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

وعدم��ه في كث��ير من الأحي��ان يرتب��ط بالمي��ل والش��وق الب��اطني للإنسان، بمعنى أنه حين يميل الإنسان إلى إدراك خاص، فإن توج��ه النفس يتجه نحوه، ويحصل الإدراك مع وجود الشرائط اللازم��ة، في حين أنه على العكس من ذلك عندما لا يوجد الميل لا تتوج��ه النفس ولا تدركه بالتالي. فمثلاh قد يرتفع صوت طفل من زاوية، فلا يسمعه إلا أم الطفل، حتى أنها قد تنهض من نومها على صوت بكاء طفله��ا، ولكنه��ا لا تنهض على ص��وت أعلى من ش��خص آخ��ر. ليس هن��اك أي تبرير سوى العامل النفسي وشوق الأمومة، ولا ينحصر ت��أثير المي��ل والشوق في الإدراك بالإدراكات الحسية، وإنم��ا يت��وافر في التخيلات

والأفكار، وحتى أنه يتوافر في الاستتاجات العقلية بصورة مختلفة.��ة بالنس��بة إلى الأش��ياء ال��تي فمثلاh يجد الإنسان نفسه ذا ذاك��رة قوي��ة في مج��ال يمي��ل إليه��ا بش��كل أق��وى، وتتق��دم النش��اطات الفكري الموضوعات التي يألفها ويرتاح إليها الشخص المفكر بشكل أحسن، والأعجب من ذل��ك أن الكث��ير من الأش��خاص يص��لون إلى النت��ائج��ون |ا، فهم يلهمونها، ولكنهم يظن الفكرية التي كانوا يرغبون فيها قلبي أنهم وصلوا إليها بشكل ط��بيعي، من اس��تدلال عقلي، في حين ك��ان للميل الباطني لهم الأث��ر الكب��ير في اختي��ار مق��دمات ال��دليل أو في

ركيفية تنظيمها، وربما أوجبت المغالطة: ن ليفجــ لإنس ٱبل يريد ﴿ .1﴾ۥأمامه

.5 سورة القيامة، الآية 1123

Page 124: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

توضيح ذلك أن عدم ميل الإنسان للوصول إلى نتيجة فكرية ما يراها تتنافى مع متطلباته قد توجب غفلته وعدم تفكيره فيها، وقد ت��وجب الغفلة عن المقدمات اللازمة للاستدلال أو الش��كل الص��حيح لتنظيم المقدمات. وفي حالة ما إذا وص�ل إلى ه�ذه النتيج�ة ال�تي لا ي�رغب فيها، وخلافhا لرغبته الشخصية، فإنه يبدأ بالتشكيك وإيجاد الش��به فيا تمام��hا لا يبقى أي مج��ال hل إلي��ه، ف��إذا ك��ان ال��دليل واض��ح م��ا توص�� للش��بهة يص��ل ال��دور إلى خيان��ة ال��ذاكرة، فم��ا أس��رع م��ا يس��لمها��ره به��ا، فإن��ه س��يمتنع الإنسان للنسيان!! ولو حصل أن عاملاh م��ا ذك عن التسليم القلبي والإيم��ان به��ا وينكره��ا بك��ل لجاج��ة، وذل��ك كم��ا أشرنا من قبل إلى مثل هذا في مقام التفري��ق بين العلم والإيم��ان:اءهم من د جــ لأنفس ولقــ لظن وما تهوى ٱإن يتبعون إلا ٱ ﴿

لهدى بهم ﴾ر .1ٱ على هذا، فإن الإنسان متى ما ص��ان نفس��ه عن الوق��وع تحت ت��أثير الميول المخالفة اطمأن إلى نتائجه الفكرية، وإلا فما دام الهوى ه��و��ات والش��هوات والج��اه ال��ذي يمس��ك بالزم��ام، ف��إن المي��ل للمادي والمقام وباقي المتطلبات الجامحة سوف تجلب توجه النفس إليه��ا، ويق��ل الأم��ل في الوص��ول إلى اس��تنتاجات ص��حيحة من النش��اطات

الذهنية والفكرية في المجالات المتعلقة بذلك. وفي مجال العلم الحضوري والتوجه إلى الوجدانيات، يوج��د للمي��ول

والأشواق القلبية دور مهم. فالحالات النفسية والانفعالات

.23 سورة النجم، الآية 1124

Page 125: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الروحية الحاضرة ل��دى النفس ق��د ت��دخل ع��الم اللاش��عور على أث��رانعطاف التوجه النفسي عنها، فيغفل عنها الإنسان، فلا يكون لديه - كما يعبر الفلاسفة- العلم بالعلم، وكذلك تل��ك المرتب��ة ال��تي تملكه��ا النفس من العلم الحضوري بالله -تعالى-، فقد تغفل عنه��ا على أث��ر��ات والتعل��ق به��ا، اللهم إلا إذا انقطعت الوس��ائل الانش��داد للمادي

المادية المعيقة. على هذا، فإن الاستثمار الصحيح للقوى الإدراكية إنما يتيسر إذا كانا من أنم��اط ال��درن الم��ادي واله��وى النفس��ي، وال��ذهن hالقلب طاهر بة. فالتكام��ل في hا بالتقوى المناس�� hا من الأحكام المسبقة، متزين خالي م��دارج التق��وى ه��و ال��ذي يص��وغ الإنس��ان مس��تعد|ا لتلقي الأن��وار

المعنوية والإلهامات الملائكية والربانية:اـن له ــذكرى لمن كـ ــك ل معۥ﴿إن في ذل لســ ٱ قلب أو ألقى

.1س�﴾وهو شهيلكتب لا ريب فيه هد�ى للمتقين ﴾ذلك ٱ ﴿2.

ىها٩﴿قد أفلح من زكىها .3﴾ وقد خاب من دسلله يجعل لكم فرقان�ا ﴾إن تتقوا ٱ ﴿4.

وله ــوا برســ لله وءامن وا تقــ ــوا لذين ءامن ا ٱيأيهــ ٱ ٱ ــؤتكمۦ﴿ يحمته ا تمشون بهۦكفلين من ر .5﴾ۦ ويجعل لكم نور�

.37 سورة ق، الآية 1.2 سورة البقرة، الآية 2.10 و 9 سورة الشمس، الآيتان 3.29 سورة الأنفال، الآية 4.28 سورة الحديد، الآية 5

125

Page 126: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

hا وفي قبال ذلك، يشكل اتب��اع اله��وى النفس��ي والتعل��ق بال��دنيا س��ببhا للتس��لط للانخداع والضلال والحرمان من إدراك الص��حيح، ب��ل س��بب الش��يطاني، ومزي��دhا من الجه��ل والض��لال، والجه��ل الم��ركب وعمى

القلب.ذ إلهه تخــ رءيت من ٱأفــ لله على عل وختمۥ﴿ له ــه وأضــ ر� هوى ٱ

وة� فمن يهديهۦ وجعل على بصرهۦ وقلبهۦعلى سمعه غشرونمن لله أفلا تذك ﴾ بعد .1ٱ

أنهۥ﴿كتب عليه أنه ه فــ لهۥ من تــولا ويهديــه إلى عــذابۥ يضــعير ﴾لس .2ٱ

ن نقيض له حم ــر ل ــر ٱومن يعش عن ذك و لهۥ﴿ �ا فهــ يطن ۥ شــري بون أنهم٣٦سقــ بيل ويحســ لســ دونهم عن ــ ٱ وإنهم ليص

.3﴾مهتدون

الإرادة والاختيار عند التوجه إلى القوى الإدراكية والتحريكية المختلفة، وكيفية تأثيرها وتأثرها، يتضح كيفية حصول مبادئ الإرادة في النفس، وكيف يحصل الفع��ل الإرادي، بمع��نى أن الإنس��ان ب�ادئ ذي ب�دء يحس في نفس��ه نوعhا من الحاجة، فيتألم لذلك أو يجد نفسه خالية من ل��ذة معروف��ة، فيسعى نحوها، والإحس��اس ب��الألم أو انتظ��ار الل��ذة يحرك��ه للس��عي ليش��بع ع��بر القي��ام بعم��ل م��ا جوعت��ه، ول��يرفع ألم��ه وي��ؤمن لذت��ه

المنشودة. إذhا فأعمال الإنسان فطرة تتجه نحو رف��ع النقص وتحص��يل الكم��ال،والدافع نحوها هو رفع الألم أو الحصول على اللذة المطلوبة، وذلك

.23 سورة الجاثية، الآية 1.4 سورة الحج، الآية 2.37 و 36 سورة الزخرف، الآيتان 3

126

Page 127: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

سواء أكان العمل فعالية نفسية أم ذهنية محضة، مث��ل توج��ه القلب والفكر، أم كان متوقفhا على تحريك العضلات والأجهزة البدنية، ع��بر الاستفادة من المواد الخارجية أو من دون ذلك. وإذا لاحظنا الأعمالا ين��دفع للحص��ول hالتي يؤديها الإنسان لصالح غيره، نج��ده فيه��ا أيض��

على لذته هو وإن كان ألمه أو التذاذه لتألم الآخرين والتذاذهم. ومن الطبيعي أن الإنسان لا يستطيع أن يحصل على كل م��ا يتمن��اه؛��ة لأن موفقيته في ذلك بالإضافة إلى لزوم حصول الظروف الخارجي��ة وص��حة تشخيص��ه، وك��ذلك المطلوبة مرهونة بسلامة قواه الإدراكي المعرفة الصحيحة لكيفية رفع نقائصه وم��دى اس��تفادته من الق��وى، وقدرته على التصرف في المواد الخارجية، فإن التفات الإنسان ق��د��ة، مث��ل الإحس��اس |ا وعلى أث��ر التف��اعلات البدني يحص��ل ت��ارة طبيعي بالحاجة إلى الطعام والشراب، وأخرى على أثر التماسه مع الخارج، مث��ل مش�اهدة وض�ع خط�ير ي�وجب ف�راره أو اس�تعداده لل�دفاع، أو يؤدي به رؤية منظر مثير للعواطف إلى التأثر الشديد لكي يتألم من

محرومية الآخرين ويعمل على مساعدتهم. في المورد الأول، ربم��ا أدت العوام��ل الخارجي��ة بنح��و الت��داعي إلى ظهور الميل المكنون، وذلك كما أوضحنا من قبل. كم��ا أن العوام��ل���ة ا في إيق���اظ المي���ول الفطري h���ة يمكنه���ا أن تلعب دور الخارجي والج��واذب النفس��ية المحض��ة، ف��إن دع��وة الأنبي��اء توق��ظ ال��دافع الفطري للإيمان بالله بعد أن غطتها عوامل الغفلة، وهكذا نجد رؤي�ة

آثار الله وسماعها تمتلك الأثر نفسه.

127

Page 128: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ولو أننا فرضنا أنه كانت هناك غري�زة واح�دة ق��د اس��تيقظت، ووج�د مي��ل واح��د في النفس، ف��إن الإنس��ان س��وف يتح��رك في س��بيل��ة، إشباعه. وفي ما إذا توافرت الظ��روف وارتفعت الم�دافع الخارجي��ه في حال��ة وج��ود مي��ول ��ه يق��وم بالعم��ل المناس��ب ل��ذلك، لكن فإن��ه يق��ع ال��تزاحم لا محال��ة، متعددة ولم يتيسر له إشباعها جميع��hا، فإن وعندئ��ذ تس��يطر ذات الجاذبي��ة الأك��بر على النفس لتق��وم بإش��باعهالون لعبهم على أكلهم، أو . فهن��اك بعض الأطف��ال ال��ذين يفض�� hأولا الأمه��ات الجائع��ات يق��دمن غ��ذاءهن لأطف��الهن أو الش��باب ال��ذينلون العب��ادة على الن��وم، يرجحون المطالعة، أو الأتقي��اء ال��ذين يفض�� وكذلك الجندي المضحي في سبيل الله براحت��ه وراح��ة عيال��ه. وفي مث��ل ه��ذه المج��الات تب��دو القيم��ة الحقيقي��ة للإنس��ان، وتظه��ر��ة ��ة، وتص��ل س��عادته أو ش��قاؤه إلى ح��د الفعلي اس��تعداداته الخفي والتحقق. والواقع أن حكمة خلق الإنسان في ع��الم من التزاحم��اتا- hالأمور المتضادة تكمن في هذا المعنى -كما أشرنا إلى ذلك مك��رر

وهنا يطرح هذا التساؤل: هل للإنسان أن يكون مجرد متفرج في عالم تزاحم المي��ول، فم��تى ما تغلب ميل بمقتضى العوامل الطبيعية والاجتماعية سار خلف��ه، أو أن علي��ه أن يمتل��ك زم��ام الأم��ر ويك��ون ل��ه ع��بر نش��اطه الفك��ريhا بالامتناع والإرادي دور المتوجه المعين للمسير، حتى أنه يقوم أحيان

عن إشباع حاجياته الطبيعية؟ في الحال��ة الأولى، س��وف يس��لم الأم��ر طائع��hا أعمى أبكم للغرائ��ز

تمامhا،

128

Page 129: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

hا للعاص��فة أو الس��يل، ويس��تقيل من إنس��انيته كما يسلم نفسه أحيان��دعى ب��التعبير ة. إن ه��ذه الحال��ة ت ويهم��ل الق��وى الإنس��انية الخاص�� القرآني ب�»الغفلة«؛ الغفلة التي تدع الإنسان يسف حتى يت��نزل عن

ل أولئك همم���راتب الحي���وان: لأنعم بـــل هم أضـــ ٱأولئك ك ﴿ ﴾لغفلون .1ٱ

أما في الحالة الثانية، فيطرح تساؤل آخر عن المعيار الذي به يرجح الإنسان بعض حوائجه ومتطلبات��ه على الأخ��رى، ولأن ه��ذا التس��اؤلا، وجب أن يج��اب عن��ه بج��واب بغض النظ��ر عن hيش��مل ال��دين أيض��

المقاييس التعبدية.يمكن الإجابة عن التساؤل الآنف بثلاثة أجوبة:

��ة في الل��ذة، فم��تى ك��ان عم��ل م��ا أك��ثر ل��ذة الأول: مقياس الأكثري��ه لا يمكن جع��ل الملاك هن��ا انتخبناه عند ال��تزاحم. ومن الط��بيعي أن اللذة الفعلية، فقد تكون لعمل ما لذة فعلية لكنها مشفوعة بعد ذلك�ه من الممكن ألا نك��ون ق��د ذقن��ا من قب��ل بألم شديد. علاوة على أن ل��ذة بعض الأعم��ال ح��تى نقارنه��ا إلى غيره��ا، فالس��بيل الص��حيح لتش��خيص الأل��ذ ه��و معرف��ة حقيق��ة الل��ذة وملاكه��ا، ثم نعم��ل على معرفة الأك�ثر ل�ذة من خلال المقارن�ة والحس�اب العقلي. ونحن ق�د قمنا من قبل بمثل هذه المحاس�بة، ووص�لنا إلى ه�ذه النتيج�ة، وهي

لله خيأن لذة القرب إلى الله لا تعد لها ل��ذة ولا تبلغه��ا رغب��ة: س�و ٱ ﴿ .2﴾وأبقى

.179 سورة الأعراف، الآية 1.73 سورة طه، الآية 2

129

Page 130: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الث��اني: أن نق��ارن بين الغرائ��ز على أس��اس غاياته��ا، ثم نعم��ل على ترجيح الأفضل غاية. وقد قلن��ا من قب��ل أن للغرائ��ز ش��عبتين: الأولى حفظ الوجود، والثاني��ة تحص�يل الكم�ال. وغاي�ة الش�عبة الأولى بق�اء الإنسان في هذا العالم لكي يطوي طريق تكامله. فمثلاh غاي��ة الأك��ل والشرب تأمين الاحتياجات البدنية للإبقاء على الحياة الدنيوية، وغاية غريزة ال��دفاع الص��يانة من الأخط��ار لإدام��ة الحي��اة، وغاي��ة الغري��زة الحسية والعواطف العائلية والاجتماعية هي بقاء النوع الإنس��اني، إلا أن غاية الفرع الثاني غاية لامتناهية وخالدة، ومن الواضح أنها الغاي��ة

لأخرة خي وأبقىالأسمى والأبقى: ﴾و س� ٱ ﴿1. الث��الث: أن غرائ��ز الش��عبة الأولى له��ا ب��الطبع ج��انب مق��دمي؛ لأن دورها تهيئة الأرضية المناسبة، وتحقي��ق إمكان��ات التكام��ل، في حين أن الشعبة الثانية تمتلك أصالةh بالنسبة إلى الأولى. ومن الواض��ح أن قيم��ة المقدم��ة بقيم��ة ذي المقدم��ة، ولا يمكن اس��تبدال ه��ذا بتل��ك. بعبارة أخرى، إن غرائز الشعبة الأولى ليست لها أي حاكمية بالنسبة إلى غرائز الشعبة الثاني��ة، وإنم��ا لك��ل منه��ا حرك��ة خاص��ة به��ا، لكن غرائز طلب الكم��ال ن��اظرة وحاكم��ة على س��ائر الغرائ��ز؛ ذل��ك لأن مقتضاها تعبئ��ة الطاق��ات كله��ا في س��بيل التكام��ل علي��ه، فيجب أنا لتحديد وتوجيه سائر المتطلبات. hونجعلها معيار - hنعدها حاكمة -عملا

ومن البحوث السابقة عرفنا أن الكمال النهائي للإنسان، والذي

.17 سورة الأعلى، الآية 1130

Page 131: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

أ الطاق��ات كله��ا للوص��ول إلي��ه ه��و الق��رب إلى الل��ه - يجب أن تعبلمنتهىتعالى-: ﴾وأن إلى ربك ٱ ﴿1.

النتيجة النهائية علمنا أن الإنس��ان يجب ألا يك��ون مج��رد متف��رج في قب��ال العوام��ل الطبيعية والاجتماعية والتضاد بينها، وإنما عليه أن يمتلك دور الموجهة، وأن يق��وم ع��بر نش��اطاته المس��تفيد من الق��وى الإنس��انية الخاص����ة الواعي��ة بتحري��ك الطاق��ات كله��ا في المس��ير الص��حيح، الإرادي

وتوجيهها نحو الهدف الأصلي والكمال النهائي. لا شك في أن أح��د ه��ذه الطاق��ات الإنس��انية ال��تي يمكنه��ا أن تع��ود الإنسان لتحقق هذا السعي الموجه هو القوة العقلية، ولتقويتها الأثر المهم في السير التكاملي للإنسان، وحتى أن س��قراط اعت��بر أص��ل الفض��يلة ه��و العق��ل والعلم والحكم��ة )طب��ق التعب��يرات المختلف��ة - المنقولة عنه(، لكن أرسطو أشكل عليه ب��أن الإنس��ان ال��ذي يمتل��ك��ة، ول��ذا لا علمhا وحكمة ولا يعمل بهما ليس واج��دhا للفض��ائل الأخلاقي

يمكن اعتبارهما أصل كل الفضائل.�ة ونحن مع قبولنا له�ذا الإش��كال، نض�يف ب�أن عم�ل الق�وى الإدراكي��ة الس��ماوية والأن��وار ليس البعث والتحريك، بل حتى الهدايات الإلهي فوق العقلية أيضhا لا تستطيع بنفسها أن تحرك الإرادة، ولا يمكنها أن

تضمن وصول الإنسان إلى الكمال المطلوب.

.42 سورة النجم، الآية 1131

Page 132: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا فأتبعــه لخ منهــ نســ لذي ءاتينــه ءايتنــا ف ــأ تل عليهم نب ٱو ٱ ٱ ﴿ لغــاوين يطن فكـاـن من ٱلشــ ــه بهــا١٧٥ٱ ئنا لرفعن ولــو شــ

تبع هوىهۥولكنه لأرض و ﴾ أخلد إلى ٱ .1ٱ الشرط الكافي للسعادة هو سيطرة المتطلبات الس��امية والعبودي��ة لله، وتقهقر النزعات المنحطة النفسية والشيطانية، ولكننا نؤكد فيرة لها دوره��ا المهم ج��دhا في الوقت نفسه أن القوة الإنسانية المفك توجيه الإرادة. وإن هذه الق��وة هي نفس��ها ال��تي تس��اعدنا في تهيئ��ة مقدمات الاختيار والتنظيم والتوجيه له��ا، وه��ذه البح��وث هي نم��اذج من آثارها. على هذا، يجب علينا دائم��hا أن نش��خص س��بيلنا في ظ��ل

هدايات العقل ونهيئ أنفسنا لتقبل الأنوار الإلهية. إن قوة العقل لها أهمية ك��برى لتش��خيص اله��دف ومعرف��ة المس��ير الأصلي؛ لكنها لا تكفي لمعرفة جزئيات الطريق والط��روح الدقيق��ة،

ومن هنا نحتاج إلى الوحي والاستعانة بنظمه الشاملة. تقوية التصور الديني توسعة الوعي النابع من المنابع الدينية الأص��يلة أمر ضروري جد|ا، كما أن تقوية الإدراك الفطري بواسطة التوجه�ات القلبي��ة والتم��رس في مج��ال تركيزه��ا ع��بر الأش��كال المختلف��ةا وأصالة لتحقيق hللعبادات، عامل مهم جد|ا، بل هو أشد العوامل تأثير التكامل الحقيقي. ومن الواضح أن معرفة ه��ذه الحق��ائق كله��ا إنم��ا

كانت ببركة العقل والتفكير العقلاني.

.176 و 175 سورة الأعراف، الآيتان 1132

Page 133: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

المهم في القس��م الأخ��ير من ه��ذا البحث ه��و أن نعلم كي��ف ن��وفر المقدمات لإثارة المتطلبات الإنسانية السامية والميل للوص��ول إلى مقام القرب الإلهي، وكيف نقوي ه��ذه المتطلب��ات والمي��ول ونغلبه��ا

على غيرها.��hا أث��ر لقد سلف منا القول أن توعية ميل ما وإثارت��ه ق��د يك��ون أحيان بعض التفاعلات الداخلية للبدن، كما قد يكون على أث��ر التم��اس م��عhا نتيج��ة النش��اطات النفس��ية المواد الخارجية، كما قد يكون أيضhا ثالث��ة. إنن��ا نج��د ال��تي تتح��رك هي ب��دورها بواس��طة المحرك��ات الخارجي الغرائز من شعبة حفظ الوجود تثار عادة بواسطة الع��املين الأولين،��ات الش��عورية للإنس��ان، أما حكمة كون إثارتهما غير منوطة بالفعالي فتكمن في أن الحياة الفردية والاجتماعي��ة للإنس��ان في ه��ذا الع��الم منوطة مباشرة بفاعلية هذه الغرائز، فإذا كان عمله�ا منوط�hا ب�إرادة الإنسان واختياره، فقد تتعطل على أثر غفلته أو أفك��اره المغلوط��ة،��ه بع��د ت��وافر وحينئذ تنعدم الأرضية المساعدة للسير التكاملي، ولكن��ة المس��اعدة يص��ل ال��دور إلى النش��اط الإرادي الأرض��ية التكاملي الإنس��اني باتج��اه الكم��ال، ولأن التكام��ل الحقيقي للإنس��ان إرادي، فكلما كانت دائ�رة الاختي��ار الح��ر أوس��ع كلم��ا ك��ان إمك��ان التكام�ل الإرادي أشد وأكثر. ومن هنا، فإن الشعبة الثانية من الغرائز، وح��تى إيقاظها وتعيين مس��يرة إش��باعها أوكلت إلى الإنس��ان إلى ح��د كب��ير

لكي يوفر المقدمات اللازمة لتحقيق النتائج التكاملية.

133

Page 134: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

�ة في الإنس�ان، وتش�بع ه�ذه الحاج�ة، فعن��دما تص�بح حاج�ة م�ا فعلي وتحصل لذة أو يرتفع ألم، تحصل النفس على توجه أكثر إليه��ا. وفي المرحلة الثانية، تظهر تلك الحاجة بشكل أشد إلحاحhا. وهك��ذا وعلى أث��ر التك��رار، ت��أنس له��ا النفس وتتعل��ق بالموض��وع الخ��ارجي ال��ذي يتعل�ق ب�ه الفع��ل ويش�كل بنح��و م�ا وس��يلةh لإش�باع تل��ك الحاج�ة أو الش���يء الفلاني أو الش���خص الفلاني، ولازم حبن���ا توج���ه النفس المستمر للمحبوب والقيام بالأعمال المتناس��بة مع��ه، ف��إذا ش��ئنا أنئ كل قوان��ا في س��بيل الوص��ول إلى نمنح سيرنا الجهة الخاصة ونعب هدف معين كان علينا أن نسعى إلى تحقيق استمرارية توجه النفس للهدف وجهته وأنسها ب��ه والتمرك��ز في خ��ط واح��د مش��روط بع��دم التوج��ه إلى الجه��ة المخالف��ة وع��دم الالتف��ات إلى أي مطلب آخ��ر، ب��ل تس��خر الغرائ��ز كله��ا كخادم��ة لتحقي��ق المي��ل الع��الي hاس��تقلالا والمتطلب للكمال ويجعل إش��باعها يتب��ع إش��باع ه��ذا المي��ل الع��الي، والتوفي��ق في ه��ذا العم��ل رهين البرن��امج العملي المش��تمل على الس��عي الإيج��ابي والس��لبي المعين في مج��ال تقوي��ة المي��ل نح��و الكمال وعبادة الله. وأهم المواد الإيجابية في هذا البرنامج هي كم��ا

يأتي: . العبادة، خصوصhا الصلوات الواجبة، وأداؤها في وقتها، مع حض��ور1

قلبي وإخلاص كامل.لمؤمنون ٱقد أفلح شعون١﴿ لذين هم في صلاتهم خ ﴾ .1ٱ

.2 و 1 سورة المؤمنون، الآيتان 1134

Page 135: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

ا من أوقاتن��ا للتوج��ه القل��بي، hص مق��دار وعند الإمكان يجب أن نخص��وذلك في وقت ومكان مناسبين.

ع�ا وخيفة� بك في نفسك تضر ذكر ر ﴾و ٱ ﴿1. إدامة هذا العمل توجب أنس القلب بالله وذوق ل��ذة المناج��اة مع��ه،��ة، ويجب ألا ننس��ى الإنف��اق والإيث��ار، وعدم الاهتم��ام باللذائ��ذ المادي وهما أفض��ل الوس��ائل للإع��راض عن اللذائ��ذ الدنيوي��ة والزه��د فيه��ا

وتطهير النفس من درن الدنيا.لمفلحونۦ﴿ومن يوق شح نفسه ﴾ فأولئك هم .2ٱ

ا تحبون لبر حتى تنفقوا مم ﴾لن تنالوا ٱ ﴿3.رهم وتزكيهم بها ﴾خذ من أمولهم صدقة� تطه ﴿4.

إن الصلاة والإنفاق يكملان بعضهما بعضhا، وربم��ا ك��ان ه��ذا ه��و س��رــوةتقارنهما الغالب في القرآن الكريم: ك لز لوة و لص ني ب ٱوأوص ٱ ﴿

.5﴾ما دمت حي�اا من أوقاتن��ا للتفك��ير في ص�فات الل�ه2 hص ك�ل ي�وم مق�دار . لنخص�

والآيات الإلهية، وهدف الخلقة والنعم المتوالية اللانهائية له -تع��الى-، وكذلك في تشخيص السبيل الص��حيح وط��ول المس��ير وقل��ة ال��وقت

والطاقة وكثرة الموانع وسخف الأهداف

.205 سورة الأعراف، الآية 1.9 سورة الحشر، الآية 2.92 سورة آل عمران، الآية 3.103 سورة التوبة، الآية 4.31 سورة مريم، الآية 5

135

Page 136: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

الدنيوية المحدودة وكون لذائذها مشوبة ومسبوقة وملحوق��ة ب��الآلام والمصائب، وكذلك في الأشياء كله��ا ال��تي تش��جع الإنس��ان في طي

طريق العبودية وتمنعه من عبادة الذات والدنيا. لقو يتفكرون ﴾إن في ذلك لأي ر� ر� ﴿1.

. ليكن لن��ا برن��امج ي��ومي لق��راءة الق��رآن الك��ريم بتوج��ه وت��دبر3 وإمعان، ومطالع��ة الرواي��ات والمواع��ظ والكلم��ات الملأى بالحكم��ة والأحكام الفقهية والتعليمات الأخلاقية ليبقى الهدف وسبيله الصحيحماثلاh في أعماقنا، ولتكون توعية حسن طلب الكمال وتذكيرها دائمhا.

دك لقرءان للذكر فهل من م رنا ر�﴾ولقد يس ٱ ﴿2.أما المواد السلبية في هذا البرنامج الحياتي، فأهمها ما يأتي:

. عدم الإسراف في إشباع اللذائذ المادية التي توجب أنس النفس1 باللذات الحيوانية، وإنم��ا نس��عى لكي يك��ون ال��داعي إلى الاس��تفادة من النعم الدنيوية هو تهيئة المق��دمات للس��ير؛ أي الس��لامة والق��وة والنشاط البدني للعبادة والشكر، ويشكل الص��وم وع��دم الش��بع في الأكل وقلة الكلام وقلة الن��وم م��ع رعاي��ة الاعت��دال وحف��ظ الس��لامة

أجزاءh لهذه المادة.

.3 سورة الرعد، الآية 1.40 - 32 - 22 - 17 سورة القمر، الآيات 2

136

Page 137: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

للغو معرضون لذين هم عن ﴾و ٱ ٱ ﴿1.﴾وأن تصوموا خي لكم س� ﴿2.

��ة ال��تي يمكنه��ا أن تك��ون2 ية والخيالي . السيطرة على القوى الحس��ا من��ع العين والأذن من h��ة، خصوص�� h للمي��ول الحيواني بالت��داعي منش��أ�ة، وبش��كل رؤية المناظر الشهوانية وسماع الأصوات الباطل��ة الملهي

عام صرف النظر عن كل ما لا يرضى به الله.لفؤاد كل أولئك كان عنه مس ولا� لبصر و مع و لس ﴾إن ٱ ٱ ٱ ﴿3.

. الاحتفاظ بالتفكير عن مه��اوي الانح��راف الفك��ري، والامتن��اع عن3 المطالعة والبحث في الشبهات التي لا نقدر على الجواب عنها، وإذا ما طرحت لدينا مثل هذه الشبهات أو س�معناها وجب علين�ا الس�عي

لتحصيل الجواب المقنع عنها.لله يكفر لكتب أن إذا سمعتم ءايت ل عليكم في ٱوقد نز ٱ ﴿ وا في ــ ــدوا معهم حتى يخوض ا فلا تقع ــ ــتهزأ به ا ويس ــ به

ــيره ــ ديث غ ــ ــ لمنفقينۦح امع ــ ــ لله ج ثلهم إن ٱ إنكم إذ�ا م ٱلكفرين في جهنم جميعا ﴾و .4ٱ

»من أصغى إلى ناطق فقد عبده؛ فإن كان الن��اطق ي��ؤدي عن الل��ه فق��د عب��د الل��ه، وإن ك��ان الن��اطق ي��ؤدي عن الش��يطان فق��د عب��د

.5الشيطان«

.3 سورة المؤمنون، الآية 1.184 سورة البقرة، الآية 2.36 سورة الإسراء، الآية 3.140 سورة النساء، الآية 4.13، ص9، ج10 الحر العاملي، وسائل الشيعة، أبواب صفات القاضي، باب 5

137

Page 138: books.almaaref.org · Web viewوإنّ آيةَ الله الشيخ اليزديّ، عالمٌ ربّانيٌّ وفيلسوفٌ متبحِّرٌ، مطّلعٌ على حقائق

النقطة التي يجب ألا نغفله��ا عن��د تنظيم ه��ذا البرن��امج وتنفي��ذه هي رعاية أصل التدرج والاعتدال بمعنى عدم تحميل أنفسنا ما لا تتحمله��ه ي��ؤدي إلى العص��يان وع��دم من ضغط، إذ إن ذلك بالإض��افة إلى أن��ة ��ة أو روحي ا بدني hالطاعة من قبل النفس يمكن أن يورد علينا أضرار لا تجبر. على هذا، فمن الحسن التشاور مع ش��خص واع خب��ير قاب��ل

للاعتماد في وضع مثل هذا البرنامج. وك��ذلك من ط��رف آخ��ر، لا ينبغي التماه��ل والتس��اهل في إج��راء البرنامج الدقيق والتماس الأعذار؛ ذلك لأن أثر هذا البرنامج يتوق��ف��ل على الل��ه على اس��تدامة تنفي��ذه، وعلى أي ح��ال يجب أن نتوك

ونلتمس منه العون والتوفيق، والحمد لله رب العالمين.

138