863

91

Upload: kotob-arabia

Post on 26-Jun-2015

405 views

Category:

Education


4 download

TRANSCRIPT

Page 1: 863
Page 2: 863

)هـ٤٧٨ت(ألبي سعيد عبد الرمحن النيسابوري الشافعي

قرأه وضبط نصه مراد حيىي/ الدكتور

Page 3: 863

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

Page 4: 863

٨٧ فهرس املوضوعات

الصفحةفهرس املوضوعات ٣ املقدمة

٥ فصل يف بيان العبارات املصطلح عليها بني أهل األصول ٥ فصل يف حد العلم

٧ فصل ٧ فصل ٨ فصل

٨ مسألة يف حدوث العامل ١٢ مسألة يف ثبوت الصانع ١٣ واحد مسألة يف أن صانع العامل

١٦ مسألة يف أن صانع العامل موجود حقيقة ١٧ مسألة يف أن الباري تعاىل قدمي

١٧ مسألة يف أن الباري سبحانه وتعاىل قائم بنفسه ٢١ مسألة يف أن الباري تعاىل ال يشبه شيئا وال يشبهه شيء

٢١ مسألة يف أن الباري تعاىل ليس حبجم ٢٢ ام حادث بذات الباري تعاىل مسألة يف أن ال جيوز قي

٢٣ مسألة يف أن الباري سبحانه وتعاىل ليس جبوهر ٢٤ مسألة يف أن الباري تعاىل ليس بعرض

٢٤ مسألة يف أن الباري تعاىل قادر ٢٤ مسألة يف أن صانع العامل عامل

٢٥ مسألة يف أن احلق سبحانه وتعاىل حي ٢٥ ألفعاله على احلقيقة مسألة يف أن الباري تعاىل مريد

٢٦ مسألة يف أن الباري تعاىل مسيع بصري ٢٧ مسألة يف أن الباري تعاىل متكلم

٢٧ مسألة يف أن الباري تعاىل باق

Page 5: 863

٨٨

الغنية يف أصول الدين

٢٧ مسألة يف أن الباري عامل وحي قادر بقدرة بعلم، حبياة ٣٠ مسألة يف أن اهللا تعاىل صفة وهي اإلرادة تتعلق باردات كلها

٣١ مسألة يف أن علم اهللا تعاىل صفة قدمية قائمة بذاته ٣٢ مسألة يف أن الباري تعاىل متكلم بكالم قدمي أزيل

٣٨ مسألة يف أن كالم اهللا منـزل على احلقيقة ٣٨ مسألة يف أن كالم اهللا مسموع على احلقيقة

٣٩ مسألة يف أن كالم اهللا تعاىل مكتوب يف املصاحف ٣٩ القراءة أصوات القراء ونغمام مسألة يف أن

٣٩ مسألة يف أن كالم اهللا تعاىل واحد ٣٩مسألة يف أن صفات اهللا تعاىل ال توصف بأا مغايرة وكذلك الذات مع الصفات

٤٠ مسألة يف أن البقاء صفة للباقي زائدة على الذات ٤٠ مسألة يف أن للباري تعاىل يف األزل اسم وصفة

٤١ أن الصفات الزائدة على ما دل عليه العقل مسألة يف ٤٣ مسألة يف أن ال خالق إال اهللا سبحانه وتعاىل ٤٩ مسألة يف أن العبد قادر على كسبه وله فعل

٤٩ مسألة يف أن احلوادث كلها بقضاء اهللا تعاىل ٥٤ مسألة التوفيق خلق قدرة الطاعة

٥٤ مسألة يف احلسن والقبيح ٥٦ يف أن طريق اإلجياب الشرع مسألة

٥٧ مسألة يف أن ال واجب على اهللا أصال ٥٨ مسألة يف أن الباري تعاىل يصح أن يرى باألبصار عقال ٦٢ مسألة يف جواز بعث املرسلني واألنبياء إىل اخللق كافة

٦٣ مسألة يف أن املعجزة دالة على صدق األنبياء ٦٥ العادة على أيدي األولياء على سبيل الكرامةمسألة يف جواز ظهور ما خيرق

٦٦ مسألة يف أن السحر حق ٦٧ مسألة يف أن النيب حممد هو أفضل األنبياء وخامت النبيني

Page 6: 863

٨٩ فهرس املوضوعات

٧٠ مسألة يف أن األنبياء معصومون عما يناقض مدلول املعجزة ٧٠ مسألة يف أن حشر اخلالئق ونشرهم بعد إفنائهم حق

٧١ لقرب ومسألة منكر ونكري حق ثابت مسألة يف عذاب ا ٧٢ مسألة يف الروح

٧٣ مسألة يف الكتب وامليزان والصراط ٧٣ مسألة يف أن اجلنة والنار خملوقتان

٧٤ مسألة يف ثواب املطيع ٧٥ مسألة يف أن مرتكب الكبرية مل يستحق اسم الكفر

٧٦ مسألة يف شفاعة حممد صلى اهللا عليه وسلم ٧٧ يف حقيقة اإلميان مسألة

٧٨ مسألة يف التوبة ٧٩ مسألة يف أن التوبة واجبة على كل من عصى اهللا تعاىل وخالف أمره

٧٩ مسألة يف قبول التوبة على اهللا عقال ٧٩ مسألة يف أنه تصح التوبة عن بعض الذنوب مع اإلصرار على غريه

٨٠ ذنب توبته مث عاد إىلصحتمسألة يف من تاب عن ذنب و ٨٠ مسألة يف شرائط اإلمامة

٨٠ مسألة يف عدم جواز نصب إمامني يف عصر واحد ٨١ مسألة يف أن اخلليفة بعد رسول اهللا غري منصوص عليه

٨٢ مسألة يف أن اخلليفة احلق بعد رسول اهللا أبو بكر الصديق ٨٣ والعقدمسألة يف أهل عقد اإلمامة ال يشترط فيه إمجاع مجيع أهل احلل

٨٣ مسألة يف أفضل الصحابة بعد رسول اهللا وخريهم أبو بكر رضي اهللا عنه ٨٤ مسألة اخلالفة بعد أيب بكر لعمر رضي اهللا عنهما

٨٤ مسألة عثمان قتل ظلما ٨٥ مسألة الذين قاتلوا عليا

٨٦ مسألة األمر باملعروف والنهي عن املنكر ٨٧ الفهرس

Page 7: 863

٩٠

الغنية يف أصول الدين

Page 8: 863

٣ الغنية يف أصول الدين

مقدمة املؤلفبسم اهللا الرمحن الرحيم اللهم صل على حممد وآله، احلمـد هللا رب العاملني محدا

يزيد وال يبيد وصلواته على خري خلقه حممد صالة تنفع مصليها عليه وتفيد، ورأفة علـى .وتعيدأصحابه وأهل بيته رأفة تبدى الرمحة عليهم

اعلم وفقك اهللا للرشاد وهداك إىل احلق والسداد، أين ملا رأيت ظهـور البـدع والضالالت، وكثرة اختالف املقاالت، أحببت أن أتقرب إىل اهللا تعاىل ذكره، وجلـت قدرته بإظهار احلق بني املقاالت املختلفة، وكشف متويه امللحدة واملشبهة متحريا بـذلك

به على إميانه، وقدمت عليه فصوال ال بد من معرفتها، وآثرت يف جزيل الثواب، ومستغنيا ذلك التخفيف واجتنبت التطويل وإىل اهللا أرغب يف أن يوفقين للصواب وال حيرمين يف ما

.أمجعه جزيل الثواب، وبه أستعني إنه خري موفق معني

Page 9: 863
Page 10: 863

٥ الغنية يف أصول الدين

فصل يف بيان العبارات املصطلح عليها بني أهل األصول

جـوهر : هو اسم لكل موجود سوى اهللا تعاىل، وينقسم قسـمني :منها العامل .وأعراضفاجلـوهر كل ذي حجم متحيز، واحلـيز تقـدير املكـان، ومعناه أنه ال جيوز

.أن يكون عني ذلك اجلوهر حيث هو . فاملعاين القائمة باجلواهر، كاملطعوم والروائح واأللوان:وأما العرض . الذي ال يتصور جتزئه عقال وال تقدير جتزئه ومهاهو اجلزء: واجلوهر الفـرد .فهو املؤلف، وأقل اجلسم جوهران بينهما تأليف: وأما اجلسم . اسم لالجتماع واالفتراق واحلركة والسكون:واألكوان

فصل يف حد العلم . معرفة املعلوم على ما هو به:حقيقة العلم على ما هو به مع سكون النفس الواقع حقيقة العلم اعتقاد الشيء : وقالت املعتزلة

. علم الباري تعاىليوقصدوا بذلك نف. عن ضرورة أو نظروهذا احلد باطل، فإن اهللا تعاىل ليس له نظري وال زوجة وال ولد، فإن هذه علوم،

. ألن الشيء عندنا املوجود وعندهم املعدوم الذي يصح وجوده؛وليست باعتقاد أشياء .املعتقد على خالف ما هو بهاعتقاد : أما اجلهل .تردد بني معتقدين من غري ترجيح: والشك .أن يترجح أحد املعتقدين على اآلخر: والظن .ينقسم إىل قدمي وحادث: والعلم .علم اهللا تعاىل وليس بضروري وال كسيب: فالقدمي .ضروري وبديهي وكسيب : واحلادث على ثالثة أقسام ال انفكـاك له منه ادث الذي يلزم ذات العـامل لزوما العلم احل هو: فالضروري

العلم احلاصل عن إدراك احلواس وعلـم اإلنسـان :وليس للشك إليه سبيل، وذلك مثل

Page 11: 863

الغنية يف أصول الدين٦

.بنفسه وما يلحقه من األمل واللذة وغريهافيقرب من الضروري وهو علم اإلنسـان باسـتحالة اجتمـاع : وأما البديهي

ن والسواد والبياض واستحالة كون املوجود الواحـد يف احلركة والسكو :املتضادين مثل .الوقت الواحد يف مكانني وحنو ذلك

فالعلم احلاصل عن نظر واستدالل ومن حكمه جواز طريان الشك : وأما الكسيب .واإلبطال عليه

أنه ال حيسن أن يقول الرجل علمت ومـا :فهو العلم والدليل عليه : وأما العقل لمت إال أنه اسم لنوع من العلم وهو البـديهي دون الضـروري عقلت أو عقلت وما ع

.والكسيب ألن أصل العلوم الضرورية احلواسومن اجلائز أن يكون املوجود عاقال وال حاسة له والكسيب حيصل عن نظر والعقل .يسبق النظر

.وأما الدليل فهو املرشد إىل املقصود وينقسم ذلك إىل عقلي ومسعي .داللة الصنع على الصانعمثل : فالعقلي .خرب الصادق مثل كتاب اهللا وسنة رسول اهللا عليه السالم : والسمعي فهو فكر القلب والتأمل يف حال املنظور لطلب حقيقة العلم أو غلبة : وأما النظر

.ظن .صحيح عندنا وحيصل به العلم : والنظر ال من جهـة احلـواس وأنكرت طائفة من الدهرية صحة النظر وقالوا ال معلوم إ

.وتطرقوا بذلك إىل نفي الصانع عرفتم فساد النظر أو تشكون فيه ؟: والدليل علي بطالن قولـهم أن نقول هلم ال معلوم إال من جهة احلـواس ألن :فإن قالوا نقطع ببطالنه فقد أبطلوا قولـهم

.ساد النظر ال يعرف حسافالعلم دعوناهم إىل النظر يف الدليل، فإن إىل الشك يف كون النظر طريقا :وإن قالوا

نظروا يف الدليل واعترفوا حبصول العلم فقد أقروا ببطالن مذهبهم، وإن أنكروا حصـول .العلم فقد قطعوا بأن النظر ليس بطريق إىل العلم وفيه إثبات علم حاصل ال باحلواس

Page 12: 863

٧ الغنية يف أصول الدين

ورة أو علمتم فساد النظر ضـر : ومن الدليل على بطالن قولـهم أن نقول هلم حنن علمنا بطالن مذهبكم ضـرورة إذ : ضرورة عكسنا عليهم، قلنا :بالنظر؟، فإن قالوا

.ليس أحد اخلصمني بدعوى ضرورة ينفرد ا بأوىل من اآلخر إىل العلم، فإم عرفوا فقد أقروا بكون النظر طريقا عرفنا بطالنه نظرا :وإن قالوا

.بالنظر فساد النظر إىل العلم فعـرفتم ذلـك مثل ذلك فإنكم جعلتم النظر طريقا يلزمكم : فإن قيل

عرفنا نظرا:فإن قلتم عرفناه ضرورة ادعينا حنن بطالنه ضرورة، وإن قلتم . اضرورة أو نظر .فكيف يعرف الشيء بنفسه

فهو لغـو وإن قلنا عن سؤالكم يلزمكم ألنه نوع من النظر، فإن مل يكن مفيدا .ن النظر ففيه إقرار بأن النظر يفيد العلم للعلم ببطالكان مفيدامث جوابنا عنه إنا نصحح النظر بنوع من النظر داخل يف مجلة النظر فصحح نفسه

وغريه، كالعلم يعلم به املعلومات ويعلم بالعلم نفس العلم وىف كتاب اهللا تعـاىل آيـات ـ :كثرية وتدل على أن النظر طريق إىل العلم مثل قـولــه تعـاىل ال ينظـرون أف

]١٧:الغاشية[ وافكرتي لم أو ]وقولــه تعـاىل ]١٨٤:األعراف : واـدباعو .وذلك أكثر من أن حيصى ]٣٦:النساء[

فصل النظر ينقسم إىل صحيح وفاسد

وفساده . فالصحيح ما يؤدي إىل املقصـود والفاسد ما ال يؤدي إىل املقصـود بأن يطرأ على الـدليل قـاطع : والثاين. ن الدليل إىل الشبهة بطريقة أحدمها بأن يعدل م

.فيمتنع متام النظر فصل

ال واجب عند أهل احلق إال من جهة الشرع والسمع ولوال ورود الرسـل ملـا .وجب على العباد شيء، والعقل طريق املعرفة

لينـا وذهبت املعتزلة إىل أن العقل موجب حىت لو قدرنا أن اهللا تعاىل مل يبعث إ .الرسل كان جيب علينا أن نعرف اهللا ونشكره

Page 13: 863

الغنية يف أصول الدين٨

وما كنا معذبني : والدليل على أنه ال واجب إال من جهة الشرع قـولـه تعاىل حتى وما كان ربك مهلك القرى : وقولـه تعاىل ] ١٥: اإلسراء [حتى نبعث رسوال ].٥٩: القصص [اليبعث في أمها رسو

رسال مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس على اهللا حجـة : وقولـه تعـاىل .على االستقصاء وسنذكر املسألة] ١٦٥: النساء [بعد الرسل

إذا نفيتم وجوب األشياء عقال وعولتم يف وجوا علـى السـمع :فإن قال قائل ه إبطال النبوات، وذلك ألن أول رسول يرد من اهللا تعاىل ويدعو اخللق إليه ال يعلم كان في

سل مل يثبـت رصدقه إال بالنظر يف معجزته فال جيب النظر إال بدليل مسعي وقبل ورود ال . يلزمهم النظر يف املعجزة وفيه إبطال النبوات:الشرع ليلزم النظر حبكم ذلك الشرع، قال

ؤال يتوجه على من يقول بالوجوب عقال، فإن الطريق عندهم أن قلنا إن هذا الس قد خلقه وأنعم عليه وأراد شكره على ما أنعم عليه، ومـن العاقل خيطر بقلبه أن له صانعا

مل خيطر له هذا اخلاطر وتغافل فليس يعلم وجوب النظر يف املعجزة وال وجـوب معرفـة .جزة واجب عليه الصانع، وعندهم معرفة اهللا والنظـر يف املع

ليس من شرط الوجوب عندنا شرع مسـتقر قبـل :مث جوابنا عنه أن نقول هلم ورود الرسل ولكن الشرط ورود الرسل وظهور الداللة يف الظاهر ومتكن املخاطب مـن

.النظر فيه، وإذا وجد ذلك وجب النظر يف املعجزة فلم يتضمن قولنا إبطال النبوات فصل

لف القصد إىل النظر الصحيح املؤدي إىل العلم حبـدوث أول ما جيب على املك .العامل وإثبات العلم بالصانع

إمجاع العقالء على وجوب معرفة اهللا تعاىل، وعلمنا عقال أنـه ال : والدليل عليه يعلم حدوث العامل وال الصانع إال بالنظر، والتأمل وما ال يتوصل إىل الواجب إال به فهو

.واجب مسألة

.حمدث خملوق حدث بعد أن مل يكنالعامل العامل قدمي وليس له أول ومل يزل كان هكذا وال يـزال :وذهبت الدهرية إىل أن

Page 14: 863

٩ الغنية يف أصول الدين

ودجاجة من ةيكون هكذا رجل من نطفة ونطفة من رجل وحبة من نبات ونبات من حب .بيضة وبيضة من دجاجة وليل من ار وار من ليل

إثبات أصول ومقدمات إذا صحت وثبتت على طريقني والكالم يف هذه املسألة .ثبت حدوث العامل

.والثاين يدل على بطالن مذهبهم واستحالة قولـهم يدل علـى إثبـات : األصل األول : أما الطريق األول فيعتمد على ثالثة أصول

.األعراض وهي املعاين القائمة باجلواهر .موجود إال اجلواهر ال :وأنكرت طائفة من امللحدة األعراض بالكلية وقالوا فيتحرك ويزول عن جهتـه والدليل على ثبوت األعراض أنا نرى اجلوهر ساكنا

اليت كان فيها إىل غريها مع جواز أن ال يتحرك ويبقى يف جهته، فإذا كان من اجلائز أن ال بد له من موجب أوجب زواله باحلركة بدال عن استمرار السكون ال اختصيتحرك فإذا .عن حمله

قبـل مث املوجب ال خيلو إما أن يكون نفسه وهو حمال ألن نفسه كان موجـودا .ذلك الوقت وبعده، واحلركة غري موجودة فثبت أن املوجب أمر زائد عليه

بد وأن يكون ذلك املعىن ثانيا موجـودا فإذا ثبت أنه يقتضي معىن زائدا عليه فال . موجبا حكماألن العدم نفي حمض، والنفي ال جيوز أن يكون

فإذا ثبت أن الزائد على اجلوهر موجود فال خيلو إما أن يكون مثـل اجلـوهر أو خالفه، وال جيوز أن يكون مثله ألن مثل اجلوهر جوهر آخر فليس أحد اجلوهرين بإجياب

.حركة يف اآلخر بأوىل من أن يكون اجلوهر اآلخر موجبا غري تلك احلركة فيهفال خيلو إما أن يكون فاعال خمتارا أو معىن قائما بـه هـو فإذا ثبت أنه خالفه .املوجب

وال جيوز أن يكون ذلك اخلالف فاعال خمتارا ألن الكـالم يف جـوهر موجـود، واملوجود ال يفعل بل يستغين بوجوده عن الفاعل فثبت أنه معىن زائد عليه قائم به وهو ما

.ذكرناه من األعراض أن اجلـوهر : أن ما أثبتناه من األعراض حادثة والدليل عليه األصل الثاين يدل على

الساكن إذا حترك فقد طرت عليه احلركة ودل طرياا على انتفاء السكون عنه وانتفـاء

Page 15: 863

الغنية يف أصول الدين١٠

.دمي يستحيل عدمهقالسكون دليل حدوثه ألن ال ومل أنكرمت على من يقول إن احلركة ما حدثت والسكون مـا انتفـى، :فإن قيل .؟كانت كامنة فظهرت والسكون كان ظاهرا فكمن وتسترولكن احلركة لو كان كذلك الجتمع احلركة والسكون يف احملل وقد علمنا استحالة كـون :قلنا

ومل :فإن قيل . الشيء الواحد متحركا ساكنا، فكذلك يستحيل اجتماع احلركة والسكون . إن القدمي يستحيل عدمه ؟:قلتم

:دمه أنه لو جاز عدمه لكان ال خيلو إمـا أن يقـال الدليل على استحالة ع : قلنا عدمه حالة ما يعدم واجب حىت يستحيل عليه البقاء على تلك احلال، أي حالة الوجود أو

عدمه يف تلك احلالة من اجلائزات وجيوز أن يستمر وجوده يف تلك احلالة أي حالة :يقالك احلالة واجبـا حـىت ال جيـوز وال جيوز أن يكون العدم يف تل،الوجود بدال عن العدم

استمرار الوجود ألنا جنوز بقاء احلركة يف املتحرك حالة ما سكن ولو كان عدم احلركـة واجبا الستحال تقدير بقائها يف تلك احلالة، وإن كان عدمه جائز أو اسـتمرار الوجـود

خصـص ا فمحال ألنه إذا جاز بقاؤه وجاز عدمه فال خيتص بأحد اجلـائزين إال مب جائز .يقصد إىل التقدمي ألجل اجلائزين على اآلخر وهم أنكروا الصانع واملخصص

. ومل ال جيوز أن يكون عدمه لضد يطرأ عليه فيبطله:فإن قيل هذا حمال ألن الطارئ كما يضاد القدمي فالقدمي يضاد الطارئ أيضا فلم كان :قلنا

.ئ مبضاده القدمي لهإبطال القدمي بالضد الطارئ أوىل من امتناع ثبوت الطار ومل ال جيوز أن تكون احلركة قد انتقلت من جوهر آخر إليه ؟:فإن قيل قال ولو افتقر االنتقال إىل انتقال آخر الفتقر ذلك االنتقال إىل تنال ا ي احلركة ه :قلنا

.انتقال آخر، مث ال يزال كذلك فيتسلسل وذلك حمال .و اجلواهر عن األعراضأن عند أهل احلق يستحيل خل: األصل الثالث بيانه أنه ال جيوز أن يكون جوهر ال يكون له لون أصال وال يكون له طعم أصال

وال يكون ساكنا وال متحركا وكذلك ال جيوز أن يكون جواهر ال متصلة جمتمعـة وال .متباينة متفرقة

وذهبت مجاعة من امللحدة إىل جواز خلو اجلواهر عن مجيع األعـراض وجـوز لكعيب من املعتزلة تعري اجلواهر عن األكوان، وهو االجتمـاع واالفتـراق واحلركـة ا

Page 16: 863

١١ الغنية يف أصول الدين

.ومل جيز عريها مما سواه من األعراض . والسكون وأما معتزلة البصرة جوزوا تعريها من األكوان وسائر األعراض غري األكوان، إال

تحيل خلوه عنها وإمنا أن مجلة املعتزلة وافقونا على أن اجلوهر بعدما اتصف باألعراض يس .جوزوا ذلك يف ابتداء احلدوث

اجلـواهر القابلـة :فأما إذا أردنا الكالم مع امللحدة نفرض يف األكوان فنقـول .لالجتماع واالفتراق غري جمتمعة وال متباينة ال يعقل

وأيضا فإم جوزوا االجتماع واالفتراق فيما ال يزال وال يعقل اجتماع موجودين .فتراق سابق وال افتراق موجودين إال عن اجتماع سابقإال عن ا :وأما الرد على املعتزلة فيستدل على الكعيب باأللوان وسائر األعراض فنقول .لو جاز تعري اجلوهر عن األكوان جلاز عن األلوان ويستدل على معتزلة البصرة باألكوان فنقول ملا مل جيز تعري اجلواهر عن األكوان .ن األلوانال جيوز ع بعد قبوله لألعراض ال جيوز خلوه :ويستدل على الفريقني مبناقضتهم حيث قالوا

كل عرض اتصف به احملل ال ينتفي إال عند طريان ضده وال يـزول :عن األعراض فنقول .البياض إال عند طريان السواد، وال احلركة إال عند طريان السكون

.قال لعرض املوجود الذي كان يف احمللوالضد إمنا يطرى على زعمهم بعد انت فإذا زال العرض فهال جاز أن ال يدخل فيه الضد لو كان تعريه جائزا يف االبتداء

.وملا استحال ذلك يف االنتهاء وكذلك يف االبتداء فإذا تقررت هذه األصول ثبت حدوث العامل ألن األعراض حادثة واجلـواهر ال

.ختلوا من األعراض . يتصور خلو اجلواهر من األعراض وما ال يسبق احلادث فهو حادثوإذا مل الطـريقة الثانية تدل على استحـالة حوادث ال أول هلـا فنقـول للدهرية من

أصلكم أن ال نبات إال من حب وال حب إال من نبات وقد وجد أعدادا ال ايـة هلـا وحوادث ال اية ألعـدادها وانقضت وظهر هلا أعداد أخرى وهو ما نشاهده يف الوقت،

وال غاية إلحداها كلها حاصلة يف الوجود ال يعقل انقضاؤها وتناهيها ألن ما ال اية لـه كيف ينقضي ويفىن وملا ظهر آخر احلوادث، واألعداد ثبت أنه كان له ابتداء حىت ظهر له

Page 17: 863

الغنية يف أصول الدين١٢

.انتهاءء وعقوبة أهل النار فإن قيل أليس من قولكم أن نعيم أهل اجلنة ال آخر له وهلا ابتدا

ال آخر هلا وهلا ابتداء فإذا جاز حصول حوادث ال آخر هلا وهلا ابتداء فلم ال جيوز حصول .حوادث ال أول هلا وهلا آخر

قلنا هذا الكالم ساقط ألن نعيم أهـل اجلنـة وعقـوبة أهـل النــار معلـوم ـ ى ما هو مقدور اهللا االبتـداء واالنتهـاء يف كل وقت وأما الذي ال يتنـاهى وال حيص

تعاىل من النعمة والعقوبة فاهللا تعاىل جيدد كل وقت ألهل اجلنة نعمة وألهل النار عقوبـة مل حيصل يف الوجود وأنتم أثبتم أعدادا كلـها يومقدوراته ال اية هلا فما يثبته غري متناه

.حصلت يف الوجود وانتهت وانتهاء أعداد موجودة ال اية هلا مستحيل :تشهد على هذه اجلملة بصورة يتضح الغرض ا وذلك أن يقول الرجل لولده ويس

ال أعطيك درمها إال وأعطيك قبله دينارا وال أعطيك دينارا إال وأعطيك قبله درمها فـال يتصور العطاء حبكم الشرط أن يعطيه ال دينارا وال درمها ألن الولد مىت طالبه بالـدرهم

حىت أعطيك درمها فهذا نظـري مـا :ا وإذا طالبه بالدينار يقول حىت أعطيك دينار :يقولجوزوه فإن النبات عن احلب واحلب عن النبات وال حب إال وقبله نبات وال نبـات إال

.وانقضىوقبله حب وقد حصل اجلميع ال أعطيك دينارا إال بعده أعطيك درمها :ومثال ما جوزنا أن يقول الرجل لولده

ا إال وأعطيك بعده دينارا فيعطيه من الدراهم والدنانري ما يزيد وال ميتنع وال أعطيك درمه .العطاء حبكم الشرط فظهر فساد قولـهم

وقد خلقتك من قبـل : ويتضح ذلك بآيات من كتاب اهللا تعاىل قال اهللا تعاىل لق كل شيء وهـو الواحـد قل اهللا خا : وقال اهللا تعاىل ] . ٩: مرمي[ولم تك شيئا

ارالقه] ١٦:الرعد. [ مسألة

إذا ثبت حدوث العامل ترتب عليه ثبوت الصانع، والدليل على أن للعامل صانعا أنه ال موجود يف وقت من األوقات إال ومن اجلائز حدوثه وظهوره قبل ذلك الوقت ومـن

ن فإذا اختص يف ذلك الوقت بالوجود بـدال اجلائز حدوثه وظهوره بعد ذلك الوقت بزما

Page 18: 863

١٣ الغنية يف أصول الدين

.عن استمـرار العدم اقتضى خمصصا اختار الوجود يف تلك احلالةوإذا ثبت أنه يقتضي خمصصا فال جيـوز أن يكـون املقتضي علة أوجب وجوده

يف تلك احلالة كما توجب احلركة كون احملل متحركا والسوداء كون احملل أسـودا ألن .ب احلكـم مقـارنا هلـا ال تتقدمها وال تتأخر عنها العلة توجـ

فإذا كان حكم العلة يقارن العلة فالعلة ال ختلو إما أن تكون قدمية أو حمدثة فـإن كانت قدمية أوجبت قدم العامل وقد دللنا على حدوثه وإن كانت العلة حادثة أيضا تفتقر

.إىل خمصص ومقتض .ك والقول ذا يؤدي إىل التسلسلمث للكالم يف علة العلة مثل ذل وال جيوز أن يكون املخصص واملقتضي طبيعة ألن على قول من يثبت الطبيعـة

أثري الطبيعة عند ارتفاع املواقع من غري تأخري، وإذا كان تأثري الطبيعـة ال يتـأخر تيظهر ـ دفالطبيعة إن كانت قدمية أوجبت قدم العامل وإذا كانت حا ودا ثة اقتضت خمصصا موج

.وإذا بطل ذلك ثبت أن املخصص فاعل خمتار أراد الوجود بدل عن العدمومن الدليل على إثبات الصانع أنه ال يتصور يف العقول بناء بال بان وكتابة بال .كاتب فكيف يتصور خلق بال خالق

بل ينظرون إلى اإل أفال: قال اهللا تعاىل . ويتضح ذلك بآيات من كتاب اهللا تعاىل لقتخ فكي ]١٧:الغاشية [وقولـه : لونمعا تمو لقكماهللا خو] ٩٦:الصـافات[

.وغري ذلك من اآليات مسألة

د له معنيان حإذا ثبت أن للعامل صانعا فالصانع واحد ووصفنا البارئ تعاىل بأنه وا ض بل هو واحـد علـى أن ذاته غري منقسم على معىن أنه ليس له أجزاء وأبعا : أحدمها .التحقيق

.أنه ال نظري له وال مثل له وكال املعنيني حقيقة: واملعىن الثاينوالدليل على استحالة إثبات األجزاء واألبعاض أنه إن كان له أجزاء مل خيل إما أن يكون كل جزء منه حيا عاملا قادرا أو كان بعض األجزاء خمتصا باحلياة والعلم والقـدرة

وإن : ان كل جزء منه حيا عاملا قادرا كان يف ذلك إثبات إله، ويستدل على بطالنه فإن ك

Page 19: 863

الغنية يف أصول الدين١٤

كانت احلياة والقدرة والعلم يف جزء خمصوص مل يكن اجلزء الثاين حيـا عاملـا قـادرا الستحالة وجود العلة يف حمل وثبوت حكمها يف حمل آخر كما يستحيل وجود سـواد يف

اقي من الثوب أسود وإذا ثبت أن اجلزء الثاين ال يكون حيا بعض أجزاء الثوب ويكون الب وإلهكـم : عاملا قادرا مل يكن مستحقا لصفات اإلهلية مل يكن إهلا ويتضح ذلك بقولـه

.]١٦٣:البقرة[ إله واحدا وأما الدليل على أنه ال مثل له وال نظري له أنا لو قدرنا إهلني اثنني وقدرنا أن أحدمه

إما أن حيصل مرادمهـا أو :أراد حتريك جسم وأراد الثاين تسكينه مل خيل عن ثالثة أحوال .حيصل مراد أحدمها دون الثاين

وال جائز أن حيصل مرادمها مجيعا، الستحالة أن يكون اجلسم الواحـد يف احلالـة ال يصلحان الواحدة متحركا ساكنا، وإذا مل حيصل مراد واحد منهما كانا مجيعا عاجزين

.لإلهليةوأيضا فإنه يؤدي إىل خلق اجلسم القابل للحركة والسكون عن األمرين مجيعا وإن

ـ إلهللحصل مراد أحدمها دون اآلخر فهو اإلله والثاين عاجز ال يصلح ة وهـذا معـىن يـ ]٢٢:األنبيـاء [لو كان فيهما آلهة إال اهللا لفسدتا : قـولـه تعاىل ىن أدى إىل واملع

.التناقض واالختالف وأن ال جيري األمر على النظامرتبتم هذه الداللة على اختالف القدميني يف اإلرادة ومب أنكرمت على : فإن قال قائل

. من يثبت إهلني قدميني ال خمتلفان وال يريد أحدمها ما يريد الثاين ال خيتلفان إال أن مـن إن هذا السؤال ال يقدح يف الدليل ألما وإن كان : اجلواب

اجلائز تقدير االختالف بينهما، وأن أحدمها يريد احلركة والثاين يريد السكون، ولو حصل االختالف بينهما كان داللة نفي اإلهلية؟

ألن ما دل وقوعه على حكم دل جـوازه ؛فكذا إذا كان االختالف جموزا بينهما مث جواز قيام احلوادث به أيضـا . حدوثهعليه، أال ترى أن قيام احلوادث بالشيء دل على

.يدل على حدوثه .مب ينكرون على من يثبت إهلني ال خيتلفان وال جيوز عليهما االختالف: فإن قيلهذا باطل فإنا لو قدرنا أحدمها منفردا باإلهلية مل يكن من املمتنـع أن يريـد : قلنا

ريد تسكني جسم يف ذلك الوقـت حترك جسم، ولو قدرنا الثاين منفردا ال يستحيل أن ي

Page 20: 863

١٥ الغنية يف أصول الدين

بعينه واحد الذاتني منفردا عن اآلخر فيستحيل أن يتغري حكم ذات بوجـود ذات آخـر، كما يستحيل أن يزول السواد عن حمل بوجود السواد يف حمل آخر وبوجود البياض يف حمل

.آخر، فعلم أن ما ادعوه مستحيل رات كل واحد منهما يتناهى فما فإن قيل ومل ال جيوز أن يكون إهلان ويكون مقدو

.يقدر عليه أحدمها من املخلوقات ال يقدر عليه الثاين حىت ال يؤدي إىل االستحالة ألنا فرضنا الكالم يف جنس من األعـراض ؛ هذا السؤال ال يقدح يف الداللة :قلنا

.وهو احلركة والسكون خلق اجلسم القابل فإن زعم أما مجيعا ال يقدران على احلركة والسكون أدى إىل

للحركة والسكون عن الوصفني مجيعا وهو مستحيل وإن قدر السكون مقدور أحـدمها . واحلركة مقدور الثاين وقعا يف التمانع على ما سبق ذكره

مجلة األكوان مقدور أحدمها دون اآلخر فتفرض يف جنس آخـر مـن :فإن قال .األعراض مثل األلوان

راد أحدمها أن يكون بعض احملال أسـود وأراد الثـاين ما قولكم فيما لو أ :فنقول بياضه؟

ومجلة األلوان مقدور أحدمها أيضا دون الثاين نفرض يف نوع آخر مـن :فإن قال األعراض مثل الطعوم والروائح إىل أن نثبت اشتراكهما يف جنس من األعراض أو نقـول

اط يف نوع من األعراض وقعا مجلة األعراض مقدور أحدمها دون الثاين، فإذا ثبت االشتر الثاين هل يقدر علـى : جنس األعراض مقـدور أحدمها فنقـول :يف التمانع، وإن قال

ال يقدر الثـاين على أن خيلق اجلوهر فقد خرج عن القدرة :خلق اجلوهر أم ال؟ فإن قال واهر عن ألن من املستحيل خلق اجل ؛ الثاين قادر على اجلوهر كان حماال :بالكلية، وإن قال

.األعراض والقدرة ال تتعلق مبا يستحيل وجوده مب أنكرمت على من يثبت قدميني أحدمها قادر والثاين عاجز وأيش فيه من :فإن قيل

.االستحالة إثبات قدمي عاجز حمال وذلك ألنه لو كان عاجزا قدميا لكان عاجزا بعجـز :قلنا

العجز امتناع إيقاع الفعـل املمكـن يف قدمي قائم به، وإثبات عجز قدمي حمال ألن معىن .نفسه، وذلك يقتضي إمكان الفعل أزال مث احلكم ألن العجز مانع منه

Page 21: 863

الغنية يف أصول الدين١٦

، وهذا كما أن إثبـات وإذا وجب أن يكون واإلمكان سابقا مل يكن العجز قدميا .حركة قدمية حمال ألنه يقتضي سكونا سابقا، وإذا سبق السكون مل تكن احلركة قدمية

أليس أنتم أثبتم قدرة قدمية وكما يقتضي العجز إثبات إمكان الفعل أزال، :لفإن قي مث احلكم بالعجز عنه يقتضي القدرة متكنا من الفعل أزال، مث ال يلزمكم من ذلك إثبـات

.إمكان فعل أزيل فكذا ال يلزمنا بإثبات عجز قدمي إثبات إمكان الفعل يف األزل ألن من اجلائز سبق القدرة على املقـدور ؛ة استحالة ليس يف إثبات قدرة قدمي :قلنا

أال ترى أنا لو قدرنا يف الشاهد لواحد منا قدرة باقية مستمرة ومل يكن مـن املسـتحيل بقدمها على املقدور، وليس من الشرط ظهور املقدور مع ظهور القدرة، بل قد ميتنع مـع

حيل أن يكون مقارنا للتمكني حتصيل مقدور مع وجود القدرة، فأما العجز عن الفعل يست .من الفعل، ولو ثبت عجز قدمي القتضى ذلك إمكان فعل قدمي فبطل قولـهم

مسألة .صانع العامل موجود حقيقة

ال نقول إنه سبحانه وتعاىل موجود ألنا قد :وأنكرت طائفة من الباطنية ذلك وقالوا تعاىل لكان يف ذلك إثبـات علمنا أن احلوادث موجودات فلو أثبتنا منه الوجود يف حقه

والتشبيه يف حقه حمال يف طريقهم . التشبيه من حيث إنه اتصف بصفة تتصف ا احلوادث . صانع العامل ليس مبعدوم:فيما يسألون عنه النفي، فيقولون

بـد للعـامل مـن أنا قد أقمنا الداللة على أنه ال :والدليل على فسـاد قولـهم كـون عدما، ألن العدم نفي حمض ليس له صفـة إثبات صـانع، والصانع ال جيوز أن ي

. له صانع هو نفي وعدم: ال صـانع للعامل وبني أن نقـول:فال نفرق بني أن نقول ليس مبعدوم وإذا نفوا العدم ثبت الوجود، :والدليل على بطالن قولـهم أم قالوا

.إذ ليس بني الوجود والعدم واسطةلوجود إثبات التشبيه خطأ؛ ألن الـدليل دل علـى إن يف وصفنا له با :وقولـهم

ثبوت الصانع واحلوادث ثابتة، فثبت ا التشبيه على مقتضى قولـهم، فيلـزمهم نفـي .الصانع

وإن زعموا أنا ال نسميه ثابتا مل يتفهم ذلك فإن التماثل واالختالف يتعلق مبـا دل

Page 22: 863

١٧ الغنية يف أصول الدين

نفيهم تسمية الوجود واإلثبات ال الدليل على ثبوته ال مبا يطلق من التسميات والعبارات ف ينفعهم على أنه كان ميكنهم إثبات صفة الوجود للباري تعاىل ونفيه عن احلـوادث بـأن

ال نسمي احلوادث موجودات فيحصل به غرضهم، فلم صاروا إىل نفي هذه الصفة :نقول يف حقه وإثباا للحوادث؟

مسألةم ملوجود تقدم على غـريه زمانـا الباري تعاىل قدمي، والقدمي يف عرف اللسان اس

حتـى عـاد كـالعرجون : وقـال تعـاىل . رسم قدمي ودار قدمية :طويال، كما يقال .]٣٩:يس[القدمي

.ومعىن وصفنا للباري تعاىل بالقدم أنه ال أول لوجوده ألن ما تقدم على غريه زمانا معلوما إذا مسـي ؛وإطالق االسم له على سبيل األول

.ميا فما ال أول له أوىل أن يكون قدميا قد أنه لو كان حادثا الفتقر إىل حمدث آخر فيتسلسـل ذلـك :والدليل على أنه قدمي

.ويؤدي إىل إثبات حوادث ال أول هلا، ويف ذلك حكم بإثبات قدم العامل يلزمكم مثل ذلك يف إثبات موجود ال أول له، وذلك ألنـه ال يعقـل :فإن قيل

.وجود إال يف أوقات متعاقبة ال اية هلا وفيه إثبات حوادث ال اية هلااستمرار ال وقت طلوع : هذا السؤال غلط فإن حقيقة الوقت مقارنة موجود مبوجود يقال :قلنا

رف عالشمس إذا قاربت الشمس مشرقها، ووقت دخول األمري إذا قرب من البلد، ويف ال .عبارة عن حركات الفلك

يس من شرط الوجود حركات الفلك وال اقتران موجود آخر بـه وإذا ثبت هذا فل .إذا مل يتعلق أحد املوجودين بالثاين مثل تعلق الصنع بالصانع

والدليل على ذلك أنه لو افتقر كل موجود إىل وقت فاألوقات موجودة فتفتقر إىل .ىال يتناه وقت آخر وذلك يؤدي إىل ما

.وتعاىل منفرد بوجوده ال يقارنه حادثوإذا تقرر ما ذكرناه فالباري سبحانه مسألة

.الباري سبحانه وتعاىل قائم بنفسه

Page 23: 863

الغنية يف أصول الدين١٨

املستغين عن احملل فعلى هـذه :واختلفوا يف معناه، فقال بعضهم معىن القائم بنفسه قائمة بنفسها الستغنائها عن احملل، فإن من اجلائز أن خيلق اهللا تعاىل الطريقة اجلواهر أيضا

. يكون مع غريه جوهرا واحدا ال .القائم بالنفس املستغين من مجيع الوجوه: وقال األستاذ أبو إسحاق اإلسفراييين

.فعلى هذا اجلوهر ال يكون قائما بنفسه حلاجته إىل الصانع واملخصصوالغرض من هذا الفصل نفي احلاجة إىل احملل واجلهة خالفا للكراميـة واحلشـوية

. جهة فوق إن هللا:واملشبهة الذين قالوا . بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعاىل اهللا عن قولـهم:وأطلق بعضهم القول

؛والدليل على أنه مستغن عن احملل أنه لو افتقر إىل احملل لزم أن يكون احملل قـدميا .ألنه قدمي، أو يكون حادثا كما أن احملل حادث وكالمها كفر

احملل به ألن ما قام مبحل يتصف به احملل، أنه لو كان له حمل التصف : والدليل عليه أال ترى أن السواد إذا قام مبحل يتصف به احملل حىت يسمى احملل أسودا، والعلم إذا قـام مبحل يسمى عاملا، وإذا كان هو صفة احملل مل جيز أن يكون قادرا عاملا ألن الصفة ال تقبل

ال جيوز أن يكون قـادرا والقـدرة ال الصفة، واألحكام اليت هي موجبات املعاين كالعلم .جيوز أن تكون عاملة وسنبني أن الباري تعاىل حيا عاملا قادرا إىل غري ذلك

أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان ال خيلو إما أن يكـون :والدليل عليه .وهو كفرمثل العرش أو أصغر منه أو أكرب، ويف مجيع ذلك إثبات التقدير واحلد والنهاية

أنه لو كان يف جهة وقدرنا شخصا أعطاه اهللا تعـاىل قـوة عظيمـة :والدليل عليه .واشتغل بقطع املسافة والصعود إىل فوق ال خيلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو ال يصل إليه

ال يصل إليه فهو قول ينفي الصانع ألن كل موجودين بينـهما مسـافة :فإن قالوا .يقطع تلك املسافة وال يصل إليه يدل على أنه ليس مبوجود زالمعلومة وأحدمها ال ي

جيوز أن يصل إليه وحياذيه فيجوز أن مياسه أيضا ويلزم من ذلك كفران :فإن قالوا .أحدمها قدم العامل، ألنا نستدل على حدوث العامل باالفتراق واالجتماع

لذي يقطـع املسـافة إثبات الولد والزوجة على ما قالت النصارى ألن ا : والثاينوصعد إىل فوق جيوز أن يكون امرأة تتصل به، وكل ذلك كفر وضالل تعـاىل اهللا عـن

.ذلك علوا كبريا

Page 24: 863

١٩ الغنية يف أصول الدين

: فإن استدلوا بظواهر الكتـاب والسنة مثـل قـولـه سبحــانه وتعــاىل محـالر ع ـن ـلى الع تش اسىـرو ]يف قصة عيسى عليـه : وقولـه تعاىل ] ٥:طه : سـبحانه وتعـاىل هلو وق ]٥٥:آل عمران [ك إلي ـك ورافع ـإني متوفي : سالمال قهمن فوم مهبافون رخي]ينـزل اهللا ((: ومثـل قـولـه عليـه السالم ]٥٠:النحل

: وغري ذلك من اآليات واألخبار فألصحابنا يف ذلك طريقان))يف كل ليلة إىل مساء الدنيا اإلعراض عن التأويل واإلميان ا كما جاءت، واإلميان ا صحيح وإن مل :أحدمها

يعرف معناها كما أن إمياننا جبميع األنبياء واملالئكة صلوات اهللا عليهم والكتب املنــزلة من اهللا تبارك وتعاىل صحيح وإن مل يعرف شيئا يف ذلك وإمياننا باحلروف املقطعة يف أوائل

.وإن مل نعرف معناها، وهذا الطريق أقرب إىل السالمةالسور صحيح ومن أصحابنا من صار إىل التأويل واالختالف صادر عن اخـتالف القـراءتني يف

:إىل قـولـه منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات : قـولـه تعاىل إال أويلهت لمعا يما بهونقولون آمون في العلم ياسخالراهللا و]٧:آل عمران[.

أعـرض عـن يعلم تأويلـه إال اهللا وما: فمن صار إىل الوقف على قـولـه كالما مبتدأ ومعناه أن العلماء يقولون والراسخون في العلم :التأويل وجعل قـولـه

.آمنا به فيكون معنـاه أن والراسخون في العلم : صار إىل الوقف على قـولـه ومن

.اهللا تعاىل يعلم تأويله والراسخون يف العلم أيضا يعلمون تأويله صار إىل التأويلولكن الطريق يف اجلـواب معهم أن نعـارضهم بآيات ختالف ظواهرها ظـواهر

إىل يكون من نجوى ثالثة إال هو رابعهم ما:هذه اآليات وذلك مثل قـولـه تعاىل وهو معكـم : وقولـه تعاىل ] ٧:اجملادلة[ هو معهم أين ما كانوا : قـولـه تعـاىل

متا كنم نأي]وموجب اآليتني حلوله يف كل مكان، وقال تعاىل ]٤:احلديد : ـهأال إنيحيطبكل شء م ]ومقتضى ظاهرها أنه حميط بالعامل] ٤٥:فصلت.

فإن أعرضوا عن تأويل هذه اآليات مع اإلميان بظواهرها واالعتقاد بأنه ال يكون يف كل مكان وأنه غري حميط بالعامل أعرضنا حنن عن التأويل وصرنا إىل اإلميان مبا ورد مـع

املراد بقولــه :إن صاروا إىل التأويل وقالوا االعتقاد بأن احلق تعاىل منـزه عن املكان، و يعـين أال إنه بكل شيء محيط : بالعلم ال بالذات، وكذلك قـولـه تعاىل : تعاىل

Page 25: 863

الغنية يف أصول الدين٢٠

.بالعلم ضربا إىل التأويل . الرمحن على العرش استوى بالقدرة: املراد بقولـه:وقلنا

.يص العرش فائدة إذا محلتم على القدرة مل يكن لتخص:فإن قيل فائدته أن العرض أعظم املخلوقات فإذا قدر عليه علم من طريق التنبيه أنه قادر :قلنا

على ما هو دونه على أن مثل هذا يلزمهم فيما قالوا بأن اهللا تعاىل عامل بكل خملوق غـري .بين آدم فإذا محلوا على العلم مل يكن لتخصيص بين آدم فائدة

.م تشريفا هلم خص بين آد:فإن قالوا . وخص العرش بذلك تشريفا له:قلنا

ذلك حمال يف و االستواء إذا كان مبعىن القهر والغلبة فيقتضي منازعة سابقة :فإن قيل واالستـواء مبعىن االستقرار يقتضي سبق االضطراب واالنـزعاج وذلـك : وصفه، قلنا

.حمال يف وصفه .معناه إىل كراميت ورمحيت] ٥٥:آل عمران[ ورافعك إلي :وأما قـولـه تعاىل

معناه خيافون رم أن ينـزل ] ٥٠:النحل[ يخافون ربهم من فوقهم : وقولـهعليهم عذابا من فوقهم وإمنا خص جهة فوق ألن اهللا تعاىل أجرى سنته أن ينـزل العذاب

.من فوق أنه : واملراد به ))يلة إىل مساء الدنيا ينـزل اهللا يف كل ل (( :وأما قـولـه عليه السالم

يبعث ملكا إىل مساء الدنيا حىت ينادي على ما ورد يف اخلرب، مث أضاف نـزول امللك إىل قتل األمري فالنا والقاتل غريه، : نادى األمري يف البلد إذا أمر بالنداء ويقال :نفسه كما يقال

.ويضاف إىل األمري من حيث إنه هو اآلمر بهاستدلوا بعرف الناس ورفع أيديهم إىل السماء عند الدعاء، فرفـع اليـد إىل فإن

السماء ليس ألن اهللا تعاىل يف مكان ولكن ألن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبـة قبلـة .الصالة يف حال القيام، واألرض قبلة يف حال الركوع والسجود

ن استدلوا بقصة املعـراج وأن وليعلم أن اهللا تعاىل ليس يف الكعبة وال يف األرض وإ فكان قاب قوسين أو ثم دنا فتدلى : محل إىل جهة فوق وبقولـه تعاىل رسول اهللا

فليس فيها حجة ألن موسى عليه السالم مسع الكالم على الطور وكان ] ٨:النجم[أدنى .ميعاده الطور ومل يدل على أن اهللا تعاىل على الطور

Page 26: 863

٢١ الغنية يف أصول الدين

وكانت هجرته إىل ] ٢٦:العنكبوت[إني مهاجر إلى ربي: ل يف قصة إبراهيم وقا .الشام ومل يكن الباري تعاىل يف الشام فبطل قولـهم

: فذلك دنو كرامة ال جماورة كقولــه ثم دنا فتدلى : وأما قـولـه تعاىل رباقتو دجاسو]١٩:العلق.[

مسألةتعاىل ال يشبه شيئا وال يشبهه شيء وحقيقة هذه املسألة تتبني على معرفة الباري

حقيقة املثلني واخلالفني فحقيقة املثلني عندنا كل موجودين ينوب أحدمها مناب اآلخر .ويقوم مقامه

.وذهب أبو هاشم إىل أن حد املثلني املشتركني يف أخص األوصافوجب االشتراك فيما عداه وهذا باطل، مث زعموا أن االشتراك يف الوصف األخص ي

ألن االشتراك يف الوصف األخص لو كان يوجب االشتراك يف سـائر الصـفات لكـان االختالف يف األخص يوجب االختالف يف سائر الصفات، ورأينا أن احلركة مع السـواد خيتلفان يف األخص، وإن أخص أوصاف احلركة الزوال عن املكان وأخـص أوصـاف

.يسود احمللالسواد أنه مث يشتركان يف أوصاف العموم وهو كوما موجودين عرضني حادثني وإذا ثبت ما ذكرناه ثبت أن اهللا تعاىل ليس له مثل، ألنه لو كان له مثل وجب قدم العامل أو حدوث

.الباري وكل واحد منهما كفر

السـميع لـيس كمثلـه شـيء وهـو : وتتضح هذه اجلملة بقول اهللا تعاىل صريالب]وقولـه ] ١١:الشورى : ولـدي لـمو لدي ا لمكفـو كـن لـهي لـمو ]. ٤ ،٣:الصمد[أحد

مسألة .الباري تعاىل ليس جبسم

.وذهبت الكرامية إىل أن اهللا تعاىل جسمـ : والدليل على فساد قولـهم زاء أن اجلسم يف اللغة مبعىن التأليف واجتماع األج

Page 27: 863

الغنية يف أصول الدين٢٢

أنه نقول عند زيادة األجزاء وكثرة التأليف جسم وأجسم كما يقال عنـد : والدليل عليه ] ٢٤٧:البقرة[وزاده بسطة في العلم والجسم : زيادة العلم عليم وأعلم، وقال تعاىل

فلما كان وصف املبالغة كزيادة التأليف دل على أن أصل االسم للتأليف، فإذا ثبت مـا .ذكرنا بطل مذهبهم، ألن اهللا تعاىل ال جيوز عليه التأليف

.جسم أنه موجود وال نريد به التأليف: حنن نريد بقولنا: فإن قالواهذه التسمية يف اللغة ليس هلا ذكر مث وهي مبنية على املستحيل، فلم أطلقـتم : قلنا

ذلك من غري ورود السمع به؟ ويريد به املوجـود وإن كـان خيـالف وما الفصل بينكم وبني من يسميه جسدا

أليس يسمى نفسا؟: مقتضى اللغة فإن قيلتعلم ما في نفسي وال أعلم ما فـي : قلنا أتبعنا فيه السمع وهو قـولـه تعاىل

فسكن]ومل يرد السمع باجلسم] ١١٦:املائدة. مسألة .ال جيوز قيام حادث بذات الباري تعاىل

يقوم بذات الباري تعاىل قول حـادث وهـو قـولــه : رامية أنه وزعمت الك كن موجودا أو عرضا أو جوهرا، فيحصل يف الوجود فيحدث يف نفسه أوال هذا : لألشياء

القول، مث حيدث ذلك الشيء بعد حدوث هذا القول ال حمالة، حىت لو أراد أن ال حيـدث .ذلك كان مستحيال

لقول وال يسمى به قائال وإمنا هو قائل بقائلية قدميـة مث زعموا أنه ال يتصف ذا ا .والقائلية عندهم القدرة على القول

والدليل على بطالن قولـهم أنه لو قبل ذاته احلوادث مل خيل منها كما أن اجلواهر ملا قبلت احلوادث مث يتصور خلوها من احلوادث، وما ال خيلو عن احلوادث فهو حـادث

بذاته قول حادث مث ال يتصف به، ولو جاز قيام حادث مبحل من غـري يقوم : ألم قالوا أن يتصف به احملل جلاز يف الشاهد أن يقوم مبحل قول وإرادة مث ال يتصف بكونه قـائال

.مريداوألنه لو جاز أن يقوم بذاته قـول حـادث جلـاز أن يقـوم بذاتــه لـون

Page 28: 863

٢٣ الغنية يف أصول الدين

ز وخمـتص جبهـة وال يتقـرر يف حادث، ألن احلق تعاىل جسم على قولـهم وهو متحي العقول جسـم متحيـز خيـلو عن األلـوان، وجلـاز أن يقـوم بذاتـه قدرة حادثة

إنما قولنـا لشـيء إذا أردنـاه أن نقـول : وعلم حادث فإن استدلوا بقولـه تعاىل .ادته خلق األشياءفـدل على أنه حيدث قوال عند إر] ٤٠:النحل[له كن فيكون

ليس حبادث ألنه لو كان حادثا ملـا : فاجلواب أن يف اآلية داللة على أن قـولـه جاز حدوثه إال بقول آخر يسبقه، مث القول اآلخر أيضا ال جيوز حدوثه إال بآخر يسـبقه

.ألنه حادث يريد وجوده وذلك يؤدي إىل التسلسل وإىل ما ال يتناهى وهو حمال مسألة

.سبحانه وتعاىل ليس جبوهرالباري جوهر أنه أصل األقـانيم : هو جوهر وزعموا أن املراد بقولـهم : وقالت النصارى

الوجود واحلياة والعلم ويعربون عن الوجود باألب وعن العلم بالكلمة وقد : الثالثة وهي .يسمونه أبا ويعربون عن احلياة بروح القدس

.ندهم خملوقوال يعنون بالكلمة الكالم ألن الكالم عمث األقانيم عندهم هي اجلوهر بال زيادة والوجود، واحد األقانيم الثالثـة فلـيس

.األقانيم موجودات عندهم .الكلمة جلت جسم عيسى كحلول العرض يف اجلوهر : مث زعموا أن .الكلمة مازجت جسد املسيح كاخلمر مازج اللنب: وقال بعضهم

اجلواهر ال ختلو من احلادث، وقد ثبت : أن والدليل على أنه ال يوصف بأنه جوهر بالدليل أنه ال جيوز أن يوصف ذاته باحلوادث، وألن اجلوهر متحيز واحلق تعاىل ال جيوز أن

.يكون متحيزامب أنكرمت على من يثبـت : والدليل على فساد قول ترهات النصارى أن نقول هلم

واء ومباذا يترجح قولكم على قولــهم أربعة أقانيم ويعد القدرة أقنوما آخر مثل العلم س .وألن الكلمة على زعمهم حلت يف املسيح فهل فارقت اجلوهر أم ال ؟

فإن زعموا بأن العلم فارق اجلوهر مل جيز أن يكون اجلوهر أقل من ثالثة أقانيم حني .صار العلم حاال يف جسد املسيح

Page 29: 863

الغنية يف أصول الدين٢٤

هر األول إذ ال جيـوز فإن قالوا مل يفارقه فكيف حل جسد عيسى مع قيامه باجلو حلول صفة يف جسم مع بقائها يف جسم آخر، وألنه لو جاز أن حتل الكلمة يف املسـيح جلاز أن حيل اجلوهر بنفسه يف املسيح وما الفصل ألنه لو جاز أن حتل الكلمة يف املسـيح جاز أن حيل فيه روح القدس وهي أقنوم، فإن من حكم العـلم أن ال يفـارق احلياة وال

.صـور وجوده دون احلياةيتإن الكلمة حلت جسد موسى ولذلك كان : مب تنكرون على من يقول : ويقال هلم

إن املسيح ابن اإلله، واتفقـوا إن املسـيح : وألم قالوا . يقلب العصا ثعبانا ويفلق البحر إمنا صلب الناسوت دون : الهوت وناسوت حىت أطلقوا القول بأنه صلب املسيح، وقالوا

.وت وإطالق اسم اإلله يقتضي متحض اإلهليةالاله مسألةأن العرض ال بد له من حمل يقوم بـه : الباري سبحانه ليس بعرض، والدليل عليه

.والباري تعاىل ال جيوز أن يكون يف حملأن الداللة قد دلت على حدوث األعراض واخلالق ال جيوز أن يكون : والدليل عليه

.حادثاليل قد دل على كونه عاملا قادرا حيا والعرض ال يقبل الصفات أن الد: والدليل عليه

.كاحلركة ال توصف بالبياض والسواد مسألة

أنا نعلم أن الفعل يف الشاهد ال يصح إال لقـادر : الباري تعاىل قادر والدليل عليه .عليه ولطائف صنعه ظاهرة فثبت بذلك كونه قادراقل هو القادر علـى أن يبعـث : ىلويدل عليه من حيث الشرع قـولـه تعا

قكمن فوا مذابع كمليع] وغري ذلك من اآليات] ٦٥:األنعام. مسألة

أن داللة العلم يف الشاهد ترتب الفعل وانتظامه فإن : والدليل عليه. صانع العامل عامل. ل بـاخلط والترتيـب من رأى أسطرا مكتوبة منظومة يعلم أن ذلك مل يصدر عن جاه

.واألحكام والنظام ظاهر يف أفعاله يدل على كونه عاملا

Page 30: 863

٢٥ الغنية يف أصول الدين

] ٧٣:األنعام[عالم الغيب والشهادة : من الكتاب قـولـه تعاىل : والدليل عليه .وغري ذلك من اآليات] ٢٦:اجلن[عالم الغيب فال يظهر على غيبه أحدا: وقولـه

مسألةأنه قد ثبت بداللة العقل قدرته وبانتظـام : احلق سبحانه وتعاىل حي، والدليل عليه

وال جيوز أن يكون قادرا عاملا وال يكون حيا، فإن امليت واجلماد ال جيـوز . الفعل علمه .وصفه بالقدرة والعلموعنـت الوجـوه للحـي : من الكتـاب قـولــه تعـاىل : والدليل عليه

وغري ذلـك مـن ] ٦٥:غافر[هو الحي ال إله إال هو : وقولـه] ١١١:طه[يومالق .اآليات

مسألة .الباري تعاىل مريد ألفعاله على احلقيقة وأنكر الكعيب كونه مريدا

أنا قد علمنا أن اختصاص أفعال العباد بالوقوع يف : والدليل على فساد قول الكعيب صاف خمصوصة يقتضي القصد منـهم إىل ختصيصـها بأوقاـا بعض األوقات على أو

وأوصافها، والداللة العقلية جيب اطرادها شاهدا وغائبا، إذ لو جاز أن ال تطـرد داللـة اإلرادة يف الغائب جلاز أن ال تطرد داللة العلم وهو إحكامها الفعل يف الغائب، حـىت ال

.يوصف الباري تعاىل بكونه عاملاا دل اختصاص الفعل بوقت وصفة على القصد يف الشاهد ألن علمه ال إمن: فإن قيل

حييط مبا غاب عنه، وإذا مل حيط علمه بوقت وقوع الفعل وصفته مل يكن بد من القصـد، .فيستغين بعلمه عن إثبات كونه مريدا. والباري سبحانه وتعاىل عامل الغيب

ن وصف اإلرادة فرقا بني الشـاهد إنه يستغين بكونه عاملا ع: لو جاز أن يقال : قلناوالغائب جلاز أن ال يوصف الباري تعاىل بالقدرة أيضا التصافه بالعلم فرقا بني الشـاهد والغائب، على أن هذا باطل ألنا لو قدرنا يف الشاهد فاعال علم ما سيكون مـن فعلـه

ل، فبطل أن بإخبار صادق ووقت وقوعه وصفته مل يكن بد من اإلرادة والقصد وقت الفع .يكون وصف اإلرادة يف الشاهد لفقد العلم

والفعل يف الشـاهد أيضـا ال يدل على القصد واإلرادة، وإمنا عرفنـا : فإن قالوا

Page 31: 863

الغنية يف أصول الدين٢٦

.القصد واإلرادة بدليل آخرالفعل احملكم املتقن ال يدل علـى : لو جاز مثل هذا يف اإلرادة جلاز أن يقال : قلنا

مـن الشـرع : العلم يف الشاهد بدليل آخر والدليل عليـه العلم يف الشاهد، وإمنا عرفنا ـ : قـولـه تعـاىل ـل مفعـاء ـإن اهللا يشا ي] و ] ١٨:احلـج ـ م مـا ـيحك

ريدي]١:املائدة [ وقولـه سبحانه : اهندء إذا أريا لشلنا قومإن]وغـري ] ٤٠:النحل .ذلك من اآليات

مسألةال يوصف بالسمع والبصر وزعم أن معـىن : ىل مسيع بصري، وقال الكعيب الباري تعا

.السميع والبصري يف وصفه أنه عامل باملعلومات على حقائقهاأن املعىن بكونه مسيعا بصريا أنه حي ال آفة به، وال جيـوز وصـفه : وقال اجلبائي .بالسمع والبصر

ي جيوز أن يتصف بالسمع والبصر أنا قد بينا بالدليل كونه حيا واحل : والدليل عليه فإذا مل يتصف به وجب اتصافه بضده ألن من اتصف بقبول الضدين على البدل ومل يكن بينهما واسطة يستحيل خلوه عنهما وضد السمع والبصر آفة ونقص، واآلفات ال جتـوز

.عليه سبحانه اسـتحالة أنه جيوز اتصافه بالسمع والبصر ومب أنكرمت علـى : ومل قلتم : فإن قيل

اتصافه بالسمع والبصر وأضدادمها، كما يستحيل عليه االتصاف بالبياض ومبا يضاده من األلوان ويستحيل وصفه باحلركة والسكون؟

الدليل عليه أنا قد علمنا أن احلي يف الشاهد جيوز أن يتصف بالسمع والبصر، : قلناعاين مل يكن املصـحح للسـمع وأن اجلماد وامليت ال جيوز أن يتصف ما، وإذا سرينا امل

والبصر يف الشاهد إال احلياة وقد ثبتت احلياة يف الغائب فوجب القول باتصافه بالسـمع .والبصر

إذا أثبتم السمع والبصر ومها إدراكان مث رأينا يف الشاهد إدراكا يتعلـق : فإن قيل واخلشـونة بالطعوم وهو الذوق وآخر يتعلق بالروائح وهو الشم وآخر يتعلـق بـاللني

.واحلـرارة والربودة وهو اللمس فهـل تثبت للباري هذه اإلدراكات؟

Page 32: 863

٢٧ الغنية يف أصول الدين

نعم تثبت هللا تعاىل هذه اإلدراكات ألن لكل واحد من هذه اإلدراكات ضد : قلناوضده آفة، فإذا مل يتصف به وجب وصفه بضده إال أنه ال يسمى شـاما وال ذائقـا وال

.ه ويف أسامي صفاته ورود األذن والشرع ما ورد بهماسا ألسباب منها أنه يعترب يف أساميأن الوصف بالشم والذوق واللمس يقتضي نوع اتصـال بـني الشـام : والثاين

واملشموم والذائق واملذوق، واحلق تعاىل يتقدس عن االتصال، وأما السـمع والبصـر ال .يقتضيان اتصاليصح أن يقول القائـل أن هذه الصفات ال تبىن عن حقيقة اإلدراك ألنه : والثالث

: مشمت ومل أدرك رائحة ولو كان إدراكا لتناقض قـولـه وصار مبنـزلة ما لـو قـال .أدركت الرائحة ومل أدرك، فنطلق القول بوصف اإلدراك وال تثبت هذه األوصاف له

ه ل علـي ـثرية : من الشـرع : والدلـي ه تعــاىل يف مواضـع ك السـميع : قـوـلصريالب]أنه أنكر علـى عبــدة األصنــام ورد عليهــم : والدليل عليه ]٤٢:مرمي

ـال خمربا عن إبراهيم عليه السالم صنعهـم بأنه ال مسع ـا ال ملعبودهم وال بصر فق م ـدبعت لم صـــــــــــــــربال يو عـــــــــــــــمسي

. فثبت بذلك صحة ما ذكرناه]٤٢:مرمي[ مسألة

لما مثل طريق إثبات السمع والبصر إال الباري تعاىل متكلم وطريق إثبات كونه متك .أنه ال بد يف إثبات ذلك من إثبات حقيقة الكالم وسنذكره بعد ذلك

فـأجره حتـى يسـمع كـالم : من الشرع قـولـه تعـاىل : والدليل عليه .وغري ذلك من اآليات] ١٠:التوبة[اهللا

مسألةقدمناه من الدليل على أنه تعاىل قدمي، فإن الباري تعاىل باق والدليل على أنه باق ما

.القدمي يستحيل عدمه وإذا ثبت ذلك وجب وصفه بالبقاء؛ ألن البقاء استمرار الوجودوغري ] ٢٧:الرمحن[ويبقى وجه ربك : من الشرع قـولـه تعاىل : والدليل عليه .ذلك من اآليات

مسألة

Page 33: 863

الغنية يف أصول الدين٢٨

فعندنا الباري عامل بعلم قادر بقدرة وحي إذا ثبت أن الباري تعاىل قادر عامل حي .حبياة، وعلمه قدمي وقدرته قدمية وحياته قدمية

واملعتزلة وافقونا على وصفه بأنه عامل قادر حي إال أم نفوا العلم والقدرة واحلياة .مث اختلفوا يف العبارات عن وصفه ذه األوصاف

هذه : لنفسه وال لعلة وقوم قالوا عامل ال : هو عامل لنفسه وقوم قالوا : فقال بعضهم .األحكام ثابتة بأنفسها

وال بد يف إثبات الصفات األزلية من أصل تقدم ذكره وهو أن يعلم أن طريق إثبات .الصفات اعتبار الغائب بالشاهد جبامع جيمع بينهما

العلة وذلك إذا رأينا حكما ثابتا يف الشـاهد بعلـة : أحدها: واجلامع أربعة أشياء .جب تعلق املعلول بتلك العلة يف الغائبو

مثله أن يكون العامل عاملا يف الشاهد مقيدا بالعلم، فوجب أن يكون يف الغائب مثل .ذلك

الشرط فإذا ثبت يف الشاهد حكم يتعلق بشرط وثبت مثل ذلك احلكـم : والثاين .غائبا فيجب أن يكون مشروطا بذلك الشرط

.شاهد أن يكون حيا فيشرط مثل ذلك يف الغائبيف الومثاله أن شرط العامل احلقيقة واحلد مثل قولنا حقيقة العامل من قام به علم فيقتضي يف الغائـب : الثالث .مثل ذلك

الدليل فإذا دل الدليل على مدلول عقال ال يوجد الدليل إال وهو دال عليه : الـرابع .غائبا وشاهدا، وذلك مثل داللة الصنع على الصانع

فالطريق يف اعتبار الغائب بالشاهد ذا الطريق وال يعترب جمرد الصورة حىت تضاهي .مذهب الدهرية ويلزم من ذلك إثبات جسم حمدود اعتبارا للغائب بالشاهد

.إذا عرفت هذه املقدمةأنه قد ثبت وتقـرر أن وصـفنا احلـي يف : فالدليل على إثبات الصفات هللا تعاىل

ل بالعلم وقد وصفنا احلق سبحانه بكونه عاملا فال بـد وأن يكـون الشاهد بأنه عامل معل معلال بالعلم، إذ لو جاز عامل ال علم له جاز تقدير علم ال يتصف حمله بكونه عاملا، فلمـا استحال إثبات علم ال يتصف حمله بكونه عاملا شاهدا أو غائبا استحال إثبـات عـامل ال

Page 34: 863

٢٩ الغنية يف أصول الدين

.يتصف بالعلم شاهدا أو غائباإن وصف الشاهد بكونه عاملا إمنـا كـان : مب أنكرمت على من قال لكم : فإن قيل

.معلال بالعلم ألنه حكم جائز فافتقر إىل مقتض أو خمصص ؟فأما كونه تعاىل عاملا صفة واجبة وكونه واجبا يستقل بوجوبه عن مقتضى يقتضيه

ا مل يتعلق مبوجب ومقتض، وصار هذا كما أن وجود الباري سبحانه وتعاىل ملا كان واجب .ووجود احملدثات ملا كان جائزا افتقر إىل مقتض يقتضيه وخمصص خيصصه

إن احلكم اجلائز يتعلق بعلة جـائزة واحلكـم : مب أنكرمت على من يقول لكم : قلناالواجب يتعلق بعلة واجبة فكونه عاملا ملا كان وصفا واجبا يتعلق بعلة واجبة وهو علمـه

القدمي؟ليس كما استشهدوا به من الوجود، ألنا مل نعول على ما ادعوه مـن الواجـب و

واجلائز ولكن وجوده سبحانه ليس له مقتض ألنه ال أول له، وما ال أول لـه ال يتعلـق بفاعل ألن الفعل ال بد أن يكون له أول، على أن هذا الكالم يبطل عليهم بالشرط، فإم

ا مشروط بكونه حيا كما أن كون العامل يف الشـاهد زعموا أن كونه سبحانه وتعاىل عامل .مشروط باحلياة

.فإذا مل يفصلوا بني اجلائز والواجب يف الشـرط امتنع الفصل بينهما يف العلةقد ثبت وتقرر أن الذي حييط املعلوم ويتعلق بـه هـو : طريقة أخرى أنه يقال هلم

ثبت أن املعلومات كلها معلومـة هللا العلم الستحالة أن يكون للعلوم قدرة أو حياة، وقد وأن اهللا قـد أحـاط بكـل شـيء : تعاىل وقد أحاط ا، ويشهد هلا قـولـه تعاىل

.فوجب وصفه بالعلم] ١٢:الطالق[علماأنا قد علمنا أن احلق تعاىل موصوف بكونه عاملا : ومن الدليـل على ما ذكـرناه

.داكما أنه موصوف بكونه مريمث املعتزلة البصريون ساعدونا على أن كونه مريدا ليس لنفسه فكذا وصفه بكونـه

.عاملا وجب أن ال يكون للنفسلكن اهللا يشهد بما أنـزل إليك أنــزله : والدليل عليه من الكتاب قـولـه

].١٦٦:النساء[بعلمهتعاىل صفة لكانت قدمية والقدمي من أخـص لو ثبت هللا : شبهتهم يف املسألة قالوا

Page 35: 863

الغنية يف أصول الدين٣٠

أوصاف الباري، واالشتراك يف الوصف األخص يوجب االشتراك يف كل وصف ويف ذلك .قول بإثبات إله

هذا بناء على أصلكم وعنـدنا االشـتراك يف األخـص ال : فنقول هلم يف اجلواب .يوجب االشتراك فيما عداه

ما ذكروه جمرد دعـوى فإنـا ال :وقد ذكرنا هذا الفصل فيما تقدم جواب آخر .نساعدهم على أن القدم أخص أوصاف الباري

علم الباري تعاىل على زعمكم يتعلـق مبـا ال : شبهة أخرى وعليها معوهلم قالوا . يتناهى من املعلومات على التفصيل ويف الشاهد العلم الواحد ال يتعلق مبعلومات خمتلفـة

وإمنا يتعلق مبعلوم واحد والعلم الواحد عنـدكم يف فإن العلم بالسواد غري العلم بالبياض حكم العلوم املختلفة ولو جاز ذلك جلاز أن يكون العلم يف حكم القدرة، والعلم والقدرة خمتلفان فيلزم من ذلك أن يكون للباري تعاىل صفة واحدة هي علم وقدرة وحياة ومسـع

.لفة مستحيلوبصر وذلك مستحيل، فكذلك إثبات علم يتعلق مبعلومات خمتأن الدليل العقلي يقتضي إثبات صفة هي علم فأما كون العلم صفة زائدة : اجلواب

على القدرة مل نعلمه عقال ولكن باألدلة السمعية فإن الذين تكلموا يف الصفات بـالنفي .واإلثبات أمجعوا على نفي صفة هي يف حكم العلم والقدرة

ات علم يف حكم علوم خمتلفة فما املانع من إثب: فإذا مل يبعد على قولـهم : فإن قيل عامل لنفسه قادر لنفسه ويكون نفسه يف حكم العلم والقدرة، فيستغين بذلك عـن : قولنا

الصفات؟املانع فيه أن ذات الباري لو كان يف حكم العلم لكان عاملا ألن مـا يتعلـق : قلنا

.باملعلوم علم والقول بأن ذاته علم، باطل على القطعالعقل قد دل على إثبات العلم وانعقد اإلمجاع على أن وجود الباري تعاىل : قالمث ي

.ليس بعلم فيحصل من جمموع ذلك أن العلم زائد على الوجود مسألة

.هللا تعاىل صفة وهي اإلرادة تتعلق باملرادات كلها

Page 36: 863

٣١ الغنية يف أصول الدين

وذهبت املعتزلة البصرية إىل أن الباري مريد بإرادات حادثة ال يف حمال فتحـدث .لك اإلرادات ال يف حمال ويصري الباري ا مريدات

والدليل على بطالنه أن إرادته لو كانت . مث زعموا أن اإلرادات ال تتعلق ا اإلرادة حادثة الفتقرت إىل تعلق إرادة أخرى ا، ألن كل فعل ينشئه الفاعل العامل به، ويوقعـه

ا إىل إيقاعه إذ لـو جـاز على صفة خمصوصة يف وقت خمصوص ال بد وأن يكون قاصد وقوعه من غري قصد جلاز وقوع سائر األفعال من غري قصد، وإذا افتقرت إىل إرادة أخرى

.الفتقرت تلك اإلرادة إىل مثلها فتسلسل وهو باطل، فثبت أن إرادته قدميةفإن زعموا أن اإلرادة ال تراد يف نفسها ولكن يراد ا، فهو خطأ ألنه لو صح مـا

إن هللا علوما ثابتة يعلم ا احلوادث وال يعلـم : اإلرادة لصح قول جهم يف العلم قالوه يف .العلوم يف نفسها، وملا كان قولـهم يف العلم باطال كذلك قولـهم يف اإلرادة

من أصلكم أن املثلني جيب اشتراكهما يف مجيع الصفات وإرادتنـا مثـل : مث نقول األخص وهو كوما إرادة، ومن حكم إرادتنـا اإلرادة احلادثة الشتراكهما يف الوصف .القيام باحملل فأثبتوا إلرادة الباري تعاىل حمال

.مث يلزمهم من ذلك قيام إرادته حبمار أو كلب وذلك حمال .اإلرادة من شرطها احلياة وبنية خمصوصة ال تتعلق بكل حمل: فإن قالوا .ل والبنية والصفة اليت أشرمت إليهايف إثباتكم إرادة ال يف احملل نفي احمل: فنقول هلم

فإذا جاز نفي أصل احملل مل ال جيوز نفي شرط احملل حىت تقوم إرادته بكل بنية وال .ختتص ببنية خمصوصة

مسألة .ذكرنا أن اهللا تعاىل علما يتعلق باملعلومات وعلمه صفة قدمية قائمة بذاته

لكن له علم حادث على عدد بن صفوان إىل أنه ليس هللا تعاىل علم قدمي و اوذهب املعلومات، وكلما جتدد شيء حدث هللا تعاىل علم يتعلق به و يكون وقوع ذلك العلـم

.سابقا على وقوع املعلوم وتتعاقب العلوم كما يتعاقب املعلوماتأن احلوادث قد افتقرت إىل علم يتقدمها والعلوم : والدليل على بطالن قـولـه

فعاال حادثة فوجب أن يتقدمها علوم غريها، ويف ذلك مشاركة للحوادث يف كوا أ

Page 37: 863

الغنية يف أصول الدين٣٢

.إثبات علوم ال اية هلا ويقتضي ذلك إىل القول بقدم العاملالعلم حيدث من غري علوم تتقدمها فيلزمهم من ذلـك اسـتغناء مجلـة : فإن قالوا

.احلوادث عن العلم وهو باطل على القطعدثة ال ختلو إما أن تكون يف غـري ومن الدليل على بطالن قـولـه أن العلوم احلا

.حمل أو قائمة بأجسام أو قائمة بذات الباري تعاىل .فإن زعمتم أا قائمة ال يف حمل فالرد عليه مثل الرد على املعتزلة البصرية يف اإلرادة

وإن زعموا قيامه بذات الباري فالكالم عليه مثل الكالم على الكرامية حيث جوزوا .هإقامة احلوادث بذات

وإن زعموا قيام العلوم بأجسام لزمهم من ذلك أن يقوم علم جبسم والعـالم بـه .جسم آخر وذلك باطل على القطع

وشبهة اجلهمية قالوا الباري تعاىل عامل يف أزله بأن العامل سيقع فلما وقع كان ذلك وجـب معلوما جمددا إال أنه من قبل ما علمه واقعا، وإذا جتدد له حكم اقتضى جتـدد م

.احلكم ويف ذلك إثبات علوم متجددةالباري تعاىل ال يتجدد له حكم وال تتعاقب عليه األحوال ألنه يلزم من ذلك : قلنا

القول حبدوث الصانع كما لزم القول حبدوث اجلوهر لتعاقب احلوادث عليها بل البـاري مسـتحيل يف تعاىل موصوف بعلم واحد يتعلق باملعلومات ال يتعدد وال يتجدد وهو غري

.العقلأنا لو قدرنا يف الشاهد علما حادثا باقيا متعلقا مبجيء األمطـار : والذي يدل عليه

غدا وقدرنا استمرار العلم إىل وقت وقوع املطر مل يفتقر حالة وقوعـه إىل علـم جمـدد .بوقوعه

ه باقيا إىل أنا إذا قدرنا علما سابقا على وقوع املطر بأنه سيقع وقدرنا : والدليل عليه ال يتعلق العلم السابق بالوقوع يلزمه أن يكون جاهال بالوقوع يف وقت : وقت وقوعه قلنا

.الوقوع أو غافال عنه مع تقدير دوام العلم وذلك حمالفثبت بذلك أن العلم السابق على الوقوع إذا كان باقيا إىل وقت الوقوع يعين عند

إال أن الداللة العقلية قد تبىن على املوجودات مـرة جتدد علم وعلومنا وإن مل تكن باقية وعلى التقديرات أخرى فإذا مل يلزم يف الشاهد جتدد علم عند تقدير علم باق مل يلـزم يف

Page 38: 863

٣٣ الغنية يف أصول الدين

.حق الصناع جتدد علم عند الوقوع ألن علمه السابق باق عند الوقوع مسألة

لوجود وكـالم اهللا أن الباري متكلم بكالم قدمي أزيل غري مفتتح ا : عند أهل احلق .تعاىل أمر وي وخرب واستخبار ووعد ووعيد

.وذهبت املعتزلة واخلوارج إىل أن كالم الباري تعاىل مفتتح الوجود وليس بقدميمث منهم من يطلق القول بأنه خملوق ومنهم من ميتنع من إطالق هذه اللفظـة مـع

.املختلف ما ال يكون له أصلالقطع بأنه ليس بقدمي احترازا مما فيه من اإلام ألن الكالم قدمي والقول حادث غري حمدث والقرآن قول اهللا ولـيس : وقالت الكرامية

.بكالم اهللا والكالم عندهم القدرة على التكلم .إثبات حقيقة الكالم: والكالم يف هذه املسألة يبىن على أصلني أحدمها

.إثبات حقيقة املتكلم: والثاينفعندنا حقيقة الكالم هو املعىن القائم بالنفس الذي تدل عليـه : فأما األصل األول

.وأما العبارة فتسمى كالما. العبارات واإلشارات والكتابةمث املذهب الصحيح أن العبارات كالم على احلقيقة واسم الكالم يتناوهلـا علـى

.احلقيقة ال على اجملازيل اجملاز؛ ألنه داللة علـى تسمية العبارات كالما على سب : ومن أصحابنا من قال

مسعت اليوم علوما كثرية ويريد به العبارات الدالـة : الكالم كما يسمى علما يقول القائل .على العلوم

حقيقة الكالم حروف منتظمة وأصوات منقطعة دالة على أغراض : وقالت املعتزلة .صحيحة

د احلرف الواحد والدليل على بطالن حتديدهم أم حدوا الكالم باحلروف وقد حي كالما صحيحا مثل لفظ األمر من وقى ووشاه من وش وليس هاهنا حروف وال أصوات

.وألم ذكروا يف احلد الدالة على أغراضوليس هاهنا غرض . وليس يصح ألن من تلفظ بكلمات ال تفيد ال يسمى متكلما

األصوات فال معـىن احلروف املنتظمة واألصوات املنقطعة، واحلروف نفس : وألم قالوا

Page 39: 863

الغنية يف أصول الدين٣٤

األصوات املتقطعة ال تفيد فائدة مـا مل : للتكرير فيجب حذفه، فإذا حذف يبقى قولـهم .يقع اإلصالح على كونه دالة على غرض فبطل حتديدهم

أن العاقل إذا أمر عبده بـأمر : وأما الدليل على إثبات ما ذكرناه من كالم النفس ريا قبل أن يعلمه به، مث يدله على ما يف نفسه وجد يف نفسه طلب الطاعة منه وجدانا ضرو

.بلغة أو إشارة أو كتابة فدل ذلك على ثبوت كالم النفسإن الذي جيده يف نفسه إرادة من األمـر امتثـال : مب أنكرمت على من قال : فإن قيل املأمور به؟ليس من شرط اآلمر أن يكون مريدا للمأمور سنذكر ذلـك وإذا مل تكـن : قلنا

.دة من شرط األمر بطل أن يكون ذلك املعىن هو اإلرادةاإلراإن الذي جيده يف نفسه إرادة جيعل اللفظة أمـرا : مب أنكرمت على من قال : فإن قيل

على جهة اإلجياب أو على جهة الندب وليس بكالم؟هذا باطل ألن اللفظ ينقضي بالفراغ منه وذلك الطلب واالقتضـاء مسـتمر : قلنا

ال يراد ولكن يتلهف عليه، وحنن نعلم أن ما جنده يف نفسـه االقتضـاء الوجود واملاضي .والطلب و ليس بتلهف فبطل أن يكون ذلك إرادة

إن ما جيده يف نفسه ضرب من االعتقاد ولـيس : فإن قيل مب أنكرمت على من يقول .بكالم

والذي جيد هذا حمال ألن االعتقاد إما أن يكون علما أو ظنا أو شكا أو جهال : قلنانفسه الطلب واالقتضاء يقطع بأنه ليس يعلم وال ظن وال شك وال جهل فبطل أن يكون

.ذلك اعتقادا على أن مجيع ما ذكروه يبطل عليهم بالنظرالنظر إرادة علم املتطور أو ضرب من االعتقاد كـان يف مثـل : فإن قائال لو قال

. اعتقادمنـزلتهم وحنن نعلم أن النظر ليس هو اإلرادة والافعل قد يتضمن اإلجيـاب كقولــه : أن قول القائل : ويف الدليل على ما ذكرناه

: وقد يتضمن االسـتحباب كقولــه تعـاىل ] ٤٣:البقرة [وأقيموا الصالة : تعاىل ريلوا الخافعو] ـ ] ٧٧:احلج فـإذا طعمـتم : ىلاوقد يتضمن اإلباحة كقولـه تع

شرتوافان] وقد يراد به التهديـد كقولــه تعـاىل ] ٥٣:األحزاب : ـالـوا مماعمشئت]افعل ويريد : وإذا كان لفظ األمر يتردد على هذه الوجوه فقد يقول ] ٤٠:فصلت

Page 40: 863

٣٥ الغنية يف أصول الدين

به الوجوب، وقد يريد به التهديد وقد يريد به االستحباب وقد يريد به اإلباحة وقد يريد وات واحدة ولو كان األمر نفس اللفظ ملا اختلف فعلم به النهي، وصورة احلروف واألص

أن اإلجياب صفة قائمة للنفس يتميز بوصفه اخلاص عن االستحباب واإلباحـة والنـهي .والتهديد مل يقع التنبيه عليه بالعبارة واإلشارة والكناية

ما ألزمتمونا ينعكس عليكم فإنكم جعلتم العبارة داللة على ما يف النفس : فإن قيل .وال جيوز أن يكون دليل اإلجياب واالستحباب واحدا

التمييز حيصـل بنفس القرائن ال بنفس األصوات واحلروف القرائن عنـدهم : قلنا .ليس من الكالم

ويقولون : قـولـه عز وجل : والدليل على إثبات كالم النفس من جهة الشرع فسهمفي أن]فأثبت قول النفس ] ٨:اجملادلة. وقال عمر بـن ))رفع عن أميت ما حدثت به أنفسهم (( :-عليـه السالم -قولـه و ويقول الرجل يف العادة يف نفسـي ))زورت يف نفسي كالما يوم السقيفة (( اخلطاب

.كالم أريد أن أعرضه عليك :قال األخطل

جعل اللسان على الفـؤاد دليال إن الكـالم لفي الفـؤاد وإمنـا .العبارة واحلروف كالمافثبت أن ما وراء فعندنا املتكلم من قام بذاته الكالم كالعلم من قام بـه العلـم، : وأما األصل الثاين

وعندهم املتكلم من يفعل الكالم، وليس من الشرط قيامه باملتكلم، كما ال يشترط قيـام .الفعل بالفاعل

قيقة إال اهللا سبحانه على أصل وهو أن عندنا ال فاعل يف احل ىنواملسألة يف احلقيقة تب وإذا ثبت ذلك فاهللا تعاىل فاعل كالمنا وليس متكلما به فبطل أن يكون املتكلم من يفعل

.الكالموالدليل على بطالن كالمهم أنه لو كان املتكلم من يفعل الكالم لكان املصوت من

.يفعل الصوت ويلزم أن يكون الباري عز وجل مصوتا من حيث إنه خلق األصواتأن من مسع كالمنا من آخر علم كونه متكلما من غري أن خيطر بباله : الدليل عليه و

كونه فاعال لكالمه، ولو كان الكالم مبعىن الفعل لكان ال يعلمه متكلما مـن ال يعلمـه

Page 41: 863

الغنية يف أصول الدين٣٦

.فاعالأن الكالم عندهم حروف منتظمـة وأصـوات : والذي يدل على فساد قولـهم

. الكعبة خمتارا فهو املتكلم به عندهمزرت: متقطعة فإذا قال الواحد منافلو قدرنا أن اهللا تعاىل خـلق هذه احلروف واألصوات على صـورا يف بعـض عبيده ضروريا حبيث ال ميكنه السكـون عنها فال خيلو إما أن يقضي من مسع منه هـذه

يكون يقضي بكونه متكلما فقد بطل أن : احلروف بكونه متكلما أو ال يقضي به فإن قال .املتكلم من يفعل الكالم، ألنه ال فعل من جهته هاهنا وإمنا الفعل هللا تعاىل

ذلك العبد غري متكلم فقد جحد الشاهد؛ ألنا نسمع منه الكالم كمـا : وإن قال .نسمع منه إذا كان خمتارا فبطل قولـهم

: ن قالوا من أصلكم أنه عامل لنفسه فهال قلتم أيضا إنه متكلم لنفسه، فإ : ويقال هلم إمنا مل نقل ذلك؛ ألن الصفة النفسية يعم تعلقها، أال ترى أنه ملا كان عاملا لنفسه كان عاملا بكل معلوم وحنن نعلم أنه ليس متكلم بكل كالم فإن لنا كالما حقيقة ولـيس اهللا بـه

.متكلما .باطل بالقدرة فإن عندهم الباري تعاىل قادر لنفسه: قلنا هذا

درته عندهم جبملة املقدورات؛ ألن أفعال العباد غري مقدورة هللا تعاىل مث ال يتعلق ق .على قولـهم فبطل أصلهم بذلك

وإذا ثبت كالم النفس وبطل أن يكون الكالم مبعىن الفعل فقد ثبت كونه تعـاىل . ألنه ال جيوز قيام احلوادث بذاتهمتكلما فال بد وأن يكون كالمه قدميا

وألـق ] ١٢:طـه [اخلـع نعليـك : الوا قـولــه شبهتهم يف املسألة ق اكصع]كالم اهللا تعاىل ]١٠:النمل.

بذلك يف أزله وموسى عليه السالم غري ويستحيل أن يكون الباري عز وجل خماطباموجود ألن اخلطاب واملخاطب ليس هناك لغز وهذيان ويستحيل ذلك يف صفات اهللا

.تعاىل وألق عصـاك اخلع نعليكيلزمهم ألن قـولـه تعاىلاجلواب أن مثل هذا

بإمجاع املسلمني كالم اهللا يف دهرنا ووقتنا وموسى غري خماطب به اآلن فإذا مل ميتنع إثبات كالم اآلن واملخاطب به قد تقدم ومل يكن لغوا ملاذا ميتنع إثبات خطاب سابق واملخاطب

Page 42: 863

٣٧ الغنية يف أصول الدين

به متأخر؟ إذا أثبتم كالما قدميا أزليا فال خيلو : الكالم على وجه آخر فقالوا ورمبا أوردوا هذا

إما أن حتكموا يف األزل بكونه أمرا ويا وخربا واستخبارا أو ال تثبتوا له هذه األوصـاف فإن صرمت إىل نفي هذه األوصاف أبطلتم الكالم، إذ ال يعقل كالم ال يتصف بكونه أمرا

.بارا فإن هذه مجلة أقسام الكالمأو يا وخربا واستخوإن أطلقتم كونه أمرا ويا وخربا لزمكم إثبات خماطب به األزل الستحالة توجه

.اخلطاب على املعدوم عندنا الكالم األزيل يتصف بكونه أمرا ويا واملعدوم على أصلنا مأمور باألمر :قلنا

.األزيل بشرط الوجودحالة فيلزمهم مثله ألن من مذهب املعتزلة أنه ليس هللا تعاىل وأما ما ألزمونا من االست

يف وقتنا كالم، وإمنا كان له كالم وقت اخلطاب وقد عدم اآلن وحنـن اآلن مـأمورون !باألوامر، فإذا مل يستبعدوا مأمورا بال آمر مل أنكروا أمرا بال مأمور؟

باإلمجاع ومـن حكـم مث إن هذا باطل فإن اهللا تعاىل موصوف يف أزله بأنه قادر .القادر أن تكون له قدرة واملقدور هو اجلائز املمكن

وإيقاع األفعال يف األزل يستحيل فإذا جاز وصفه بكونه قـادرا مـع أن وقـوع .املقدورات خمتص مبا ال يزال جاز وصفه بكالم أزيل هو أمر ملن سيكون

اإلخبار عنه يف األزل كان مث جوابنا عنه أن الكالم يف األزل موجود إال أنه لو وقع تقديره أين آمرا عبيدا أخلقهم بكذا وكذا وحني خلقهم تقدير اإلخبار افعلوا كذا بعـدما يغنيهم تقدير اإلخبار عنه أين أمرت عبيدا خلقتهم لكذا، وكذا فالتعبري يرجع إىل احلوادث

.ال إىل كالمه الواحد من أضمر يف نفسـه أن ومثاله لو قدرنا يف الشاهد كالما باقيا وقدرنا أن

يقول لعبده ادخل السوق واشتر ثوبا فذلك الكالم اآلن موجود وتقدير العبارة عنـه إين أريد أن أقول لعبدي غدا ادخل السوق واشتر الثوب، فإذا جاء الغد كان تقدير العبـارة

مر، فيكون عنه يا عبدي ادخل السوق واشتر ثوبا فإذا مضى الغد فالرجل بعد على ما أض ادخل السوق واشتر الثوب فاملعىن القائم بذاته يف األحوال :تقدير العبارة بأين قلت لعبدي

كلها واحد واالختالف يرجع إىل العبارة الدالة عليه ال على نفس املعىن كذا يف وصوف

Page 43: 863

الغنية يف أصول الدين٣٨

.كالمه القرآن معجزة الرسول عليه السالم واملعجزة ال تكون إال :ومن شبهتهم أم قالوا

أفعاال خارقة للعادة وال جيوز أن تكون املعجزة قدمية إذ لو جاز ذلك جلاز أن يكون علمه ذا ألن القدمي ال خيتص ببعض احملدثني حىت يصـري هالقدمي معجزة ومسعه القدمي معجزة و

.معجزة له، فإذا ثبت كونه معجزة ثبت أنه خملوق انقضت واملتلو واحملفوظ ليس فاجلواب أن عندهم القرآن حني خلقه كان أصواتا مث

.بكالم اهللا تعاىل ونفى كالمه أشنع مما ذكرنا أن ما حتدى به الرسول مل يكن كالم اهللا تعاىل وإمنا حتدى :واجلواب من مذهبهم

.مبثله لـق :وعندهم أن كل قارئ آت مبثـل كـالم اهللا تعـاىل وقد قال اهللا تعاىل

و ست اإلنعمتذا القر لئن اجوا بمثل هأتلى أن يع ون بمثله ءاالجنأتن ال ي]اإلسراء : . فأبطلوا املعجزة وكذبوا القرآن فظهر فساد قولـهم]٨٨

مسألةكالم اهللا تعاىل منـزل على احلقيقة والدليل عليه ظاهر اآليات من كتـاب اهللا

ولــه ـا أنــزلنا : تعاىل مثل ـق قرإن ـ اءه ـا ن بيرا ع] وقولــه ]٢:يوسـف : الــمزيل .]١١٣:طه[اوكذلك أنـزلناه قرآن: وقولـه]٢:السجدة[تـن

من مكـان إىل هوليس املعىن يف قولنا إنه منـزل حط شيء من علو إىل سفل ونقل فـوق سـبع مكان ولكن املراد باإلنـزال أن جربيل عليه السالم أدرك كالم اهللا تعاىل

: فأفهم عند سدرة املنتهى، وهو كما يقال مسوات مث نـزل إىل األرض وأفهم الرسول .نـزلت رسالة امللك من القصر ال يراد به حط شيء من القصر وإمنا يراد به ما ذكرناه

مسألةوإن أحد : قـولـه تعاىل : كالم اهللا تعاىل مسموع على احلقيقة والدليل عليه

ناهللام كالم عمسى يتح هفأجر كارجتاس ركنيشالم ] ٦: التوبة[. مسموع أن كالم اهللا تعاىل مفهوم السامع عنـد مسـاع القـراءة :واملعىن بقولنا

.والسماع يذكر ويراد به الفهم

Page 44: 863

٣٩ الغنية يف أصول الدين

ـ :يقول القائل ه مسعت كالم الغائب إذا انتهى إليه معىن كالمه وإن مل يسـمع من .وليس املراد به أن السامع مدرك لنفس كالم اهللا تعاىل

بأن أمسعه كالمه القدمي بال -عليه السالم -أن اهللا تعاىل خص موسى : والدليل عليه به ليلة املعراج، ولو كان املسموع إدراك كالم اهللا تعاىل القـدمي واسطة وخص حممدا

.ملا ظهر لتخصيص بعض األنبياء بذلك فائدة ةمسأل

.كالم اهللا تعاىل مكتوب يف املصاحف على احلقيقة حمفوظ يف القلوب على احلقيقة وال ]٢٢:الربوج[في لوح محفوظ :والدليل على أنه مكتوب قـولـه تعاىل

يوصف بأنه حال يف املصحف وال يف القلب، وهذا كما أن اهللا تعاىل على احلقيقة معبود . مذكور بألسنتنا، وال يوصف الباري تعاىل باحللول واالنتقاليف مساجدنا معلوم يف قلوبنا

مسألةالقراءة عندنا أصوات القراء ونغمام وهي اكتسام واملفهوم عند القراءة كالم اهللا

.تعاىلأن القارئ يؤمر بالقراءة يف حال الطهارة ويثاب عليها ومنع عنها يف : والدليل عليه

. يتعلق الثواب وال العقاب إال مبا هو كسب العبدحال اجلنابة ويعاقب عليها والأن القراءة تستطاب من بعض القراء وال تستطاب من البعض وذلك : والدليل عليه

.حمال يف ما صفته القدم مسألة

كالم اهللا تعاىل واحد وهو أمر جبميع املأمورات وي عن مجيع املنهيات وخرب عن .وبالعربانية توراة وبالسريانية إجنيالمجيع املخربات يسمى بالعربية قرآن

بل العقل يدل على إثبات الكالم . وليس إثبات طريق العلم باحتاد الصفات، العقل .الواحد وإمنا عرفناه باإلمجاع فإن اإلمجاع قد انعقد على نفي ما زاد على الواحد

مسألة .صفات اهللا تعاىل ال توصف بأا متغايرة وكذلك الذات مع الصفات

العلم غري القدرة وغري الكالم، وال أن العلم هـو الكـالم، أو :وال جيوز أن يقال

Page 45: 863

الغنية يف أصول الدين٤٠

الذات موجود :القدرة هي العلم، أو العلم هو الذات، أو الكالم هو الذات، ولكن يقال .والصفات موجودات مع الذات قائمات بالذات ألنا نصف الصفات األزلية بالبقاء

ين املوجودين الذي جيوز مفارقة أحدمها للثاين بزمان أن حقيقة الغري : والدليل عليه ومكان أو وجود أو عدم، وال جيوز مفارقة الصفات للذات وال مفارقة الصفات بعضـها

.ل قد دل على قدم الصفات ويستحيل عدم القدميقبعضا كما ذكرناه أن الع مسألة

الذات وأن هللا تعاىل أن البقاء صفة للباقي زائدة على :ذهب القدماء من أئمتنا إىل صفة تسمى البقاء كالعلم والقدرة والصحيح أن البقاء ليس معىن زائد على الذات ولكن

.البقاء استمرار الوجودأنا نصف الصفات األزلية بالبقاء ولو كان البقاء معىن ملا وصف به : والدليل عليه

.الصفات الستحالة قيام املعىن باملعىن .دميا لزمنا أن نثبته ببقاء أحد فتسلسل ذلكوألنا لو أثبتنا بقاء ق

ونظريه القدم فإن الشيء يف أول حال حدوثه ال يسمى قدميا فإذا استمر وجـوده .مدة يسمى قدميا وليس القدم معىن زائدا على الوجود املستمر

مسألة .للباري تعاىل يف األزل اسم وصفة

األزل اسم وال صـفة وهـذا ليس هللا عز وجل يف : وأنكرت املعتزلة ذلك وقالوا .القول يقضي إىل القول بأن اهللا تعاىل مل يكن له يف األزل صفة اإلهلية وهو كفر وضالل

تبىن على معرفة االسم والتسمية والصفة والوصف والتسـمية وحقيقة هذه املسألة .عندنا هو لفظ املسمى الدال على االسم، واالسم مدلول التسمية

والوصف قول الواصف والصفة . راد به التسمية توسعا وجمازا وقد يذكر االسم وي .وقد يطلق الصفة ويراد ا الوصف. مدلول الوصف

وذهبت املعتزلة إىل أن االسم والتسمية واحد والوصف والصفة واحـد والصـفة واالسم و أقول املسمني والواصفني ومل يكـن عندهم هللا كالم يف األزل وقول ومل يكن

. صفةله اسم والسـبح اسـم ربـك : والدليـل على أن االسم خيالف التسـمية قـولــه

Page 46: 863

٤١ الغنية يف أصول الدين

. واملسبح ذات الباري سبحانه ال أقوال الذاكرين وألفاظهم]١:األعلى[األعلىمــا تعبــدون مــن دونــه إال أســماء ســميتموها أنــتم :وقــال تعــاىل

دوا فعبد] ٤٠:يوسف[وآباؤكم اللفظ بل عبدوا األجسام واألعيان فثبـت أن ،ة األصنام ما عـب . املسمىاالسم هو

ل د ورد يف اخلرب أن رسول اهللا :فإن قـي ولو كـان )) هللا تسعة وتسعون امسا ((: قال ـق .االسم هو املسمى لكان تسعة وتسعون إهلا

. تسعة وتسعون تسمية أن االسم قد يطلق ويراد به التسمية فاملراد به هللا:فاجلواب فمن األسامي ما يطلـق :وإذا تقرر ما ذكرنا فأسامي الرب تعاىل على ثالثة أقسام حق وموجود وذات:بأنه املسمى وهو ما دلت التسمية به على وجوده مثل قولنا

ومن أمسائه ما يطلق بأنه غري املسمى، وهو ما دلت التسمية على فعلـه كاخلـالق .والرازق

إنه املسمى وال غري املسمى، وهو ما دلت التسمية بـه : ما ال يقال فيه ومن أمسائه .على صفة قدمية كالعامل والقادر والسميع والبصري مسألة

ورد السمع بإثبات صفات اهللا تعاىل ال يدل عليه العقل مثل الوجه يف قـولــه تجري : قـولـه تعاىل والعني يف ] ٨٨:القصص[ كل شيء هالك إال وجهه : تعاىل .]٧٥:ص[لما خلقت بيدي: واليدين يف قـولـه تعاىل]٧٥:ص[بأعيننا

واختلفوا يف ذلك فذهب مجاعة إىل أن هذه صفات زائدة على ما دل عليه العقـل وال ] ٧٥:ص[ما منعك أن تسجد لما خلقت بيـدي : واستدلوا على ذلك بقولـه

.وجه حلمله على القدرة ألن مجلة املخلوقات حاصلة بالقدرة فتبطل فائدة التخصيصومنهم من أنكر أن تكون هذه الصفات زائدة على ما دل عليه العقل وصـار إىل أن العني حممول على البصر والوجه على الوجود واليد على القدرة واستـدلوا عليه بـأن

ى أن الـخلق ال يقع إال بالقـدرة ومن أثبت صـفة العقـل قـد دل عـل :من قـال قدمية يقع ا اخللق فقد أبطل حقيقة القدرة وأثبت هلا تناهيا؛ ألن ما حصل باليد مل حيصل

.بالقدرة فتكون القدرة متناهية

Page 47: 863

الغنية يف أصول الدين٤٢

وأيضا فإن آدم عليه السالم ما استحق السجود ألنه خملوق باليد ولكن أمر احلـق ة بالسجود فصار ظاهر ألنه متروك ووجب محله على تأويل وهـو سبحانه وتعاىل املالئك

أنه ختصص تشريف كما أضاف الكعبة إىل نفسه وأضاف املؤمنني بصـفة العبوديـة إىل .نفسه

فاملراد به األعني اليت انفجرت مـن األرض تجري بأعيننا : أما قـولـه تعاىل .وإضافته إىل اهللا سبحانه على سبيل امللك

متروك الظاهر خيتص ]٢٧:الرمحن[ويبقى وجه ربك : أما قـولـه عز وجل والبقاء بعد فناء اخللق بصفة من صفات الباري تعاىل اليت هي الوجه، بل الباري تعاىل باق

.بعد فناء اخللق جبميع صفاته فعلت :قالكما ي . املراد بالوجه اجلهة اليت يراد ا القرب إىل اهللا سبحانه :ويقال

أن كل عمل ما أريد به وجه ربك حيبطه :كذا لوجه اهللا سبحانه خالصا هللا، فيكون معناه .ويبطله

فمنه قـولــه ما ذكرنا آيات يف كتاب اهللا تعاىل وأخبار رسوله ومما يقرب ل ومعناه منور السموات واألرض، وقي ]٣٥:النور[اهللا نور السماوات واألرض : تعاىل

.هادي أهل السموات واألرضويضرب اهللا األمثال : والغرض من اآلية ضرب املثل بدليل أنه قال يف آخر اآلية

.]٢٥:إبراهيم[للناس ]٥٦:الزمـر [على ما فرطت في جنـب اهللا يا حسرتا :ومنها قـولـه تعاىل

عىن اجلارحة ال جيوز يف صفة باالتفاق وإن كان ومعناه جهة أمر اهللا ألن اجلنب إن كان مب .مبعىن الصفات فال يكون للتفريط فيه معىن وفائدة

التنبيه علـى : واملراد به ]٤٢:القلم[يوم يكشف عن ساق : ه تعاىل ـومنها قول .أهوال يوم القيامة كما يقال قامت احلرب على ساقها أي على شدا

هـل : وقولـه تعـاىل ]٢٢:الفجر[اء ربك والملك وج: ه تعاىل ـومنه قول واملراد به جاء أمر ربك ويأتيهم أمر اهللا ] ١٥٨:األنعام[ينظرون إال أن تأتيهم المالئكة

.تعاىلأن اهللا تعاىل ذكر يف سورة األنعام أخبارا عن إبراهيم أنـه اسـتدل : والدليل عليه

Page 48: 863

٤٣ الغنية يف أصول الدين

القمر والكواكب على أا ليست بآهلة وتربأ منها ولو كان الباري جيـوز بأفول الشمس و .عليه اإلتيان واجمليء لبطلت الداللة

فاملراد به أنه يأمر "ينـزل اهللا كل ليلة إىل السماء الدنيا "ومنها ما روي يف اخلرب . ينـزل مالئكة اهللا:املالئكة بالنـزول فيكون معناه ]٣٣:املائـدة [نما جزاء الذين يحاربون اهللا ورسوله إ: ونظريه قـولـه تعاىل

.ومعناه حياربون أولياء اهللا نادى األمري يف البلد واألمري ال ينادي ولكن يأمر به ويضاف إليه :ويقال يف العبارة

.لكونه آمرا له . بهضاف إليه أمرا قتل األمري فالنا وضرب فالنا وهو ال يتوىل بنفسه ذلك وي:ويقال

قط فاملراد باجلبار املتجرب مـن :ومنها ما روي أن اجلبار يضع قدمه يف النار فتقول .العباد

.]٣٥:غافر[كل قلب متكبر جبار: قـولـه تعاىل: والدليل عليه: أن اهللا تعاىل أخرب عن األصنام أم يدخلون النار يف قـولـه تعاىل : والدليل عليه

منهج بصون اهللا حون من ددبعا تمو كمإن]مث استدل على نفي منـه ] ٩٨:األنبياء .اإلهلية عنهم بدخوهلم النار فقال لو كان هؤالء آهلة ما وردوها

فمن زعم أن البـاري له قدم يضعها يف النار فقد أبطل هذه الداللة وسوى بينـه .وبني األصنام

فهذا بعض اخلرب وله سـبب "إن اهللا تعاىل خلق آدم على صورته "وي ومنها ما ر ال : عن ذلك وقال أن رجال كان يلطم وجه عبد له فنهاه رسول اهللا (( وهو ما روي

. على صورة الغالم: يعين))تلطم وجهه فإن اهللا تعاىل خلق آدم على صورته سويا من غري والد ووالدة إا كناية راجعة إىل آدم نفسه ومعناه خلقه بشرا : وقيل

ومن غري أن كان نطفة وعلقة بل صوره ابتداء، وخلقه على تلك الصورة هـذه طريقـة .احملققني

واألوىل ملن ال يتجر يف العلم اإلعراض عن التأويل يف مجلة ذلك واإلميان بظـاهر وتعاىل مـا اآليات واألخبار وإجرائها كما جاءت مع االعتقاد بأنه ال جيوز عليه سبحانه

.دثني وصفات املخلوقنيهو من مسات احمل

Page 49: 863

الغنية يف أصول الدين٤٤

مسألةمذهب أهل احلق أن ال خالق إال اهللا سبحانه وتعاىل وما حيدث يف العامل فكلـها حادثة بقدرته واختراعه وال فرق بني ما يتعلق به قدرة اآلدميني كاألجسـام واأللـوان

ذلك أن كل مقدور لقادر فهو والطعوم وبني ما يتعلق به قدرة العباد كاالكتساب ومجلة .مقدور هللا تعاىل فاهللا خالقه ومنشئه

وزعمت املعتزلة أن العباد خمترعون ألفعاهلم وأن الباري تعاىل ال يوصف بالقـدرة .على مقدورات العباد كما ال يوصف العبد بالقدرة على مقدورات الباري تعاىل

. منهم أطلقوا ذلكن واملتأخرومث املتقدمون منهم امتنعوا من تسمية العبد خالقا زعمتم أن مقدورات العبـاد ليسـت :على بطالن قولـهم أن يقال هلم والدليل

.مبقدوره هللا تعاىل الستحالة مقدور بني قادرين إن كان خيلق القدرة لعبده هل يقدر على ما يعلم أن العبد سيقدر عليـه إذا :فقيل

ال يقدر عليه :عبد سيقدر عليه إذا خلقه فإن قالوا ال يقدر ما يعلم أن ال :خلقه؟ فإن قالوا ألن ما سيقدر عليه العبد من اجلائزات املمكنات ومل يتعلق ا قدرة العبد اسـتحال ؛بطل

.أن ال يقدر عليه الصانع يقدر عليه فمن املستحيل أن يكون الشيء مقدورا له مث خيرج عن كونه :وإن قالوا .مقدورا بعد ذلك

على فساد قولـهم أن خروجه عن كونه مقدورا له لظهور قدرة العبد والذي يدل ويستحيل مقدور بني قادرين فبقاؤه مقدورا هللا تعاىل ونفي قدرة العبد أوىل مـن إثبـات

.قدرة حادثة للعبد ونفي قدرة الصانع إذ ال جيوز أن خيترع العبد مـا هـو ،وإذا ثبت أنه مقدور هللا تعاىل ثبت أنه خالقه

.ر هللا تعاىلمقدو أن الفعل احملكم املتقن داللة على علـم اخترعـه :ومن الدليل على فساد قولـهم

،ورأينا أنه يصدر من العبد أفعال يف حال غفلته وسكره وجنونه على االتساق واإلتقـان .والعبد غري عامل مبا يصدر منه يف هذه احلالة فيجب أن يكون من يصدر منه عاملا به

إال على مذهب أهل احلق فإن املخترع لألفعال هو اهللا تعـاىل وليس يتحقق ذلك

Page 50: 863

٤٥ الغنية يف أصول الدين

فإن زعموا أن العبد هو املخترع وهو غري عامل به ولو ساغ ذلك خلرج الفعل احملكم مـن .أن يكون داللة على علم فاعله أنتم أثبتم للعبد كسب وجيب أن يكون املكتسب عاملا مبا :فإن عكسوا علينا وقالوا

.عنه القليل من أفعاله يف حال غفلته وهو غري عامل بهيكتسبه مث يصدر ليس من الواجب كون املكتسب عاملا مبا يكتسبه وإمنا ميتنع وقوعه دون علمه :قلنا

.الطراد العادات فأما أن يكون العلم شرطا فالشـيء إن من أصلهم صالح القدرة املتعلقـة ال :ومن الدليل على فساد قولـهم

فالقدرة على احلركة قدرة على أمثاهلا وعلى السكون، واملوجودات كلها ألمثاله وأضداده مشتركة يف تعلق القدرة ا فيجب أن تتعلق القدرة احلادثة جبميع احلـوادث كـالطعوم واأللوان والروائح وحنوها كما تتعلق القدرة املتعلقة باحلركة جبميع ما مياثلها ويضـادها،

قدورات مع اشتراك اجلميع يف تعلق القدرة ا بطل أن يكون وملا مل تتعلق قدرته ببعض امل .العبد خمترعا

ومن الدليل على فساد قولـهم أم قالوا القدرة احلادثة تتعلق باالختراع ابتداء وال تتعلق باإلعادة والفوات، ومعلوم أن اإلعادة مبثابة النشأة األوىل وكذلك يستدل على قدرة

.دة بالنشأة األوىلالباري تعاىل على اإلعا قل يحييها الذي أنشأها أول مرة : ويـدل عليـه نص التنـزيـل حيث قال

فإذا مل تصلح القدرة احلادثة إلعادة ما جيوز إعادته كيف يصلح البتداء اخللق ] ٧٩:يس[ .واالختراع

إىل اهللا تعاىل على الرغبة إمجاع سلف األمة : ومن الدليل على إبطال قولـهم يف أن يرزقهم اإلميان وجينبهم الكفر والطغيان وحيفظهم من املعاصي وعليه يـدل نـص

ربنا : القرآن يف قـولـه تعاىل يف قصة إبراهيم صلوات اهللا عليـه حيث دعـا فقـال ن لكيلمسا ملنعاجو]وقـال] ١٢٨:البقرة : عأن ن نيبني وبناجو امـناألص ـدب

ولو كانت املعاصي والكفر غري مقدورة هللا تعاىل كان ذلك السؤال مما ال ] ٣٥:إبراهيم[ .يقدر عليه وذلك حمال

هذه الرغبة ليست خبلق اإلميان وإمنا هو سؤال القدرة على اإلميـان واهللا : فإن قالوا .الذي خيلق اإلميانتعاىل هو الذي خيلق له القدرة على اإلميان وإن كان العبد هو

Page 51: 863

الغنية يف أصول الدين٤٦

إن هذا خطأ على أصلكم؛ ألن عندكم كل مكلف قادر على اإلميـان : فاجلواب .والباري تعاىل ال يسلبهم القدرة على اإلميان

وأيضا فإن القدرة على اإلميان قدرة على الكفر؛ فلو كان الباري معينا على اإلميان كيف ومن العبيد من علم اهللا عز وجـل خبلق القدرة لكان معينا على الكفر خبلق القدرة ف

لو خلق له قدرة الكفر لكفر فخلق القدرة يف هذه احلالة مع علمه بأنه ال يؤمن أعانه على .الكفر

بأن الباري تعاىل مالـك : ومن الدليل على قولـهم إطالق السلف اخللف القول .كل خملوق وإله كل حمدث

لقه وإله ما ال يقدر عليـه، وإذا مل ومن املستحيل أن يكون الباري مالك ما ال خي يكن الباري سبحانه وتعـاىل رب هذه األفعال وكان العبد خالق أعمال نفسه، كان را

إذا لـذهب كـل إلـه بمـا : وإليه إشارة الباري سبحانه يف القرآن حيـث قـال .والقول بذلك كفر ] ٧١:املؤمنون[خلق

ـ أن اإلميان والطاعات أحسـن مـن األجسـام : همومن الدليل على فساد قولوأعراضها فلو اتصف العبد بكونه خالقا إلميانه وطاعاته لكان أحسن خلقا من ربه وقـد

].١٤:املؤمنون[فتبارك اهللا أحسن الخالقني: قال اهللا عز وجلق القـدرة علـى لوال القدرة على اإلميان ملا قدر العبد على اإلميان فخل : فإن قيل

.اإلميان أحسن من خلق اإلميان، فالباري تعاىل هو أحسن اخلالقنيفيلزم على مقتضى قولـهم أن تكون القدرة على الكفر أشر مـن الكفـر، : قلنا

وعندكم القدرة صاحلة للكفر كما هي صاحلة لإلميان، وإذا كان ذلك إعانة على الكفر مل .يكن أحسن

ـالق كـل :ـهم قول اهللا تعاىل ومن الدليل على بطالن قول خ كـمباهللا ر ذلكمفتمدح باالختراع واإلبداع ولو كان غريه خالق مبدعا لبطل التمـدح ] ٦٢:غافر[شيء

وأنـا : من حيث إنه يصري خالصا بأنه اخلالق ألفعاله دون أفعال غريه، والعبد أيضا يقول .طل التمدحخالق كل شيء ويريد به أفعال نفسه فب

واهللا علـى كـل شـيء : ويستدل بكل آية فيها متدح مثل قـولـه تعـاىل وال معىن لذلك عند املعتزلة؛ ألنه يقدر على أفعال نفسه دون أفعـال ] ٦:احلشر[قدير

Page 52: 863

٤٧ الغنية يف أصول الدين

.عبيده، والعبد كذلك يقدر على أفعال نفسهركاء خلقوا كخلقه فتشـابه أم جعلوا هللا ش : ومن الدليل عليهم قـولـه تعاىل

ارالقه احدالو وهء ويكل ش الققل اهللا خ همليع لقالخ]١٦:الرعد.[ .واملعتزلة أثبتوا الشركاء هللا حيث أثبتوا اخللق ألنفسهم

ق بـني العاقل مييز بني مقدوره ومقدور غريه وفـر : شبههم يف هذه املسألة قالوا احلركة الواقعة بإرادته واختياره وبني حركة املرتعش، بأن مقدوره يقع على قصد حسـه صوابه حسب قصده، وما ال يكون مقدوره ال يقع على حسب قصده ولو كان فعله غري

.واقع به ملا كان على وفق إرادته كلونه وصورته وسائر صفاته وإرادته وهو أفعـال الغافـل اجلواب أن من املقدور ما ال يقع على حسب قصده

والسكران والنائم، وإذا مل يطرد ذلك أبدا مل يدل وقوعه يف بعض األحوال على حسـب إرادته على كونه خالقا، كما أن الشبع يقع عند األكل يف عامة األحوال والـري عنـد الشرب ومنهم املخاطب عند اخلطاب وخجل اإلنسان عند التخجيل وفزعه عند التهويل،

مل يدل وقوع هذه األشياء على هذه الوجوه على أنه فعل القاصد على أن التفرقة الـيت وذكروها راجعة إىل تعلق القدرة بأحدها دون الثاين، وهو كما يفرق اإلنسان بني العلـم

.والظن مع أنه ال تأثري للعلم والظن فيما تعلقا بهل يف العقل مطالبة العبـد العبد مطالب من ربه بالطاعة ويستحي : ومن شبههم قالوا

.مبا ال يقع منه كما يستحيل مطالبته بألوانه وخلقته وسائر صفاتهاإلمجاع قد انعقد بأن ما يؤدي إىل محل كالم البـاري : ورمبا قرروا ذلك بأن قالوا

.تعاىل على التناقض واخلروج عن اإلفادة باطل ال تقدر عليه أو افعل ما أنا افعل ما : أن يقول املخاطب ملن خياطبه : ومن مجلة اللغو

.فاعلهأن مثل هذا يلزمكم من أصلكم أن املعدوم شيء وذات على خصـائص : فاجلواب

.أوصافه، فما معىن املطالبة بإثبات ما هو ثابت وأيضا فإن العبد عندكم مطالب بالنظر ابتداء وهو ليس يعتقد أمرا طالبا فكيـف

أن مثل هذا التناقض يلزمهم ألن من أصـلهم أن يصبح الطلب قبل معرفة الطالب، على على اهللا سبحانه وتعاىل أن يفعل ما هو األصلح لعباده وإذا قدرنا عبدا علم اهللا تعاىل أنـه

Page 53: 863

الغنية يف أصول الدين٤٨

لو مات يف صباه جنا من العذاب، ولو عاش إىل وقت التكليف وخلق اهللا عز وجـل لـه إين : التناقض أن يقول اآلمـر القدرة على الكفر لكفر فصالحه أن ال يقدره، وهذا غاية .أكلفك شيئا قاصدا ا صالحك مع علمي أنك ال تصلح قط

اتفق أهل امللك على توجه اخلطاب على املكلفني فمـا ادعيـتم مـن : ويقال هلم استحالة الطلب علمتموه ضرورة أم داللة، فإن ادعوه ضرورة كان حمـاال، ألن اخلصـم

دعوه، وإن ادعوه من حيث الداللة فـال بـد مـن يدعي عليهم ضرورة على الضد مما ا .إظهاره

إن كانت القدرة احلادثة ال تؤثر يف متعلقها كـان نظـريه : ومن شبهتهم أن قالوا العلم املتعلق باملعلوم من حيث إنه ال يؤثر فيه ويلزم من ذلك جتويز تعلق القـدرة احلادثة

. جبميع ذلكباأللوان واألجسام ومجيع احلوادث، كما يتعلق العلمومل قلتم أن العلم يتعلق بكل املعلومات النتفاء تأثريه فيه حـىت يكـون : قلنا هلم

مشاركا للقدرة يف نفي التأثري، فوجب أن يعم تعلقه على أن هذا باطل بالرؤية ال تؤثر يف املرئي مث ال يتعلق عندهم جبميع املوجودات، فإن الطعوم عندهم والـروائح ال جيـوز أن

.ترىالعبد يثاب على فعله ويعاقب عليه، وذلك دليل على أنه واقع : ومن شبهتهم قالوا

.منه إذا حيسن توبيخه والثناء عليه مبا ال يقع منه كما ال يوبخ على لونه وسائر صفاتههذا فاسد ألن الثواب والعقاب واملدح والذم ليس من موجبات فعل املكلف : قلنا

عيم مقيم أو عقاب أليم من غري طاعة وال معصية كان جائزا، حىت لو ابتدأ الباري تعاىل بن .وإمنا أفعال العباد أمارات ودالالت ال موجبات

ما ذكرمت من كون العبد مكتسبا غري معقول فإن القدرة إذا مل تـؤثر يف : فإن قيل .املقدور مل يكن لتعلقها به معىن

العلم يتعلق باملعلوم وال يؤثر ليس من شرط الصفة أن تؤثر فيما تتعلق به فإن : قلنا .فيه، والرؤية تتعلق باملرئي وال تؤثر فيه، واإلرادة تتعلق بفعل الغري

.فإن اإلنسان قد يريد أن يفعل غريه شيئا فال تأثري إلرادته يف فعله فيبطل ما ادعوهوهـذا ] ١٤:وناملؤمن[فتبارك اهللا أحسن الخالقني : واستدلوا بقول اهللا سبحانه

دليل على أن غري اهللا يتصف باخللق واالختراع حىت يكون الباري تعاىل أحسن اخلـالقني

Page 54: 863

٤٩ الغنية يف أصول الدين

.خلقاعندكم العبد أحسن خلقا من الباري تعاىل؛ ألن العبد خيلق اإلميان والبـاري : قلنا

ه مبعىن التقـدير، ومنه مسي احلزاز خالقا؛ ألن : خيلق األجسـام، على أن اخلـلق يف اللغة .يقدر طاقة بطاقة، فيكون معىن اآلية أحسن املقدرين فيحمله على التقدير دون االختراع

مسألة .أن العبد قادر على كسبه وله فعل: مذهب أهل احلق .إىل أن ال قدرة على إثبات فعل للعبد فهو على سبيل اجملاز: وذهبت اجلربية

كة القصدية واالختيارية وبني أن العاقل يفرق بني احلر : والدليل على إثبات القدرة حركة املرتعش ضرورة، واحلركتان على صفة واحدة، والبد مـن موجـب التفرقـة، ويستحيل أن تكون التفرقة راجعة إىل نفس الفاعل، ألن ما كان للنفس يستمر ما دامت النفس موجودة وترى النفس موجودة وال حركة فثبت أا زائدة على النفس، وليس ذلك

.درةإال القإن التفرقـة راجعـة إىل اإلرادة والكراهيـة، : مبا أنكرمت على من يقول : فإن قيل

واالختيارية مرادة وغريها ليس مبراد؟هذا حمال؛ ألن الغافل ومن ال إرادة له يفرق بني حتريك اليد والرعدة واإلرادة : قلنا .معدومة

اجلارحة ووجود بنيـة التفرقة راجعة إىل صحة : ومب أنكرمت على من قال : فإن قيل خمصوصة وعدمها ال إىل القدرة؟

هـذا باطـل فإن صـاحب اليد الصحيحة والبنية التامة يفرق بني أن يفرق : قلنا .يد نفسه اختيارا وبني أن يفرق الغري يده، وبنية اليد يف احلالتني على صفة واحدة

لها ما كسبت : والذي يدل على ما ذكرناه من الكتاب قـولـه سبحانه وتعاىل تبسا اكتا مهليعو]وقـال تعـاىل ]. ٢٨٦:البقرة : تـبـا كسفـس بمكـل ن

.وغري ذلك من اآليات] ٣٨:املدثر[رهينة مسألة

مذهب أهل احلق أن احلوادث كلها بقضاء اهللا تعاىل وقدره ومشيئته وإرادته خريها

Page 55: 863

الغنية يف أصول الدين٥٠

لكفر واإلميان والطاعـة والعصـيان، فمـا أراد اهللا وشرها نفعها وضرها حلوها ومرها ا .سبحانه وتعاىل كان وما مل يرد مل يكن

مث من أصحابنا من أطلق هذا القول على اجلملة وإذا جاء األمر إىل التفصيل وسأل عن الكفر والفسق فال نطلق القول بأنه مراد اهللا سبحانه وتعاىل ونظري ذلك إطالق القول

بحانه وتعاىل وإذا جاء األمر إىل التفصيل النطلق القول بأن له زوجة ملا فيه بأن العامل هللا س .إيهام الزلل

.ومن أصحابنا من أطلق ذلك وقال اهللا سبحانه وتعاىل يريد كفر الكافر معاقبا عليهاحملبة والرضا مبعىن اإلرادة إال أا أخـص : وأما احملبة والرضا فمن أصحابنا من قال

أحبه، وضـده السـخط إرادة : فإذا أراد اهللا سبحانه وتعاىل بالعبد نعمة يقال من اإلرادة .العقوبة

احملبة والرضا عبارة عن إنعام الرب سبحانه وتعاىل وإفضاله، : ومن أصحابنا من قال .والسخط عبارة عن النقمة والعقوبة

كراهيـة الرب سبحانه وتعاىل مريد ألفعال نفسه سوى اإلرادة وال : وقالت املعتزلة .فإنه ال يوصف بأنه مريد اإلرادة والكراهية مع قولـهم بأن اهللا تعاىل مريد بإرادة حادثة

فأما أفعال العباد فما كان منها قربة وطاعة فيوصف الباري سبحانه وتعاىل بأنـه مريد له، وما كان معصية من أفعاهلم أو كان مباحا فال يوصف الباري عز وجل بأنه مريد

.له ما ال يدخل حتت التكليف من معتقدات األطفال وأفعاهلم فال يريدها البـاري فأما

.تعاىل وال يكرههاأن القائلني بثبوت الصانع اتفقوا على تقدسه عـن : والدليل على بطالن قولـهم

.النقائصواتفق العقالء على أن نفود املشيئة عالمة السلطنة وداللة الكمال، وضد ذلك داللة

.النقصزعموا أن معظم ما جيري يف العامل اهللا سبحانه له كاره فقد قضوا بالقصـور فإن

فـإن . أويعصى كرهـا : املسألة فقال عن هذه ملا سئل والعجز وإليه أشار جعفر الصادقهائلـة تقهـر الرب سبحانه قادر على إجلاء اخللق إىل اإلميان بأن يظهر آيـات : قـالوا

Page 56: 863

٥١ الغنية يف أصول الدين

وإذ نتقنا الجبـل :متنعوا من قبول األمر قال اهللا سبحانه اجلبابرة كما فعل باليهود ملا ا ].١٧١:األعراف[فوقهم كأنه ظلة

هذا فاسد؛ ألن اهللا تعاىل ال خيلق عندهم إميان املؤمنني، ومعىن اإلجلاء إظهـار : قلنا .آيات هائلة

أوا اآليات اهلائلة، وأيضـا ورمبا يتفق طائفة من الكفرة واملعاندين ال يؤمنون وإن ر فإنه إذا أجلأهم ال يكون إميام مما يثاب عليه، ألن الثواب إمنا يكون على ما خيتار فعلـه

والرب سبحانه وتعاىل ال يريد القبيح على زعمهم . وألن ما يقع بطريق اخلري يكون قبيحا .فما يريد الرب ال يقدر عليه، والذي يقدر عليه ال يريده

ما شاء اهللا كان ومـا مل : دل عليه إمجاع األمة على كلمة وهو قولـهم والذي ي .اهللا تعاىل ال يريد ما حيدث من احلوادث فقد خرق اإلمجاع:يشأ مل يكن، فهو إذا قال

من الكتاب اآليات الواردة يف اهلداية والضاللة اخلتم والطبع كقولـه : والدليل عليه من :وقال تعاىل ] ١٢٥:األنعام[ديه يشرح صدره لإلسالم فمن يرد اهللا أن يه : تعاىل

وقـال ] ١٧٨:األعـراف [ يهد اهللا فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ].٢٥:يونس[واهللا يدعو إلى دار السالم ويهدي من يشاء: تعاىل

ز محل هذه اآلية على اإلرشاد إىل طريق اجلنان ألن اهللا تعاىل علق اهلدايـة وال جيو على مشيئته، فكل من يستوجب اجلنة فحتم على اهللا تعاىل أن يدخله اجلنـة وال تتعلـق

.املشيئة : وقولــه ] ٧:البقرة [ختم اهللا على قلوبهم : ومنها قول اهللا سبحـانه وتعاىل

ل طباهللا ـب ا عهليع ]وقولـه عــز وجـل ] ١٥٥:النساء ـ لنعجـ ـو هـا قلوب مفهذه اآليـات علـى أن ] ٢٥:األنعام[وجعلنا على قلوبهم أكنة ] ١٣:املائدة[قاسية

اهلداية والضاللة من اهللا عز وجل وأنه مريد كفر الكافرين وإميان املؤمنني وأنـه متفـرد .خبلقه

اهللا تعاىل أمرنا باإلميان والطاعة وانا عن الكفر والفجور واملعصية : هتهم قالوا شبويستحيل يف حقه أن يأمرنا مبا يكرهه ويأباه وينهانا عما يريده، ألن اجلمع بـني األمـر وكراهة املأمور به وبني النهي وإرادة املنهي تناقض وهو يشابه األمر بالشيء والنهي عنه،

.ما أمر اهللا سبحانه وتعاىل به فقد أراده وما ى عنه فلم يردهفإذا ثبت أن

Page 57: 863

الغنية يف أصول الدين٥٢

.ال نساعدكم على هذه القاعدة بل جيوز يف العقل أن يأمر العاقل مبا ال يريده: قلنارجل ضرب عبده وبالغ يف تأديبه فاتصل اخلرب بسلطان الوقت : ومثال ذلك شاهدا

ومل ميتثل أمري فامه السلطان، فقال إنه عصاين : فهم بزجره فلما استحضره قال معتذرا أنا أحقق قويل بني يديك فاستدعي العبد فآمره بأمر مبرأى منك ومسمع، فإن : سيد الغالم

خالفين بان صدقي، وإن أطاعين بان كذيب، فاستحضره وأمره بشرائط األمـر وصـورته األمري فيصـبح أن كلها موجودة، وتعلم أن مراد السيد أن ال ميتثل أمره ليمهد عذره عند

.اآلمر جيوز أن يأمر مبا ال يريدهعليه -هذا من جهة املشاهدة ومن جهة الشرع، فإن اهللا سبحانه أمر إبراهيم اخلليل

ذلك مل يكن أمرا على التحقيق فخطأ ألن : بذبح ولده وما أراد الذبح، فإن قالوا -السالم .ري أمر ال جيوز أن يقدم على ذبح ولده من غمثل إبراهيم

هو مل يكن مأمورا بالذبح حقيقة، وإمنا كان مأمورا مبقدمات الذبح من : فإن قالوا .شد األطراف والقصد إىل الذبح

فدل على ] ١٠٥:الصافات[قد صدقت الرؤيا : أن اهللا تعاىل قال : والدليل عليه .أنه مل يكن مأمورا إال مبا فعل

].١٠٦:الصافات[إن هذا لهو البالء المبني: بحانه قالهذا حمال؛ ألن اهللا س: قلناوفـديناه بـذبح : وليس يف مقدمات الذبح بالء مبني، أيضا فإن اهللا تعاىل قـال

. ولو كان املأمور به مقدمات الذبح ما احتاج إىل الفداء]١٠٧:الصافات[عظيم فمعناه اعتقدت كونه صدقا صدقت الرؤيا قد: وأما قـولـه سبحانه وتعاىل .وابتدرت إىل االمتثال فخففنا عنك

ما ألزمتمونا من التناقض يلزمكم ألنكم توافقونا أن اهللا سبحانه وتعاىل : مث يقال هلم أعطيتك القوة وأمتمت عليـك : أمرهم باإلميان مع علمه بأم ال يؤمنون، ومن قال لعبده

تسب اجلنة مع علمي بأنك تعصي وتفخر بعد ذلك تناقضا وقد جـوزوه النعمة حىت تك .فبطل دعواهم

اإلرادة تكتسب صفة املراد فإذا كان املراد سفها كانت اإلرادة : شبهة أخرى قالوا . سفها، وال جيوز أن يتصف اهللا تعاىل به

ن حادثا هذا عندنا إرادة الباري تعاىل قدمية، وإمنا يتصف بالسفه وضده من كا : قلنا

Page 58: 863

٥٣ الغنية يف أصول الدين

.كما أن من اكتسب علما بالفواحش من غري حاجة إليه يعد سفهامث الباري تعاىل عالم جبميع احلوادث خريها وشرها، مث ال يوصف مبا يوصف بـه

. من اكتسب بذلك علمامث هذه القاعدة فاسدة ألنه لو كـان إرادة السفه سفها لكان إرادة الطاعة طاعة،

وال : يكون الباري تعـاىل مطيعا إلرادته الطاعة استدلوا بقولــه ويلزم من ذلك أن اده الكفرى لعبضري]٧:الزمر.[

فاجلواب أنا حنمل ذلك على املؤمنني دون الكفار وقد يرد لفظ العباد واملراد بـه ].٦:اإلنسان[عينا يشرب بها عباد اهللا: اخلصوص قال اهللا تعاىل

سيقول الـذين أشـركوا لـو شـاء اهللا مـا : ستـدلوا بقولـه عز وجل ا .مث وخبهم عليه ورد مقالتهم] ١٤٨:األنعام[أشركنا

إمنا وخبهم الستهزائهم بالدين فإم مسعوا من الرسول أن األمور بـإرادة اهللا : قلنالـو شـاء اهللا مـا : زاءتعاىل فلما طولبوا باإلسالم قـالوا علـى سـبيل االسـته

.وغرضهم بذلك رد دعوة األنبياء ] ١٤٨:األنعام[أشركنا ].٢٣:النجم[إن يتبعون إال الظن: أنه قال بعد ذلك: والدليل عليه

وأيضا فإن اإلميان بصفات اهللا تعـاىل فرع لإلميـان باهللا سبحانه وتعاىل، وهـم .ؤمنون بصفاتهأنكروا الصانع فكيف ي

ومـا خلقـت الجـن واإلنـس إال : فإن اهللا سبحانه وتعـاىل قـال : قالوا .اهللا تعاىل أراد من العباد العبادة وهم يكفرون: فدل أن] ٥٦:الذاريات[ليعبدون

أن اآلية قد دخلها التخصيص فإن الصبيان واجملانني خصـوا يف اآليـة : فاجلواب .وم إذا دخله التخصيص صار جممالوعندهم العم

ما أريد منهم من : مث املراد باآلية بيان استغناء اهللا تعاىل عن عباده بدليل أنه قال ] .٥٧:الذاريات[رزق وما أريد أن يطعمون

واحلمل على ما ذكرناه أوىل؛ ألن اهللا تعـاىل قد علم أن معظم اخلليقة يكفـرون، محلوا اآلية على ظاهرها فيصري تقديره ما خلقت من علمت أنه ال يؤمن إال ليـؤمن فإذا

.وذلك تناقض ظاهرما أصابك من حسنة فمن اهللا وما أصابك من سـيئة : واستدلوا بقولـه تعاىل

Page 59: 863

الغنية يف أصول الدين٥٤

فسكفمن ن]فدل على أن ذلك من العباد وليس من اهللا تعاىل] ٧٩:النساء. أنتم ال تقولون بظاهر اآلية؛ ألن عندكم أفعال العباد خملوقة خريها وشـرها : قلنا إن احلسنة من اهللا سبحانه وتعاىل؟: أفال يقولون

أصـابه مـرض : وأيضا فإن اإلصابة إمنا تستعمل فيما يكون بغري االختيار يقـال .وخسران

أكل وشرب فلم هصابأ: الفأما ما يقع باختياره ال يستعمل فيه هذه الكلمة، ال يق .يكن هلم حجة

إن تصبهم حسنة يقولوا هذه مـن عنـد اهللا وإن : مث نعارضها بقولـه تعاىل فـدل علـى أن ] ٧٨:النساء[تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند اهللا

.ل وقضائهاجلميع مبشيئة اهللا عز وج مسألة

التوفيق خلق قدرة الطاعة، واخلذالن خلق قدرة املعصية، مث املوفق ال يعصي لعدم القدرة، واملخذول ال يطع لعدم القدرة، والرب تعاىل قادر على توفيق مجلة العباد وعلى

.خذالم، والعصمة هي التوفيق بعينهللطف أيضا خلق قـدرة مث قد يكون خاصا عن بعض الذنوب وقد يكون عاما، وا

.الطاعةالتوفيق خلق لطف يعلم اهللا أن العبد يؤمن عنده واخلذالن امتنـاع : وقالت املعتزلة

.ذلك، واللطف خلق فعل يعلم اهللا تعاىل أن العبد يطيع عنده .مث قد يكون الشيء لطفا يف إميان واحد، وال يكون لطفا يف إميان غريه

ه أقصى ما يقدر عليه من اللطـف بعبيـده حـىت مث جيب عندهم على اهللا سبحان .يطيعوا، وليس يف مقدوره لطف لو فعله بالكافر ال من عنده، وهذا كفر وضالل

: وقال تعاىل ] ١٣:السجدة[ولو شئنا آلتينا كل نفس هداها : وقد قال اهللا تعاىل احة وأم اسل النعلج كباء رش لوةود]١١٨:هود.[

: إذا أوجبتم على اهللا تعاىل أقصى ما يقدر عليه من اللطف فهال قلـتم : ويقال هلم يته حىت ال يبلغ مبلغ التكليف فيكفـر ميألنه يقطع التكليف على من علم أنه ال يؤمن أو

Page 60: 863

٥٥ الغنية يف أصول الدين

.حياتهيف ويستوجب العقوبة إذ ال غرض يف تكليف من يعلم أنه ال يؤمن مسألة

ما ورد الشـرع : ما ورد الشرع بالثناء على فاعله والقبيح : هل احلق احلسن عند أ بالذم على فاعله وليس احلسن والقبيح صفة زائدة على ورود الشرع، فأما العقـل فـال

.حيسن وال يقبحوذهبت املعتزلة إىل أن احلسن والقبيح يعلم من طريق العقل، فالكفر قبيح، والضرر

.احملض الذي ال غرض فيه قبيحعرفتم قبح ما حكمتم بقبحه ضرورة أو : والدليل على بطالن قولـهم أن يقال هلم

داللة، فإن ادعوا ذلك ضرورة كان حماال ألنا ال نساعدهم عليه، ومن املستحيل اختصاص .طائفة من العقالء بضرب من العلـوم الضرورية مع استواء اجلميع يف مداركها

إما أن يكون قبحه لنفسه أو ملعىن فيه أو ال لنفسه ال ختلو : داللة، فنقول : فإن قالوا وال ملعىن بطل أن يكون لنفسه أو ملعىن فيه، فإن القتل ظلما مياثل القتل قصاصا والزنا مياثل

.الوطء احلالل، واختلفا يف احلسن والقبحوبطل أن يكون ال لنفسه وال ملعىن فيه الستحالة أن يكون النفي حكما فثبت أنـه

.د الشرع بهلوروأن األمل واللذة حادثان بقدرة اهللا تعاىل ورأينا إيالم األطفال الذين مل : والدليل عليه

يرتكبوا ذنبا ومل يصدر منهم سبب يوجب العقوبة، وكذلك نشاهد إيالم البهائم الـيت ال .تكليف عليهم وهو ضرب حمض ال حيكم بقبحه

. بهم على ذلك ملا يريد يفعله على ذلكإمنا حسن ذلك؛ ألن اهللا تعاىل يثي: فإن قيلالذي يصل إليها ال خيلو إما أن يكون يف مقدور اهللا تعاىل إيصاله إليهم مـن : قلنا

غري أمل أو ليس يف مقدوره، فإن زعموا أنه ال يقدر عليه فقد نفوا قدرة الصانع وهو كفر، يقدر عليه فما الفائدة يف إتالفه؟: وإن قالوا

. بذلك ابتداء فضال من عنده من غري أملوهال من عليه عـن فيه وهو أن يعتربه غريه فيمتنـع إمنا حسن إيالم األطفال لغرض : فإن قالوا

.املعصية

Page 61: 863

الغنية يف أصول الدين٥٦

.فليس من املستحسن إيالم من ال ذنب له ليعترب به مذنب: قلناالذين ينكرون الشرع يعلمون قبح الظلم وكفران النعم مثل الربامهة : شبهتهم قالوا

.و كان طريق التحسني والتقبيح الشرع، ملا عرفه من ينكر الشرعولومن سلم لكم أن اعتقاد الربامهة علم بل اعتقادهم ليس بعلم، وهو مثل اعتقادهم

.أن ذبح البهائم وتعريضها للتعب قبيح وال يعد ذلك علماقالوا العاقل إذا عرض له حاجة وحتصيل غرضه بالصدق وحيصل بكذب يصدر منه

ال مزية ألحد الطرفني على الثاين، فإنه خيتار الصدق وجيتنب الكذب، وإمنا يؤثر الكذب و .إذا كان فيه غرض ال حيصل من الصدق وليس ذلك إال لكون الصدق حسنا بالعقل

هذا كالم متناقض يف نفسه؛ ألن الكذب قبيح يستحق عليه الذم، والصـدق : قلنا .تواؤمها يف حصول الغرض ماحسن يستحق عليه املدح فكيف يتصور اس

والذي يدل على فساد ذلك أن ما ذكروه يوجب خروج الصـدق عـن حكـم : التكليف واستحقاق الثواب عليه؛ ألن امللجأ إىل الشيء ال يثاب عليه وعلى قولــهم

.العاقل جمرب على الصدقمث إن هذا الكالم إمنا يستمر هلم بعد ورود الشرع بتحسـني الصـدق وتقبـيح

.ذب، فأما قبل ورود الشرع واستقراره ال نسلم هلم ما ادعوهالك مسألة

ال واجب على العباد عقال وإمنا طريق اإلجياب الشرع، وقبل ورود الشرع ال حكم .أصال

جيب على العبد عقال أن يعرف الصانع ويشكره، وهـذه املسـألة : وقالت املعتزلة .كاليت قبلها وقد بينا

إذا تأمل يف حال نفسه جوز يف ابتداء نظره أن يكـون : قالواوشبهتهم يف املسألة لـه صانع أنعم عليه، وأنه لو شكر املنعم ألثابه وتفضل عليه بالزيادة، ولو كفر لعاقبـه، ومن اجلائز ال يريد ذلك، فإذا تساوى اجلوازان فالعقل يرشده إىل ما فيـه األمـن مـن

.العقوبةا طريقان أحدمها آمن، والثـاين خمـوف وال وهذا كما لو قصد السفر إىل بلدة هل

Page 62: 863

٥٧ الغنية يف أصول الدين

.غرض له يف املخوف، فالعقل يقتضي تقدمي ما فيه األمن والعدول عن طريق اخلوفهذا اخلاطر يعارضه مثله، وذلك أن العاقل خيطر لـه كونه عبدا حمكوما عليه، : قلنا

دة من غري إذن وأنه ليس للمملوك إال ما أذن فيه مالكه وأنه لو أتعب نفسه كانت مكدو مواله، وإن مالكه غين عن شكره، وأنه يبتدي بالنعم قبل االستحقاق ال يبتغي بدال، ولو فعل كان منه سوء أدب، فإذا كان هذا اخلاطر معارضا لألول فقضية العقل التوقف فيـه

.وانتظار األمر واإلذنثل مث أراد العبـد أن والذي حيقق ما قلنا أن امللك العظيم إذا أعطى عبده رغيفا بامل

يطوف شرقا وغربا يثين على سيده حبسن عطائه وذكر إنعامه ال يعد مستحسنا؛ ألن مـا صدر من امللك باإلضافة إىل قدرة مستحقر فيكون العبد مسـتحقا للتأديـب، ومجلـة

.املخلوقات باإلضافة إىل جالل اهللا تعاىل أقل من إضافة رغيف إىل ملك من ملوك الدنياأن من ال خيطر له اخلاطر الذي ذكروه فطريق العلم مل يوجد يف حقه : ب آخر جوا

.والشكر حتم عليه على قولـهم فبطلت قاعدم مسألة

أن ال واجب على اهللا أصال، بل هو يتصرف يف مملكته علـى : مذهب أهل احلق .حسب إرادته ومشيئتهن خيلق اخللق ابتـداء وإذا جيب على اهللا تعاىل من طريق احلكمة أ : وقالت املعتزلة

خلق الذين علم أنه يكلفهم فيجب أن يكمل عقولـهم حىت يؤمنوا به وجيب أن يفعل ما هو األصلح هلم يف دينهم ودنياهم وال جيوز يف حكمته أن يبقى ممكنا مبا فيه صالحهم يف

عليـه وأن العاجل واآلجل، وإذا أطاع العبد مواله فيما أمر به جيب على اهللا أن يثيبـه .يعوضه عما حلقه من األمل

أي شيء تريدون مبا أثبتم من الوجوب، : والدليل على بطالن قولـهم أن يقال هلم .أردنا به توجيه أمر عليه كان حماال؛ ألن اهللا تعاىل هو اآلمر وحده ال آمر سواه: فإن قلتم

رر والنفـع إذ ال نريد به أنه يتضرر بتركه فالباري تعاىل يتقدس عن الض : فإن قالوا .معىن هلما إال األمل واللذة وإذا بطل الطريقان ثبت ما ذكرناه

مب أوجبتم ثواب األعمال على اهللا تعاىل وأعمالكم شكر على ما سبق : مث يقال هلم

Page 63: 863

الغنية يف أصول الدين٥٨

.وإذا الفرض ال يستحق عليه عوض. من نعمة ومن أصلكم أن شكر املنعم واجباألصلح لعباده لوجب على العبد أن يعمل لو وجب على اهللا تعاىل فعل : ويقال هلم

ما هو األصلح له وألوالده من أمر الدنيا وقد وافقونا على أنه ال يلزمه أن يعمل يف حـق .نفسه ما هو األصلح لدنياه

إمنا مل يوجب عليه فعل األصلح يف حق نفسه؛ ألنه يصري بتكليف ذلك : فإن قالوا .ه يف فعل األصلح تعبجمهودا متعبا، والباري سبحانه ال يلحق

فإذا مل توجبوا على العبد فعلى األصلح ألن فيه مشقة وتعبا ويف تكليفه العباد : قلنا .مشقة عليهم فيجب أن ال جيوزوا تكليف العباد ابتداء

.حيصل له مبا يقاسي من التعب ثواب أعظم منه: فإن قالوا .ففي أمر الدنيا كذلك حيصل له النفع ومل يوجبوا: قلنا

عليه أن يف فعل النوافل صالح العباد، والذي يدل : ومن الدليل على بطالن قولـهم . صالحهمأن الشرع دعاهم إىل ذلك وندم إليها فوجب أن جيب النوافل على العباد؛ ألن فيه

إمنا مل جيب مجلة النوافل؛ ألن الباري تعاىل علم أنه لو كلفهم مل يطيقوا : فإن قالوا . ويستحقون العقابفيكفرون باجلميع

أنتم ال تعتربون األصلح يف العلم فإن الباري تعاىل إذا علم من حال عبد أنـه : قلناإذا مات يف احلال لنجا من العذاب، ولو بلغ مبلغ التكليف لطغى وعصى جيب عليـه أن

.يرزقه العقل والكمال مع علمه بأن فيه هالكهىل جحد الضرورة؛ ألن اهللا تعـاىل قولكم يوجب األصلح على اهللا تعا : ويقال هلم

.يدخل الكفار يف عذاب النار وخلدهم فيها فأي صالح ألهل النار يف اخللود يف النارإمنا خيلدهم ألن الباري عز وجل علم منهم أنه لو أنقذهم لعادوا ملا وا : فإن قالوا

.عنه فيستحقون زيادة العذابو يقطع العـذاب عنـهم أو يسـلبهم مييتهم أ : فكان من سبيلكم أن تقولوا : قلنا

.عقولـهم حىت ال يعصوه: إذا حكمنا بأن كلما يفعل الرب واجب عليه فعله فينبغي أن يقولـوا : فيقال هلم

الباري ال يستوجب شكرا ألن الواجب ال يقابل بشيء كقضاء الدين وملا أوجبوا الشكر .بطلت قاعدم

Page 64: 863

٥٩ الغنية يف أصول الدين

مسألة أن يرى باألبصار عقال وهـو واجـب أن الباري تعاىل يصح : مذهب أهل احلق

.للمؤمنني يف دار القرار من جهة الوعد وورود اخلرب به .نفوا جواز الرؤية عليه أصال وحقيقة: وأما املعتزلة بأسرهم

أن عندنا الرؤية تقتضي أن يكون حملل الرؤية بنية : أحدمها: املسألة تبىن على أصلني . من حمل الرؤية باملرئيخمصوصة مثل بنية العني واتصال الشعاع

واألصل اآلخر أن الرؤية ليس من شرطها املقابلة واختصاص املرئي جبهة وعنـدهم شرط الرؤية بنية مثل بنية العني فينبعث منها الشعاع وهي أجسام لطيفة فيتصل بـاملرئي

.واملوانع مرتفعة من احلجاب الكثيف والقرب املفرط والبعد املفرط فيحصل اإلدراكرط أن يكون املرئي مقابال حملل الرؤية ويستحيل االتصال واملقابلة على الباري والش

.تعاىل ويستحيل رؤيتهأن اهللا تعاىل يرى املوجودات ويستحيل عليه : والدليل على أن الرؤية ال تقتضي بنية

.البنيةثر يف وأيضا فإن اإلدراك الواحد ال يقوم إال جبوهر واحد واجلواهر احمليطة به ال تؤ

حمل اإلدراك؛ ألن كل جوهر خمتص حبيز ال يؤثر يف جوهر آخر كما أن العرض إذا قـام مبحل السواد والبياض ال يؤثر يف حمل آخر، فإذا ثبت أن اجلواهر اجملتمعة غري مؤثرة فيـه

.كان وجودها كعدمهاأن الباري تعاىل يرى املوجودات : والدليل على أنه ال يقتضي اتصال الشعاع

أنا نرى األعراض وال جيوز تقدير االتصال : والدليل عليه. تصال يف وصفه حمالواال .بالعرض

.إمنا نرى األعراض ألن الشعاع يتصل مبا قام العرض به وهو اجلوهر: فإن قيلفيلزمكم أن جتوزوا رؤية الطعوم والروائح؛ ألنه قائم باحملل والشعاع قد اتصل : قلنا

ة الطعوم والروائح وألن اجلوهر الواحد على قولـهم ال جيوز باحملل وعندهم ال جيوز رؤي .تعلق الرؤية به واالتصال باجلوهر الواحد صحيح

وجدنا أن الشيء يرى عند اتصال شعاع البصرية وال يرى عند عدمـه، : فإن قالوا

Page 65: 863

الغنية يف أصول الدين٦٠

.فدل أن اتصال الشعاع شرطهلا يف حالة التصـال مل قلتم إن بثبوت الرؤية يف حالة وانتقا : فاجلواب أن يقال هلم

الشعاع به وعدمه فبم أنكرمت على من يقول إن ذلك راجع إىل استمرار العادة كالشـبع .عند أكل اخلبز واحلرارة عند القرب من النار وغريه

وأما الدليل على أن الرؤية ليس من شرطها املقابلة أن الباري تعاىل يرى املخلوقات .واملقابلة ال جتوز يف حقه حبال

يضا فإن اإلنسان إذا نظر يف املرآة أو جسم صقيل يرى نفسه وال جيوز أن يكون وأاإلنسان يف مقابلة نفسه، وإذا نظر فيما حتت سقف يرى السقف والسقف ليس من مقابلة

.حمل الرؤيةأنا نرى إذا نظرنا أجساما كثرية وما يقابل حاسة العني شيء قليـل : والدليل عليه

علم أن الرؤية ليس من شرطها املقابلة وإذا ثبتت هذه املقـدمات ثبـت فاملرئي أضعافه فن .جواز الرؤية

.ومن الدليل على جواز الرؤية أن املصحح للرؤية الوجود والباري تعاىل موجودأنا نرى املختلفات واملتضـادات مثـل : والدليل على أن املصحح للرؤية الوجود

ة الوجود ملا صـح رؤيـة املتضـادات، ألن السواد والبياض ولو مل يكن املصحح للرؤي .املوجودات ما اشتركت إال يف الوجود

لو كان املصحح للرؤية الوجود حىت نرى مجيـع املوجـودات، لكـان : فإن قيل املصحح للسمع والشم والذوق الوجود حىت نسمع مجيع املوجـودات ونشـم مجيـع

لة القول بأن الباري تعـاىل وقد علمنا استحالة ذلك الستحا . املوجودات ونذوق مجيعها .مسموع أو مشموم أو مذوق

فاجلواب إما إدراك حس السمع فاملصحح له الوجود وجيوز أن خيلق اهللا تعاىل لنـا مسعا ندرك به اجلواهر واأللوان وسائر املوجودات، وأما الشم والذوق فهو عبارة عن نوع

نطلق القول جبواز تعلقه بكـل اتصال مبحل ومن املوجودات ما يستحيل عليه االتصال مل .موجود

وجوه يومئذ ناضرة : والدليل على جواز الرؤية من جهة السمع قـولـه تعاىل ال يكون إال " إىل " والنظر املقرون بالوجه املوصول حبرف ] ٢٣:القيامة[إلى ربها ناظرة

Page 66: 863

٦١ الغنية يف أصول الدين

نهــم عــن ربهــم يومئــذ كــال إ: مبعــىن الرؤيــة قــال اهللا ســبحانه وتعــاىل فلما اتصف قوم باحلجاب، دل علـى أن اتصـاف قـوم ]١٥:املطففني[لمحجوبون

.بالرؤيةواللقاء املقـرون بالسـالم ال ] ٤٤:األحزاب[تحيتهم يوم يلقونه : وقال تعاىل

. يكون إال مبعىن الرؤيةرون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ال تضامون إنكم لت ((: وقال رسول اهللا

.))يف رؤيتهفـدل أنـه ال ] ١٠٣:األنعام [ال تدركه األبصار : فإن استدلوا بقولـه تعاىل

ال الشمس ينبغي : أن نفي اإلدراك ال يقتضي نفي الرؤية قال اهللا تعاىل : فاجلواب. يرى رالقم ركدا أن تله]فنفى أن تكون الشمس مدركة للقمر، وجيوز أن تـرى ] ١٥:يس

.الشمس القمرنقول بظاهر اآلية ألن اإلدراك بشيء علـى اإلحاطـة والوقـوف : جواب آخر

.والكيفية والباري تعاىل يتقدس عن التحديد والكيفية فال حتصل اإلحاطة لـن ترانـي : فإن استدلوا بقول اهللا سـبحانه وتعـاىل يف قصـة موسـى

.فدل على أن الرؤية حمال] ١٤٣:األعراف[أن اآلية حجتنا من وجوه أحدمها أن موسى صلوات اهللا عليـه سـأل : فاجلواب

.الرؤية، ومثل موسى ال جيوز أن يسأل املستحيل : الثاين أن اهللا علق رؤية موسى بأمر غري مستحيل وهو استقرار اجلبل فقال تعـاىل

هكانم قرتاني فإن اسرت فوفس] ويف مقدور اهللا تعاىل استقرار اجلبل ] ١٤٣:األعراف .فدل على جواز الرؤية

.مل جيز على اهللا الرؤية: ومل يقللن تراني: أن اهللا تعاىل قال: اآلخرلو كان الباري مرئيا لرأيناه يف وقتنا؛ ألن املوانع مرتفعة مـن احلجـب : فإن قيل

تعاىل ليس يف مكان حىت يكون بيننا وبينه حجاب من القرب املفـرط الكثيفة إذ الباري .والبعد املفرط وملا مل نره دل على استحالة الرؤية

إمنا مل نره ملعىن قائم : فلم حصرمت املوانع مبا ذكرمت؟ ومل أنكرمت على من يقول : قلنا باحلاسة مضاد لرؤية الباري تعاىل وهو أنه مل خيلق لنا اإلدراك؟

Page 67: 863

الغنية يف أصول الدين٦٢

وهـو كان حيضر عند رسول اهللا -عليه السالم -ذي يدل عليه أن جربيل واليراه والباقون ما كانوا يرونه مع جواز الرؤية، واملريض عند املوت يرى املالئكة وغريه ال

.يراها مع جواز الرؤيةهذا الذي ذكرمت من امتناع الرؤية لعدم خلق اإلدراك حمال ألنه يؤدي إىل : فإن قيل

حبضرة اإلنسان أشخاصا وأطالال وهو ال يراها مع سالمة البصر وعدم احلجب أن يكون .والبعد املفرط والقرب املفرط لعدم اإلدراك، ومن جوز ذلك نسب إىل اجلهل

.امتناع ذلك جيري العادة به وإال فذلك جيوز عقال: قلنااه دما، ومن قـدر ونظري ذلك من املقدور أن يقلب اهللا تعاىل جبال الدنيا ذهبا واملي

.وجوده اعتمادا على املقدور عد جاهال، مث من ومن اجلائز أن خيلق اهللا تعاىل بشرا سويا من غري والدين كما خلق آدم

رأى إنسانا وشك يف كونه مولودا عن أبوين عد جاهال، ألن ذلك راجع إىل اسـتمرار .العادة فكذا ما ذكرناه

مسألة .از بعث املرسلني واألنبياء إىل اخللق كافة جو: مذهب أهل احلق

من احملال أن يبعث الباري بشرا رسوال واملسألة تبتين على : وأنكرت الربامهة وقالوا .حتسني العقل وتقبيحه وقد قدمنا ذكره

والدليل على جواز بعث األنبياء املعجزات الظاهرة على أيدي األنبيـاء وسـنذكر .لة شبهتهمشرائط املعجزة وكوا دال

لو قدرنا ورود نيب من اهللا تعاىل مل خيل ما جاء به الرسول إما أن يسـتدرك : قالوابالعقل أو ال يستدرك بالعقل، فإن كان مما يستدرك بالعقل فال فائدة يف بعثه الرسل، وإن كان مما ال يستدرك بالعقل فال يتلقى بالقبول، وإمنا يقبل ما يدل عليه العقل فلم يكن فيه

.فائدة، واحلليم ال يفعل ما ال فائدة فيهومل ال جيوز أن يكون ما جاء به الرسول مما يستدرك بالعقل ويكـون : فيقال هلم

بعث الرسل تأكيدا له ومثله غري ممتنع؟ كما ال يستحيل قيام أدلة عقلية على مدلول واحد .وإن كان يف الواحد كفاية ويكون باقي األدلة مؤكدا

Page 68: 863

٦٣ الغنية يف أصول الدين

إال أن ! اذا ال جيوز أن يكون ما جاء به الرسول مما يستدرك عقـال؟ جواب آخر مل العقالء تغافلوا عنه فيكون جميء الرسول لطفا من اهللا تعاىل بالقوم لينتهوا ملا تغافلوا عنـه،

.فيكون فيه غرضمن األمور ما ال يستدرك عقال وحيتاج إليه العقالء وهـي : جواب آخر يقول هلم

للبدن والسموم القاتلة فهال جوزمت بعث نيب يبني هلم ذلك ومييز األغذيـة األغذية املوافقة .الصاحلة من السموم القاتلةنرى يف هذه الشرائع أمور مستقبحة بالعقل مثل ذبح البـهائم : ومن شبههم قالوا

وغريها واحلكيم ال يأمر بالفواحش، وفيها أمور مينع منها العقل وهو االحنناء يف الركـوع كباب على الوجه يف السجود وخلع الثياب يف اإلحرام واملشي بني اجلبلني يف السعي واإلن

وغري ذلك وإذا كان يف مجلة الشرائع مثل هذه األشياء والعقـل ينكـر ؛ ةورمي احلجار .علمنا أنه ال أصل له

أما فصل ذبح البهائم فمقابل فإنا نرى من فعل اهللا إيالم البهائم واألطفال من :قلنا . جناية وال يعد ذلك قبحا، فإذا مل يعد ذلك قبيحا يف فعله جاز األمر بهغري

وأما الثاين فمقابل فإن الواحد منا لو أخذ ثياب غريه وعراه ومنـع منـه الطعـام .والشراب مع متكنه منه يعد قبيحا

مث اهللا تعاىل يبلي عبده بالفقر واجلوع والعطش ويبليه بسلب جوارحـه وأطرافـه لعقل حىت يتعاطى يف حال جنونه ما يتعاطاه وال يعد مستقبحا، وكذا ما أشاروا وسلب ا

.إليه من األصل ال يعد مستقبحا مسألة

رضة وحتديـه اعن امتناع املع املعجزة دالة على صدق األنبياء وحقيقة املعجزة اخلرب .لإلتيان به

جيوز أن يكون وللمعجزة مخسـة شرائط أحدها أن يكون فعال من اهللا تعاىل وال صفة قدمية، وذلك ألن املعجزة دالة على صدق الرسول خاصـة والصـفة القدميـة ال

.ات دون بعضقاختصاص هلا ببعض املخلوآية صـدقي : شرطتم يف املعجزة كونه فعال فلو أن نبيا ادعى وقال : فإن قال قائل

Page 69: 863

الغنية يف أصول الدين٦٤

وه معجزة بطـل أم ال؟ فإن جعلتم عجزكم عن القيام عشرة أيام هل يكون ذلك معجزة . إن من شرطها أن يكون فعال ألن هذا ترك الفعل:قولكم

أن ذلك معجزة ومعىن اإلعجاز فيه راجع إىل الفعل وهو القعود املستمر :فاجلواب .مع القصد إىل القيام

أن يكون الفعل خارقا للعادة، ألنه إذا مل يكن خارقا للعادة يستوي : والشرط الثاين .ذب فال يظهر الصدقفيه الصادق والكا

خـرق العادة ال يدل على الصدق ألن املقدور أن جيري اهللا تعاىل عادة :فإن قيل مل يعهد قبلها ولو اطردت واستمرت مل يكن معجزة وهو الذي ظهر ال يؤمن أن يكـون

.ابتداء عادةعلـى آية صدقي أن يقلب اهللا العادة ويطردها : ولو قال نيب من األنبياء : فيقال هلم

خالف ما هو معتاد لكان دليال على صدقه ألن النادر الواحد إذا دل على صدقه مع عود العادة إىل ما كان قبلها فألنه تدل عادة مطردة على خالف ما كان معهودا على صـدقه

.أوىلاطلعوا على خاصية اجلسم حىت توصـلوا إىل قلـب احلكماء حبكمتهم : فإن قيل

احلديد يف اهلواء حبجر له خاصية، فأيش الذي يوجب أن يكون هذا النحاس ذهبا وإمساك مثل ذلك يكون ما جاء به من خاصية بعض األجسـام ؟الذي ظهر على يد مدعي النبوة .وقد انفرد هو باالطالع عليه

قلنا قول هذا الكالم يفضي إىل جحد الضرورات، ألنا نعلم أنه ليس يف قدرة البشر قلب العصا ثعبانا وشق القمر بنصفني، ومن ادعى أن باحلكمة يتوصل إحياء العظم البايل و

.إىل مثل ذلك ال يعد عاقالحتدي النيب باملعجزة وأن يكون ظهورها على وفق دعواه، حىت لو : الشرط الثالث

ظهرت على يد شخص وهو ساكت مل تكن معجزة، وذلك ألن املعجزة داللة من حيث وإذا كان دون التحدي مل تنـزل منـزلة . تعاىل للرسول إا تنـزل منـزلة تصديق اهللا

.التصديقمثاله أن من ادعى على مجاعة من العقالء أنه رسول ملكهم إليه وقد عرفوا مـن عادة ملكهم أن ال يقوم إذا قعد يف جملس إال يف وقت معلوم، فجاء الرسول واملرسل يراه

Page 70: 863

٦٥ الغنية يف أصول الدين

ن أسأل امللك تغيري عادته يف القيام والقعود آية صدقي أ :ويعلم حاله وادعى الرسالة، وقال .فيوافقين عليه وسأله ذلك فوافق، كان داللة على صدقه

إنه يوافقين على ما اقترحته عليه من تغيري عادته :ولو ادعى الرسالة مطلقا ومل يقل .فقام امللك وقعد مل يكن ذلك دليال على صدقه

الدعوى والتحدي حىت لو ظهرت آية أن يكون ظهور املعجزة بعد : الشرط الرابع أنا نيب اهللا والذي ظهر معجزيت مل يكن شيئا ألنه ال تعلق ملا مضى :فقال رجل من القوم

.بدعواه وال يدل على صدقه . فهل جيوز أن تتأخر املعجزة عن دعوى النبوة ؟:فإن قيللوقـت إن تأخرت ووافقت دعواه بأن قال عالمة صدقي يف ظهور كذا يف ا : قلنا

.الفالين، وظهر ما أخرب عنه على وفق ما قال لكان معجزة دالة على صدقهأن تشهد املعجزة بصدقه وال تشهد بتكذيبه حىت لو قال رجـل : الشرط اخلامس

يدعي النبوة عالمة صدقي أن ينطق هذا احلجر أو الشجر، فأنطقه اهللا تعاىل بتكذيبه حىت يكن ذلك معجزة وال داللة على صـدقه فهـذه أيها الناس إنه كاذب فاحذروه مل :قال

.شرائطها مسألة

مذهب أهل احلق جواز ظهور ما خيرق العادة على أيدي األولياء على سبيل .الكرامة

.كرامات األولياء بالكلية : وأنكرت املعتزلة . قصة أصحاب الكهف وما كانوا أنبياء:والدليل على ثبوا

لسالم فإا خصت بكرامات، فمن ذلك أن زكريا قصة مرمي عليها ا :والدليل عليه أنـى : كان جيد عندها يف الشتاء فاكهة الصيف ويف الصيف فاكهة الشتاء، حىت قال هلا

.]٣٧:آل عمران[لك هذا قالت هو من عند اهللاومن ذلك حديث جذع النخلة وصوت احلناء من اجلذع بعدما جفت ويبسـت

.النخلة .يث أم موسى وما أهلمت، والقصة ظاهرة يف القرآند حومن ذلك

Page 71: 863

الغنية يف أصول الدين٦٦

وذلك ظاهر سائغ فلـم يكـن ومن ذلك ما ظهر من اآليات ملولد رسول اهللا معجزة ألا سبقت دعوة النبوة واملعجزة ال تسبق النبوة ووقعت من غري دعوى، وشرط

.املعجزة الدعوى فعلم ذلك جواز الكرامة لألولياء خبرق العادة أن األصول اخلارقة للعادة مقدورة من اهللا تعاىل وليسـت تسـتقبح :يل عليه والدل

.عقال وليس فيها قدح يف املعجزات على ما تذكره، فالقول بامتناعها ال وجه لهفإن قالوا لو جاز ظهور ما خيرق العادة على يد ويل من األولياء وفيه تكذيب النيب

بكذا وال يأيت أحد مبثل ما أتيت به، وإذا كان آية صدقي أين آيت :الذي حتدى ا، وقال .يؤدي إىل إبطال النبوات مل جيز القول به

هذا فاسد فإن الشيء الواحد من خوارق العادة جيوز أن يكون معجزة لـنيب :قلنا .بعد نيب وظهوره على يد نيب آخر ال يقدح يف نبوة األول فكذا بظهوره على يد ويل

املعجزة يفيد دعواه ويقول ال يأت مبثل ذلـك إال مـن الذي أظهر تلك :فإن قيل .يدعي النبوة وكان صادقا فال يقدح ذلك يف نبوته

: إذا جاز أن تفيد الدعوى مبا ذكرمت جاز أن تفيده مبا خنرج منه الكرامة فيقول :قلناي فال تكون الكرامة قادحا فيها ألنه ال يقصـد ـال يأت ا مسيء وال من يقصد تكذيب

.يبهتكذإذا ثبت ما ذكرنا من الدالئل على جواز ظهورها خبرق العادة على يد األولياء على

.فماذا تتميز الكرامة عن املعجزة ؟. سبيل الكرامةاختلفوا فيه فذهب قوم إىل أن شرط الكرامة أن تكون من غري إيثار واختيار مـن

.الويل، واملعجزة يكون باإليثار واالختيار فيفترقان جيوز ظهور الكرامة على يد الويل مع االختيار ولكن ال جيوز ظهورها :قالواوقوم

مع دعوى الوالية حىت لو ادعى الوالية وأراد إثباا بالكرامة مل خيرق املعجزة فظهر مـع .دعوى النبوة

والفرق الصحيح أن الكرامة ال تقع موافقة لدعوى الويل واملعجزة شرطها أن تكون . النبوة فيظهر به الفرقيموافقة لدعوى مدع

مسألة

Page 72: 863

٦٧ الغنية يف أصول الدين

.أن السحر حق ومعناه أنه موجود: مذهب أهل احلق .ال أصل له: وأنكرت املعتزلة ذلك قالوا

.قصة هاروت وماروت وهو ظاهر يف نص القرآن: والدليل عليهاتفاق أهل التفسري على أن نـزول املعوذتني يف سحر لبيد بن أعصم : والدليل عليه

.لرسول اهللا سحرته اليهود فتكوعت يده فأجالهم عمر أن عبد اهللا بن عمر : والدليل عليه

.عن ديارهم وروي أن جارية لعائشة سحرا فباعتها عائشة إمجاع الفقهاء على السحر واختالفهم يف أحكامه حىت تكلمـوا يف : والدليل عليه

.وجوب القصاص على من قتل بالسحر فدل ذلك على أنه موجودثبت كون السحر موجودا فالسحر موافق للكرامة إال أن السحر ال يظهـر إال فإذا

على يد فاسق، والكرامة ال تظهر على يد فاسق بل تظهر على يد من يكون حاله موافقا .للشرع والدين

مسألة .وخامت النبيني نيب حقا، وهو أفضل األنبياء حممد

وال إىل صفة من صفاته وال إىل علم ربه، وليست النبوة وصفا راجعا إىل نفس النيب ألن غري النيب يكون عاملا بربه ولكن النبوة قول اهللا عز وجل ملن يصطفيه وخيتاره أنـت

.رسويل فهو من أحكام القول ال من صفات الفعل طائفتان إحـدامها اليهود وطريقتـهم منـع وأنكرت رسالة رسولنا حممـد

.هالنسخ، والثانية أنكروا معجزتالعرب خاصة دون سائر إىل أرسل رسول اهللا أن وذهب قوم يسموم العيسوية إىل

.الناسفأما الكالم مع اليهود فيبىن على أصل وهو جواز النسخ وأنكره اليهود وحقيقـة النسخ عندنا اخلطـاب الـدال على ارتفاع احلكم الثابت خبطاب آخـر قبلـه ولـوال

.نسوخ ومن ضروريته رفع حكمه بعد ثبوتهين الستمر احلكم املااخلطاب الثوالدليل على جواز النسخ أنه لو كان مستحيال لكان ال خيلـو إمـا أن يكـون

Page 73: 863

الغنية يف أصول الدين٦٨

استحالته لنفسه كاستحالة اجتماع املتضادين مثل احلركة والسكون واالفتراق واالجتماع سـتحالته أو تكون استحالة لكونه قادحا يف صفة من صفات اإلهلية وال جيوز أن يكون ا

لنفسه ألن كون الشيء مأمورا به ليس لنفسه، وال يكون منهي عنه لنفسه وإذا مل يكـن .مأمورا به أو منهيا عنه من صفات نفسه مل جيز امتناع النهي عما أمر به لنفسه

وال جيوز أن يكون لكونه قادحا يف صفة من صفات اإلهلية ألنه ليس يف النسخ ما . ة وال شيئا من الصفات فلم يكن مستحيالدارو اإليضاد العلم و القدرة

. هو مستحيل ألنه بداء والبداء ال جيوز على اهللا تعاىل:فإن قيل النسخ ليس هو بداء ألن معىن البداء استفادة علم مل يكن، وقد يكون عبـارة :قلنا

.عمن يهم بأمر ويقصده مث يندم على ما قدمن علم الباري متعلق جبملة املعلومات على ما وال يتحقق ذلك يف وصفه سبحانه أل

هي عليه ال يتجدد له علم مل يكن وليس له تعلق باإلرادة، ألن على أصلنا جيوز أن يـأمر .الباري تعاىل مبا ال يريده وينهى عما يريده، وليس ذلك مبستحيل وقد قدمنا ذكره

ن كونه واجبا فلو حظره فيه استحالة ألن ما أوجبه اهللا تعاىل فقد أخرب ع :فإن قالوا وأخرب عن كونه حمظورا ال يقلب اخلرب األول خلقا وذلك مستحيل يف وصـف البـاري

.سبحانه وتعاىل ألن خربه صدق ال حمالة هذا ليس بصحيح ألن الوجوب ليس بصفة للواجب على أصـلنا، ولكـن :قلنا

فمعناه أنه أخرب عن الواجب الذي قيل فيه افعل فإذا أخرب الباري تعاىل عن وجوب شيء األمر به وإذا ى عنه أخرب عن النهي عنه فلم تكن بني األخبار عن األمر به وبني األخبار عن النهي عنه تناقض، وإمنا يقع التناقض لو كان الوجوب صفة الواجب يقع اخلـرب بـه

.والنهي صفة املنهي عنه يقع اخلرب عنه فيقع التناقضسخ مث ادعيتم أن شريعتكم مؤيدة فإذا طولبتم بالدليل عليه أنتم جوزمت الن :فإن قالوا

صرمت إىل إخبار رسولكم بتأييد شرعه وأنه ال نيب بعده، وحنن ندعي أيضا أن موسى عليه .السالم أخرب بتأييد شرعه وأنه ال نيب بعده

لو صح ما قلتوه عن موسى لكان صدقا ولو كان صدقا ملا ظهرت املعجـزة :قلناعيسى وحممد صلى اهللا عليهما فلما ظهرت املعجزة على يد من ادعى النبوة بعد على يد

موسى ظهر به كذم فيما ادعوه، فإن طعنوا يف معجزة عيسى ومعجزة رسولنا صلى اهللا

Page 74: 863

٦٩ الغنية يف أصول الدين

.عليهما مل ينفصلوا عمن يعكس ذلك عليهم يف معجزة موسى .جواب آخر عن سؤاهلم

لتم أصل لكان أوىل األعصار بإظهـار ذلـك ادعيتم حماال فإنه لو كان ملا ق :نقول ومعلوم أن اجلاحدين لرسالته عليه السالم من اليهود يف عصره ما تركوا عصر رسولنا

جمهودا يف رد نبوته، فلو كان يف التوراة نص ال يقبل التأويل يف تأييد شـرعه ألظهـروا .ذلك، فلما مل يظهروا دل على فساد أقواهلم

لطائفة الثانية وهم الذين أنكروا معجزته، فنقم عليهم إثبات كون وأما الكالم على ا .القرآن معجزا

وبيان اإلعجاز فيه من أربعة أوجه أحدها جزالة اللفظ وفصاحته مع كونه خمالفـا للنظم املعهود عند العرب وهو نظم الشعر وهذا أمر ال مراء فيه ألن العرب مع فصاحتهم

انقادوا له وأقروا بفصاحته، مث منهم من صـرح بـاإلقرار وكوم من أهل اللسان كلهم .ومنهم من سكت

والدليل على اعترافهم أم ارتقوا يف دفعه باجملاوبة إىل حماربته بالسيوف حىت قتلوا وقهروا وب أمواهلم وسيب ذراريهم والعاقل ال يشتغل ألمر يكون فيـه هالكـه وهـو

اهلالك والضرر فلو قدروا على معارضته الشتغلوا يقـدر على دفع اخلصم مبا ال خياف منه .به، فثبت أنه من أفصح الكالم

ومعىن الفصاحة والبالغة فيه يعود إىل أمرين أحدمها العبارة عن املعىن السديد بلفظ شريف يـدل على املقصـود من غري زيادة، ومجع املعاين يف الكثرة عبارة وجيزة وهذا

.ال يعد القراءة كثرةلك أنه أخرب عن قصص األولني وعن إهالكهم يف شطر آية وهـو قـولــه فمن ذ

فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا بـه :تعـاىل ضاألر]وإهـالك وكذلك أخرب عن سفينة نوح وإجرائها على املاء . اآلية] ٤٠:العنكبوت

الكفرة واستقرار السفينة وتسخري األرض والسماء باألمر يف ألفاظ وجيزة وهـو قـولــه إىل آخر اآليـة ] ٤١:هود[ا بسم اهللا مجراها ومرساها ـوا فيه ـوقال اركب : تعـاىل

قليلة باإلضافة وأخرب عن املوت وحسرته يف الدار اآلخرة وثواا وعقاا وأا دار غرور وأا ] ١٨٥:آل عمران[كل نفس ذائقة الموت: إىل دار البقاء يف ألفاظ معدودة وقولـه تعاىل

Page 75: 863

الغنية يف أصول الدين٧٠

.إىل آخرها وأمثال هذا كثرية أنه ذكر القصص واستوفاها بأجزل عبـارة وأفصـحها :والوجه الثاين من البالغة

ـه، والبلغاء إمنا حيسن كالمهم يف التثبيت، فإذا شرعوا ـة ل وإن أرادوا يف حكاية األحوال تركوا اجلزالاجلزالة مل يذكروا مقصودهم من املعىن إال بتطويل وزيادة على القدر احملتاج إليه فظهر به

.الفصاحة أن القرآن تضمن اإلخبار عن القصص األولني علـى :والوجه الثالث من اإلعجاز

والرسول كان أميا مل يكن قـد درس وفق ما كانت يف الكتب املنـزلة على الرسل قبله ف له سفر يتوقع فيه تلقف العلـم رالكتب وال اشتغل بالعلم وكان قد نشأ بينهم، ومل يع

.فظهر بذلك صدقهوالوجه الرابع أنه تضمن اإلخبار عن أمور مستقبلة كلها ما وقع اإلخبـار عنـها

نس والجن على أن يأتوا بمثـل قل لئن اجتمعت اإل : موافقا له، فمن ذلك قـولـه فإن لم تفعلـوا : وقال. ومل يقدروا عليه ] ٨٨:اإلسراء[ هذا القرآن ال يأتون بمثله

لتدخلن المسجد الحـرام : ومـا قدروا عليه وقال تعاىل ] ٢٤:البقرة[لواـن تفع ـولذلك يف وقد حتقق ] ٢، ١:الروم [غلبت الروم امل : وحتقق دخوله وقال ] ٢٧:الفتح[

القرآن أكثر من أن حيصى، فظهر بذلك كون القرآن معجزا، وإذا ثبت ذلك لزم االنقياد .وبطل دعوى من أنكر املعجزة

وأما الكالم مع العيسوية فظاهر ألم اعترفوا بصدقه فيما ادعى من الرسالة وقـد الرسالة إىل مجلة اخللق وبعث الرسل إىل األكاسرة والقياصرة وبعث إليهم السـرايا ادعى

.واشتغل بالقتال معهم فثبت أنه رسول إىل كافة اخللق مسألة

األنبياء معصومون عما يناقض مدلول املعجزة وهو صدقهم فال جيوز عليهم الكذب .فيما يبلغون هذا ال خالف فيه

الثقة م فكان يف ذلك إبطال فائدة از عليهم الكذب مل تقع أنه لو ج : والدليل عليه املعجزة، وأما غري ذلك من الكبائر فهم معصومون عنها وطريق إثباته اإلمجاع فإن العقل

.ال يدل عليه

Page 76: 863

٧١ الغنية يف أصول الدين

وأما الصغائر فاختلفوا يف جوازها عليهم، فمنهم نفاها حتقيقا للعصمة، ومنهم من .هو ظاهر يف القرآن مثل قصة داود وغريه جوزها وعليه يدل قصص األنبياء و

مسألةبعد وجـوده حشر اخلالئق ونشرهم بعد إفنائهم حق واهللا تعاىل قادر على اإلعادة

.إىل الفناء جوهرا كان أو عرضا .وأنكر قوم من امللحدة والزنادقة احلشر

جيوز إعادا اجلواهر واألجسام واألعراض الباقية املقدورة هللا تعاىل : وقالت املعتزلة فأما ما ال جيوز بقاؤها من األعراض فال جيوز إعادا، وكذلك ما كان مقدورا للعباد ال

.ىل ال يقدر على إعادااجيوز إعادا والباري تعإن الباري ال يقدر على إعادة اجلواهر بعد فنائها، ولكـن يعيـد : وقالت الكرامية

.أمثاهلا وأشباههاقل : حلشر والنشر واإلعادة مبا نص الشرع عليه يف قـولـه والدليل على جواز ا

وحتقيق ذلك أن اإلعادة ليست خمالفة النشـأة ] ٧٩:يس[يحييها الذي أنشأها أول مرة األوىل ألن املعاد هو املخلوق نفسه وال جيوز أن يقدر الشيء خالف نفسه وإذا كان مثل

.كم املثلني التساوي يف اجلائز والواجب من أحكامهاألول جاز وجوده ألن من ح أن األوقات اليت تقارن املوجودات ال تتأثري هلا فيمـا يظهـر مـن :و الدليل عليه

. احلوادث، وإذا مل يكن للوقت تأثري فيما وقع وحدث يف وقت مل ميتنع وقوعه يف غـريه وإليه : قال اهللا تعاىل.وإذا ثبت أنه غري مستحيل منصوص الكتاب دلت عليه أنه سيكون

]٦٨:الزمر[ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون : وقال ]٧٩:املؤمنون[تحشرون .وغري ذلك من اآليات

بالكلية وذلك ألن اهللا تعاىل إذا فأما ما قالت الكرامية فهو إبطال العقاب والثواب عادم وإمنا يعيد أمثاهلم، فالثواب ليس للمطيع وإمنا هو ملثلـه أفىن العيال وال يقدر على إ

.والعقاب ليس للعاصي وإمنا يكون ملثله، ومثله ال طاعة له وال معصية إذا جوزمت إعادة اجلواهر واألعراض واألجسام يفنيها اهللا تعاىل بكليتـها :فإن قيل

. يعيدهاجواهرها وأعراضها مث يعيدها أم يفين أعراضها املعهودة مث

Page 77: 863

الغنية يف أصول الدين٧٢

كال األمرين جائز عقال ومل يرد دليل مسعي يوجب القطع بأحـد األمـرين :قلنا .فكالمها جائز وقوعه

مسألة .عذاب القرب ومسائلة منكر ونكري حق ثابت

.ال عذاب يف القرب وال سؤال: املعتزلة ذلك وقالواوأنكرت ن اهللا تعاىل قـادر على يف القرب ليس ما يستحيل عقال أل أن العذاب : والدليل عليه

إحياء املوتى وقادر على أن يبعث إليهم رسوال يسأهلم وما كان جائزا عقـال وورد بـه وحاق بآل فرعون سوء العـذاب :بد من اتباعه قال اهللا تعاىل يف قصة فرعون السمع فال

. كون يوم القيامة من حاهلم وهو العذاب قبل احلشر ألن اهللا تعاىل أخرب عما ي ] ٤٥:غافر[ذابالع دن أشوعخلوا آل فرة أداعالس قومت مويو]٤٦:غافر[.

.من عذاب القربأن األخبار قد تواترت باستعاذة رسول اهللا : والدليل عليه أما. إما يعذبان وما يعذبان يف كبرية ((: مر بقربين فقال وروي أن رسول اهللا

:، وقال رسول اهللا ))أحدمها فكان ميشي بالنميمة واآلخر فكان ال يتنـزه من البول . ))استنـزهوا من البول فإن عامة عذاب القرب منه((

سبحان " ملا وضـع سعد بن معاذ يف القبـر تغري وجهه فقال وروي أن النيب .))ضالعهرأيت القرب ضمه ضمة أقام منها أ(( :فسئل عن ذلك فقال" اهللا

ء حنن نشاهد امليت كما كان مل يتغري حىت لو كان على بطنه قدح من ما :فإن قيل .مل يتغري عن حاله إن مثل هذه االستعاذات ال يعول عليها وهو مثل استعاذات الكفرة إحيـاء :فيقال

له وأملا العظام البالية وإعادة احلق بعد إفنائها واهللا تعاىل قادر على أن يرينا صورته على حا كما أنا نشاهد الرجل به الوجع الشديد واآلالم العظمية وهـو ،على بطنه ويكون معذبا

.على صفته من أكلتـه السبـاع أو حـرق وفرق رماده كيف يسأل وكيف تـرد :فإن قيل

ليس من شـرط احليـاة بينة جمتمعة وال جثـة كـبرية فإنـا : إليه الروح ؟ فيقـال له ة اجلسم، وإذا مل يكن كرب اجلسم شــرطا واهللا سبحــانه نشاهد حيـوانات صغري

وتعـاىل جيمـع منهـا جزءا يعلمها ويرد عليـه الروح ويتوجـه عليـه الســؤال

Page 78: 863

٧٣ الغنية يف أصول الدين

.والعقـاب لو أراد معـاقبته وليس ذلك مبستحيل مسألة

الروح أجسام لطيفة جيتمع مع األجسام احملسوسة واهللا تعاىل أجرى العادة أن احلياة يف األجسام احملسوسة إذا كانت تلك األجسام اللطيفة جمتمعة معها وتفارقها احلياة تستمر

.إذا فارقتها تلك األجساموأما احلياة فعرض واألجسام اللطيفة احملسوسة تكون حسية باحلياة وهي صفة تقوم

ألن الروح توجب احلياة وهذا كما أجرى اهللا تعاىل العادة بظهور الشبع عنـد ؛باجلسمألكل والري عند الشرب، واهللا خالق الري والشبع ولكن جيري العادة يكون ذلك عنـد ا

.األكل والشربمث األرواح إذا فارقت األجسام فما كان من أرواح املوحدين يكون يف اجلنـة يف حواصل طري خضر وما كان من أرواح األشقياء يهبط ا إىل سجني كما ورد به األخبار

. يف هذا جمالواآلثار وليس للعقل مسألة

الكتب اليت حياسب عليها العباد حق وامليزان حق والصراط حق وهو جسر ممدود .على جهنم ترد عليه اخلالئق، فإذا وردوها يسألون عليها

. كرامة له يسمى الكوثرواحلوض حق وهو حوض من املاء أعطاه اهللا رسوله .ة أنكروا احلوضوأنكرت املعتزلة الكتب والصراط وصنف من املبتدع

والطريق يف إثبات هذه األشياء أن كل هذه األمور من جموزات العقل إذ لـيس يف وكـل : شيء منها استحالة، والسمـع قد ورد جبميع ذلك قال اهللا سبحانه وتعـاىل

]١٣:اإلسراء[يلقاه منشورا إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا فأمـا مـن أوتـي كتابـه ]٢٥:احلاقة[وأما من أوتي كتابه بشماله : وقال تعاىل

:وقال يف امليزان ] ١٠:االنشقاق[وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ] ١٩:احلاقة[بيمينه والم عضنة وامم القيوط ليالقس ازين]ووردت األخبار عن رسول اهللا ]٤٧:األنبياء

بصفة الصراط وباحلوض وبصفته ويف القرآن ما يدل عليه وهو قـولـه سبحانه وتعـاىل ثرالكو اكنطيا أعإن]فوجب اإلميان جبميعه]١:الكوثر .

Page 79: 863

الغنية يف أصول الدين٧٤

.صي وهي أعراض ال ميكن وزا كيف توزن الطاعات واملعا:فإن قيل اخلرب قد ورد عن رسول اهللا عليه السالم بأنه توزن الصحف واهللا ينقلها يف :فيقال

.امليزان على قدر ما تعلق ا من الثواب والعقاب يف علمه ورد يف اخلرب أن هـذا الصـراط أدق من الشعرة وأحد مـن السـيف :فإن قيل

.غري ممكنوحصول اخلالئق على ما هذا وصفه هذا خطأ فإن الوقوف يف اهلواء على املاء غري مستحيل ومباذا يستحيل الوقوف :قلنا

.على صراط وصفه ما ذكرنا مسألة

.اجلنة والنار خملوقتان مدة حياة الدنيا وموجودتان على احلقيقةيوم اهللا سبحانه وتعاىل خيلقهما : وأنكرت املعتزلة كوما خملوقتني يف احلال، وقالوا

. فكان يف بستان من بساتني الدنياالقيامة، وما ورد من قصة آدم والدليل على ما ذكرناه أن كوما خملوقتني ليس مبستحيل يف العقـل وقـد ورد

آل [وجنة عرضها السماوات واألرض أعدت للمـتقني : السمع بذلك قال اهللا تعاىل ].١٥:النجم[عندها جنة المأوى : تعاىلوقال اهللا ]١٣٣:عمران

إنه كان يف بستان : قصة آدم وإدخاله اجلنة وإخراجه منها، وما قالوا : والدليل عليه . الدنياوتعاىل وعده الرد إليها وال يكون رده إىل بساتنيمن بساتني الدنيا فخطأ ألن اهللا سبحانه

. وقت الثواب والعقاب أي فائدة من خلقهما قبل:فإن قالوا بل هو الفعال ملا يريد ويشاء مـن غـري ، أفعال اهللا ال حتمل على االعتراض :قلنا

.حاجة وغرض مسألة

وعقاب العصاة ليس حبق على اهللا من جهة العقل ولكن اخلري ورد بأنه ثواب املطيع .يثيب املطيعني ويعذب العصاة، ووعده حق ووعيده حق

لى اهللا تعاىل أن يثيب املطيعني حتما وجيب عليه معاقبة من جيب ع :وقالت املعتزلة .عصاه ومات من غري توبة

Page 80: 863

٧٥ الغنية يف أصول الدين

والدليل على بطالن قولـهم أن السيد إذا قام مبؤنة عبده وكفايته وأعطاه زيـادة على ما حيتاج إليه وأنعم عليه ومل يكلف العبد بذل جهده يف اخلدمة أقصى ما يقدر عليه

يف عامة أوقاته يشتغل بلذاته وشهواته وأمره باخلدمـة يف بعـض بل تركه مودعا مرفها األوقات على وجه ليس فيه مشقة عظيمة، فالعبد ال يستحق بإزاء تلك اخلدمة على سيده شيئا، فإن كان هذا سبيل من خيدم مثله فكيف سبيل من يعبد اهللا سبحانه ومجيع عباداته

.ن له يف مقابلة تلك النعمة خطرالو قوبلت بأدىن نعمة من اهللا عليه ملا كاوأيضا فإن عبادة العباد شكرا على النعمة وشكر النعمة واجب خصوصا عنـدهم فإم أوجبوه عقال، وليس من حكم العقل استيجاب عوض على ما هو واجـب إذ لـو استحق العبد بشكره عوضا الستحق الرب عليه شكرا آخر ألن الثواب ذلك يؤدي إىل ما

.ينتهي ال ومن الدليل على فساد قولـهم أم قالوا جيب على اهللا سبحانه وتعاىل أن يثيـب املطيعني ثوابا مؤبدا وعاقب العصاة عقابا مؤبدا وطاعات العبد ومعاصيه متناهية حمصورة وحنن نعلم أن من جىن جناية وقدر له دوام البقاء مل حيسن معاقبته على اجلناية أبدا وألم

.الثواب يتأخر إىل يوم القيامة: لواقاسه عنه مع القدرة فهـال بوليس من حكم العقل تأخري املستحق عن مستحقه وح

.أوجبوا الثواب يف الوقت حىت يزداد العبد بذلك رغبة يف الطاعة فظهر فساد قولـهم مسألة

ال من ارتكب كبرية ومل يوفق للتوبة مل يستحق اسم الكفر وال يبطل ثواب عمله ويستحق التخليد يف النار والذنوب كلها كبائر عندنا من حيث إا خمالفة ألمر الرب تعاىل

.إال أا يف أنفسها متفاوتة فبعضها أعظم من البعض .إنه يستحق اسم الكفر على وجهة كفران النعمة: وقال قوم من اخلوارج

وهو منـزلة بـني ا ال نسميه مؤمنا وال كافرا ولكن يسمى فاسق : وقالت املعتزلة .منـزلتني

.واتفقوا على أنه يستحق التخليد يف النار وال يغفر ذنبه ويبطل ثواب أعماله . قد قلتم إن الباري تعاىل حيبط أعماله بذلة واحدة:فنقول هلم

وحنن نعلم أن من خدم غريه مدة وبذل جهده يف رعاية حقه زمانا طـويال ومـا

Page 81: 863

الغنية يف أصول الدين٧٦

لم أنه قادر على منعه ومل مينعه منه أن ال حيسن إحبـاط وقعت إال هفوة وزلة وصاحبه ع مجيع خدمته بسبب ذلك، فإذا كان ال حيسن ذلك فيما بني املخلوقني كيف جيب ذلـك

.على الباري جلت قدرته وأيضا فإـا ال كبرية توازي مغفـرة اهللا تعاىل كما ال طاعة تقابل الكفر بـاهللا

ــياء بأضــداد ــرف األش ــا تع ــاىل وإمن ــوا تع ــبيلهم أن يقول ــن س ها، فكــان م .يبطل الثواب باملعرفة

فأما أن يبطل ا ثواب اإلميان فال وألن الثواب والعقاب إن كانا متنافيني فلم كان بل إحبـاط العقـاب أوىل ألن . إبطال الثواب بالعقاب أوىل من إبطال العقاب بالثواب

وألن ]١١٤:هـود [يـذهبن السـيئات إن الحسنات : السمع ورد به قال اهللا تعاىل .الكبرية تقارن الطاعات وال متنع من صحتها حىت لو تاب بعده يثاب عليها

ولو كان يسقط ثواب الطاعة لكان ينايف صحته كما يف حال الردة وألن من بغى عليه عبده وعصاه فعاقبه مدة مث رده إىل الكرامة مل يستقبح ذلك فكيف حتكموا بأنـه ال جيوز من اهللا تعاىل أن يعفو عنه ويرده إىل الكرامة ويتضح ذلك بآيات مـن كتـاب اهللا

إن اهللا يغفر الذنوب : وقال تعاىل ] ٤٨:النساء[إن اهللا ال يغفر أن يشرك به : تعـاىلومن يغفر وقال ]٥٣:رالزم[ة اهللا ـال تقنطوا من رحم وقال ]٥٣:الزمر[جميعا

ومن يقتل مؤمنـا متعمـدا : فإن استدلوا بقولـه ]١٣٥:آل عمران [الذنوب إال اهللا .]٩٣:النساء[فجزاؤه جهنم خالدا فيها

نه من قتل مؤمنا ألجل إميا : ومن يقتل مؤمنا مستحال قتله فيكون معناه : معناه :قلنا . وهو ترمجان القرآنومن فعل ذلك فهو كافر خملد يف النار هكذا قال ابن عباس

ـا دون ذلـك لمـن : مث نعارضه بقولـه م فـرغيبـه و كرشأن ي فرغإن اهللا ال ي وال يصح محله على موضع التوبة ألن اهللا تعاىل علـق التوبـة علـى ]٤٨:النساء[يشاء . حتم فمن تاب يغفر له حتما ألنه فارق ذلك مبشيئته:شيئة، وقبول التوبة على قولـهمامل

مسألة . حق للعصاة من أمتهشفاعة حممد

لرفـع ال جيوز الشفاعة ألهل الكبائر وشـفاعته :وأنكرت املعتزلة ذلك وقالوا

Page 82: 863

٧٧ الغنية يف أصول الدين

.الدرجات ال لغفران السيئاتاعة للعصاة ليس مما حييله العقل، فـإن أن قبول الشف :والدليل على بطالن قولـهم

من عصى مالكه وخالقه ال يستقبح يف العقل أن يتشفع إليه بعض املختصني به حىت يعفوا .عنه، وإذا كان جائزا يف العقل

فالسنة املستفيضة قد وردت به موجب اإلميان به فإن محلوه على الشفاعة لرفــع شفاعيت ((: أنـه قـال سـول اهللا الدرجـات لـم يصـح ألن يف اخلـرب عـن ر

واملطـيعني . ))أنه جييء إليهم فيخرجهم من النار ((: ويف خرب آخر ))ألهل الكبائر من أميت .ال يكونوا يف النار عندهم

مسألةعندنا حقيقة اإلميان هو التصديق بالقلب والطاعات تسمى إميان على سبيل التوسعة

.]٢٣:احلشر[السالم المؤمن: تعاىلويوصف الباري تعاىل بأنه مؤمن قال مبا جاءوا به وإميان . وتوصف به العباد أيضا إال أن إميان اهللا تصديقه لنفسه ورسوله

.العباد تصديقهم ملعبودهم ولرسله وكتبه وإميان الباري تعاىل قدمي وإميان العبد خملوقباللسان وعمل باألركان وقال بعض أصحاب احلديث اإلميان معرفة بالقلب وإقرار

.ومجيع الطاعات عندهم من اإلميان . اإلميان معرفة بالقلب وإقرار باللسان:وقال بعضهم

اإلميان هو اإلقرار اجملرد باللسان فحسب حىت إن من أقر باللسان :وقالت الكرامية ستحق اخللود يف النار، ولو أضمر اإلميـان ومل يظهـره يوأضمر الكفر فهو مؤمن حقا و

.فليس مبؤمن ويدخل اجلنة وإليه ذهب بعض املعتزلة أن اإلميان هو الطاعة فحسب والغرض :وقالت اخلوارج

أن من خالفنا يف حقيقة اإلميان ال يصف الفاسق باإلميان وعندنا الفاسـق :من هذا القول .مؤمن على التحقيق

قال اهللا تعاىل يف هو التصديق، : أن اإلميان يف اللغة :والدليل على أن الفاسق مؤمن مبصـدق، والفاسـق مصـدق : أي ]١٧:يوسف[وما أنت بمؤمن لنا :قصة يوسف

. ويوصف باإلميان

Page 83: 863

الغنية يف أصول الدين٧٨

جتري على الفسقة من الدفن يف مقابر : أن األحكام املختصة باملؤمنني :والدليل عليه ، وألم املسلمني والصالة عليهم وصرف مال املصاحل، وصرف الزكوات إليهم وغري ذلك

مسـوه عـارفا باهللا تعاىل مع فسقـه فلم ال جيوز أن يسمى مؤمنا، فإن استدلوا على أن وأراد ]١٤٣:البقرة[وما كان اهللا ليضيع إميانكم :اإلميان هو الطاعات يقول اهللا تعاىل

.))اإلميان بضع وسبعون بابا(( :به الصـالة إىل بيت املقـدس وقال أنا نساعدهم على وقوع اسم اإلميان على هذه األشياء ألا تتصل بـه :وابفاجل

.ومن مجلة أحكامه ولكنه جماز إذا قلتم أن اإلميان هو التصديق يلزمكم أمران أحدمها امتنـاع زيادتـه :فإن قيل

فـزادهم إميانـا : ونقصانه إذ التصديق ال يتغري، واهللا تعاىل وصفه بالزيـادة فقـال ].١٧٣:آل عمران[

وإميان األنبياء واألولياء والصديقني مثل إميان والثاين أن يكون إميان رسول اهللا .الفاسق املنتهك ألن التصديق يف حق اجلميع واحد وذلك حمال

ال يلزمنا شيء من ذلك ألن التصديق عرض من األعراض وهو كالم الـنفس :قلناهو يف حق رسول اهللا يتواىل ويتعاقب وال يكون له واألعراض عندنا ال تبقى بقاء الزمن ف

ويف . ))تنام عيناي وال ينام قلـيب ((: حيث قال فترة لغفلة وال شك وال نوم وإليه أشار حق غريه ال يتعاقب عليه مثل ما يتعاقب يف حقه، ويقع فيه الفترة بالغفلة والنوم يف حـق

قق الزيادة بزيادة جتدد التصـديق قد ظهر بذلك التفاوت ويتح . الفسقة واجلهال بالشك .اجملدد

مسألةالتوبة يف اللغة الرجوع يقال تاب إذا رجع، فإذا أضيفت التوبة إىل اهللا تعاىل كـان

من الزالت املراد به رجوع نعمائه إىل عباده وإذا أضيفت إىل العباد كان املراد ا رجوعا . الندم على املعصيةواملعاصي إىل الندم عليه والتوبة يف اصطالح الناس

قسم منها يتمحض حقا هللا تعاىل ال يتصـل :وأما شرائط التوبة فاملعاصي قسمان .حبق اآلدمينيما يتصل حبق اآلدميني فأما ما هو حق اهللا تعاىل، فإن كان ارتكاب : م الثاين سوالق

Page 84: 863

٧٩ الغنية يف أصول الدين

الندم حمظور مثل الشرب والزنا وغريه فله شرطان أحدمها الندم على ما كان منه وحقيقة .أن يتمىن أن ما كان منه ليته مل يكن

مثل اوالشرط الثاين أن يعزم على أن ال يعود إليه يف املستقبل وإن كان يترك مأمور الصالة والصوم فله ثالث شرائط الندم على التفريط وقضاء ما تركه واخلروج منه والعزم

.على ترك العود إليه اخلروج عن حقه مثل رد املغصـوب :ائطوأما ما يتصل حبق العباد فله ثالث شر

القصد والضرب واألذيـة :وغرامة ما أتلف عليه من مال ونفس وإن مل يكن له بدل مثل فيطلب رضاه ويطيب قلبه مبا يقدر عليه والندم على ما حصل منه والعزم علـى تركـه

.والعود إليه، فإذا اجتمعت هذه الشرائط على ما ذكرناه تصح التوبة مسألة

.من عصى اهللا تعاىل وخالف أمره وبة واجبة على كل الت اآليات الواردة يف كتاب اهللا تعاىل يف األمر بالتوبة مثل قـولــه :والدليـل عليه

. وغري ذلك من اآليات]٣١:النور[وتوبوا إلى اهللا :تعاىل إمجاع األمة على وجوب ترك املعاصي والندم على مـا حصـل يف :والدليل عليه

.وجود فثبت أنه واجبال مسألة أخرى

.عقالقبول التوبة ال جتب على اهللا .جيب على اهللا تعاىل قبول التوبة: وقالت املعتزلة

أنا إذا رجعنا إىل الشاهد ورأينا الواحد منا أسـاء إىل غـريه :والدليل على فساده ل قبول توبته حىت لـو وبالغ يف عداوته مث جاء معه إليه معتذرا ال حيتم عليه من قضية العق

امتنع من ذلك ال يعد خمالفا للعقل فإذا مل يكن ذلك يف الشاهد حتما كيف أوجبوا على .اهللا تعاىل

إمجاع املسلمني على الرغبة إىل اهللا تعاىل يف قبول توبتهم واخلضوع :والدليل عليه .واخلشوع خوفا أن ال تقبل التوبة فثبت أنه غري واجب

: قلنـا ؟ حتكموا بوجوب قبوله عقال فهل تقطعون بقبوله مسعا أم ال إذا مل :فإن قيل

Page 85: 863

الغنية يف أصول الدين٨٠

أما التوبة عن الكفر فمقبولة قطعا وأما التوبة عن املعاصي فقد ورد به ظواهر القرآن مثل وهو الـذي : وقولـه تعاىل ] ٣:غافر[غافر الذنب وقابل التوب :قـولـه تعاىل

بول التقباده يعب نة ع]إال أن هـذه ظواهر وليست مما توجب القطع يف ] ١٠٤:التوبة .يقبل التوبة عن كل مذنب يف كل مذهب حق كل أحد، والظاهر أن الباري

مسألة .تصح التوبة عن بعض الذنوب عندنا مع اإلصرار على غريه

.ذلكال يصح : وقال أبو هاشم من املعتزلةـ أن مـن تعــدى علـى رجــل بغصـب :ـهوالدليـل على بطالن قول

أمـواله وهتك حمارمه وإيالمه بالضرب وحتريق الثياب مث غرم ما أتلفه ورد مـا أخـذه واعتذر عن هتك حرمته ومل يعتذر عما مزق من ثيابه يصح اعتذاره مما يعتذر فيـه، وألن

ب أن الكافر لو أسلم صح إسالمه وإن كان مصرا على زلة،وكذا إذا تاب عن ذنب وج تصح توبته مع اإلصرار على غريه وألن عنده الطاعة حسنة بالعقل واملعصـية مسـتقبحة

.بالعقلمث اتفقنا على أنه يصح منه الطاعة مع تركه لغريها فكذا وجب أن تصح منه التوبة

.مع اإلصرار على غريها مسألة

وال من تاب عن ذنب وصحت توبته مث عاد إىل الذنب فالتوبة املاضية صـحيحة .تبطل

دة من العبادات فال يقدح فيها بعد صحتها ما يظهر ا ألن التوبة عب :وإمنا قلنا ذلك بعدها كسائر العبادات وعليه جتديد التوبة ملا أحدثه من الذنب وتكون هذه التوبة عبـادة

.أخرى مسألة

شرائط اإلمامة أن يكون من ينصب إماما رجال مسلما حرا عاقال بالغـا جمتهـدا حبيث ال حيتاج أن يستفيت فيما يقع من احلوادث، وأن يكون مهتديا إىل األمور، يضـبط

بتجهيز اجليوش وسد الثغور وإقامة ذا رأي قوي حصيف ،أمور املسلمني ويقوم مبصاحلهم

Page 86: 863

٨١ الغنية يف أصول الدين

احلدود واستيفاء احلقوق وأن يكون ورعا موثوقا بدينه، ألن من ال يكون ورعا ال يقبـل .حكومة فكيف يف أمور املسلمنياهللا قـولـه يف

رواه أبـو ))األئمة من قريش (( ويشتـرط أن يكـون قرشيا لقول رسول اهللا . يوم السقيفة وانقاد الصحابة له وما خالفوهبكر الصديق

مسألةنصب إمامني يف عصر واحد ال جيوز، ألن الغرض من نصب األئمة صالح أمـور

كـون الفتنة الثائرة، وإذا نصب إمامان يف عصر واحـد املسلمني وانتظـام أسبام وس فاتت املصلحة وكان يف ذلك ظهور فتنة بني املسلمني ووقوع احلرب والعداوة بينهم فمنع

.منه، واخترنا الواحد لكون األمور كلها صادرة عن رأيه فال تعضل األمورر كان فيها أنبياء أليس جيوز نبيان يف عصر واحد وأنبياء وقد اتفقت أعصا :فإن قيل

.كثريون فلم ال جيوز إمامان وأئمةفاجلواب أن األنبياء معصومون عن اخلطأ ومن جوز عليهم السهو مل جيز التقريـر عليه بل ينهون يف الوقت فيؤمن من وقوع الفتنة، واألئمة غري معصومني وال نـأمن مـن

.وقوع الفتنة مسألة .اخلليفة بعد رسول اهللا غري منصوص عليه

ولكن القـوم نص على علي وذهبت اإلمامية والروافض إىل أن رسول اهللا .ظلموا وغصبوا حقه

والدليل على بطـالن قولـهم أن حديث اإلمامة جرى يف عهد أمري املؤمنني علي يف أوقات، فمنها يوم السقيفة حيث عقدوا اخلالفة أليب بكر الصديق ومنهــا ،

رضي اهللا عنهما ومنها حني جعل عمر األمر شورى من ستة، استخـالف أيب بكر لعمر ومعاويـة ومل يـدع يف ووقع القتال واحلكمان بني علي ومنها حني قتل عثمان

وقت من هذه األوقات أنه منصوص عليه من جهة رسول اهللا،فلو كـان يعـرف نصـا .قيفة ملا عرف نصا يف ختصيص قريش أظهره يوم السألظهره كما أن الصديق

والدليل على فساد قولـهم أن هذا النص الذي ادعوه ال خيلو إما يكونوا عرفـوه

Page 87: 863

الغنية يف أصول الدين٨٢

.عقال أو خربا بطل أن يكون طريقه العقل ألنه ليس يف العقل ما يدل على تنصيص رسول اهللا

.على إنسان بعينه . عرفناه خربا فال خيلو إما أن يكون ادعوا خربا تواترا أو آحادا:وإن قالوا

فإن ادعوه تواترا فهو حمال ألم ال ينفصلون ممن يعكس ذلك عليهم يف أيب بكر، . ويدعي تواتر خيتص به إنه منصوص عليه من جهة رسول اهللا :ويقول

عرفنــاه خبــرب اآلحــاد فاخلالفــة ال تثبــت خبــرب الواحــد ألن :وإن قــالواالعمل به أيضا فكيف أثبتوا عندنا خرب الواحد ال يوجب العلم، وعند الروافض ال يوجب

.به اخلالفة فهل تعلمون أنتم أن عليا كرم اهللا وجهه غري منصوص عليه من جهـة :فإن قالوا

.رسول اهللا بلى نعلم ذلك ألن النص ال خيلو إما أن يكون جليا على رؤوس اخلالئق، أو :قلنا

.كان خفيا اختص به مجاعة خمصوص من بني الصحابة يكون نصا جليا ظاهرا إذ لو كان كذلك ملا خفي إىل يومنا هـذا، وال جيـوز أن

كما مل خيف جتهيز جيش أسامة وتولية معاذ اليمن، و كما مل خيف نصب أيب بكر إمامـا . وحديث الشورى يف زمن عثمان -رضي اهللا عنهما-واستخالفه لعمر

ون القرآن قد عـورض وألنا لو جوزنا انكتام مثل هذا األمر الظاهر مل نأمن أن يك .على عهد رسول اهللا مث كتم، وكل أصل يف اإلمامة يوجب بطالن النبوة كان حماال

وإن ادعوه نصا خفيا علمنا بطالنه بإمجاعهم على خالفه، إذ لو كان صحيحا ملـا .خالفوه كما مل خيالفوا أبا بكر يف روايته أن األئمة من قريش

فاملراد ))من كنت مواله فعلي مواله ((: قال هللا فإن استدلوا مبا روي أن رسول ا .باملوىل الناصر فمعناه من كنت ناصره فعلي ناصره

يدل عليه أنه أطلق ذلك يف حياته ومل يقل بعد مويت فعلي مـواله ومعلـوم أن يف . مل يكن األمر إىل علي حياة رسول اهللا أنت مين مبنـزلة هارون مـن ((: أنه قال لعلي روي عن رسول اهللا : فإن قالوا

، فإمنا ورد ذلك على سبب وهو أن رسول اهللا استخلفه على املدينة عند خروجه ))موسى

Page 88: 863

٨٣ الغنية يف أصول الدين

إىل غزاة تبوك فشق عليه ختلفه عنه فقال له ذلك تطيبا لقلبه، فإن موسى استخلف هارون .حني خرج إىل امليقات يدل أن هارون ما ويل األمر بعد موسى بل مات يف زمانه

مسألة .اخلليفة احلق بعد رسول اهللا أبو بكر الصديق

اتفـاق الصحابة وإمجاعهم على طاعته وانقيادهم ألوامره ونواهيـه :والدليل عليه وتركهم لإلنكار عليه فيما كان يفعل ولو مل يكن خليفة حقا ملا تركوا اإلنكار عليه وما

. تأخذهم يف اهللا لومة الئمأطاعوه مع زهدهم وورعهم وديانتهم واتصافهم بأم ال . أن عليا ما قاتله:والدليل عليه

وال خيلو إما أن يكـون تركه لقتـاله خلوف الفتنة والشر أو لعجز، أو لعلمه أن .احلق معه

بطل أن يكون التقاء الفتنة وخوف الشر ألنه قاتل يف زمن معاوية وقتل يف احلرب هللا عنهما وقاتل عائشة رضي اهللا عنها حني علم اخللق الكثري وقاتل طلحة والزبري رضي ا .أن احلق له، ومل يترك ذلك لسبب الفتنة

كان عاجزا فهو فاسد ألن الذي نصره يف زمن معاوية كانوا على اإلميان :وإن قالوايوم السقيفة ويوم استخالف عمر ويوم الشورى فلو علموا أن احلق له لنصروه فثبت أنه

.رك القتال لعلمه أن احلق مع أيب بكر إمنا انقاد ألمره وت اخلالفة ؟ فلماذا مل يبايعه علي :فإن قالوا

ليس كذلك بل بايعه على رؤوس اخلالئق يف املسجد إال أنه مل حيضـر يـوم : قلنا وغسله ودفنه مع العباس رضي اهللا عنـهما السقيفة ألنه كان يتوىل جتهيز رسول اهللا

ىل السقيفة، وبعد ذلك كان قد الزم بيته أياما، وما كـان وكان ال يتفرغ إىل اخلروج إ .خيرج لشدة حزنه على رسول اهللا

مسألةعقد اإلمامة ال يشترط فيه إمجاع مجيع أهل احلل والعقد يف ذلك العصر، ولكن إذا

.حضره من تيسر حضوره من أهل احلل والعقد كفى ذلكلك حىت ال ينصب إمام آخـر إال أنه يشترط إظهاره وحضور مجاعة يشاهدون ذ

.فيقع التنازع بينهما

Page 89: 863

الغنية يف أصول الدين٨٤

أن اخلالفة ملا عقدت أليب بكر يوم السقيفة اشتغل بإمضاء األحكام :والدليل عليه وترتيب األمور ومل يتوقف قدرا يبلغ اخلرب إىل الغائبني ومل ينكر عليه أحد فدل علـى أن

.إمجاع اجلميع ليس شرط مسألة

وخريهم أبو بكر وليس هذا مما يدل عليه العقل ألن أفضل الصحابة بعد رسول اهللا .العقل ال يـدل على تفضيـل بعض األشخاص ولكن طريق إثباته اإلمجاع

. اتفقوا على أنه خريهم وأفضلهمفإن الصحابة وخري الناس بعد نبينـا ((: ما روي عن علي كرم اهللا وجهه أنه قال :والدليل عليه

. ))أبو بكر وعمر اختار إلمامة الصالة يف مرضه أبا بكر، ولـو أن رسـول اهللا :ل عليـه والدلي

.كان غريه خريا منه ملا قدمه يف الصالة مع وجود من هو خري منهأقيلـوين ((: قـد روي عن أيب بكر الصديق أنه قال ملا ويل اخلالفـة : فإن قيـل

.أقيلوين أقيلوين لست خبريكمال يف فضله بل يوجب ذلك تقدميه ألنه ال يـرى هذا ليس يوجب قدحا فيه و :قلنا

.لنفسه الفضل مع كونه أفضل مـع ))ال تفضلوين على يونس ابن مىت ((: أنه قال وهـذا كما روي عن النيب

.كونه أفضل منههذا كتاب كتبـه : وكما روي أن عليا يوم احلكمني كتب كتاب عهد وذكر فيه

ال نرضى بذلك فمحاه مع كونـه أمـري :لوا له فقا أمري املؤمنني علي بن أيب طالب .املؤمنني يف ذلك الوقت

مسألة اخلالفة بعد أيب بكر لعمر رضي اهللا عنهما وطريق ثبوته استخالف أيب بكر إياه

.مث اخلالفة بعده لعثمان وطريق إثباته الشورى واالختياروسعد بـن أيب فإن عمر ملا خرج جعل األمر يف ستة عثمان وعلي وطلحة والزبري

فتـرك وهم بقية العشرة الذين شهد هلم رسول اهللا وقاص وعبد الرمحن بن عوف

Page 90: 863

٨٥ الغنية يف أصول الدين

طلحة والزبري وسعد حقوقهم لعثمان وعلي وعبد الرمحن مث إن عبد الرمحن بن عوف ترك حقه بشرط أن يكون هو حكمـا بني عثمـان وعلي فتراضيا فاختار عثمـان بإشـارة

.الصحابة .ة بعده لعلي بإمجاع القوم عليه وعقدهم اخلالفة لهمث إن اخلالف

مسألة ألن موجبات القتل معلومة يف الشرع وما كان ؛ قتل ظلما أمري املؤمنني عثمان .قد ارتكب شيئا من ذلك

. أن العوام باشروا قتله ومن كان مستوجبا للقتل ال جيعل قتله للعوام:والدليل عليه مسألة

كانوا بغاة وكانوا جمتهدين خمطئني اجتهدوا يف حديث قتـل الذين قاتلوا عليا ليس يقتلهم لرضاه بقتل عثمان وأنه قادر على قتلهم وكانوا عثمان فوقع هلم أن عليا

.على اخلطأوعائشة رضي اهللا عنها ما كانت قاصدة إىل القتال وإمنا خرجت لتسكني الفتنة وملا

قصدت االنصراف يف مجاعة وحلفـوا أن اهللا نبح عليها كالب قرية مساها رسـول .هذه القرية ليست تلك القرية حىت مل ترجع عن الطريق

.وكذا طلحة والزبري كانا خمطئني مث إما تابا عن ذلك وقتال بعد التوبة حبكم الشورى فسـار علـى السـرية كانت اخلالفة لعلي مث بعد عثمان

نهم فإن اهللا تعاىل ضمن نـزع الغل عن قلوم يوم املرضية، ونكف ألسنتنا عما شجر بي ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلني : القيامة حيث قال تعاىل

.]١٠:احلشر[وقد كثرت املطاعن من املبتدعني يف أئمة الصحابة الواجب على كل أحد أن يعتقد

: ضلهم وقـد نطـق القـرآن بعدالتـهم وفضـلهم حيـث قـال أم خري الناس وأف اهللا ضـيـان رسم بإحوهعبات الذينار وصاألنو اجرينهالم لون منابقون األوالسو

هنوا عضرو مهنع]وغري ذلك من اآليات وشهد رسول اهللا ]١٠٠:التوبة بفضـلهم .خري الناس قرين مث الذين يلوم: قالوعدالتهم حيث

Page 91: 863

الغنية يف أصول الدين٨٦

ال تسبوا أصحايب فوالذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ((: وقال والواجب أن نترحم عليهم ونعتقد فضيلتهم وال خنوض يف ))ما بلغ مد أحدهم وال نصيفه

: إىل ذلك حيث قال تتبع مساوئهم بل نتبع حماسنهم بالذكر واالقتداء ألن اهللا تعاىل ندبنا انسم بإحوهعبات الذينو]١٠٠:التوبة[.

ونسكت عما جرى يف زمام ونفوض ذلك إىل اهللا تعاىل ملا روي عن الزهري رمحه .اهللا أنه قال ملا سئل عن ذلك قال تلك دماء طهر اهللا عنها أيدينا فال نلوث ا ألسنتنا

نا اغفر لنا وإلخواننا الذين سـبقونا باإلميـان وال رب: ونقول ما قال اهللا تعاىل .]١٠:احلشر[تجعل في قلوبنا غال للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم

مسألةاألمر باملعروف والنهي عن املنكر واجب ألن خطـاب الشـرع قد ورد ما يف

كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بـالمعروف وتنهـون عـن : اىلقـولـه تع نكرـالم] وقـال سبحـانه وتعــاىل ]١١٠:آل عمران : ـرأمو فـوـذ العخ

يف قصة طويلـة وقـال ))لتأخذن على يد الظامل (( : وقال ]١٩٩:األعراف[بالعرف . ))انصر أخاك ظاملا أو مظلوما((: أيضا

إمجاع األمة على األمر باملعروف والنهي عن املنكر يف العصر األول :والدليل عليه إىل زماننا هذا حىت أنكروا على الوالة واخللفاء من غري نكري عليهم وإذا ثبت أنه واجـب

خيـتص ذلـك فهو من فروض الكفايات وإذا قام به واحد سقط الفرض عن الباقني وال باألئمة بل آلحاد الرعية القيام به بالقول والفعل ما مل يؤول األمر فيه إىل نصـب قتـال

.فيترك بسبب الفتنة وإمنا جيوز ذلك فيما هو مقطوع بتحرميه يدركه اخلاص والعام فأما من كان جمتهدا فيه فاألمر فيه إىل األئمة واهللا تعاىل املوفق للصـواب وإليـه

.ب وهو حسيب ونعم الوكيلاملرجع واملآمتت الغنية يف أصول الدين تصنيف اإلمام مجال الدين أيب سعيد عبد الـرمحن

حممـد وآلـه بن املأمون املتويل قدس اهللا روحه ونور ضرحيه آمني وصلى اهللا على ا .واحلمد هللا رب العاملني وحسبنا اهللا ونعم الوكيل